إعداد: د. أشرف عثمان بدر [1]

أعلن بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية في سنة 2017 عن خطة لحل الصراع مع الفلسطينيين؛ أطلق عليها مسمى خطة «الحسم»، والتي اعتمدها فيما بعد المؤتمر العام لحزب الصهيونية الدينية. عقب انتخابات 2022؛ وبعد تمكن حزب الصهيونية الدينية من الوصول إلى مفاصل مهمة بصناعة القرار في الائتلاف الحاكم الإسرائيلي، نلمس السعي لتطبيق هذه الخطة. فما هي خلفية هذه الخطة، وما هي أبرز البنود التي وردت فيها. هذا ما ستسعى الورقة للإجابة عليه من خلال الرجوع للنص الأصلي للخطة، والتي تمّ نشرها سنة 2017 في مجلة هاشيلوح العبرية.

تجادل الورقة بأن الأسس التي بنيت عليها الخطة ما هي إلا إعادة إنتاج للخطاب الصهيوني المؤسس لـ«دولة إسرائيل» مع إضفاء للبُعد الديني عليه، بمعنى أن الخطة تصب في خانة تديين الصهيونية.

أولاً: تشكل حزب الصهيونية الدينية

بُنيت الحركة الصهيونية على ثلاثة تيارات رئيسية:

  1. التيار العمالي الصهيوني ذو التوجهات الاشتراكية، الذي مثله في فترة تأسيس «دولة إسرائيل» حزب مباي، وخلفه في ما بعد حزب العمل.
  2. التيار التصحيحي الصهيوني ذو التوجهات الليبرالية الرأسمالية، ومثله في فترة التأسيس حزب حيروت، وخلفه في ما بعد حزب الليكود.
  3. التيار الديني الصهيوني الذي يضم تحت جناحه الحريديم وكذلك التيار الديني القومي، والذي مثله في فترة التأسيس حزب المفدال، ويمثله في انتخابات 2022 حزب الصهيونية الدينية.

ينتمي حزب الصهيونية الدينية في جذوره السياسية إلى التيار الديني القومي، ويعود تأسيسه إلى اتحاد عدة أحزاب يمينية من التيار الديني القومي، وهي: (موليدت، تكوما، وحيروت – الحركة القومية).

تأسس حزب موليدت سنة 1988، كخليط من العلمانيين والمتدينين المؤمنين بقيم التوراة، وترأسه وقتئذ رحبعام زئيفي (الذي تمّ اغتياله سنة 2001 على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). برز موليدت من بين الأحزاب بدعوته الصريحة لترحيل الفلسطينيين (الترانسفير) كحل للصراع معهم، في تكرار لدعوات حزب كاخ العنصري المنتسب للتيار نفسه (الديني القومي).

أقيمت حركة تكوما بواسطة حنان بورات وتسفي هندل اللذين استقالا من حزب المفدال (الممثل الرئيسي للتيار الديني القومي)، من أجل خوض انتخابات الكنيست سنة 1999. في البداية تسمت الحركة باسم إيمونيم «المؤمنين» (ربما قياساً على حركة غوش إيمونيم)، لكن تغيّر اسمها سريعاً إلى حركة تكوما. تختلف تكوما عن موليدت باستنادها إلى مرجعية دينية من الحاخامات المتطرفين الذين يترأسهم الحاخام حاييم شتينر.

عقب تأسيس تكوما توحّدت مع موليدت وكذلك حزب حيروت – الحركة القومية، الذي تشكّل عقب انشقاق بيني بيغن وميخائيل كلينر عن حزب الليكود. تجمّعت الأحزاب الثلاثة (تكوما، وموليدت، وحيروت) تحت مسمى واحد وهو «الاتحاد القومي» لخوض انتخابات الكنيست، بذريعة منع بنيامين نتنياهو من التنازل عن أي جزء من «أرض إسرائيل»، وذلك عقب توقيعه مع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق واي ريفر نهاية 1998، والذي تضمن إعادة انتشار القوات الأمنية الإسرائيلية في بعض مناطق الضفة الغربية.

دفعت نتائج الاتحاد القومي المتواضعة في انتخابات 1999 (4 مقاعد) نحو تحالفه مع قوائم أخرى. بدأ الاتحاد القومي سلسلة تحالفاته مع حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيجدور ليبرمان. عقب ذلك، وبهدف خوض انتخابات 2009، تشكّل تحالف انتخابي يضم (الاتحاد القومي، وهتكفا، وإريتز يسرائيل). وفي انتخابات سنة 2013 وكذلك 2015، خاض الاتحاد القومي الانتخابات مع حزب البيت اليهودي (خليفة حزب المفدال).

تبعثرت الخريطة الانتخابية في انتخابات أبريل/نيسان 2019 بانسحاب نفتالي بينيت ونائبته أيليت شاكيد من قيادة البيت اليهودي وتشكيلهما قائمة «اليمين الجديد». وفي المقابل، خاض الاتحاد القومي الانتخابات تحت مظلة قائمة «اتحاد أحزاب اليمين»، الذي يضم ما تبقى من البيت اليهودي، وعظمة يهودية (عوتسما يهوديت). خَرَجَ عظمة يهودية من هذا التحالف في انتخابات سبتمبر/أيلول 2019، وانضم له اليمين الجديد بقيادة بينيت تحت مسمى قائمة يمينا التي تضم البيت اليهودي، والاتحاد القومي، واليمين الجديد، لكن سرعان من انفرط عقد هذا التحالف في انتخابات 2021، لتخوض قائمتان ممثلتان للتيار الديني القومي الانتخابات تحت مسمى يمينا، والصهيونية الدينية التي تضم الاتحاد القومي «الصهيونية الدينية»، وعظمة يهودية، ونوعم، فيما خاضت الصهيونية الدينية انتخابات 2022 ضمن التحالف نفسه مقابل البيت اليهودي، وريث يمينا الذي لم يصل نسبة الحسم.

ثانياً: الخلفية السياسية لخطة الحسم

يبني سموتريتش خطته على استنتاج أساسي وهو وصول نموذج «حلّ الدولتين» إلى طريق مسدود. منتقداً تحول اهتمام الساسة الإسرائيليين من السعي لإنهاء الصراع إلى إدارة الصراع، ومن ثم، وبحسب وجهة نظره، يجب تهيئة المجتمع الإسرائيلي لأخذ قرار بإنهاء الصراع لا إدارته، وحتى يتحقق هذا القرار لا بدّ من ترسيخ قاعدة للانطلاق؛ وهي توعية الجمهور الإسرائيلي، بأنه لا مكان في «أرض إسرائيل» (ما بين البحر الأبيض ونهر الأردن) لحركتين وطنيتين متناقضتين، وأنه طالما كان هنالك أمل عند الفلسطينيين بأن يقيموا كيانًا وطنيًا لهم تحت أي مسمى حتى لو سلطة فلسطينية منزوعة السيادة، سيستمر هدر الوقت في إدارة الصراع لا حله، وتشجيع «الإرهاب».

يجادل سموتريتش بأنّ «القول (الإرهاب ينبع من اليأس) كذبة، الإرهاب ينبع من الأمل؛ الأمل في إضعافنا». لذلك يكمن الحل في إفقاد الفلسطينيين أي أمل في إقامة كيان وطني خاص بهم، وذلك من خلال «الحسم» الاستيطاني، وتشجيع الهجرة، والأهم من ذلك «الحسم» العسكري.

يحدد سموتريتش سيناريوهين رئيسيين للتعامل مع الفلسطينيين، الأول: الإبقاء على السكان الفلسطينيين الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد مقيمين في «الدولة اليهودية». والسيناريو الثاني، الذي يتفرع إلى فرعين، يتعلق بالتعامل مع من لا يريد التخلي عن تطلعاته الوطنية؛ فإما التهجير الطوعي، أو (وفي حال استخدام الرافضين العنف ضد «إسرائيل») سيتم التعامل معهم باستخدام القوة المفرطة و«الحسم» العسكري.

ثالثاً: أهم محاور الخطة

يمكننا الادعاء بعد الاطلاع على تفاصيل الخطة بأن أبرز محاورها تتلخص بالتالي: «أرض إسرائيل الكاملة»، والخلاص، وتشجيع الاستيطان، واستخدام القوة والعنف، وإنكار وجود شعب فلسطيني، ورفض قيام أي كيان وطني فلسطيني، والتهجير. وفي ما يلي التفاصيل:

1. «أرض إسرائيل الكاملة»

يصرح سموتريتش بشكل مباشر بأنّ «المنطقة بين البحر والأردن مساحة جغرافية وطوبوغرافية واحدة، ولا يمكن تقسيمها بشكل مستدام». مشدداً على فكرة «أرض إسرائيل الكاملة» بقوله: «نحن هنا لنبقى، إن تحقيق طموحنا القومي بدولة يهودية من البحر إلى الأردن، حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش وغير قابلة للتفاوض».

وضعت الحركة الصهيونية نصب عينيها، في فترة ما قبل إقامة الدولة، تأسيس «دولة يهودية» على كامل أرض فلسطين الانتدابية. لكن وبعد تدخل المجتمع الدولي، صدر قرار التقسيم 181، الذي ينص على تقسيم أرض فلسطين الانتدابية بين الفلسطينيين واليهود. وافقت معظم قيادة الحركة الصهيونية على مقترح التقسيم، على أساس مبدأ «خذ وطالب»، وبهدف ترسيخ وشرعنة الكيانية الإسرائيلية الناشئة، لكن بعض الأحزاب الإسرائيلية رفضت القبول بقرار التقسيم، من بينها ما هو علماني كحزب حيروت (الليكود لاحقاً)، وحزب أحدوت هعفوداه العمالي الاشتراكي، الذي انشق عن حزب مباي (العمل لاحقاً)، ومنها ما هو ديني قومي كحزب همزراحي.

تمتد فكرة «أرض إسرائيل الكاملة» إلى الأيام الأولى بعد انتهاء حرب سنة 1967، بظهور حركة «من أجل أرض إسرائيل الكاملة». برزت الحركة في الساحة السياسية الإسرائيلية بعد شهر من حرب 1967، لتضم تحت جناحها مجموعة من السياسيين وقادة الفكر الصهيوني والمثقفين من اليمين واليسار والمتدينين، وقد وقَّع على بيان تأسيسها 50 شخصية عامة من جميع التيارات الصهيونية. نادت الحركة بتبني مبدأ «أرض إسرائيل كاملة»، بمعنى ضمّ الأراضي المحتلة سنة 1967 بما فيها الجولان وسيناء، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وكذلك تعزيز الاستيطان فيها.

تبنى التيار الديني القومي مهمة إنفاذ مبدأ «أرض إسرائيل الكاملة»؛ بدأ ذلك بتواصل الحاخام موشيه ليفنجر كممثل عن «حركة إسرائيل الكاملة» مع وزير العمل يغال ألون، وهو أحد قادة حزب أحدوت هعفوداه، من أجل السماح بالاستيطان في مدينة الخليل، الذي بدوره قدَّم مقترحاً بذلك للحكومة في بداية سنة 1968، لكن رئيس الوزراء وقتئذ ليفي أشكول فضَّل عدم تقديم المقترح للتصويت عليه في الحكومة، خشية من معارضة باقي الوزراء، فقرر ليفنجر الالتفاف على ذلك عبر فرض أمر واقع، بواسطة احتلاله لفندق النهر الخالد بالخليل؛ في أثناء عيد الفصح سنة 1968، ورفض إخلاء الفندق إلا بعد أن تدخل الحاكم العسكري الإسرائيلي وسمح له مع عشرات من المستوطنين بالإقامة في معسكر للجيش الإسرائيلي لنحو ثلاثة أعوام، وليتم بعدها بناء مستوطنة على أطراف مدينة الخليل (كريات أربع) سنة 1972.

تأسس العمل من أجل تطبيق مبدأ «إسرائيل الكاملة» سنة 1974 بواسطة تشكيل حركة غوش ايمونيم (تجمع المؤمنين)، المنبثقة عن التيار الديني القومي، الذي كان يمثله وقتئذ على الساحة السياسية حزب المفدال. انبثقت حركة غوش ايمونيم عن المدرسة الدينية «مركاز هاراف»، التي يقودها المرشد الروحي للصهيونية الدينية الحاخام أبراهام كوك، وفعلياً كان ليفنجر بمثابة رئيس الحركة التي رسخت الاستيطان في المناطق المحتلة سنة 1967، وفرضت على الحكومة الإسرائيلية توسيع الاستيطان.

برز ذلك عقب فرضها للاستيطان في سبسطية وكفر قدوم سنة 1975، بتواطؤ من الحكومة الإسرائيلية التي يقودها وقتئذ حزب العمل، الذي رأى بعض قياداته (كشمعون بيريز) في غوش ايمونيم حركة طلائعية ستساعد في ترسيخ الاستيطان في مناطق 1967. ومشى الليكود على خطى العمل عقب حصول الانقلاب السياسي في «إسرائيل» سنة 1977، حيث تبنى أريل شارون وحزب الليكود تسهيل عمل هذه الحركة ونشاطها الاستيطاني.

2. الخلاصية

بَنَت أحزاب التيار الديني القومي أفكارها على مبدأ «الخلاص»، من وجهة نظرهم النابعة من التوراة. جاء تأسيس «إسرائيل» ضمن مسيرة تمهد لخروج المسيح المنتظر الذي سيتم على يديه خلاص البشرية، وسيادة اليهود على العالم. يتبنى سموتريتش الفكر الخلاصي، ففي تقديمه لخطته يقول:

أنا شخص مؤمن. يؤمن بالقدوس تبارك في حبه لشعب إسرائيل وفي رعايته لهم. يؤمن بالتوراة التي حذرت من النفي ووعدت بالفداء. أنا أؤمن بكلمات الأنبياء الذين توقّعوا الدمار، وليس أقلها البناء المتجدد الذي سنراه يجري بناؤه أمام أعيننا. أعتقد أن دولة إسرائيل هي بداية نمو خلاصنا وتحقيق نبوءات التوراة ورؤى الأنبياء.

3. تشجيع الاستيطان

يمكننا الادّعاء، وبالاستناد على ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بوجود ما يشبه الإجماع بين الأحزاب الإسرائيلية (من يمين ويسار) على تشجيع الاستيطان في مناطق 1967، فيما عدا حزب ميرتس اليساري الذي «تحفّظ» على الاستيطان في أثناء وجوده في الحكومة. بينما على أرض الواقع، قامت الحكومات المتعاقبة بعد حرب 1967، التي يسيطر عليها حزب العمل، بتأسيس المستوطنات وتدعيم الاستيطان.

رسخت حكومة حزب العمل سياسة الاستيطان في أول سنتين من احتلال أراضي 1967، فبحسب ما أعلن عنه وزير العمل وقتئذ يغال ألون، وصل عدد المستوطنات المقامة إلى 30 مستوطنة، موزعة كالتالي: 10 في الجولان إضافة إلى 4 في مرحلة البناء، و5 في غور الأردن بالضفة الغربية وواحدة في مرحلة البناء، و3 في شمال سيناء و2 في مرحلة البناء في بوابة رفح بقطاع غزة، و2 في غوش عتصيون بالقرب من بيت لحم وواحدة في مرحلة البناء، وواحدة في موديعين بمحيط القدس، إضافة إلى الاستيطان في الخليل وشرقي القدس. وعلى الرغم من هذا الجهد الاستيطاني فإن بعض الأحزاب اليمينية كانت تطمح إلى تسريع عملية الاستيطان وتكثيفها.

انطلقت عملية الاستيطان من روح خطة ألون الاستيطانية التي اهتمت بترسيخ الاستيطان في غور الأردن مع الابتعاد عن التجمعات السكانية الفلسطينية، لكن ومع تولي إسحق رابين رئاسة الحكومة في سنة 1974، حصل تغيّر باتجاه تبني سياسة أكثر توسعاً في بناء المستوطنات، وعدم الاقتصار على المناطق التي حددها ألون في خطته، ليبدأ الاستيطان في رؤوس الجبال وفي مناطق قريبة من التجمعات السكانية الفلسطينية، نلمس ذلك بإقامة مستوطنة معاليه أدوميم بمحاذاة القدس، وكذلك مستوطنات ألون موريه وسبسطية وعوفره في وسط وشمال الضفة الغربية على يد حركة غوش إيمونيم، بتشجيع من وزير الدفاع وقتئذ شمعون بيريز، فقد التقت مصالح الحكومة العمالية اليسارية مع حركة غوش إيمونيم اليمينية المتدينة، على ضوء إعلان حركة غوش إيمونيم سعيها لاستيطان مناطق الضفة الغربية من أجل التهيئة لعودة المسيح المنتظر.

في المقابل افتقرت الحكومات الإسرائيلية إلى وجود القوة البشرية اللازمة لتنفيذ مخطط الاستيطان. فمنذ بداية حركة الاستيطان في مناطق 1967، عانت الصهيونية من نقص القوة البشرية، وعزوف الجيل الشاب من المستوطنين عن ترك مراكز المدن في مناطق 48 من أجل الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة. أسهم التقاء مصالح حزب العمل مع غوش إيمونيم في تعزيز الاستيطان، ليقام في عهد حكومة رابين 33 مستوطنة في أراضي 1967، وليبلغ ما أقيم من مستوطنات منذ حرب 1967 وحتى سنة 1977 إلى ما مجموعه 101 مستوطنة، كان حزب العمل اليساري مسؤولاً عن إقامتها.

ناقشت حكومة العمل في أواخر عهدها سنة 1976 توسيع الاستيطان بناءّ على خطة «العمود المزدوج»، التي تطمح إلى زيادة عدد المستوطنين في مناطق 1967 حتى سنة 2000 إلى نحو مليوني مستوطن. لكن إجراء الانتخابات سنة 1977 وصعود حزب الليكود إلى السلطة حال دون إشراف حزب العمل على تنفيذ هذه الخطة، وتولى حزب الليكود تنفيذها على يد الوزير أريل شارون؛ حيث عُرِفت خطة العمود المزدوج في ما بعد بخطة شارون الاستيطانية، التي تمّ بموجبها بناء 88 مستوطنة، بمساندة من حركة غوش إيمونيم التي وفّرت العنصر البشري في الفترة ما بين 1977 وحتى توقيع «إسرائيل» اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير سنة 1993.

تبني أحزاب التيار الديني القومي لمبدأ «أرض إسرائيل الكاملة»، دفعها إلى تشجيع الاستيطان في مناطق 1967، وذلك من أجل فرض أمر واقع يحول دون الانسحاب من هذه الأراضي، أو تقسيمها، وهذا ما أشرنا له بتشكل حركة غوش إيمونيم.

يؤكد سموتريتش في خطته لحسم الصراع ما سبق، بتحديده المرحلة الأولى من الخطة التي تتطلب بحسب تعبيره «الحسم الاستيطاني»، فبحسب خطته يرى أن القرار الأول والرئيسي هو الاستيطان. ولتحقيق ذلك لا بدّ من توفير الغطاء السياسي والقانوني، ويتمثل ذلك بتطبيق السيادة على جميع أراضي «يهودا والسامرة» (الضفة الغربية)، ومن خلال العمل الاستيطاني وإنشاء المستوطنات والمدن، وإقامة البنية التحتية كما هو الحال في مناطق الخط الأخضر، ومن خلال تشجيع عشرات ومئات الآلاف من السكان الإضافيين للانتقال والعيش في أراضي «يهودا والسامرة».

يصرح سموترتيش بالهدف الكامن خلف السعي للحسم الاستيطاني بقوله:

بهذه الطريقة، يمكن إنشاء واقع واضح لا رجوع فيه في هذا المجال في غضون بضع سنوات، لا يوجد شيء يعمل بشكل أفضل من هذا في أذهان عرب يهودا والسامرة، ويساعدهم على التخلص من وهم الدولة الفلسطينية، ويوضح لهم أنه لا توجد فرصة لإقامة دولة عربية أخرى غرب الأردن. الحقائق على الأرض، كما نعلم، تغير الوعي وتقرر الوعي، وستثبت الكتل الاستيطانية ذلك.

4. العنف كوسيلة

قامت الحركة الصهيونية على تبني العنف واستخدام القوة، ويمكن القول إنها استبطنت عقيدة «الجدار الحديدي» التي نظر لها زئيف جابوتنسكي، وتنص على استخدام القوة لإيجاد جدار حديدي يحمي الكيان الصهيوني من محاولات التعرض له. ولنا أن نتخيل لو أن الحركة الصهيونية لم تتبنَّ العنف والتطهير العرقي في بداية إنشاء «دولة إسرائيل»، لما قُدِّر لهذا الكيان أن يقوم.

ترى أحزاب التيار الديني القومي في استخدام العنف وسيلة فعّالة لتثبيت وجود «إسرائيل». وكما أسلفنا يرى سموتريتش أن «الإرهاب» الفلسطيني ناتج عن الأمل بإقامة دولة فلسطينية، لذلك يجب القضاء على هذا الأمل بالقوة والعنف وفرض الوقائع، من خلال «الحسم» الاستيطاني، وتشجيع الهجرة. وقبل ذلك «الحسم» العسكري، أوضح في خطته أن السبيل الوحيد للتعامل مع الرافضين لوجود «إسرائيل»، هو استخدام القوة المفرطة، وتسخير الجيش الإسرائيلي للقضاء على كل من تسول له نفسه مقاومة الكيان الصهيوني.

5. إنكار وجود «شعب فلسطيني»

ينطلق سموتريتش في خطته من برادايم (نموذج أو مثال) نظري واضح وهو «لا مكان في أرض إسرائيل لحركتين وطنيتين متناقضتين». بمعنى لا مجال لوجود الحركة الوطنية الفلسطينية مع الحركة الصهيونية (التي يعدّها حركة تحرر وطني). فهو يرى أن مفهوم الشعب الفلسطيني يتناقض مع وجود «دولة إسرائيل»، فـ«الشعب الفلسطيني أساساً ما هو إلا حركة مضادة للحركة الصهيونية». بمعنى أنّه يرفض حتى الاعتراف بوجود شعب فلسطيني. وبالتالي؛ ومن وجهة نظره ومن أجل حلّ الصراع اليهودي الفلسطيني، فلا بدّ أن يكون هناك تعريف قومي واحد فقط غرب نهر الأردن، وهو التعريف اليهودي. ومن ثم؛ لن يسمح بإقامة أي دولة عربية في قلب «أرض إسرائيل» تتمكن من تحقيق التطلعات القومية العربية هناك.

ويوضح سموتريتش أنّ الهدف من إنكار وجود شعب فلسطيني هو القضاء على دوافع إقامة دولة فلسطينية. وبالتالي فإن الحركة الاستيطانية برمتها، وما تبعها من تعزيز للاستيطان وتكثيفه كانت تهدف في الإساس إلى «حرق وعي العرب والعالم أجمع بأنه لا توجد فرصة لإقامة دولة عربية على أرض إسرائيل».

يحاول سموتريتش في خطته نسج رواية تاريخية صهيونية تؤكد عدم وجود شعب فلسطيني، مدعياً أن الشعب الفلسطيني لم يكن موجوداً قبل ظهور المشروع الصهيوني، وأن مسمى «فلسطين» أطلق على يد الرومان وليس العرب. وعندما فتح المسلمون أرض فلسطين في القرن السابع الميلادي، اتخذوا الاسم الروماني «فلسطين»، بينما بقيت المنطقة الشمالية تحت اسم «سوريا».

وبعد نحو 1500 عام، تبنى عرب فلسطين هذا الاسم عندما بدأوا معركتهم ضدّ الحركة الصهيونية، التي جاءت لإعادة الأرض إلى اليهود، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن:

الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة معادية للصهيونية، وعلى هذا النحو، لا يمكنها صنع السلام معها. هذا هو السبب في أن الفلسطينيين يرفضون الحد الأدنى من طلب إسرائيل بحقها في الوجود كدولة يهودية. لا توجد قومية فلسطينية.

ينظّر سموتريتش لرفضه وجود «شعب فلسطيني» على أساس أنها فكرة صهيونية، بنى عليها رواد ومؤسسي «دولة إسرائيل»، مُستشهداً بموقفهم الرافض لوجود مسمى «الشعب الفلسطيني» بقوله:

هذا ليس شيئاً جديداً، كان من الواضح لديفيد بن جوريون وجولدا مائير وبشكل أساسي لجميع القيادة الإسرائيلية حتى وقت قريب.

في إشارة للمقولة الشهيرة لرئيسة الوزراء الإسرائيلية مائير سنة 1972، التي صرَّحت فيها بأنّه:

لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، حتى إنه ليس علينا أن نأتي ونُخرجهم من البلاد، فهم ليسوا موجودين.

يمكننا تفنيد ادعاء سموتريتش بعدم وجود شعب فلسطيني من خلال الاستناد إلى الوقائع التاريخية، ففكرة الدولة القومية لم تظهر في المنطقة العربية إلا بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية. من ناحية أخرى، يدلل تشكيل المؤسسات والأحزاب فلسطينية في بداية القرن العشرين على عدم صحة ادعاء سموتريتش. يضاف إلى ذلك ما ورد في مقررات لجنة بيل سنة 1937 وقرار التقسيم 181، الذي يشير بوضوح إلى وجود الشعب فلسطيني، وحقه في تقرير مصيره والعيش بدولة خاصة به.

صحيح أنّ الوعي بالهوية الفلسطينية قد تطور بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، وتعرض فلسطين للاستعمار (الانتداب) البريطاني. لكن يجب الإشارة هنا إلى مجادلة رشيد الخالدي في كتابه «الهوية الفلسطينية: تكوين الوعي الوطني المعاصر»، بأنّ جذور الهوية الفلسطينية قد سبقت الوعي العام بها، مستشهداً بمطالبة الكاتب نجيب عازوري سنة 1908 توسيع سنجق القدس ليشمل فلسطين الشمالية، لأن ذلك ضروري لتطوير أرض فلسطين.

6. رفض الكيان الفلسطيني

رفض أحزاب التيار الديني القومي إقامة كيانية فلسطينية وطنية قد تقود إلى دولة مستقلة. ويوضح سموتريتش أن الفلسطينيين الذين يقبلون التخلي عن طموحاتهم الوطنية، سيُسمح لم بالبقاء لكن لن يتمتعوا بـ«حقوق المواطنة» في «دولة إسرائيل»، وسيتعين:

تحديد نموذج إقامة يتضمن الإدارة الذاتية للحياة المجتمعية، إلى جانب الحقوق والواجبات الخاصة، سيدير ​​عرب يهودا والسامرة حياتهم اليومية من خلال إدارات بلدية إقليمية، خالية من الخصائص الوطنية، التي سيكونون أيضاً قادرين على التصويت لها. ولاحقاً، مع تقدم العملية واستيعابها، وبناءً على معايير الولاء والخدمة العسكرية أو الوطنية، سيكون من الممكن دمج نماذج الإقامة، وحتى المواطنة.

يشير سموتريتش إلى أنّه سيكون لفلسطينيي 1967 الحق في التصويت على النظام الذي سيدير ​​حياتهم اليومية، بحيث يتم تقسيم الحكم الذاتي لفلسطينيي الضفة الغربية إلى ستّ حكومات بلدية إقليمية يتم انتخابها في انتخابات ديمقراطية، وهي بلديات الخليل، وبيت لحم، ورام الله، وأريحا، ونابلس، وجنين. ويوضح سموتريتش الهدف من التقسيم، حيث «سيؤدي التقسيم إلى حكومات بلدية إقليمية إلى تفتيت الجماعة الوطنية الفلسطينية والتطلعات إلى تحقيقها، لكنه في الوقت نفسه سيحافظ أيضاً على الانقسام القبلي – العشائري وبالتالي يسمح بوجود نظام مستقر لإدارة الحياة اليومية».

طرح سموتريتش يعيدنا إلى مفهوم «روابط القرى» الذي أسس له حزب العمل، ونفَّذه حزب الليكود بداية الثمانينيات، لكنه فشل على أرض الواقع برفض الشعب الفلسطيني له. يشير سموتريتش إلى أن خطته لا تختلف جوهرياً عن برنامج اليمين الإسرائيلي ممثلاً بحزب الليكود، بقوله «لا يوجد فرق بين الخطة السياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والخطة المعروضة عليك» (خطة الحسم).

فحسب سموتريتش يعرّف نتنياهو الكيان الفلسطيني الذي سيوافق على إقامته في الضفة الغربية بأنه «دولة ناقصة»، بمعنى دولة منزوعة السيادة، لا تملك أي جيش أو سيادة تمكنها من الإشراف على مراقبة الحدود البرية والجوية وحتى السيطرة على الفضاء السيبراني. وبالتالي، وبحسب وجهة نظر سموتريتش، لا يوجد فرق جوهري بين الوضع الذي يؤسس له نتنياهو وخطة سموتريتش. وإنما الفرق يكمن في أن سياسة نتنياهو يتم فيها الحفاظ على كيان قومي جماعي للعرب في «يهودا والسامرة»، كيان له تطلعات وطنية تتعارض مع خطة سموتريتش.

من الجدير بالملاحظة أنّ سموتريتش يعتقد أن قرار التقسيم 181 والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947، قد تمّ تطبيقه على أرض الواقع، فالاتفاق الأصلي بين الحركة الصهيونية ودول العالم كان مبني على تأسيس «دولة إسرائيل بقوة الإيمان بصلاح القصة التوراتية، وبقوة اتفاق دول العالم، في لحظة تاريخية نادرة، للمساعدة في تحقيق الرؤية وإعادة الأرض إلى شعب إسرائيل».

لكن وكنتيجة للخضوع «للعنف العربي» تمّ طرح منطقة شرق الأردن من المنطقة المراد إعادتها إلى «شعب إسرائيل» لصالح إنشاء المملكة الأردنية، ولاحقاً وُلد مخطط التقسيم الذي جلب إلى العالم تصور الدولتين في «أرض إسرائيل». بمعنى أن الأردن جزء من «أرض إسرائيل الموعودة»، وباقتطاعها لصالح إقامة المملكة الأردنية تمّ فعلياً تطبيق قرار التقسيم، وحتى نموذج حلّ الدولتين.

طَرْح سموتريتش لا يُعد جديداً، فهو طَرح مطابق لطرح سلفه حزب موليدت، ومن قبله حزب حيروت (الليكود لاحقاً) الذي طالب في برنامجه الانتخابي سنة 1952 بالمحافظة على «قدسية الحدود التاريخية للبلاد وعلى سلامة الوطن». فقد طالب بحدود سياسية تشمل طرفي الأردن.

7. التهجير

ينادي سموتريتش بـ«تشجيع» هجرة الفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في التخلي عن تحقيق تطلعاتهم القومية. فهم «مدعوون للذهاب وتحقيقها في واحدة من العديد من الدول العربية المحيطة، أو البحث عن أنفسهم، مثل الكثير من العرب من حولنا، عن مستقبل أفضل في أوروبا وأمريكا الجنوبية أو دول أخرى، حتى لا يضطروا للعيش في الدولة اليهودية».

ينتقد سموتريتش فكرة اليسار الإسرائيلي بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين تحت حجة ضمان أغلبية ديموغرافية في أرض فلسطين، وتحاشيهم اللجوء إلى الحل الواقعي «العقلاني» المتاح وهو «تشجيع» الهجرة. فمن وجهة نظره بالواقع الحالي تخضع هجرة الفلسطينيين إلى قيود كثيرة ولا تحظى بأي تشجيع، لذلك الحل يكمن بالسماح بالهجرة بطريقة سهلة ومريحة، عبر توفير المساعدة المالية واللوجستية للراغبين بالهجرة من الفلسطينيين، بحيث تحصل هجرة «طوعية» هدفها البحث عن مستقبل أفضل.

يمكننا القول إنّ فكرة التهجير «الطوعي» أو كما يُصطلح عليه في بعض الأدبيات «التهجير الهادئ» موجودة ضمن الفكر السياسي للقيادة السياسية الإسرائيلية، وغير مقتصرة على التيار الديني القومي، فعلى سبيل المثال وبعد انتهاء حرب 1967، وكما كشفت وثائق أرشيفية، بادرت حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية برئاسة مباي، والتي تضم أحزاب اليمين واليسار، إلى وضع خطة لتحفيز العائلات الفلسطينية على الهجرة للأردن.

رابعاً: هل سينجح سموتريتش في إنفاذ خطته؟

يوجد ثلاثة احتمالات: النجاح الكامل، الفشل، النجاح الجزئي. يُستبعد أن ينجح سموتريتش في تنفيذ خطته بشكل كامل، فالتهجير الطوعي للفلسطينيين ثبت فشله على مدار السنين، ولم تستطع الحكومات الإسرائيلية السابقة إغراء أعداد كبيرة من الفلسطينيين بالهجرة الطوعية، وبالتالي لا يبقى أمامه لإنجاز فكرة التهجير سوى تنفيذ التهجير القسري، وحتى يتحقق هذا السيناريو لا بدّ من حدث كبير، كحرب إقليمية تسهم في تحقيق هذا السيناريو.

ومن غير المتوقع أيضاً أن يتخلى الفلسطينيون عن طموحهم الوطني، ويقبلوا بالتعايش مع الواقع القائم من هيمنة لنظام عنصري صهيوني، ومن المرجح استمرار الدافعية عند الفلسطينيين لتحقيق ذاتهم وتأسيس كيانية فلسطينية والتخلص من الاحتلال. أمّا «الحسم الأمني» الذي ينادي به سموتريتش فمن المستبعد أن يتحقق؛ فطوال العقود الفائتة حاول الكيان الصهيوني حسم الصراع أمنياً من خلال استخدام العنف المفرط، وتوجيه ضربات أمنية مركزة، لكن في كلّ مرة كانت الفصائل الفلسطينية المقاوِمة للمشروع الصهيوني تستجمع شتاتها، وتعيد ترتيب صفوفها من أجل استئناف العمل ضدّ هذا المشروع. علاوة على تراكم خبرة فصائل المقاومة في حربها مع «إسرائيل»، ونجاحها بالصمود على الرغم مما تعرّضت له من حروب متتابعة.

في ما يتعلق بالاستيطان؛ تكمن مشكلة سموتريتش في ضعف الدافعية عند الجيل الناشئ في الكيان الصهيوني نحو الاستيطان خارج منطقة المركز أي تل أبيب وضواحيها، إذ إن نحو 50% من الإسرائيليين يسكنون بمنطقة المركز، ويتوزع الباقي على المدن الرئيسية. وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتوفير حوافز أمام الجيل الناشئ بهدف الانتقال إلى الأطراف والضواحي، لكن معظم هذه الجهود لم تحقق غايتها.

وعلى ذلك يمكن القياس بالنسبة إلى الاستيطان في مناطق الضفة الغربية، فعلى الرغم من الحوافز الاقتصادية للمستوطنين المتمثلة في تقديم تسهيلات مالية، ومساعدات لمن يرغب بالاستيطان في مناطق 1967، فإن الاستيطان في هذه المناطق أصبح شبه مقتصر على منتسبي التيار الديني القومي، الذين يملكون الدافعية الأيديولوجية للاستيطان. وبالتالي؛ ما لم تحصل موجة هجرة يهودية جديدة من خارج فلسطين، من غير المتوقع أن يستطيع سموتريتش تنفيذ طموحه بـ«الحسم الاستيطاني»، وزيادة عدد المستوطنين في منطقة الضفة الغربية ليشكلوا أغلبية سكانية.

يتوقع أن ينجح سموتريتش في هدفه المتمثل بالحفاظ على «أرض إسرائيل الكاملة»، فالأحزاب الإسرائيلية، في ما عدا ميرتس، تدور حول برنامج اليمين بعدم جدوى المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن التنازل عن أي جزء من الأرض سيضر بأمن «إسرائيل». وبالتالي؛ ونتيجة لوجود ما يشبه الإجماع بين الأحزاب الإسرائيلية على عدم الانسحاب من مناطق 1967، يتوقع أن ينجح سموتريتش في مسعاه.

بناءً على ما سبق؛ يرجح أن يفشل سموتريتش في تنفيذ كامل خطته لاعتبارات ذاتية وموضوعية. فمن غير المتوقع أن ينجح بالتهجير الطوعي أو الحسم الأمني والاستيطاني. لكنه سينجح فيما نجح به غيره من السياسيين الإسرائيليين، وهو منع إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين تفضي إلى تأسيس كيانية فلسطينية مستقلة.

الخلاصة والاستنتاجات

تأتي خطة سموتيرتيش في سياق البحث عن حلّ للصراع مع الفلسطينيين بعد وصول عملية «السلام» القائمة على اتفاق أوسلو، والنموذج الذي بُنيت عليه (حلّ الدولتين) إلى طريق مسدود، حيث يسعى من خلال خطته للعودة إلى جذور المخطط الصهيوني قبل انطلاق أوسلو، على أمل إنهاء الوجود الفلسطيني ككيانية مستقلة في أرض فلسطين.

يتحاشى سموتريتش في خطته التطرق إلى التهجير القسري للسكان الفلسطينيين، ويطرح خطته في سياق «تشجيع» الهجرة عبر تسهيلها وإيجاد الظروف المشجعة عليها. لكن لو ربطنا «تشجيع» الهجرة بالفكرة العامة التي تقوم عليها الخطة، من رفض لوجود «شعب فلسطيني»، ورفض تحقيق أي تطلع وطني للفلسطينيين، مع تعزيز الاستيطان، واستخدام العنف مع الرافضين للكيان الصهيوني، فهذا سيقودنا إلى الاستنتاج بأنّ مفهوم «تشجيع» الهجرة، ما هو إلا ستار دخاني لإخفاء طبيعة الخطة المبنية على إيجاد ظروف طاردة للسكان الفلسطينيين، تجعل من الهجرة التي تبدو كأنها طوعية، الخيار المتاح للسكان الفلسطينيين المحرومين من حقوق المواطنة في «دولة إسرائيل»، الذين يُعامَلون كمقيمين في وطنهم، ويُحكمون بواسطة منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني القائمة على التمييز العنصري.

تتوافق خطة سموتريتش، في مجملها، مع الخطاب الصهيوني الذي كان يتردد على ألسن قادة الأحزاب الإسرائيلية من اليمين واليسار، وبالتالي يمكننا الادعاء بأن خطة سموتريتش ما هي إلا إعادة إنتاج للخطاب الصهيوني المؤسس لـ«دولة إسرائيل»، مع إضافة للمرجعية التوراتية الخلاصية (المسيانية) لهذا الخطاب.

فالأسس التي تقوم عليها خطة «الحسم»، تتماهى مع ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي قادتها أحزاب متنوعة من اليمين أو اليسار، فـ«أرض إسرائيل الكاملة»، وتشجيع الاستيطان، واستخدام القوة والعنف، وإنكار وجود شعب فلسطيني، ورفض قيام أي كيان وطني فلسطيني، والتهجير؛ كلها سياسات ومبادئ مارستها الحكومات الإسرائيلية على مرّ السنين، وربما يكون الفرق بين هذه الحكومات والتيار الديني القومي وممثله حزب الصهيونية الدينية، هو أنّ هذه الحكومات كانت تلجأ لتمرير سياساتها تحت مبررات «عقلانية» براجماتية (تحقيق الأمن على سبيل المثال)، قائمة على الحرص على مصلحة المشروع الصهيوني و«دولة إسرائيل»، بينما يستند سموتريتش في خطته على رؤى توراتية و«عقائد» دينية، بحيث تخضع خطته للاعتبارات الأيديولوجية على حساب الذرائعية البراجماتية.

يُتوقع ألا ينجح سموتريتش في إنفاذ بنود خطته القائمة على التهجير والحسم الأمني والاستيطاني. وحتى يتأكد إفشال خطته لا بدّ للفلسطينيين من التوافق على بنود المشروع الوطني المنشود تحقيقه، وإنهاء الانقسام السياسي، بالتزامن مع وضع برنامج وطني متوافق عليه، يضمن التصدي لخطة سموتريتش وإفشالها. بالترافق مع ذلك؛ لا بدّ من إسناد العرب والمسلمين للفلسطينيين مادياً ولوجستياً من أجل الصمود على أرضهم وإفشال مشروع سموتريتش للتهجير. علاوة على ذلك، لا بدّ من فضح سموتريتش وما يمثله في «إسرائيل» أمام العالم والمجتمع الدولي، كونه يتنكر لوجود الشعب الفلسطيني وأبسط حقوقه التي ضمنتها الشرائع الدولية وهو حقّ تقرير المصير.

المراجع
  1. باحث ومحاضر أكاديمي، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، وماجستير دراسات إسرائيلية.