لم يكن في مخيلة أحد من جماهير النادي الأهلي أنه سيأتي اليوم الذي يغرم فيه بظهير أيسر تونسي. لا يملك لاعبو المغرب العربي سجلًا مشرفًا في الأراضي المصرية، وذلك لأسباب عديدة مثل ظروف الاحتراف وطبيعة المنافسة بين مصر وتلك الدول.

إلا أن هناك دومًا ظروفًا استثنائية تحول الأحداث التي يبدو تحقيقها صعبًا إلى أحداث مثالية بغمضة عين. بطل القصة هنا هو الظهير التونسي الدولي علي معلول، الرجل الذي تبلورت قصته مع النادي الأهلي من مجرد ظهير أيسر تواجده محفوف بالمخاطر إلى اللاعب الأهم في الفريق والقائد الحقيقي حتى ولو لم يحمل فوق ذراعه شارة القيادة.

يمتاز فريق الأهلي المصري بمزايا الفريق البطل، الأرقام تؤكد ذلك وتمنعنا من خوض جدال هل ننتمي لمعسكر ما بعينه من عدمه. ومزايا البطل تلك تشابهت كثيرًا مع ما يمتلكه التونسي الأعسر، تفهم فكرة الانتماء والبحث الدائم عن البطولات ثم الميزة الأهم التي لا يخلو منها أبدًا فريق بطل: الوقوف سريعًا بعد أن تطرح أرضًا، وذلك طبعًا لا يغني عن إمكانات فنية عظيمة.

دعنا نفصل المواقف التي قدمها معلول داخل وخارج المستطيل الأخضر، والتي توضح مزاياه وتجعله أهلاويًا مثاليًا كما تتمناه الجماهير.

200 ألف دولار ستساوي ملايين فيما بعد

يحتاج الأهلي كفريق بطل دومًا للاعب يقدر قيمة القميص الذي يرتديه، ولذا قدرت كثيرًا جماهير الأهلي هذا التونسي الذي قرر ألا يُزج باسمه في لعبة تحاك ضد الفريق الذي يحمل قميصه. قدر معلول جماهير الأهلي حق قدرهم، فحل سريعًا في قلوبهم.

شهد الأهلي في عصر رئيسه السابق محمود طاهر رواجًا في سوق الانتقالات لم يكن قد عرفه من قبل. وقبل أن يبدأ موسم 2016/2017، تلقى الأهلي عروضًا لا ترفض، كانت نتيجتها بيع مهاجمه ماليك إيفونا ولاعبه الواعد رمضان صبحي. أصبح لزامًا على إدارة الأهلي تعويض هؤلاء الراحلين، خاصة أن جماهير الأهلي بدأت تقلق إزاء فكرة بيع النجوم لتحقيق ربح مادي على حساب تحقيق البطولات.

هنا وجدت إدارة الأهلي فرصة ممتازة للتعاقد مع هداف الدوري التونسي، كابتن فريق الصفاقسي الذي يرتدي القميص رقم 10. تلك الأنباء توحي لك بأن الأهلي بصدد التعاقد مع صانع ألعاب أو جناح يعوض رحيل رمضان صبحي لإنجلترا.

لكن المفاجأة هنا أن هذا اللاعب يشغل مركز الظهير الأيسر، ذلك المركز الذي سبب صداعًا مزمنًا في رأس الأهلي وجماهيره منذ اعتزال اللاعب سيد معوض. إنها صفقة مثالية إذن، خاصة أن الشرط الجزائي في عقد اللاعب يبلغ 500 ألف دولار فقط.

هنا تظهر ميزة معلول الأولى وهي تفهمه لقيمة الانتماء، رفض معلول تفعيل الشرط الجزائي في عقده، وأصر على أن يستفيد نادي الصفاقسي الذي تربى داخل جدرانه من قيمة بيعه بالشكل الذي يرضي جميع الأطراف.

اشترى الأهلي عقد معلول بحوالي 700 ألف دولار، ولكنه بهذا الفارق الضئيل اشترى لاعبًا يقدر قيمة الانتماء للفريق وهو ما سيحتاجه الأهلي فيما بعد.

تدور الدائرة ويذهب طاهر ويأتي الخطيب ويشتعل الصراع مع تركي آل الشيخ، وإحدى حلقات هذا الصراع كانت اتهام تركي آل الشيخ لإدارة الأهلي أنها لم تسلم أربعة لاعبين مكافأة الفوز من بينهم معلول، ثم كثرت الأخبار حول عرض ضخم سيقدم من أحد الأندية السعودية لانتداب معلول والذي يصر على الرحيل.

هنا ظهرت قيمة معلول التي لا تثمن بالمال خاصة في أوقات كتلك، رفض معلول أن يزج باسمه في تلك اللعبة، أعلن أنه سعيد في الأهلي ثم جدد عقده، ثم قرر أن يخرج باحتفاله الشهير والذي يقصد به إغاظة المنافسين بعد صناعة هدف لازارو في مرمى بيراميدز فريق تركي بعد الأزمة.

روح الفانلة الحمرا

لو خيّر لجماهير الأهلي أن تنتقي لاعبًا تتمثل من خلاله روح الفانلة الحمراء -التي يتغنى بها الكثيرون دون فعل أحيانًا- لاختارت معلول. رجل يلعب للثانية الأخيرة باذلًا آخر قطرة عرق يمتلكها، ويتلقى دومًا مكافأته المستحقة. وما هو تعريف الروح في كرة القدم سوى ذلك؟

نشأ معلول في مدينة صفاقس لأسرة فقيرة كعادة لاعبي الكرة، باعت أمه مقتنياتها الذهبية لكي تشتري له حذاءه الأول في عالم كرة القدم، كانت النتيجة المنطقية أن يصبح معلول لاعبًا في صفوف النادي الصفاقسي، إلا أنه لم يكتفِ بهذا أبدًا، في غضون سنوات قليلة أصبح كابتن الفريق، وعندما قدمت له العروض، فضّل أن ينتقل لفريق أفريقي بطل على أن ينتقل لفريق فرنسي في مؤخرة الجدول.

أدركت جماهير الأهلي تلك الميزة سريعًا في معلول، هو لاعب يسعى نحو البطولة ولا غيرها، أهدافه الحاسمة في الدوري خير دليل، ميزة هامة افتقدها الأهلي كثيرًا برحيل جيل تريكة تحديدًا. لا يتأثر معلول بضغوطات ما بعد الدقيقة تسعين؛ لأنه يرى نصب عينيه الفوز قادمًا، فعلها أكثر من مرة خلال الدوري المنتهي والذي توج به في الأمتار الأخيرة. 

معلول: روكي بالبوا التونسي

لا أحد منا يستطيع أن يبادل الحياة ضرباتها القوية، هذا ليس المراد. الأمر يتعلق بمدى قدرتك على تحمل ضربات الحياة بينما تمضي في طريقك قدمًا، هكذا يتحقق الفوز.
روكي بالبوا

ذلك هو الحديث التحفيزي الشهير الذي يقال على لسان روكي بالبوا، هذا الملاكم الذي يلعب دوره سيلفستر ستالوني في عدة أجزاء ويدور حول تيمة محددة، الملاكم الذي يشبع ضربًا ويؤمن الجميع بخسارته، وفي هذه اللحظة تحديدًا ينتفض ويحقق الفوز.

هكذا ترى جماهير الأهلي معلول، وهكذا هو يحرص أن يبدو خاصة بعد كأس العالم الأخيرة. ربما شعر معلول في قرارة نفسه أنه سيصبح محط أنظار كبار أوروبا بعد كأس العالم، ولمَ لا وهو صاحب أداء ثابت دومًا؟

لكن وعلى عكس المتوقع، لعب معلول البطولة الأسوأ في تاريخه ليتلقى اللوم بشكل عنيف من أبناء بلده، كابوس حقيقي من الصعب أن يفيق منه المرء دون أن يتأذى. تلك هي ضربات الحياة القاسية التي يقصدها روكي في حديثه، هنا تظهر ميزة أخرى لمعلول تجعله عنصرًا فعالًا في أي فريق له سمات البطولة.

يستطيع معلول العودة من أحلك الظروف بشكل سريع وملحوظ، يحتاج هذا للكثير من الثقة في النفس والمجهود الاستثنائي حتى تخرس ألسنة المنتقدين دون أن تبادلهم الحديث. يفعل معلول ذلك أسرع مما يتوقع أي شخص، حتى أنه خلال مشاركته الأولى بقميص الأهلي أفريقيًا قدم أداءً كارثيًا أمام الترجي التونسي خلال الشوط الأول، ثم عاد ليطيح بالترجي ذاته خلال الشوط الثاني.

 وهكذا دومًا معلول، يعود من الإصابة بأداء أقوى من ذي قبل، يستبعده حسام البدري في مباراة الديربي فيتألق في المباريات التالية، يتم استبعاده من صفوف المنتخب التونسي المشارك في بطولة أفريقيا الأخيرة وهو ما لم يحدث لمعلول طوال تواجده مع الأهلي على الأقل، فيرد معلول بمزيد من التألق والأهداف الهامة مساهمًا بشكل كبير في تتويج الأهلي بالدوري وسط تأكيد الكثيرين بأنه أفضل لاعب في مصر خلال الموسم الماضي.

هكذا وجدت جماهير الأهلي في علي معلول كل مميزات اللاعب الذي يتمناه فريق يطمح دومًا نحو البطولة؛ أما داخل الملعب فهو الظهير الأيسر الأفضل في أفريقيا في رأي الكثيرين.

معلول : الظهير الأفضل ، لماذا؟

يحضر معلول بذات الشخصية داخل الملعب، رجل واثق من إمكاناته، يستطيع تلافي أخطائه والتكيف سريعًا مع الظروف المحيطة والاستفادة منها.

خضع معلول بمجرد انضمامه للنادي الأهلي لاختبار حسام البدري الوهمي، ذلك الاختبار المعتاد الذي يتلذذ حسام البدري بإجرائه تحت مسمى التأقلم. وكانت تهمة معلول حينئذ أنه قوي هجوميًا وضعيف دفاعيًا، وهي التهمة التي تلاحقه منذ أن كان لاعبًا في الصفاقسي.

قرر الأهلي شراء معلول وهو يعلم أن قدراته الدفاعية أقل من قدراته الهجومية. لم يسأل معلول نفسه ذلك السؤال عندما وجد نفسه على دكة البدلاء لصالح لاعب بإمكانيات صبري رحيل، وبمجرد أن مُنح فرصة اللعب بدأ في تحسين قدراته الدفاعية بشكل تصاعدي. وصل معلول بمرور الوقت لحل سحري وهو موازنة مجهوده الهجومي الجيد مع مجهوده الدفاعي الأقل جودة، وساعده على ذلك وجود جناح مهاري.

يجيد معلول إرسال العرضيات من أي وضع سواء واقفًا أو راكضًا، كما يجيد التوغل في منتصف الملعب وإرسال الكرات العكسية أو المشاركة في خلخلة الدفاع، وهو ما يجعله خيارًا هجوميًا ممتازًا، لكن ذلك لن يجدي نفعًا إلا بوجود جناح جيد يستفيد من تحركات معلول كظهير.

ولذا لمع معلول وتألق وظهر بشكل أفضل في وجود رمضان صبحي، ساعده رمضان على توزيع مجهوده بين الهجوم والدفاع. هو ليس مضطرًا بعد الآن أن يتواجد بشكل دائم في نصف ملعب الخصم للمشاركة في الهجوم.

قدرات رمضان ساعدت معلول الهادئ دومًا أن يبدأ الهجمة من مركز الظهير وينهيها من مركز الجناح أو صانع اللعب دون أن يركض وحيدًا بطول الخط، ذلك ببساطة يمكنه من توفير مجهود كافٍ للارتداد الدفاعي وتحمّل ضغط المنافس إن وجد.

هناك دومًا في أي فريق لاعب يحوز على ثقة زملائه لتحريك الكرة أثناء ضغط الخصم، كانت ميزة جيل تريكة وبركات هي تعدد ذلك النموذج، حيث هناك ما لا يقل عن 4 لاعبي كرة قدم هادئين وقادرين على التحكم في رتم الملعب. يمتلك معلول تلك الميزة بشكل واضح، فأنت لا تحتاج سوى لمشاهدة مباراة وحيدة لتكتشف ذلك، كل لاعبي الأهلي يمررون الكرة في اتجاه معلول عندما تضيق السبل.

ينضج معلول بمرور المواسم في النادي الأهلي، فبعد تحسين قدراته الدفاعية أصبح معلول رجلاً قادرًا على اتخاذ القرار السليم بشكل كبير. بالطبع لا يوجد لاعب لا يخطئ، وأي لاعب في مركز الظهير الأيسر تحديدًا يملك في سجله أخطاء فادحة، لكن معلول أصبح قليل الأخطاء بالفعل.

يحرص دومًا على اتخاذ القرار الأصوب، وربما ذلك يوقعه في الخطأ أحيانًا، حتى وإن أخطأ معلول فجماهير الأهلي لا تقلق، لأن روكي بالبوا التونسي يحب أن يوضع دومًا تحت ضغط لينفجر في وجه الجميع.