ما إن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية حتى انشغل العالم بسؤالٍ مهم حول طبيعة الرد الأمريكي على تلك الخطوة؛ هل سيتضمن حمايةً مباشرة من أمريكا لأوكرانيا، وهو ما يستلزم بالتبعية وقوع صدام عسكري مباشر بين القوتين العسكريتين الأكبر بالعالم، أم ستكتفي أمريكا بابتلاع إهانة غزو أوكرانيا في صمت؟

رسميًّا، اكتفى الرئيس الأمريكي «جو بايدن» بالصمت، بعدما أعلن بوضوح أنه لن يُرسل أي قوات أمريكية إلى الأراضي الأوكرانية، وهو ما حسبه المحللون رغبةً أمريكية أخيرة في وقف التصعيد المباشر مع روسيا، وهي الحالة التي يبدو أنها لن تستمر كثيرًا، بعدما نجحت الحرب الروسية الأوكرانية في جر أقدام أمريكا إليها شيئًا فشيئًا.

سنحارب روسيا من وراء جدار

في إطار دعمه لأوكرانيا، أقر بايدن حزمة مساعدات عسكرية ضخمة بقيمة 33 مليار دولار لأوكرانيا تحقق رغبته في التصدي لروسيا في أوكرانيا من خلف ستارٍ واقٍ.

تضمَّنت أسلحة متقدمة، منها مدافع حرارية مضادة للدبابات، ومدافع من فئة هاوتزر، بالإضافة إلى آلاف الدروع الواقية والخوذات والذخائر والبنادق وأنظمة الرادار، علاوة على عربات مدرعة وطائرات درونز بلا طيار.

كما أعلن البنتاجون أن بلاده ستقوم بتدريب «مجموعات صغيرة» من الجنود الأوكرانيين على كيفية استعمال تلك الأسلحة.

وتأتي هذه الجهود استكمالًا للخطوات – المتواضعة – التي دعمت بها واشنطن أوكرانيا عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014م، بعدها قدمت أمريكا لأوكرانيا حزمة مساعدات عسكرية بلغت قيمتها 2.5 مليار دولار، وفي عام 2021م وحده تلقت أوكرانيا من أمريكا قرابة 400 مليون دولار.

وبحسب المحللين العسكريين، فإن الأسلحة الأمريكية لعبت دورًا كبيرًا في إيقاف التقدم الروسي داخل الأراضي الأوكرانية، وتحديدًا حول العاصمة كييف، كما سمحت للقوات الأوكرانية بأخذ زمام المبادرة في بعض المواقف، عقب تعرض عددٍ من مخازن الأسلحة والقواعد العسكرية الروسية إلى «هجمات غامضة» داخل العُمق الروسي، قيل إن جهاتٍ أوكرانية تقف خلفه وسط إنكار روسي وعدم اعتراف أوكراني حتى هذه اللحظة.

وتأتي هذه المساعدات استجابةً لنداءات الرئيس الأوكراني المتتالية التي دعا فيها الدول الغربية لتسليح «الحرية» بدلًا من دعم الاستبداد، وهو النداء الذي تفاعل معه الأمريكيون – إيجابيًّا – عقب إعلانهم عقد اجتماعات متتالية مع الجانب الأوكراني لبحث طلباتهم العسكرية.

هذه الخطوات استدعت ردًّا روسيًّا، اعتبرت موسكو بموجبه تزويد أوكرانيا بالسلاح بأنه «يُهدد أمن القارة»، وأنها خطوة قد تؤدي لاندلاع حرب نووية.

هذا التحذير الروسي لجم كثيرًا من حجم المساعدات التي كان يُمكن لواشنطن تقديمها حتى الآن، والتي كانت ستقلل – بكل تأكيد – من رقعة الدمار الأوكرانية، مثل رفض فرض حظر طيران فوق أوكرانيا، والامتناع عن تزويدها بأسلحة هجومية مثل طائرات الميج، وهي المعدات التي اعتبرت واشنطن أنها ستزيد من هوة الخلاف مع موسكو، وقد يدفع بمسار الأمور إلى ما لا يُحمد عقباه.

من أغرق الطرَّاد الروسي؟

في منتصف أبريل/نيسان من هذا العام، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طرَّادها المتفوِّق «موسكفا» تعرَّض لأضرارٍ جمَّة بشكلٍ مباغت، أدَّت إلى انفجار حمولتها من الذخائر ثم انقلاب السفينة.

وعمل ما يزيد من 500 فردٍ من البحرية الروسية على هذا الطرَّاد، الذي نفَّذ العديد من المهام العسكرية الروسية، آخرها اشتباكه مع القوات الكامنة في جزيرة «الثعبان» التابعة لأوكرانيا.

وعلاوة على ذلك، فإن تلك السفينة الفتَّاكة بُنيت منذ العهد السوفيتي، وهي قادرة على حمل عشرات الصواريخ المضادة للسفن والغواصات، ونفَّذت مهام متعددة خلال الحرب الأهلية السورية.

وبالرغم من أن كل وسائل الإعلام أجمعت على أن البطل الرئيسي لهذه العملية هو صاروخ «نبتون» الأوكراني الصنع، إلا أن الجميع أكد أن أمريكا لعبت دورًا لا شك به في عمليات رصد الطرَّاد الروسي أو حتى تصنيع ذلك الصاروخ الأوكراني.

مثَّلت هذه العملية لطمة كبرى للكبرياء الروسي، بما يُمثله الطراد موسكفا من قيمة كبرى في سلاحها البحري.

من جانبه، حرص البيت الأبيض على «التقليل» من دور أمريكا في هذه العملية، واصفًا دوره خلالها بـ «المحدود»، ونسب الفضل بأسره للأوكرانيين.

بل قالت جين بساكي، المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض، إن بلادها «لم يكن لديها عِلم مسبق بالعملية، وإن الأوكرانيين نفذوها اعتمادًا على قدراتهم الخاصة».

بينما أعلن جون كيربي، المتحدث ب.اسم البنتاجون، أن أوكرانيا تتلقى معلوماتٍ استخباراتية من أمريكا، مثلما تتلقَّى معلومات من دولٍ أخرى حول العالم، وبالنهاية فإن كيفية استغلال تلك التحليلات يرجع إلى الأوكرانيين أنفسهم.

لم تقتصر المعلومات الأمريكية على تلك العملية العسكرية الكبيرة، وإنما امتدَّت لعمليات أخرى محدودة استهدفت الجنرالات الروس الذين يخوضون معارك أوكرانيا.

فوفقًا لتقرير نشرته «نيويورك تايمز»، فإن المخابرات الأمريكية قدَّمت للقوات الأوكرانية معلومات ساهمت في استهداف جنرالات روس «ذوي رُتب عالية» بشكلٍ مباشر.

وبحسب ما أعلنه الأوكرانيون، فإن 12 جنرالاً روسيًّا قُتلوا في ساحات المعارك خلال الأيام الأخيرة، أبرزهم الجنرال أندريه سيمونوف، أحد أبرز المتخصصين في الحرب الإلكترونية.

وهو ما لم ينفه البنتاجون بشكل صريح، مكتفيًا بتعليق عائم قال فيه «إنه يزود أوكرانيا بالمعلومات التي تعينها على الدفاع عن نفسها». ما يفتح المزيد من الأبواب لاحتماليات دعم أمريكي أكبر قد يُشعل الأمور أكثر فأكثر.