الجبل فحسب، لا بحر ولا حتى منفذ للبحر، فقط الجبال هي ما تحدد طبيعة أفغانستان، الاختلاف قد يكون في مدى وعورة هذه الجبال ليس إلا. الاضطرابات والحروب هما السمة الثانية المميزة لهذا البلد الجبلي حتى بات معظم أهله لاجئين في أماكن أخرى.

يعود تاريخ أفغانستان إلى عام 1747 حين أسسها أحمد شاه الدراني، رغم أن بعض الروايات التاريخية تقول إن أفغانستان كانت معروفة منذ 2000 عام قبل الميلاد. أهمية البلاد الإستراتيجية تنبع من اعتبارها بوابة الهند مما جعلها عاملًا مؤثرًا في طريق الحرير القديم، وأطلقوا عليها قديمًا دوّار آسيا الوسطى، حيث تلتقي فيها العديد من الطرق.

ورغم تنوع الأعراق العابرة عليها من خلال التجارة فإن لغتها تقريبًا ثابتة، لغة الباشتو، والتي تعتبر واحدة من اللغات الإيرانية الشرقية. دخل الإسلام أفغانستان ولم يخرج منها، وانتعشت في ظله حضارة أفغانستان وتجارتها وأنجبت أفغانستان للأمة الإسلامية العديد من أعلام الفقه والعلوم الإسلامية.

رغم أن أسرة أحمد شاه تعاقبت على حكم أفغانستان حتى عام 1973، عام نهاية حكم محمد ظاهر آخر ملوك أفغانستان، فإن تأسيس دولة أفغانستان الحديثة يُنسب إلى ميرويس شاه هوتكي.

محطات تاريخية قاسية

مرت أفغانستان بمراحل تاريخية قاسية بدأتها بغزو بريطانيا لها وتنصيب شاه شوجاه ملكًا، لكن عام 1842 تعرض الملك للاغتيال وذُبح البريطانيون والهنود وهم يحاولون الانسحاب هربًا من كابول. وظلت الحرب دائرة حتى عام 1880، واستمرت كذلك حتى عام 1919 لحظة إعلان أمان الله خان الاستقلال عن بريطانيا.

بعد مقاومة الأفغان لمحاولات أمان الله خان الإصلاحية ومقاومتهم العسكرية هرب الرجل وتقلبت البلاد بين أسماء مختلفة حتى تولى محمد ظاهر شاه الملك وجعل أفغانستان ملكية لأربعين عامًا آتية. أتى في تلك الحقبة، عام 1953،  السردار محمد داوود ليصبح رئيس الحكومة وسنّ قانونه الجدلي بمنع إجبار النساء على ارتداء الحجاب، فاشتعلت المعارضة ضدة واضطر للتنحي عن رئاسة الحكومة عام 1963.

بعد تنحيه بعام دخلت أفغانستان عهد الملكية الدستورية، فبزغ الانقسام من جديد. ظل داوود قرابة 10 سنوات يخطط للعودة إلى السلطة، حتى عاد عام 1974 بانقلاب عسكري، وأعلن قيام الجمهورية الأفغانية. 4 سنوات في الحكم، ثم انقلاب على داوود واغتياله، وتولى حزب الشعب المدعوم سوفييتيًا، لكنه يضطر لمواجهة المعارضة الإسلامية المدعومة أمريكيًا.

المواجهات جعلت السوفييت ينتهزون الفرصة لغزو البلاد انتصارًا لحكومتهم، فيقتلون مليون أفغاني كي تبقى الحكومة الموالية لهم في السلطة.

انقلاب الرفاق على بعضهم

ليست الحرب السابقة هي الحرب الأهلية الوحيدة في تاريخ أفغانستان، بل عاشت البلاد حربًا أهلية عام 1928 كذلك. بدأت الحرب بتولي أمان الله خان الحكم عام 1919 وتحقيق الاستقلال التام عن الإمبراطورية البريطانية، ثم ميله نحو الجانب الشيوعي السوفييتي.

فوجد السوفييت في أفغانستان فرصةً مزدوجة لتوطيد العلاقات مع كابل، وفي نفس الوقت تهديد الإمبراطورية البريطانية. استغل أمان الله الفرصة وأرسل مبعوثه إلى موسكو فاستقبله لينين بحرارة، وعاد معه مندوب من السوفييت ليحقق لأمان الله ما يريد. ووقع الأفغان والسوفييت عام 1921 اتفاقية صداقة، لتكون بذلك أول اتفاقية دولية لأفغانستان منذ حصلت على استقلالها.

توترت العلاقات البريطانية مع أمان الله خاصةً بعد دخول طائرات السوفييت لأفغانستان، فبدؤوا في المناوشات بفرض قيود على عبور بضائع أفغانستان للهند، وتوقفوا عن مخاطبة أمان الله خان بكلمة جلالتك. كان أمان الله مطمئنًا بدعم الداخل له، لكن في لحظة انقلب كل شيء.

محمد نادر خان، وزير الحرب في حكومة أمان الله وسفيره في فرنسا، اشترك مع مجموعة من المعارضين والملوك المتنافسين في البلاد على الحرب ضد إرث أمان خان، فاشتكت القبائل من سياسات أمان خان وحدثت انتفاضة سقّاوية ضده. قُمعت الانتفاضة الأولى، لكن التمرد الثاني المتزامن بدأ في تحقيق العديد من المكاسب على الأرض، لكن هُزم في النهاية.

المفاجئ أن الانقسام حدث حين رفض نادر خان التنازل عن العرش لصالح أمان خان، فدارت العديد من التمردات مثل تمرد شينواري، وتمرد كوهيستان، وتمرد غلزاي، وتمرد مزراك، حتى حاول أمان خان استعادة عرشه بمساعدة قوات الحلفاء.

أفغانستان بلد الحروب الأهلية

أفغانستان بلد الحروب بنوعيها، أهلية وخارجية، فلا تكاد تفيق من محاربة العدو الخارجي حتى تنزلق إلى حرب أهلية أشد فتكًا. فبعد أن خرج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان عام 1989، بعد أن خسر قرابة 40 ألف جندي و40 مليون دولار كفاتورة إنفاق يومي، دخل الأفغان في حرب أهلية استمرت عشر سنوات.

هدأت الحرب قليلًا بتوقيع اتفاقية بيشاور بين أحزاب الاتحاد الإسلامي في أفغانستان وحزب الوحدة الشيعي والحركة الإسلامية. الاتفاق نصّ على تشكيل حكومة مؤقتة يحكمها لمدة شهرين صبغة الله مجددي، ثم يخلفه لأربعة أشهر برهان الدين رباني. لكن أتت الطعنة من الحزب الإسلامي الموالي لباكستان الذي رفض الالتزام بالاتفاقية رغم توقيعه عليها وهاجم العاصمة كابول، فانهار الاتفاق وظل ربّاني في سدة الحكم.

بعد عام من المعارك الطاحنة في كابول، اجتمع الإخوة الفرقاء مرة أخرى في باكستان عام 1993 ووقعوا اتفاقية إسلام آباد تحت إشراف سعودي باكستاني. الاتفاقية قالت إن رباني سيظل رئيسًا للبلاد لمدة 18 شهرًا، بينما يتولى حكمت يار، رئيس الحزب الإسلامي، رئاسة الوزراء، وبالطبع سيتوقف إطلاق النار.

تصافح الرفاق وعادوا للوطن فألقوا الاتفاقية في الطريق وأطلقوا الرصاص مرة أخرى، كأن الاتفاقية لم تكن. عام 1994، في يناير/ كانون الثاني، تعرض رباني لمحاولة انقلاب رتبها حكمت يار وصبغة الله مجددي، فشل الانقلاب وجُدد لرباني عام جديد في السلطة، في يوليو/ تموز من نفس العام.

الولايات المتحدة تحفر قبرها

بينما الفرقاء التقليديون يمارسون لعبة الكرّ والفر برز لهم من حيث لا يدرون فصيل جديد لم يكن في حسبانهم، طالبان. منذ لحظة ظهورها في نوفمبر/ تشرين الثاني 1994، وفي غضون عامين فحسب، سيطرت على معظم مناطق أفغانستان. واكتمل نصرها بدخول كابول عام 1996 وأعلنت نفسها حاكمة البلاد والإطاحة برباني وحكمت يار.

 وظلت طالبان الحاكم الفعلي لأفغانستان حتى دخلتها الولايات المتحدة عام 2001 بعد هجمات سبتمبر/ أيلول عام 2001 فأطاحت بطالبان وجعلت حامد كرازي رئيسًا مؤقتًا للحكومة، وفي عام 2004 وضع دستور جديد وبات كرازي رئيسًا. وفي عام 2014 اُنتخب أشرف غني رئيسًا للبلاد، وأعلن حلف شمال الأطلسي رسميًا انتهاء مهام حفظ الأمن وتسليم المهمة للقيادة الأفغانية التي تعاني من عصيان مستمر.

دارت رحى الحرب الشهيرة في أفغانستان، حتى اقتربت من النهاية بعد 20 عامًا من القتال. حين قامت القوات الأمريكية في 2 يوليو/ تموز 2021 بتسليم قاعدة باجرام الجوية، رأس الحربة في الهجمات الأمريكية طوال 20 عامًا، إلى السلطة العسكرية الأفغانية، ما يعني أن الانسحاب النهائي وشيك كما وعد جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي.

صراع على البطاقة الشخصية

هذا الانسحاب بقدر ما يعتبر نصرًا للأفغان إلا أنه يمثل رعبًا لهم من مصير حرب أهلية جديدة. فكافة أمراء الحرب يريدون نصيبهم من الكعكة التي سيتركها الأمريكيون، فطلب كل حزب من أتباعه بالنزول للشارع للتنديد بعدم مشاركتهم في محادثات السلام، مثلما فعل قلب الدين حكمت يار.

كما دخلت الميليشيا الشيعية على خط الاعتراض كذلك، وردت الحكومة الأفغانية بأنها سوف تنتقم من الذين يعطلون مسيرة الحياة في أفغانستان. خطاب الحكومة شديد اللهجة لم يُستخدم ضد طالبان طوال العقود الماضية، ما يثير حنق المعارضة التي ترى أن طالبان بدأت تحصد امتيازات ليست من حقها.

الانقسام هذه المرة أشد عمقًا، فهو لا يدور حول اسم الكيان الذي سيحكم، بل حول عرقية من يحكم. فالجميع يرى أن طالبان والحكومة يفضلون البشتون، الذين ينتمون إليهم، على الأعراق الأخرى الموجودة في أفغانستان، الهزارة والطاجيك والأوزبك. فالهزارة، الشيعة، يقولون إنهم يحترمون المرأة أكثر مما يفعل البشتون. كما تطالب الفصائل الأخرى بكتابة هوياتهم على بطاقات الهوية الشخصية فيُكتب أفغاني طاجيكي، لأنه في نظر الأعراق، غير البشتون، فإن أفغاني باتت تساوي بشتوني.