في زيارة غريبة من نوعها إلى المنطقة العربية، جاء عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي والتحالف الوطني العراقي، إلى مصر، ليحاول أن يقدم ما لديه من عروض وتسويق لتحالفه الشيعي، في مقابل تسهيل عقد الصفقات النفطية مع مصر، وذلك على أمل أن يحوز الدعم من القاهرة لمشروع تكتله في العراق وخاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية العراقية في 2018.


الحكيم: صُنع في إيران

عمار الحكيم، مرجع شيعي عراقي، في لقاء صحفي مع السياسي الإيراني، علي أكبر ولايتي

ولد عمار الحكيم عام 1971 بمدينة النجف العراقية، وهو حفيد المرجع الشيعي محسن الحكيم، وقد سافر لإيران منذ صغره وتلقى تعليمه بالكامل هناك، ثم عاد للعراق في 2007، لينتخب عام 2009 رئيسًا لـ«المجلس الأعلى الإسلامي العراقي»، خلفًا لوالده.

ويعتبر الحكيم أحد مؤسسي ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية، والتي تشكلت عقب إعلان تنظيم داعش الخلافة في 2014، ورغم مشاركتها في القتال ضد التنظيم إلا أنها اتُهمت بارتكاب انتهاكات كبيرة بحق المواطنين العراقيين من السُنة، كما أن فيلق بدر والذي شكله والده يُعد الآن واحدًا من مكونات الحشد الشعبي بعد تغير اسمه إلى منظمة بدر.

ويرأس الحكيم كتلة «التحالف الوطني» الحاكمة، وهي أكبر كتلة داخل البرلمان، بـ180 نائبًا من أصل 328، وهي المسؤولة عن تسمية رئيس وزراء العراق لثلاث دورات متتالية، وتضم عدة كتل أهمها «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«المجلس الأعلى الإسلامي» بزعامة الحكيم، و«التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، و«تيار الإصلاح» بزعامة إبراهيم الجعفري.

ويعتبر الحكيم من أبرز حلفاء إيران داخل العراق، وذلك خلافًا لمقتدى الصدر الذي بدا على خلاف كبير مؤخرًا مع إيران، على إثر دعواته المتكررة لتغيير النظام العراقي الموالي لإيران، وحدث أن مزق الموالون له صور الخميني والرموز الإيرانية في العراق.


«التحالف الوطني» يروج لمشروعه بالمنطقة

يعتبر الحكيم أحد الرموز الشيعية في العراق، ويريد الآن الترويج لمشروع «التسوية الوطنية»، لمرحلة «ما بعد داعش»، وذلك في محاولة لاستباق أي محاولات قد تسحب البساط من تحت أقدام القوى الشيعية في العراق، والتي اتهمت بالتسبب في الطائفية ونشوء داعش، وخاصة خلال فترة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وتعد وثيقة «التسوية الوطنية»، ورقة سياسية طرحها الحكيم في أغسطس/آب 2016، بزعم لم شمل العراقيين وإجراء مصالحة سياسية بين جميع مكونات العراق، لكن يتبين أنها مثل غيرها من مبادرات قُدمت في وقت سابق وفشلت، لأنها افتقرت إلى إرادة حقيقية لتنفيذها، ويأتي طرحها الآن من قبل أكبر الكتل الشيعية ليس فقط للحصول على دعم الناخبين وإنما محاولةً للترويج لدى دول الجوار أنها راغبة في المصالحة وإنهاء السياسات الطائفية، وذلك لقطع الطريق على أي محاولات لتقوية جناح السنة أو قوى أخرى هناك.

وأهم ما جاء في وثيقة التسوية الوطنية أن الأمم المتحدة ستكون أحد الضامنين لتنفيذ هذه الوثيقة، كما تهدف المبادرة إلى الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة موحدة وفيدرالية، وتوزيع الصلاحيات وتطبيق اللامركزية التي من شأنها أن تنظم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وفق النظام الفيدرالي بما يحفظ وحدة العراق ويرفض تقسيمه.

ولكنها تحتوي على بنود ستجعلها غير قابلة للتحقق، وستثير الكثير من الخلاف؛ مثل البند الذي ينص على «لا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي أو تكفيري أو عنصري»، فلم يتم تحديد ما هو الكيان الإرهابي أو التكفيري أو العنصري، كذلك استبعاد الكثير من عناصر حزب البعث سيسهم في استمرار الخلافات والتشظي لأن الكثير من قياداته انضمت لداعش بسبب تهميشها.

كما اشترطت التسوية الحفاظ على التقسيمات الطائفية للمناصب السياسية إلى جانب دعم المرجعيات الدينية العراقية للمبادرة قبل موافقة الحكومة أو البرلمان عليها، وفي هذا تكريس للطائفية التي تسببت فيما عليه العراق الآن، وكذلك اشترطت إقامة علاقات مع دول الجوار شريطة دعمهم لهذه المبادرة، وهذا سيسهم في استمرار عزلة العراق عن دول جواره.

ومنذ إعلان الحكيم لوثيقة التسوية السياسية لم تحظ حتى الآن بالتوافق داخل العراق حتى داخل الكتل الشيعية، إلى جانب السنة والأكراد، ولهذا يسعى التحالف الوطني للترويج لها للحصول على دعم سياسي خارجي يروج به في الداخل، ومن هنا جاء قيام الحكيم بجولة لعدة دول عربية مثل الأردن ومصر وتونس والمغرب.


ماذا سيقدم الحكيم لمصر؟

لجأت مصر إلى العراق لاستيراد النفط، وذلك عقب توتر العلاقات بين مصر والسعودية، ووقف شركة أرامكو توريد الشحنات المتفق عليها إلى مصر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والتي عادت مرة أخرى فيما بعد. وتحاول القوى الشيعية المتحكمة الآن في العراق كسب ود مصر إلى جانبها لكسر عزلتها مع دول الجوار بسبب موقفها القريب من إيران (أي العراق)، وكسب شرعية في الداخل والترويج بأنها تحظى بدعم من أكبر القوى السنية بالمنطقة.

وخلال زيارته لمصر، كشف عمار الحكيم عن أن العراق يعمل حاليًا على مد أنبوب للنفط من البصرة بالعراق إلى العقبة في الأردن ومن ثم يمكن مده إلى العريش المصرية، وهذا ما يسهم في ضخ النفط إلى مصر بأسعار رخيصة مقارنة بغيرها، إلى جانب تجنبها الضغوط السياسية.

وأوضح رئيس التحالف الوطني العراقي خلال لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الشهر الجاري، أنه أكد له على دعم وحدة العراق وسيادتها، وذلك في إشارة إلى رفض مصر مساعي إقليم كردستان العراق الانفصالية عن العراق، حيث أكد الحكيم أن الظروف الحالية لبلاده لا تسمح بانفصال أي جزء منه.

وإلى جانب الترويج لأهمية الورقة النفطية، يحاول الحكيم تقديم العراق على أنها وسيط جيد في المنطقة بين إيران والعرب، ولهذا اقترح على مصر عقد مؤتمر إقليمي تشارك فيه القوى المحورية بالمنطقة، ويشمل بالإضافة لمصر كلًا من السعودية وتركيا وإيران، وذلك من أجل تحديد مساحات النفوذ والاشتباك السياسي.


تقارب الشيعة والسنة ورقة تفاوض أم واقع جديد؟!

عمار الحكيم، العراق، علي أكبر ولايتي
عمار الحكيم، العراق، علي أكبر ولايتي

خلال زيارته إلى مصر التقى عمار الحكيم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وذلك في محاولة منه للتقارب مع الأزهر بزعم مكافحة الإرهاب والتقريب بين السنة والشيعة ونبذ الطائفية، ويبدو أن السياسي العراقي يريد من ذلك الاستعانة بالأزهر في التخفيف من حدة التحريض السلفي ضد القوى السياسية الشيعية وخاصة في السعودية.

وقد تبدى ذلك في هجوم حزب النور في مصر على زيارة الوفد العراقي لمصر، وأعرب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور، أحمد خليل خير الله، اعتراضه قائلًا «زيارة زعيم ما يسمى بالمجلس الأعلى الإسلامي الشيعي لمصر، تهدف إلى تسويق التسوية السياسية في العراق، التي جرى التجهيز لها في إيران للحفاظ على نفوذها القوي وهيمنتها على الشأن العراقي».

وقال الأزهر في بيان له تعليقًا على لقاء الطيب والحكيم، «إن شيخ الأزهر معني بوحدة العراق وتحقيق المساواة بين جميع أبنائه، مؤكدًا أنه لابد من إيجاد مساحة كبيرة من الثقة بين علماء السنة والشيعة تمثل منطلقًا للحوار بين كافة مكونات الشعب العراقي».

من جانبه أكد رئيس التحالف الوطني العراقي، أن الأزهر يمثل منارة الاعتدال والوسطية، ودائمًا ما يتطلع العراقيون إلى التعاون والتنسيق مع هذه المؤسسة العريقة باعتبارها صوت العقل والحكمة التي تمثل المسلمين.

وتبدو جولة الحكيم في مصر وغيرها من الدول العربية لن تؤتي ثمارها فهي مجرد زيارة برلمانية، وإن كانت تمثل أقوى الكتل الشيعية هناك، فالعراق تحكمه توازنات صعبة حتى بين الكتل الشيعية ذاتها، فهو أراد أن يبدو بمظهر الرافض للطائفية والراغب في تحسين علاقات العراق بالدول العربية وهو ما لن يتحقق بسهولة حتى توازن بغداد بين علاقتها بطهران والعرب.

وختامًا يجب استغلال هذه الزيارة وغيرها لمحاولة تحقيق اختراق في العراق، بدلًا من تركه لإيران كليةً، فما زالت توجد تناقضات يمكن استغلالها داخل العراق، وداخل البيت الشيعي العراقي، الذي يعد داعمًا أساسيًا للأمن القومي العربي، فاستمرار الفوضى بهذا البلد سيساعد على استدامة التدخلات الإقليمية والدولية بالمنطقة وجعلها ساحة لتصفية النفوذ وتحديد المصالح على حساب ساكنيها.