في الأسابيع الأخيرة، سيطر جيش الفتح، الذي يحظى بدعم تركيا، على إدلب، وهو ما أثار توقعات بتحقيق نقطة تحول في الحرب، لا سيما وأن تلك النجاحات الأخيرة ارتبطت بإعادة التقارب بين الرياض وأنقرة، اللاعبتين الإقليميتين الهامتين، الداعمتين لفصائل مختلفة بشمال سوريا.

وأذعنت الولايات المتحدة بهدوء إلى ذلك الدور السعودي – التركي المتنامي في سوريا، ولكن ذلك الانتشار الذي حققه كل من جبهة النصرة، الموالية للقاعدة، وأنصار الشام، خلال الهجمات الأخيرة، سوف يعقد المناقشات، حول إذا ما كان واجبًا، توفير غطاء جوي للكتائب المتمردة في الشمال.

مثل هذا الاختلاف الرئيسي قد يعقد أكثر العلاقات الأمريكية التركية، بالرغم من الاتفاق الأخير على تدريب وتجهيز حوالي 15ألف ثائر سوري في تركيا، والأردن، والسعودية.

وارتبطت أنقرة بعلاقات مع جماعات متشددة، خلال الكثير من فترات الحرب الأهلية، حيث تنظر إلى جبهة النصرة باعتبارها جماعة وطنية سورية، أكثر من كونها جهادية ممتدة.

ولذلك، تتبنى تركيا إستراتيجيتين طويلتي المدى، إحداهما الاعتماد على جبهة النصرة خلال الحرب ضد بشار الأسد، والأخرى تتمثل في الضغط عليها لقطع علاقاتها مع القاعدة.

وسَعَتْ أنقرة مؤخرًا لاستخدام علاقتها مع جبهة النصرة، وأحرار الشام، لتشكيل ضغوط على داعش.

ويأمل الجانب التركي، في أن تؤدي زيادة تمويل وتدريب جماعات مثل “جيش الفتح” في تقليص إغراء داعش، وخلق توازن قابل للتطبيق يناهض أيديولوجية التنظيم، ويساهم في دحره.

وتنبع تلك السياسة من المفهوم التركي للتهديد الذي يمثله داعش، حيث ترى صعود التنظيم نتيجة للصعود المتنامي في وحشية نظام الأسد، بل أنها تتهم النظام السوري بإبرام تحالف صامت مع “الدولة الإسلامية” من أجل دحر الثوار الوطنيين.

وهكذا، فإن تركيا ترى أن القضاء على داعش يتطلب استئصال المشكلة، أي نظام الأسد، بما قد يؤدي إلى إصلاح المحاربين والقادة الذين يقاتلون في صفوف النصرة والجماعات المتمردة السلفية.

لكن وجهة نظر تركيا حول داعش في سوريا، تختلف عن مفهومها تجاه التنظيم في العراق، حيث تعزو شعبية الأخيرة في العراق لعاملين رئيسيين: أحدهما السياسات الطائفية لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وثانيهما اللغة التي يتسم بها الدستور العراقي، والتي تعزز الانقسامات الطائفية.

لذلك، فإن تركيا تؤْثِر التركيز على تنظيم داعش في سوريا، وربما يستند ذلك إلى ضعف تأثير أنقرة في بغداد، لا سيما منذ عام 2010، بسبب المتاعب السياسية التي يجابهها اثنان من أهم حلفائها في العراق، وهما نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، وشقيقه محافظ نينوى أثيل النجيفي.

أسامة النجيفي في لقاء مع أردوغان
أسامة النجيفي في لقاء مع أردوغان

وتسعى تركيا للعب دور في نينوى، ولكن توظيفها الأخير لعشرين من المدربين في معسكر صغير موالي للنجيفي في بعشيقة يمثل نموذجًا لنقص هيمنة أنقرة في العراق.

التدريبات في المعسكر المذكور بدائية، حيث يمارس المتطوعون تمرينات لمدة 20 يومًا متتاليًا بأسلحة طراز “إيه كيه 47” فارغة من الذخيرة الحية.

وتسعى تركيا منذ شهور إلى إرسال أسلحة للمعسكر، لكن تلك الجهود تتعثر، بسبب عدم موافقة بغداد.

ومن المحتمل أن تقود الولايات المتحدة خطة للهجوم على داعش في الموصل، لكن قد لا يكون للمتطوعين الموالين للنجيفي أي دور في تلك الخطة.

وبعكس تلك الجهود القليلة في العراق، تحظى تركيا بوضع مهيمن في شمال سوريا، حيث تمتلك علاقات وطيدة بالعديد من الجماعات المتمردة، وتزودها بالسلاح، والتدريب.

كما أن الولايات المتحدة ليس بحوزتها إلا القليل من التأثير على الجهود التركية في شمال سوريا، ويتجلى ذلك في عدم قدرة واشنطن على تعطيل علاقات أنقرة بجبهة النصرة.

ولكن، بالرغم من استمرار الخلافات في الإستراتيجيات، إلا أن الولايات المتحدة وتركيا تعتمدان على بعضهما البعض في تحقيق الأهداف المتداخلة، والمتمثلة في دحر داعش في العراق وسوريا، وقيادة التغيير في دمشق.

وبالرغم من تشاركتهما تلك الغايات، إلا أن ثمة اختلافات بين الدولتين حول التكتيكات المطلوبة لتحقيق تلك الطموحات المشتركة.

وفي الوقت الراهن، تحتاج أنقرة الولايات المتحدة في العراق، بينما تنازلت واشنطن لتركيا عن قدر معين من السيطرة في شمال سوريا.

بيد أن عقبات رئيسية ما زالت تقف حجر عثرة، حيث يمثل موقف أنقرة من جبهة النصرة مصدر قلق كبير لواشنطن.

وعلاوة على ذلك، ليس واضحا بعد كيف ستتلاقى وجهة نظر الدولتين بشأن أهداف جيش الفتح، وبرنامج التدريب والتجهيز، الذي تم تأجيله بسبب خلافات حول نطاق وهدف المهمة.

وفي الواقع، قد تتسبب تلك الخلافات في كسر ثوار سوريا على نحو متزايد، في غياب صيغة لإيجاد نهج موحَّد للصراع السوري.

الديناميكيات الراهنة تشير إلى أن كلًا من الولايات المتحدة وتركيا ستواصلان استخدام تكتيكات مختلفة بغية تحقيق هدفهما النهائي، وهو الإطاحة بالأسد من السلطة. ومع ذلك، فقد دخل الجانبان حاليا شراكة غير معلنة، وربما غير مقصودة.

المشكلة تنبع من وجود اختلافات جوهرية حول ماهية الجماعات الثورية التي تستحق الدعم، وأي منها يمكن الاعتماد عليه للعب دور في مستقبل يخلو من الأسد.

ولا يحتمل الوصول لحلول في المستقبل القريب حيال تلك الديناميكيات، بما يشي باستمرار التوترات حول الإستراتيجية المتعلقة بالقضية السورية، والوسائل المستخدمة لإقصاء بشار الأسد من السلطة.

المصدر

إقرأ المزيد

الأسد لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد (مترجم) نظام الأسد : هل حانت بداية النهاية؟ (مترجم) الجبهة الإسلامية في سوريا (1): الهيكل والدعم (مترجم) معركة إدلب: التداعيات العسكرية سنة رابعة حرب..الفائزون والخاسرون في سوريا (مترجم)