كل ما تهل البشايرمن يناير كل عاميدخل النور الزنازنيطرد الخوف والضلام


تظل ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير باعثة للعديد من المشاعر المتضاربة؛ ذكريات ميادين الحرية والكرامة، ذكرى شهداء ومصابين وأبطال، ذكرى خيانات واتفاقات ومواءمات وصفقات، ذكرى الجموح والعفوية والاندفاع، ذكرى البراءة والطموح والأحلام، ذكريات تبقى راسخة في الأعماق، عالية وغالية في القلوب، جريحة في السجون.

الميدان هيروح فين؟ عجلة الإنتاج؟ الاستقرار؟

وأهم من الاحتفاء واسترجاع ذكريات الثورة في ذكراها الخامسة، هو تقييم أسباب ما نحن فيه اليوم من خيبة أمل وتراجع في الآمال والطموحات، عزوف عن المشاركة أو الاهتمام السياسي، البحث عن هجرة، الدعاء لنشطاء الرأي وأصحاب تي – شيرتات {لا للتعذيب} التي اكتظت بهم السجون!.هل اليأس خيانة بالفعل؟، ومن منا لم ينل منه اليأس طريقًا؟، هل الأمل رفاهية؟ ولكن ليس بالأمل وحده تبنى الأوطان.هل أحدثت الثورة تغييرًا جذريًّا بالفعل؟، هل أظهرت الثورة أسوأ ما فينا كما يقولون؟، «دارت عجلة التغيير ولن تقف»؛ الدكتور محمد البرادعي، ولكن إذا بها تقف، تتراجع، ثم تلتهم آمال المصريين داخلها!، ماذا يحدث؟.لعلك تراها كما أراها مقدمة بائسة بالفعل، توحي باليأس أو قل الواقعية – كما يحب أن يسميها أصحاب تلك الفلسفة والرؤية؛ ولكنها لا تمثل ذكرى يناير بكل تأكيد. ثورة يناير حفرت في وجدان جيلٍ من المصريين طموحاتٍ وأحلامًا من الصعب محوها وتدميرها. تظل، على الرغم من كافة محاولات التشويه وتحميل المسئولية والترويع لكافة المشاركين بها، يوتوبيا جيل تعلم معنى التعايش والمساواة والمواطنة في دولة التحرير بالثورة.حدثت العديد من التقلبات في العقلية المصرية منذ ثورة يناير، وكما نقول – فلترة – للعديد من الأفكار والتيارات والأشخاص، ولكننا ندّعي ونظل نصمم – غالبية المنتمين لتيار ثورة يناير الفكري – أننا لم ننل فرصتنا في إحداث وفرض التغيير المأمول نظرًا للمؤامرات والاتفاقات التي تمت وأبعدتنا عن المشهد السياسي الذي أداره المجلس العسكري بدعم من التيار الإسلامي في اتجاه سيناريو يختلف عما حلمنا به، ولكننا نتناسى أيضا دور هذا التيار – تيارنا – في إفشال أحلام وطموحات الثورة بكل أسف.في هذه الذكرى، وجب التذكير بما عانيناه وتسببنا في حدوثه عن طريق بعض الأخطاء لعلنا نتدارك الأمر في التعامل مع المستقبل. من المهم أن نصارح أنفسنا بما أخطأنا به حتى نتدارك القادم، لندرك أين نقف وعلى ماذا نعتمد ولأين نتوجه ولمن نجتهد. من السهل إلقاء المسئولية على خيانة تيار وتلاعب المال السياسي بنا؛ ولكن علينا ونحن نحلل الظروف المحيطة أن نقيّم أداءنا وأخطاءنا قبل التوجه للآخرين. أرى أن ما جنيناه كتيارٍ ثوري من حالة إحباطٍ وخمول لرياح التغيير تم بسبب بعض الأخطاء، ومن أهمها:1- التمييز الثوري/ هو شكل من أشكال العنصرية والتمييز الذي وقع فيه غالبيتنا من واقع انتمائنا العنيف لثورة الخامس والعشرين من يناير، وأصبحت الثورة عامل تقييم مهم في تعاملنا مع الآخرين. لم يكن تعاملنا متماشيًا متسقًا مع قناعاتنا التي نادينا بها، من مساواة وعدالة وعدم تمييز علي أي أساس، من لم يكن معنا عاملناه على أنه كان ضدنا.2- المزايدات الثورية/ تم وصم نشطاء الثورة وداعميها بعنف الحديث وقبحه والمزايدات المستمرة، وهو ما وقعنا بالفعل فيه كشباب، أرجعنا هذا الأسلوب للشعور بالظلم ومظالم العباد، استحللنا الأسلوب وانتهجناه نظرًا لقلة خبرتنا بالعمل السياسي وفنون مخاطبة الجماهير، بل إن العديد من شباب تيار الثورة لازالت لديه قناعة راسخة أن السياسة في حد ذاتها ملوّثة «بفتح الواو» وملوّثة «بكسر الواو»، وأن انتقاء الكلمات والأسلوب في حد ذاته هو تلون وعدم وضوح؛ لم نكن بالنضج الكافي.3- الانتقاء/ جزء من ذلك كان صنيعة الإعلام. رأينا العديد من الوجوه التي تم تصديرها للمشهد الإعلامي كنشطاء وحقوقيين وثوار مسئولين عن الحديث حول رؤية الثورة وأهدافها وخططها وبرامجها، في وقت لم تكن التكتلات الثورية قد قدمت وطرحت بدائل فعلية سوى محاربة الفساد والمطالبة بالتطهير والمحاسبة والعدالة، وهي قيم قابلة للتلاعب إذا لم تتم ببرامج وخطط واضحة. تم الدفع بالعديد من الوجوه، لم تكن كلها جديرة بتحمل تلك المسئولية، داخل التكتلات وخارجها. كانت هذه مثار استنكار العديد والعديد، بل وتسببت في عملية إحباط هائلة داخل التكتلات والأحزاب الوليدة من تصدير أشخاص للقيادة بشكل انتقائي غير مدروس بلا منهج وبدون تأهيل.4- الإدارة الفردية/ أعتقد أنها كانت ولازالت هي الآفة الكبرى والمصوغ الرئيسي لما نلناه من حملات تشويه، والكثير منها كان عن حق بكل أسف. ثورة يناير كانت التجربة الأولى للعديد منا في التعامل مع اختلافاتنا وتمايزنا. في العمل سويا في فرق عمل، لم نستطع التعامل مع اختلافاتنا، رأينا ظهور المئات من الحركات والتيارات والائتلافات ثم بدأت في التفكك إلى الكثير والكثير. تجلّت النقاط السابقة جميعها حين بدأت في الظهور داخل التيار ذاته، في الائتلاف الواحد والمجموعة الواحدة. وحتى هذه اللحظة، لم تتوحد قوى التيار المدني الديموقراطي، ولا زلنا في انتظار المُخلّص «بفتح الخاء وشد اللام وكسرها» بكل أسف وهو ما لن يحدث. أعتقد أنه قد حان الوقت في أن تتكاتف جميع القوى والتيارات – منفصلةً – تحت رؤية وبرنامج وأهداف محددة بأطروحات وبدائل واحدة، وما يربك المشهد أكثر ويدمي القلب هو يقيني التام بوجود برامج وخطط موجودة بالفعل ولا ينقصها سوى التكاتف والدعم اللوجيستي، ولا زلنا ننتظر.هي لحظات للمواجهة والمكاشفة، قبل أن نحمّل المسئولية لمن خان وتآمر، ومن باع ومن اشترى، أعتقد أنه حان الوقت لأن نتفكر في أخطائنا الداخلية ونتجاوزها. أما بخصوص حالة الإحباط والعزوف العامة لدى شباب الثورة، فهي واقع له أسبابه ودوافعه بالفعل، لا نتعجل التغيير ولا ننتهج أو نبتغي حدوث نفس الخطوات سابقة لإعادة إحياء الثورة، بل نجتهد في تحليل وطرح الأفكار والبدائل، في العمل التطوعي الجماعي، في تجهيز رؤى وخطوات لتحقيق العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.الناشط المجتمعي والمواطن المهتم بشئون وطنه عليه أن لا ينفصل عن صوت الجماهير وإرادتها، على أن يكون قبلها بخطوة واحدة فقط؛ خطوتان تعني السير منفردًا. ضع خطوة لتغيير المجتمع، ليس من أجل الثورة ولا أحلامها ولا طموحاتك وأحلامك؛ ولكن بقدر الإحباط والمرارة التي تعني وجود طاقة حب ورغبة في المساعدة، وتذكّر دومًا: يوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من يناير، الساعة الثانية عشر، الشوارع لم تعد صامتة، والشعب لم يعد يصم الآذان.لسنا رأس حربة لتيار ضد الآخر، أداة لاستخدامنا في التحرك والتفاوض، لنا أحلام وحقوق وعلينا أن نبلورها ونطرحها بحرفية وموضوعية وتكاتف. كرهنا حالة الاستقطاب والتخوين ولن نقع في براثنها، ولن نراهن سوى على أنفسنا في نشر القيم والمبادئ التي حلمنا بها، ستظل ذكرى الخامس والعشرين من يناير لجيل عريض من شباب الوطن هي رمزًا للكرامة الإنسانية والحرية والتفاني في أجمل صورهم، وتذكيرٍ لكل خائن، فاسد، ومفسد بنهاية محتومة – وإن بعدت -، وأن أصوات الجماهير وأحلامهم أكبر وأقوى من أي ظلم وظالم، أن الآمال والطموحات أسمى من أن يتم كتابتها في طلب تظاهرة أو تصريح بالاعتراض.المستقبل لنا.