على وقع عقوبات جديدة وافقت عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحق إيران، بدا مصير الاتفاق النووي يكتنفه الغموض والترقب. كذلك مثلت العقوبات ضربة للرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي تفاهم مع الغرب للوصول إلى هكذا اتفاق ما كان ممكنًا الوصول إليه في السابق، ليضع روحاني والذي بدأت ولايته الرئاسية الثانية قبل أيام، وتياره المعتدل في موقف حرج مع التيارات المتشددة في الداخل إذ لطالما انتقدته واتفاقه مع الغرب.


لماذا العقوبات الأمريكية الآن؟

وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الثاني من أغسطس/آب الجاري على مشروع قانون أقره الكونجرس يفرض عقوبات جديدة على إيران وروسيا وكوريا الشمالية، رغم عدم رضاه عن صيغة المشروع فيما يتعلق بروسيا، إلا أنه وقع عليه. ويقضي القانون بفرض عقوبات جديدة على طهران بسبب برنامجها للصواريخ البالستية ودعمها لمنظمات إرهابية، بجانب فرض عقوبات على الحرس الثوري.

وكان مشروع القانون في البداية يستهدف إيران وكوريا الشمالية، لكن أضيفت إليه روسيا وخصص لها فقرات شديدة رفضتها دول الاتحاد الأوروبي ذاتها لإضرارها بمصالحها، وكذلك اعترض ترامب عليها، لكن لأن مشروع القانون أُقر بأغلبية ساحقة من الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ ولا يستطيع ترامب استخدام الفيتو الرئاسي بحقه، وافق عليه، بل وضع المشرعون فقرة تمنع ترامب من خفض العقوبات على روسيا بدون الرجوع للكونجرس.

العقوبات الجديدة اعتيادية وسبق أن فُرض مثلها كثيرًا حتى بعد توقيع الاتفاق النووي.

أما فيما يتعلق بإيران فالعقوبات الجديدة اعتيادية وسبق أن فرض مثلها كثيرًا حتى بعد توقيع الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، وبالتالي لم تحظ بتعليق أوروبي أو غضب إيراني ضخم سوى من بعض التصريحات من قبل المتشددين والحكومة الإيرانية، بأن القانون الجديد يعتبر مخالفة للاتفاق النووي وتستهدف الداخل الإيراني فقط، لكن ترد واشنطن بأن العقوبات جاءت بسبب دعم الإرهاب وتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية.

وخلال خطاب تنصيبه لفترة ثانية أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، يوم 5 أغسطس/آب الجاري أن «طهران لن تكون المبادرة في نقض الاتفاق النووي»، لكنه حذّر أيضًا من أن بلاه «لن تبقى صامتة إذا لم تفِ الولايات المتحدة بالتزاماتها»، وذلك في تأكيد من الرئيس الذي استطاع التوصل لاتفاق مع الغرب أنه مستمر في الحفاظ على ما تم التوصل إليه رغم العقوبات الأخيرة المفروضة والمتكررة، فهو إنجازه الأساسي في فترته الأولى.

وسبق هذا القانون فرض عقوبات أخرى أعلنت عنها وزارة الخارجية الأمريكية يوم 18 يوليو/تموز طالت 18 من الشخصيات والمؤسسات الإيرانية المتورطة في دعم برنامج الصواريخ الباليستية أو يعملون ضمن قوات الحرس الثوري إلى جانب دعم منظمات تصنفها واشنطن بأنها إرهابية مثل حركة حماس وحزب الله اللبناني، كما انتقد بيان الخارجية دعم طهران للحوثيين في اليمن وكذلك نظام بشار الأسد في سوريا.

وبعد هذه العقوبات بأيام أجرت طهران يوم 27 يوليو/تموز تجربة ناجحة لصاروخ يسمى «سيمروغ» قادر على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء، و يقدر على دفع صاروخ يبلغ وزنه 250 كجم إلى ارتفاع 500 كم، وذلك في إصرار إيراني على تطوير القدرات الصاروخية والتي تقول إنها دفاعية بالأساس ولا تنتهك الاتفاق النووي، ورأى روحاني بلسان مقاله أنه «يجب أن نطور دومًا قدراتنا الدفاعية وسنعزز أسلحتنا الدفاعية بغض النظر عن آراء الآخرين».


أوروبا ومعضلة الاتفاق النووي

رغم معارضة الدول الأوروبية للعقوبات التي أقرتها الإدارة الأمريكية على روسيا، إلا أنها في ذات الوقت أيدت تلك المفروضة على إيران خوفًا من انتهاكها للاتفاق النووي، بل تقدمت كل من وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بجانب الولايات المتحدة، يوم 2 أغسطس/آب الجاري، بشكوى لمجلس الأمن ضد تجارب إيران الصاروخية، معتبرة أنها «تهديدية واستفزازية».

وجاءت هذه الخطوة تخوفًا من التفاف طهران على شروط الاتفاق النووي، حيث سلمت الدول الأربع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تقريرًا يثبت أن إيران اتخذت خطوة تهديدية واستفزازية من خلال تجربة صاروخ قادر على إرسال أقمار صناعية إلى مدارٍ حول الأرض، فهي ترى أن التكنولوجيا الضرورية لتصنيع وإطلاق مركبات للفضاء ترتبط بشكل وثيق بالصواريخ الباليستية، لاسيما تلك العابرة للقارات.

لكن التقرير لم يدعُ لأية عقوبات فقد اعتبر فقط أن التجربة الإيرانية تمثل خطوة استفزازية، وتتعارض مع قرار الأمم المتحدة وتسهم في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، ومن المرجح أن التكتل الغربي يريد توجيه رسالة لطهران بأنه يراقبها ولن يسمح بانتهاك الاتفاق، فهو لا يعارض التجارب الدفاعية وإنما يطلق تحذيرات متكررة لضمان التزامها.

وردًا على الموقف الأوروبي أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف خلال لقائه مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغريني -التي زارت إيران لحضور مراسم تنصب روحاني- أن اختبار إطلاق حامل القمر الصناعي إلى الفضاء لا ينتهك الاتفاق النووي وقرارات مجلس الأمن بل اتهم ترامب بمحاولة تدمير الاتفاق وحذر الغرب من ذلك.

أما موغريني فأرادت طمأنة الإيرانيين، وأكدت أن المجتمع الدولي لديه منافع مشتركة مع طهران بشأن الاتفاق النووي، الذي يدعمه الاتحاد الأوروبي بقوة، وقالت «إننا نسعى إلى جعل أميركا إلى جانبنا في الاتفاق النووي»، وهذا يؤكد أن أوروبا لا ترغب في نقض الاتفاق لأنها تسعى إلى عقد مصالح قوية مع طهران خاصة في قطاعي النفط والغاز، إذ ستشكل أحد البدائل للطاقة الروسية، التي طالتها العقوبات الأمريكية واعترضت عليها أوروبا لإضراراها بمصالحها.


هل يكتب ترامب نهاية الاتفاق النووي؟

من المرجح أن التكتل الغربي يريد توجيه رسالة لطهران بأنه يراقبها ولن يسمح بانتهاك الاتفاق.

قد تمثل العقوبات الأمريكية حرجًا لروحاني، الذي بدأ للتو رئاسته الثانية، وتجعله تحت ضغط من التيار المتشدد فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن لن تمثل توجهات ترامب تجاه طهران أي ضغوط فيما يتعلق بالاتفاق النووي فكلا الطرفين يريد الالتزام به. أما قضية دعم إيران لجماعات مسلحة أو تعاونها مع الأسد أو الحوثيين لن يكون بذات الضرر، فهذا التعاون والدعم موجود من قبل وهناك اعتراضات عليه لكنها لم تكن بنفس رفض امتلاك طهران لقدرات نووية.

ويدعم ذلك إقرار إدارة ترامب يوم 18 يوليو/تموز الماضي بالتزام إيران بالاتفاق النووي، وهذا يعني عدم فرض أي إجراءات حظر عليها بسبب برنامجها النووي، ولكن قد تفرض عقوبات تحت اتهامات دعم الإرهاب وتجارب الصواريخ الباليستية أو حقوق الإنسان. والعقوبات تصدر وتتجدد باستمرار؛ فسبق أن فرضت إدارة ترامب في فبراير/شباط الماضي عقوبات على إيران بسبب تجربة صاورخ باليستي، ولم يمنع ذلك طهران من الاستمرار في تجاربها كذلك لم يدفع ترامب لنقض الاتفاق.

ومن ناحيته يرى روحاني أن الاتفاق النووي أهم إنجاز في ولايته الأولى بل لإيران ككل منذ سنوات، وخاصة لضرورة فتح صفحة جديدة بعلاقاتها مع الغرب، أما الولايات المتحدة فلا يعول الإيرانيون عليها كثيرًا وإنما يهدفون بالأساس إلى التقارب مع أوروبا، وهذا كفيل بحفظ الاتفاق إلى جانب روسيا الداعمة هي الأخرى لإيران والتي ستعرقل أي عقوبات في مجلس الأمن ضدها فيما يخص برنامجها النووي.