يعد علي حسن سلامة من أكثر قادة النضال الفلسطيني لمعانًا وتألقًا فقد جمعت شخصيته كثيرًا من المتناقضات التي نادرًا ما تجتمع في شخص واحد فرغم قصر عمره فإنه كان من أبرز قادة النضال الفلسطيني وحاول الموساد اغتياله مرارًا من دون جدوى بسبب قيادته أشرس عمليات المقاومة، وفي نفس الوقت عُرف بعلاقته بالولايات المتحدة، وتواصله مع أجهزة المخابرات حول العالم فقد كان يخترق ساحات لم يسبقه أحد إليها، واشتهر عنه ثراؤه الفاحش ووسامته، ووقعت في غرامه ملكة جمال الكون واختارت أن تكون زوجة ثانية له، وحاز شعبية جارفة لدى الشباب العربي عمومًا والفلسطينيين خصوصًا نتيجة دوره البارز في المقاومة.

 ولد علي في مطلع أبريل/نيسان 1941 لأب مناضل وهو الشيخ حسن سلامة الذي كان من أبرز القيادات الفلسطينية المؤيدة لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، وظل يقاتل العصابات الصهيونية حتى قُتل في معارك حرب فلسطين 1948.

وبعد مقتل والده وتدمير قريته في قضاء اللد خلال الحرب لجأت أسرة علي إلى لبنان بشكل مؤقت فسكنت أولًا مخيم شاتيلا ثم انتقلت إلى حي الأشرفية شرق بيروت ثم عادت إلى رام الله بالضفة الغربية ولما أتم دراسته الثانوية سافر إلى مصر فدرس في كلية التجارة بجامعة القاهرة وتخرج عام 1963، ثم سافر إلى الكويت فعمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية منذ افتتاحه، وتزوج من نشروان شريف وهي فتاة قريبة للحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين (لاحقاً في عام 1978 تزوج من جورجينا رزق التي تُوجت ملكة جمال لبنان لعام 1970 وملكة جمال الكون عام 1971).

بعد نكسة يونيو /حزيران 1967 سافر إلى الأردن والتحق بمقاتلي حركة فتح على الجبهة وتم إرساله إلى القاهرة ليتدرب على أيدي ضباط المخابرات المصريين، وبعد عودته شارك في تأسيس الجهاز الأمني لحركة فتح وأصبح من المقربين إلى ياسر عرفات القائد العام للحركة ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

أيلول الأسود

بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970 التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين على أيدي الجيش الأردني انتقلت معسكرات المقاومة الفلسطينية إلى لبنان، ومن هناك قاد العمليات الخاصة ضد الجيش الإسرائيلي ونفذ هجمات في عمق الأراضي المحتلة وأنشأ القوة 17 الشهيرة التابعة لعرفات، وارتبط اسمه بعمليات هجومية ضد المصالح الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم، إذ اعتُبر أحد مؤسسي «منظمة أيلول الأسود» التي شنت هجمات عنيفة ضد الأردن وإسرائيل في السبعينيات كان أبرزها إرسال الطرود المفخخة إلى ضباط مخابرات يهود، وعملية ميونيخ في سبتمبر/أيلول 1972 التي تم فيها احتجاز رهائن إسرائيليين أثناء دورة الأولمبياد الصيفية في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن معتقلين لدى الاحتلال لكن خمسة من منفذي العملية لقوا مصرعهم إلى جانب 11 إسرائيليًا.

واستمرت العمليات حتى انتزعت اعتراف الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في قمة الرباط بالمغرب عام 1974.

وارتبط اسم حسن سلامة بالاتصالات السرية التي كانت تجريها منظمة التحرير مع الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة التي بدأ تواصله معها عام 1969 حتى نجح في إيصال ياسر عرفات إلى منبر الأمم المتحدة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، وكان من ضمن الوفد الفلسطيني المرافق له.

ومن خلال قيادته للجهاز الأمني الفلسطيني نجح في مكافحة التجسس الإسرائيلي وتمكن من كشف العديد من العملاء خلال فترة وجيزة، حتى أصدرت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت، أوامرها بالتخلص منه وأطلقت عليه لقب «الأمير الأحمر»، فأصبح هذا لقبه في وسائل الإعلام، وكلمة «الأحمر» إشارة إلى سلوكه النضالي الثوري.

وشن الموساد ضده عمليات عديدة منيت بالفشل من أشهرها ما حدث في العاصمة النرويجية أوسلو في 22 يوليو/ تموز 1973 حين قُتل نادل مغربي اشتُبه في أنه حسن سلامة وتم اعتقال ستة من رجال الموساد في تلك العملية.

مع أمينة المفتي

من ضمن أشهر محاولات الإسرائيليين للإيقاع بسلامة كانت محاولة الجاسوسة الأردنية أمينة المفتي التي نجحت في اختراق الفصائل الفلسطينية وانتحلت شخصية طبيبة متطوعة لعلاج جرحى المقاومة وكانت تتحرك بين المعسكرات بتصريح مرور موقع من ياسر عرفات وتلتقي كبار قادة حركة فتح، وسربت أسرارًا هائلة لتل أبيب طوال فترة وجودها في لبنان.

واستطاعت أمينة الوصول إلى سلامة في صيف 1973، إذ كان يتردد على فندق الكورال بيتش في بيروت أحيانًا برفقة فتحي شقيق ياسر عرفات، ورئيس الهلال الأحمر الفلسطيني.

فداومت على زيارة الفندق مرتين أسبوعيًا وكانت كثيرًا ما تراه وذات مرة في شهر سبتمبر/أيلول تعرفت عليه وأصبحت العميلة الإسرائيلية الوحيدة التي تلتقي به بشكل منتظم لكنه ما لبث أن ساورته الشكوك بشأنها فأطلق عملية تحريات عنها في لبنان والأردن والنمسا حيث كانت تقيم لفترة وتوصلوا إلى معلومات عنها عن طريق شاب فلسطيني في فرانكفورت كان له صديقة نمساوية يهودية هي أخت زوج تلك الجاسوسة التي تم تفتيش مسكنها في ڤيينا وعُثر فيه على أجندة سجلت بها مذكراتها كانت مفتاح كشفها وتم اعتقالها ومبادلتها بعد ذلك باثنين من عناصر المقاومة المعتقلين في السجون الإسرائيلية هما مهدي بسيسو ووليم نصار في فبراير/شباط عام 1980.

محاولة الاغتيال الأخيرة

لم ييأس الموساد من تكرار محاولات تصفية الأمير الأحمر وجاءت آخر محاولاته عن طريق إرسال عملاء أجانب إلى لبنان تحت ستار العمل الإنساني وتم تجهيز سيارة محملة بالمتفجرات على طريق مرور سلامة.

وفي الساعة الثالثة من عصر يوم 22 يناير 1979 دوى انفجار هز بيروت لدى مرور سيارته بالقرب من السيارة المفخخة التي تم تفجيرها عن بعد، وتم نقله إلى المستشفى لمحاولة إسعافه لكنه فارق الحياة بعد التفجير بقليل وهو في عمر الثامنة والثلاثين، وقُتل في الهجوم أيضًا أربعة من مرافقيه وعدد من المارة ودُفن جثمانه في مقبرة الشهداء بالعاصمة اللبنانية.

ووفقًا لما ذكره الدكتور محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني في كتابه «موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية» فقد تمكنت القوة 17 التي أسسها علي سلامة من التوصل إلى عميلة الموساد التي شاركت في عملية اغتيال قائدهم على متن يخت في لارنكا بقبرص عام 1985 وقضوا على جميع من في اليخت من الإسرائيليين، انتقامًا لروح سلامة.