كان الغموض هو العنوان الرئيسي لما جرى في مباحثات القاهرة، خاصة مع تردد أنباء عن حضور «طرف ثالث» في ظل تكتم مصري شديد.

فبدون سابق إنذار، غادر وفد قيادي رفيع المستوى من حركة المقاومة الإسلامية «حماس» برئاسة قائد الحركة في غزة يحيى السنوار، في جولة تعد هي الأولى منذ توليه منصبه، في 13 فبراير/شباط الماضي، خلفًا لإسماعيل هنية، متوجهًا إلى القاهرة؛ لعقد مباحثات مع مسئولين في القيادة المصرية تتناول عدة مواضيع منها العلاقات الثنائية.

وعقد الوفد لقاءات مع قيادات جهاز المخابرات العامة المصرية، وهي الجهة التي تشرف على إدارة الملف الفلسطيني والعلاقات مع الفصائل، لبحث عدة ملفات مهمة، في مقدمتها تخفيف حصار غزة، وإمكانية فتح معبر رفح البري المغلق منذ نحو ثلاثة أشهر، بحسب ما ذكره «حازم قاسم» المتحدث باسم حركة حماس.

ورغم ما اعترى الزيارة من علامات الاستفهام، فإنها تحمل دلالات مهمة خاصة وسط تأزّم الوضع الإقليمي، وضغوط السلطة الفلسطينية التي تشتد يومًا بعد يوم، كما تمر الحركة بضغوط سياسية واقتصادية هي الأصعب منذ فوزها بالانتخابات التشريعية قبل نحو عشر سنوات، وهو ما يطرح سؤالًا حول ما حمله السنوار في جعبته خلال زيارته الأولى لمصر.


اللقاء الغامض: ما وراء اجتماعات القاهرة

وأخيراً جاء اللقاء بدحلان مع بعض رجالاته المقربين في القاهرة، وتحقق كل ما كنا نقوله منذ زمن طويل؛ أن السياسة هي حالة متقلبة تحكمها المصالح وقد تتبدل من حين لآخر.
أحمد يوسف، القيادي في حماس، على صفحته على موقع «فيسبوك».

تضاربت الأنباء حول وجود اتفاق أُبرم في القاهرة، بين وفد حماس، ومحمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح؛ بهدف مناقشة الأوضاع في غزة، بحسب تأكيدات سامي المشهرواي نائب «دحلان»، بالإضافة إلى مصادر من حركة حماس.

وكان فايز أبو شمالة أحد المقربين من دحلان كشف عن بلورة «مذكرة تفاهم ثلاثية» سيتم توقيعها قريبًا بين مصر وحماس ومحمد دحلان، بهدف «ترتيب الأمور بقطاع غزة»، مشيرًا إلى أنها تقضي بعدم تفكيك لجنة إدارة شئون القطاع التي شكلتها حماس، مع الإبقاء على ملف الأمن ووزارة الداخلية بالكامل مع حركة حماس، وسيتولى دحلان السياسة الخارجية والدبلوماسية، ويحشد التمويل والدعم الدبلوماسي والسياسي للحالة الجديدة في قطاع غزة.

يرى مراقبون أن زيارة السنوار للقاهرة تهدف بالأساس إلى محاولة القفز من السفينة القطرية التي أوشكت على الغرق.

وعلى المستوى الرسمي، نفت حركة حماس توقيع تفاهمات في القاهرة بمشاركة «طرف ثالث» في المباحثات، وبدوره لم يعلق دحلان على ما تردد لكنه استعاض بنشر بيان على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تحدث فيه عن مستقبل يحمل بشرى جيدة للقطاع والضفة والقدس.

وفيما إذا أُكِدت تلك التصريحات بأن اجتماعًا في القاهرة عُقِد بين حماس والمخابرات المصرية بقيادة رئيس الجهاز اللواء خالد فوزي، وبحضور دحلان، فإنه سيكون المرة الأولى الذي يشارك الأخير في لقاءات رسمية للمخابرات المصرية مع وفد حماس، الأمر الذي يمثل اعترافًا من قبل الجانبين بمكانة دحلان وقوته السياسية بقطاع غزة، رغم طرده على يد محمود عباس من عضوية فتح.

وحسبما صرحت قيادات من حركة فتح، فإن حدوث نوع من الاتفاق بين حماس ودحلان من شأنه تعميق الانقسام بين غزة والضفة. ومن ناحية حماس، فإن اليد الممدودة من النائب دحلان تمثل فرصة لتوسع علاقاتها في المنطقة، كما سيُمكّنها هذا التقارب من التمدد في مساحة هامش المناورة مع فتح، خاصة عقب الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها القيادة الفلسطينية لتضييق الخناق عليها في غزة.


بعد حصار قطر: أسرار التوقيت الحساس لزيارة مصر

في ظل إعصار سياسي يحيق بالمنطقة، تأتي زيارة وفد حماس التي استمرت 9 أيام، وسط تدهور الأوضاع في قطاع غزة بشكل كبير، خاصة بعد قرارات السلطة الفلسطينية الأخيرة التي عمدت إلى وقف دفع ثمن الكهرباء لغزة، واقتطعت 30% من رواتب الموظفين، مُنذرةً بتفاقم الأزمة في القطاع.

ويأمل سكان قطاع غزة أن تكون مباحثات القاهرة قد خرجت بنتائج إيجابية بحيث يُقدم الجانب المصري تسهيلات تجارية وإنسانية، من خلال فتح قريب لمعبر «رفح» المغلق منذ صيف 2013، بخلاف الفترات التي كان يفتح فيها مرة أو مرتين شهريًا بشكل استثنائي، ويُعتبر هذا الممر البري الرئة الوحيدة للغزاويين جراء الحصار المفروض عليهم منذ 11 عامًا.

واتسمت المشاورات في القاهرة بالطابع السياسي، عبر استعراض حماس رؤيتها المستقبلية بعد انتخاب قيادتها الجديدة، كما كان الشق الأمني حاضرًا بقوة في اجتماع الجانبين، بالنظر إلى أن «السنوار» هو أحد القيادات البارزة في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس؛ وهو ما منح الزيارة بعدًا أمنيًا، لا سيما أن الوفد ضم 14 عضوًا من قيادات حماس غالبيتهم من العناصر الأمنية، بينهم اللواء «توفيق أبو نعيم» وكيل وزارة الداخلية في حكومة غزة.

وعلى المستوى الإقليمي، يحمل توقيت زيارة وفد حماس دلالة مهمة كونها جاءت في ظل قرع طبول الأزمة الخليجية مع قطر، مع تواتر أنباء – حينئذ – عن احتمالية طرد عناصر الحركة بالدوحة، مما يشر إلى أن حركة المقاومة الإسلامية من المحتمل أن تعاني عزلة على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن للسنوار الخروج منها عبر تقديم خطوة مسبقة، لإظهار حُسن النية إلى القيادة المصرية.

وفي ذات الصدد، يري مراقبون أن الزيارة هدفها الأساسي محاولة الحركة القفز من السفينة القطرية التي أوشكت على الغرق، بعد اشتداد العواصف السياسية من جانب التحالف الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) باتجاه الدوحة، فيما يُتوقع أن تكون الزيارة للتفاهم مع القاهرة وإعادة ترتيب الأوراق بناء على تلك المستجدات.

ودوليًا، تعاني حركة حماس من موقف سياسي متأزم، إثر تصنيفها كحركة «إرهابية» من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليزداد مستوى انسداد الأفق السياسي، مما يحتم على الحركة إعادة النظر في علاقاتها بعد التطورات الحالية، والعمل على إزالة العقبات السياسية التي تعتري طريق رئيسها الجديد إسماعيل هنية.


القاهرة تراهن على السنوار

أول رد فعل عقب عودة وفد حركة حماس إلى قطاع غزة، كان تشديد الإجراءات الأمنية على طول الحدود الفاصلة عن مصر.

تُعد مصر الوسيط الرئيس بين حركتيّ فتح وحماس، بخصوص ملف المصالحة، حيث جرى التوصل في عام 2011 إلى «اتفاق القاهرة» الذي وضع أسس حل الخلافات، غير أن هذا الاتفاق لم يُنفّذ، وتشهد العلاقات بين الجانبين نوعًا من التوتر في أعقاب الاتهامات المتكررة للمسئولين المصريين للحركة بالتساهل في عملية ضبط الحدود والسماح لـ«الإرهابيين» بالتسلل إلى سيناء لتنفيذ عمليات ضد الجيش المصري.

وفي أول رد فعل عقب عودة وفد حركة حماس إلى قطاع غزة بعد زيارة استمرت 9 أيام للقاهرة، شرعت حماس بعدها بتشديد الإجراءات الأمنية على طول الحدود الفاصلة عن مصر، بناء على التفاهمات التي حصلت في القاهرة، حيث زار اللواء توفيق أبو نعيم، وكيل وزارة الداخلية والأمن الوطني الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، واطلع على الجهود والإجراءات الأمنية المبذولة في المنطقة الحدودية.

تجدر الإشارة، إلى أن الوفود السياسية والأمنية الممثلة لحركة حماس لم تنقطع عن زيارة القاهرة، حيث زارت عدة وفود من الحركة قبل عدة أشهر، وبحثت العديد من المواضيع المختلفة مع المسئولين المصريين، كما زار إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، مطلع العام، مصر خلال عودته من جولة خارجية، والتقى بمدير المخابرات المصرية خالد فوزي، وقال «هنية» عقب الزيارة إن العلاقة مع مصر ستشهد نقلات نوعية وإيجابية.

وترى القاهرة في حركة حماس لاعبًا مهمًا في القضية الفلسطينية، لذلك ستحاول توضيح دورها المستقبلي في إدارة الملفات العالقة، كملف الجنود الإسرائيليين الأسرى، الذين تحتجزهم حركة حماس منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014.

وبالنظر إلى تمثيل الوفد الرفيع من جانب الحركة، وبعد شهرين فقط من انتخابه، والإعلان عن «وثيقة المبادئ والسياسات العامة» التي أعلنت خلالها فك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين. فإن مصر تراهن على رأس القيادة، لتنفيذ أي اتفاقات قد تحدث بين الطرفين.