أنا سعيد للغاية بانضمامي لأرسنال، النادي الذي يملك مدربًا عظيمًا، وكتيبة رائعة من اللاعبين، وجمهورًا ضخمًا حول العالم، وبالتأكيد ملعبًا جميلاً في لندن.

بذلك التصريح، بدأ «أليكسيس سانشيز» حقبته مع الأرسنال في منتصف عام 2014، ليشغل اللاعب التشيلي موقعًا مرموقًا في تشكيل المدفعجية عبر ثلاثة مواسم قادمة أثبت فيها جدارة كبيرة واكتسب ثقة جماهيرية مستحقة وظهر في أغلب الأحيان كرجل الجانرز الأول. ولكن بمرور الوقت بدا أن الروابط التي تجمع «سانشيز» بالفريق اللندني تذوب، بدا أن التشيلي يبحث عن وجهة قادمة يرحل إليها خصوصًا مع تنازل «فينجر» عن موقعه المفضل بجدول البريمرليج وخسارة بطاقة التأهل لدوري الأبطال الموسم الماضي والتراجع الهائل بالنتائج هذا الموسم.

ظهر «ألكسيس»ضاحكًا على دكة فريقه، ساخرًا من نتائج واختيارات المدرب الذي وصفه عند قدومه بالعظمة، ومن أداء الكتيبة التي ما عادت بالطبع رائعة، عندها تأكد للجميع أن ما يجمع التشيلي بالأرسنال بات أقل بكثير مما لا يجمعه، وأن «سانشيز» سيتحول في أقرب سوق انتقالات لبطل في حلقة جديدة من المسلسل الممل الذي يخرجه «فينجر» وسبق أن ظهر فيه كل من «فابريجاس، فان بيرسي، أديبايور» مغادرين الفريق اللندني أمام أعيُن جماهيره.

تأكد رحيل «سانشيز» هذا الشتاء باتجاه مسرح الأحلام، فضّل الأخير ارتداء قميص الشياطين الحمر على اهتمامات أخرى من أندية مان سيتي وتشيلسي، ليتمكن من المشاركة في غضون أيام تحت قيادة «مورينيو» الذي تنازل في المقابل عن «ميختاريان»، ويصبح بذلك التشيلي هو قنبلة الانتدابات هذا الشتاء لما يمثله من قيمة فنية كبيرة تضاف لرفاق «بوجبا».

منذ ربطت أخبار «ألكسيس» بمانشستر يونايتد وظهرت على السطح تساؤلات عدة عن سبب إصرار «مورينهو» على ضمه مهما كلّف ذلك خزينة النادي، وكيف يمكن أن يتم توظيف «سانشيز» في تشكيل البرتغالي، وهل هو فعلًا اللاعب القادر على صناعة الفارق وقيادة اليونايتد نحو تقدم أوروبي هذا العام بعد أن تقلصت حظوظ الجميع في مقارعة «جوارديولا» على التتويج المحلي.


في عقل مورينيو

تعلمت من تشافي كيف أتحرك، ومن ميسي كيف أفكر، ومين بيدرو كيف أسدد.
تصريحات سانشيز إبان فترته مع برشلونة.

«أليكسيس» لاعب قوي، هدّاف، قادر على قيادة الهجمات، واللعب في أكثر من مركز حسب احتياجات فريقه أثناء سير المباراة، هو من نوعية المهاجمين أصحاب المميزات المتنوعة والشخصية الكبيرة التي تفرض نفسها على الخصم، بالإضافة لقدرته على منح فريقه خيارات فنية متعددة في توظيفه بين مركز المهاجم والجناح؛ هذه الميزة الأخيرة بالتحديد هي ما اختاره «مورينيو» للإجابة عن سؤال: لماذا تعاقدت مع «سانشيز»؟

لعب «سانشيز» مع أرسنال كطرف أيسر عكسي، يتسلم الكرة على امتداد الطرف ثم يبدأ بالتوغل لعمق الملعب قبل أن يطلق تسديداته من على خط منطقة جزاء الخصم أو يوزع الفرص لزملائه المتمركزين داخل المنطقة، يحب التشيلي الاحتفاظ بالكرة والانتقال بها من مركز إلى آخر مستفيدًا بقدرته على التحكم وبقوته البدنية وديناميكيته التي لا تتوقف. كما يتحول لمهاجم ثانٍ عند إرسال العرضيات من الجانب الأيمن ليتسلل «أليكسيس» حينها خلف خطوط الدفاع أو ما يعرف بالمنطقة العمياء مهددًا بتمركزه مرمى الخصم.

«مورينيو»، في تلك الفترة، يبحث عن الجودة؛ فالمدرب البرتغالي كما قال لا يحب أن تنحصر خياراته في أربعة لاعبين فقط بالثلث الهجومي، ولكنه يبحث عن لاعب أو ربما اثنين من أصحاب الإمكانيات الكبرى القادرين على مضاعفة قوة فريقه الهجومية، لذلك فإن اليونايتد كان مهتمًا بالحصول على «جريزمان» أو «ديبالا» قبل أن يسهل «أليكسيس» المهمة على إدارة النادي بإعلان رغبته بالرحيل هذا الشهر؛ صيدًا ثمينًا لم يكن لـ«مورينهو» ان يخطئه خصوصًا بوضعية الفريق الحالية.

يقول «جوزيه» إن «سانشيز» سيصنع حالة من التنافس الداخلي بين لاعبي الثُلث الهجومي سيستفيد منها اليونايتد، لكن الحقيقة أن التشيلي سيكون له نصيب الأسد من المشاركات على حساب آخرين، فـ«أليكسيس» انتقل لأولد ترافورد ليتمكن من المشاركة في مستوى أعلى من التنافس ويظهر بجولات التشامبيونزليج القادمة، و«مورينهو» في المقابل لم يضحِِِّ بـ«ميختاريان» دون استفادة منه في سبيل رفع درجة التنافس فقط بين لاعبيه، لذا فإن السؤال الأصوب ليس هل سيلعب «سانشيز» قريبًا أم لا، ولكن من سيخرج من تشكيل «مورينهو» لحساب الوافد الجديد؟

بالتأكيد لن يكون «لوكاكو»، هو على الأرجح سيحل مكان أحد الثلاثي «مارسيال، لينجارد، راشفورد». وبالنظر لحالة التألق التي يعيشها الشاب الفرنسي هذه الأيام على الرواق الأيسر والتي تتمثل بتسجيله لـ9 أهداف وصناعة 25 فرصة للتهديف فقط في 22 مباراة، فإننا نستبعد أن يخرج «مارسيال» من تشكيل مانشستر بعد أن بات حلًا هجوميًا يحسم المواجهات المعقدة بفضل لمسته المبتكرة التي يقابلها «مورينيو» بتصريحات الإشادة، لذا فإن الاحتمالية الأكبر لمشاركة «سانشيز» ستكون بدلًا من الثنائي المتبقي الآخر.


أين سيلعب سانشيز؟

لا شك أن «جيسي لينجارد» يعيش أفضل فتراته على الإطلاق هذا الموسم، فالشاب الإنجليزي نجح بإثبات جدارته على حجز مكان بالتشكيل الأساسي للشياطين الحمر، ينتشر «لينجارد» خلف «لوكاكو» بعرض الملعب لتقديم المساندة الهجومية للأطراف، ويجيد الزيادة والتمركز في المساحات الخطيرة منتظرًا الكرة ليسدد من لمسة واحدة في شباك الخصم.

أما في الحالة الدفاعية فإن «لينجارد» يقدم مردودًا طيبًا فائزًا بـ60% تقريبًا من التحاماته كما يعود لوسط الملعب كلاعب ثالث لغلق المساحة على الخصم أثناء تحضير الهجمة منفذًا تعليمات «مورينهو» بحذافيرها. على الجانب الآخر فإن «راشفورد» هو الحلقة الأضعف في هذا الخط الهجومي، فبعد أن تحوّل مركزه من المهاجم للطرف الأيمن بدا صاحب العشرين عامًا مشتتًا أثناء اتخاد القرارات وغير قادر على التأقلم بشكل فعال في مكانه الجديد؛ لكل ذلك فإن الاحتمال الغالب أن يحل «سانشيز» مكان «راشفورد»!

المعضلة الحقيقية هي أن التشيلي يفضل اللعب كطرف أيسر عكسي أو تحت المهاجم وهي المراكز التي يشغلها «مارسيال ولينجارد» المتألقين حاليًا، أرقام «سانشيز» خلال الموسم الماضي الذي تمكن خلاله من تسجيل 24 هدفًا، بالإضافة لأماكن صناعة الفرص تكفي للدلالة على أن خطورة «سانشيز» الحقيقية لا تكون أبدًا باللعب على الرواق الأيمن الذي لن يمنحه حرية التغول والحركة بالعمق والتسديد بقدمه اليمنى كما هو الحال بالجانب الأيسر أو بالمركز رقم 10.

خرائط موقع «سكوكا» الإحصائي تقول إن «أليكسيس» لم يسجل سوى هدفين من أصل 24 من الجانب الأيمن، كما جاءت الغالبية العظمى من الفرص التي صنعها من العمق ثم الرواق الأيسر مع وجود نسبة ضئيلة للغاية من الجانب الآخر.

أليكسيس سانشيز، مانشستر يونايتد، أرسنال، الدوري الإنجليزي
سانشيز صنع أغلب الفرص من عمق الملعب والجانب الأيسر، المصدر: www.squawka.com

هذا السؤال عن المركز الذي سيشغله التشيلي بتشكيل «مورينيو» يضعنا أمام احتمالين رئيسيين؛ الأول هو مشاركة «سانشيز» مكان «لينجارد» بعمق الملعب مع تحوّل «جيسي» للطرف الأيمن على حساب «راشفورد»، والثاني هو التضحية بـ«لينجارد» خارج التشكيل مع دخول «ماتا» مكان «راشفورد»، مع بقاء احتمال أخير ضعيف وهو تحوّل «مارسيال» على الجانب الأيمن تاركًا مركزًا لـ«أليكسيس» وبقاء «لينجارد» بمركزه الحالي.


شنايدر يرسل تحياته

قبل عامين،نشب خلاف حاد بين «مورينيو» خلال فترة تدريبه الثانية لتشيلسي وبين «إيدين هازارد» حول مركز الأخير في تشكيل البلوز، أحب البلجيكي أن يتحوّل من الطرف الأيسر نحو عمق الملعب ليلعب في مركز صانع الألعاب رقم 10، لكن البرتغالي كان يرفض بشكل قاطع ويرى أن الاستفادة بشكل أكبر من «هازارد» لا تكون بعمق الملعب، وعند سؤاله خلال إحدي المؤتمرات الصحفية عن السبب جاءت إجابة «جوزيه» صادمة بعض الشيء، فقال إن نظرته لهذا المركز تختلف كثيرًا عن نظرة «هازارد»، فهذا المركز يتطلب حزمة متنوعة من المهام لا يجيدها «إيدين» الذي كان قد فاز قبل عدة أشهر من ذلك المؤتمر بلقب أفضل لاعبي بالبريمرليج!

يرى «مورينهو» أن أفضل من قام بتدريبه في هذا المركز كان «ويزلي شنايدر» في إنتر ميلان، فخلال أسلوب لعب 4/2/3/1 كان يطلب من اللاعب الهولندي القيام بأكثر من شيء طوال عمر المباراة لتحقيق التوازن في الحالتين الهجومية والدفاعية، كان «شنايدر» يجيد ربط خط الوسط بالثلث الأمامي، وينطلق قرب وداخل منطقة الجزاء ليطلق تسديداته المتقنة، ويتولى قيادة الهجمات المرتدة الخاطفة، لكن في الوقت نفسه كان يتحول في الحالة الدفاعية للاعب وسط ثالث يقدم المساندة للثنائي «تياجو موتا وكمبياسو» بالرغم أن الثنائي الأخير كان يعيش حالة تألق وصلابة دفاعية كبيرة، «شنايدر» كان يضغط على حامل الكرة في وسط الملعب ويعود أحيانًا لتضييق المساحة على الأطراف الهجومية وهو ما تطلب منه مجهودًا بدنيًا ضخمًا وحالة ذهنية مرتفعة للغاية.

المشكلة أن «شنايدر» في إنتر ميلان عام 2010 مختلف عن «سانشيز» في مانشستر يونايتد عام 2018؛ الأول حينها كان يعيش حالة من التحدي وإثبات أن ريال مدريد قد خسر بالتخلي عن موهبة مثله، كان صغيرًا ومطيعًا لأي تعليمات فنية خصوصًا بالحالة الدفاعية، أما «سانشيز» فإنه انتقل لمانشستر كنجم من الطراز الأول، خاض تجربتين في برشلونة وأرسنال وهي مدارس تقف على النقيض من الرؤية الفنية لـ«جوزيه مورينيو»، وبالتالي فإن توظيفه في هذا المركز بالشكل الذي يريده البرتغالي سيتطلب بعض الوقت، أو ربما إجراء تعديل على أسلوب لعب الفريق ككل!


إلى متى سيستمر التحفظ؟

أليكسيس سانشيز، مانشستر يونايتد، أرسنال، الدوري الإنجليزي.
أليكسيس سانشيز، مانشستر يونايتد، أرسنال، الدوري الإنجليزي.

إن السؤال الأهم الذي يتعلق بصفقة انتقال «سانشيز» لليونايتد هو: هل فعلًا قائمة الفريق الحالية تستدعي كل هذا القدر من التحفظ والتراجع الدفاعي الذي يقدمه «مورينيو»؟ هل قائمة تشمل أفضل حارس في العالم، وصانع ألعاب بقدر «بوجبا»، ولاعب ارتكاز ممتاز مثل «ماتيتش»، وموهبة كـ«مارسيال»، بالإضافة لأحد أفضل مهاجمي العالم وهو «لوكاكو»، ثم ينضم لكل هؤلاء لاعب محارب صنع لمنتخب بلاده تاريخًا كـ«سانشيز»، ومن الممكن أن يتم التعاقد خلال الصيف القادم مع «فابينهو»، قائمة كتلك لا تستطيع أن تقدم سوى ذلك الأداء الغارق في التحفظ وقتل اللعب والاعتماد الكلي على المرتدات كما حدث بمواجهات الفريق مع ليفربول وأرسنال؟

سابقًا قال المدرب البرتغالي إنه إذا امتلك سيارة صغيرة في مواجهة أخرى فيراري، فإن كل ما عليه حتى يفوز بالسباق هو أن يلقي ببعض السكر بخزان وقود الفيراري، عندها سيتمكن من الركض وحيدًا بعد أن يتعطل منافسه، لكن الموقف يتغير، لأن «مورينيو» بات بالفعل يمتلك الفيراري المتمثل بتشكيل قوي للغاية يسمح له بتحقيق المهمة التي أوكلت إليه من إدارة اليونايتد، والمهمة باختصار هي عودة الفريق لسابق مجده المحلي والأوروبي، فكيف سيتعامل البرتغالي؟ هل سينطلق بقوام فريقه لتقديم عروض أفضل تتخلى ولو قليلًا عن كل هذا التحفظ الدفاعي، أم سيحاول صب المزيد من السكر كلما شعر بالخوف؟ الخوف الذي بات يمثله أحيانًا بريستول سيتي!