كثيرًا ما لاحَقَتْ وتُلاحق الأقدار المٌفجعة الفارَّين منها إلى ما كانوا يظنُّونَه مأمَنهم، وما شهده القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري) من حروبٍ كبرى على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، شاهد على ذلك. 

بعد نجاح حرب الاسترداد الصليبية في القضاء على الأندلس الإسلامية تدريجيًا وعلى مدار أكثر من 4 قرون تُوِّجَت باحتلال الإسبان لآخر المعاقل الإسلامية فيها وهي غرناطة عام 1492م (897 هـ)، وما تبع هذا من هجرة مئات الآلاف من الأندلسيين طوعًا وكرْهًا إلى المغرب الإسلامي، فرارًا بحياتهم ودينهم من جحيم التنصير الكاثوليكي في إسبانيا، فوجئَ هؤلاء بالجيوش الإسبانية تلاحقُهُم برًا وبحرًا إلى هناك، حيث نجحت إسبانيا وحلفاؤها الصليبيون كدويلة فرسان مالطا، خلالَ بضعة عقود، في احتلال أجزاء كبيرة من الساحل المغاربي الإسلامي من طرابلس الغرب شرقًا إلى سبتة غربًا، مرورًا بتونس وعنابة وبجاية ومستغانم ووهران .. إلخ تمهيدًا لمشروع إسباني طموح ينتهي باحتلال العالم الإسلامي بأكمله.

لكن لم يستطِع الإسبان الاحتفاظ بمعظم مكاسبهم جنوبي البحر المتوسط طويلًا، فقد ظهر لهم خصمٌ شرس، هو أسطول وجيوش ولاية الجزائر العثمانية بزعامة البحار الشهير عروج باشا وأخيه الأشهر خير الدين بارباروس، وخلفائه الذين دأبت المصادر الغريبة على وصمهم بالقراصنة، وقد بايعوا الخليفة العثماني في إستانبول، وحصلوا منه على دعمٍ مفتوح من الشرعية والرجال والمال والسلاح، وكان اللاجئون الأندلسيون من أبرز أعمدة قوة وتفوق الجزائر العثمانية في تلك الحروب وأيامها العصيبة، وكادوا في إحدى الجولات يستعيدون وطنَهم المسلوب لولا قوة ووحشية الإسبان في قمع الثورة، وغياب التخطيط المتناسب مع حجم هذا المشروع الطموح.

أندلسيو الجزائر: من اللجوء إلى القتال

لم يكُن مُستَغرَبًا أن يتدفَّقَ اللاجئون الأندلسيون إلى سواحل الجزائر بعد سنواتٍ معدودة من سقوط غرناطة، فالحكومة الإسبانية المتعصبة بضغطٍ متزايد من الكنيسة الكاثوليكية جهودها للقضاء على الوجود الإسلامي الباقي هناك بالتنصير أو الطرد. في البداية لجأ الإسبان إلى الوعظ والترغيب المادي بخفض الضرائب، وببعض الامتيازات الأخرى لمن يتنصَّرون، وبالفعل استجاب بعض الأعيان والأمراء المسلمون وتنصَّروا.

اقرأ: مراثي الأندلس .. ملاحم الشجن الخالد

بعد الترغيب، بدأ الترهيبُ عام 1498م (903هـ) وما تلاه، فأُغلِقَت المساجد، وحُوِّلَ أكثرُها إلى كنائس، ومُنِعت دراسة العلوم الإسلامية، ثُمَّ أمر أسقف طليطلة، بجمع المصاحف والكتب العربية وإحراقَها، وفُرِضَت عقوبات صارمة على من يُعثَر بحوزتهم عليها.

ثمَّ اشتدَّت جهود التنصير الفردي والجماعي منذ عام 1500م، وأُحرِقَ الآلاف بأمر محاكم التفتيش الكنسية، بتهم الإلحاد والكُفر، وممارسة الصلوات الإسلامية، أو إلقاء الشعر العربي … إلخ، واستجاب الكثيرون وتظاهروا بالتنصُّر لتجنب الموت والتعذيب.

وعندما ثار المسلمون الأندلسيون غيرَ مرةٍ في غرناطة، وجبال البشرات، وبلنسية وغيرها احتجاجًا على التطهير الديني والعرقي، قابلتهم السلطات الإسبانية بعنفٍ شديد، ومذابح مروِّعة، ومُنع وصول السلاح بكل أنواعه حتى السكاكين إليهم، فَحُسِمَت الأمور لصالح الإسبان الأقوى تسليحًا وتدريبًا، والأوفر إمدادًا وعُنفًا.

اقرأ: الموريسكيون في غزة .. حتى لا تسقط الأندلس مجدَّدًا

لكن نجح المئات من الثوار الأندلسيين المهزومين في الفرار إلى حواضر الساحل الجزائري التي كانت ساحةً للقتال ضد الإسبان، تعتمل نفوسُهم بالرغبة في الثأر وفي إلحاق الهزائم بالإسبان، والاستعداد لمحاولة العودة إلى الأندلس فاتحين. 

هجمات بحرية قبل سقوط الأندلس

وإذا عدنا إلى الوراء أكثر من قرنٍ من الزمن، فسنجد أنَّ جهودَ الأندلسيين للانتقام من الإسبان قد بدأت قبل عقود من سقوط غرناطة عام 1492م (897هـ)، حيث كان الآلاف من اللاجئين الأندلسيين قد وصلوا بالفعل إلى السواحل الجزائرية وسواها في المغرب العربي، فارّين من الحواضر الأندلسية الأخرى التي سقطت في قبضة الإسبان والبرتغاليين خلال القرون المتتابعة، وشرع هؤلاء الفارون من الأندلس على الفور في الانضمام لأي مشاريع مقاومة مغاربية محلية ضد إسبانيا والبرتغال.

فى ذلك الحين، غادر الأندلس آلاف من الأندلسيين المجاهدين، أنفوا العيش فى الوطن القديم، فى مِهاد الذلة والاضطهاد، تحت نير الإسبان، وعبروا البحر إلى عدوة المغرب، وقلوبهم تفيض حقداً ويأساً، واستقروا في بعض القواعد الساحلية، مثل وهران والجزائر وبجاية، ووهب الكثيرون منهم حياتهم للجهاد في سبيل الله، والانتقام من أولئك الذين قضوا على وطنهم، وظلموا أمتهم، وانتهكوا حرمة دينهم. وكان البحر يهيئ لهم هذه الفرصة ..
د.محمد عبد الله عنان .. كتاب تاريخ الإسلام في الأندلس

يذكر توفيق المدني في كتابه «حرب الثلاثمائة عام بين الجزائر وإسبانيا» أنه في مطلع القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري) وعلى بعد بضعة كيلومترات من مدينة وهران الجزائرية، أنشأ ملوك دولة بني زيان في تلمسان، بالتعاون مع المئات من المهاجرين الأندلسيين، ميناءَ المرسى الكبير، ليكون قاعدة للنشاط التجاري البحري، وكذلك منطلقًا للإغارة على سفن الأعداء من الإسبان والبرتغاليين والاستيلاء عليها، فسبَّبوا صداعًا مُزمنًا، للإمبراطوريتيْن الصاعدتيْن.

وهو مما دفع البرتغاليين إلى شن عدة حملات عسكرية للاستيلاء على هذا الميناء الحيوي، ونجحوا مرتيْن في احتلاله بين عاميْ 1415م – 1437م  و 1471م – 1477م، قبل أن ينجح الجزائريون والأندلسيون في تحريره، ثم استولى عليه الإسبان عام 1505م، وظلَّ بحوزتهم، لحين وصول الأتراك إلى المنطقة وشروعهم في إزاحة الإسبان تدريجيًا.

وخلال القرن السادس عشر الميلادي، برزت أسماء العديد من البحارة من اللاجئين الأندلسيين والذي تخصَّصوا في الإغارة على الأهداف الإسبانية، ومنهم الريس بلانكيو، والريس أحمد أبو علي، والريس مراد الكبير جواديانو. وكان هؤلاء البحارة غالبًا ما يشنون غاراتهم في أساطيل صغيرة من المراكب السريعة الخفيفة، ويدلهم بعض الجواسيس الأندلسيين في الداخل على المواقع الدفاعية الإسبانية، وعلى الأهداف الثمينة.

كان يصعب على سفن الأسطول الإسباني الثقيلة تتبُّعهم. وكان من أهداف تلك الغارات استرقاق أكبر قدرٍ ممكن من الإسبان وبيعهم في أسواق الرقيق في المغرب وتونس وسواها، وقدّرت أعداد هؤلاء الأسرى بعشرات الألوف.

كما يذكر المدني، أن إحدى الروايات التاريخية الرائجة عن أصل البحار التركي عروج باشا، مؤسس دولة الجزائر العثمانية، تنصُّ على أن أمه كانت لاجئة أندلسية فرَّ أهلها تحت الضغط الإسباني إلى جزيرة ميدلي ببحر إيجة، شرقي البحر المتوسط.

لكن على الجانب الآخر، لعب بعض اللاجئين الأندلسيين أدوارًا سلبية في مواجهة الإسبان، فيروي المدني قصة مسؤول مالي مهم من يهود الأندلس اللاجئين، اسمه أشطورا، ارتكبَ وبعض أتباعه خيانةً عظمى أثناء حصار الإسبان لمدينة وهران عام 1509م، حيث فتحوا أحد أبواب وهران للغزاة، مقابل رشوة ضخمة، فنجح الإسبان في اقتحام المدينة الحصينة، ونهبها، وقتل الآلاف من سكانها، والاستفادة من موقعها الحيوي لمدةٍ تُقارب ثلاثة قرونٍ من الاحتلال. 

تعمير الجزائر والدفاع عنها

وقد ازدهرت الجزائر يومئذٍ بالمهاجرين الوافدين من الأندلس، ومعظمهم من مهرة الصنَّاع والزارعين وأهل العلم واليسار ممن درجوا في مهد الحضارة في  الفردوس المفقود، فأخذوا بمهجرهم يمارسون مهنهم الراقية في وطنهم الجديد
المؤرخ عبد الرحمن الجيلاني

يذكر المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في «تاريخ الدولة العثمانية» أن البحار التركي الطموح عروج باشا، والذي عمل بين عاميْ 1513م و 1518م بهمة لإنشاء دولةٍ له في شماليْ إفريقيا لتكون مُنطَلَقًا لمواجهة الاستعمار الصليبي الإسباني، قد حرص على القيام بعشرات الرحلات البحرية الخطيرة التي نقل خلالها عشرات الآلاف من اللاجئين الأندلسيين إلى مناطق نفوذه في الساحل الجزائري. وكان من الطبيعي أن يصبحَ هؤلاء من أخلص رعية دولته، وزودوا جيوشَه وأساطيلَه بالمئات من المقاتلين والبحارة المهرة، شديدي الحنق على الإسبان وحلفائهم الأوروبيين.

ثم يسجِّل أوزتونا حدثًا مهمًا، بعدما دخل عروج باشا مدينة الجزائر عام 1517م، حيث جاءتْه الوفود من أهالي وأعيان حاضرة الغرب الجزائري مدينة تلمسان، والتي كان يمثل اللاجئون الأندلسيون نسبةً كبيرةً من سكانها، وقد أحنقَهم معاهدة التحالف التي عقدَها ملك تلمسان محمد الخامس مع الأعداء الإسبان، وأفتى علماء تلمسان باعتبار الملك خائنًا يجب قتله.

اغتنم عروج الفرصة وزحف على تلمسان، والتي ارتجَّت بالمظاهرات المؤيدة له، فدخلها دون قتالٍ يُذكر، وقتل محمد الخامس، ونصَّب مكانه الملك حمو الثالث، والذي ما لبث بعد أشهرٍ قليلة أن ضاق بنفوذ عروج باشا، وطلب سرًا من الإسبان التحالف معه ضد الأتراك.

نجح الإسبان بالعام التالي في القيام بهجومٍ مضاد كبير، بالتعاون مع حلفائهم من القبائل العربية والبربرية المحلية المعادية للأتراك، وانتزعوا تلمسان، وثبَّتوا الملك الموالي لهم. رغم ذلك فإن مشروع المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال العثماني لم ينتهِ، فقد طلب خليفة عروج، أخوه خير الدين بربروس الانضواء الرسمي تحت راية الدولة العثمانية، بموافقة أعيان الجزائر وحلفائه المحليين، وحصل بالفعل على دعمٍ كبير بالمال وبمئات البحارة من السلطان سليم الأول.

 ثم تضاعف هذا الدعم في عهد خليفته السلطان سليمان القانوني (1520-1566م)، والذي أولى عنايةً فائقة سياسيةُ وعسكرية إلى ساحة البحر المتوسط، فشنَّ في بداية عهده عام 1522م حملة عسكرية انتزع بها جزيرة رودس من فرسان القديس يوحنا الصليبيين، ثم شرع بعدها في دعم أسطول خير الدين بربروس بكل ما يحتاجه، وأوكل إلى هذا البحار الاستثنائي قيادة البحرية العثمانية عام 1534م. 

وقد ركَّز خير الدين في جهوده البحرية ضد إسبانيا على نقل أكبر قدرٍ ممكن من اللاجئين الأندلسيين من إسبانيا، وقدَّرت بعض المصادر مجموع من نجح من انتشالهم من الأندلسيين بحوالي 70 ألفًا. وأصبح هؤلاء قوة سكانية وسياسية وحربية بارزة في ولاية الجزائر العثمانية. 

وبحسب يلماز أوزتونا فإنه بعد الانتصار البحري العثماني الساحق على أسطول أوروبي كبير مشترك من إسبانيا والبندقية وفرسان مالطا وسواهم، في معركة بروزة Preveza عام 1538م، سنحت الفرصة للأسطول الجزائري للإغارة على السواحل الإسبانية، وتدمير قلعة جبل طارق الحصينة المشرفة على المدخل الغربي للبحر المتوسط، ومن ثمَّ إنقاذ آلاف الأندلسيين من المناطق الإسبانية المحتلَّة، وتسليحهم، ليدعموا جهود المقاومة برًا وبحرًا ضد الإسبان.

معركة الجزائر 1541م

لعلَّ أخطر أدوار الأندلسيين في مقاومة المد الإسباني في القرن السادس عشر، كان دور الآلاف من مقاتليهم في الدفاع عن مدينة الجزائر ضد الحملة الصليبية الكبرى التي قادها شارل الخامس بنفسه لاحتلال الجزائر في أكتوبر 1541م، وكان تحت إمرته أكثر من 500 سفينة بحرية و 36 ألف مقاتل وبحار.

في كتابه «حرب الثلاثمائة عام بين الجزائر وإسبانيا»، نقل المؤرخ الجزائري توفيق المدني، تقريرًا سريًا إسبانيًا عن سكان الجزائر وقواتها قبل الهجوم الكبير الذي شنَّه شارل الخامس، حيث ذكر الجواسيس الإسبان أنه كان بالجزائر أكثر بقليل من ألفيْن من الأتراك، وما يقارب ثمانية آلاف من اللاجئين الأندلسيين.

قدّر المدني مجموع القوات المسلَّحة المدافعة عن الجزائر في تلك المعركة الفاصلة بحواليْ 6 آلاف مقاتل، منهم أقل من ألفٍ من الإنكشارية العثمانيين المُدرّبين والمسلَّحين جيدًا، وما يقارب 5 آلافٍ من المقاتلين الأندلسيين الذين اشتهروا بدقتهم في الرمي بالبنادق النارية، والسهام القصيرة القادرة على النفاذ عبر الدروع الخفيفة.

طوَّقت الحملة الصليبية مدينة الجزائر برًا وبحرًا، لكن خدمت الأقدار الجزائر بأن ثارت عاصفة شديدة تخللتها سيول جارفة، ورياح عاتية، أغرقت الكثير من سفن الأسطول الإسباني وحلفائه، وأتلفت الكثير من الذخائر والبارود، وهنا ظهرت فاعلية سهام الأندلسيين التي لم تتأثرْ بمياه الأمطار، وأصابت المئات من قوات الصليبيين، كما قام الأسرى المسلمون في أسطول الغزاة، وجُلُّهم من الأندلسيين، بعملياتٍ فدائية، حيث كانوا يُجبَرون على التجديف بالسفن، فاستغلوا العاصفة وتوقفوا عن التجديف، فتسببوا بغرق بعض السفن الإسبانية، وجنوح أُخَر إلى الشاطئ الجزائري.

نجحت حامية الجزائر في انتشال ما يقرب من 1400 من هؤلاء الأسرى، بينما استشهد المئات منهم غرقًا. ومع مطلع نوفمبر، اضطر شارل إلى الانسحاب خوفًا من أن يكبس قواته وهي في تلك الحالة المزرية أسطول خير الدين بربروس الذي كان آنذاك قد أصبح القائد العام للأسطول العثماني.

وفي مفارقةٍ مأساوية، يذكر توفيق المدني، أن شارل الخامس بعد انهزامه أمام الجزائر، توجَّه إلى مدينة عنَّابة الجزائرية المُحتلَّة آنذاك من الإسبان، فوجد بها جالية صغيرة من اللاجئين اليهود الأندلسيين، فصبَّ جام غضب الهزيمة عليهم، وأمر بتعذيبهم، ثم بيعهم عبيدًا في الأسواق الأوروبية.

محاولات استعادة الأندلس

لم يكتفِ الأندلسيون باشتراك العديد من بحَّارتهم في الغارات البحرية المتواصلة التي كانت تشنها الأساطيل الجزائرية على الموانئ والمصالح والأساطيل الحربية والتجارية الإسبانية، إذ كانت نفوسهم دائمًا ما تهفو إلى حلم استعادة الأندلس وإنجاد مئات الآلاف من الأندلسيين الخاضعين للتنصير والتعذيب تحت الحكم الإسباني، ومثَّل هذا مصدرَ قلقٍ مستمر للسلطات الإسبانية، فكانت تبذل إجراءاتٍ قمعية صارمة ضد الأندلسيين في الداخل لمنع اتصالهم بإخوانهم في الجزائر، وبالأساطيل العثمانية، وكان تجردهم من كل أنواع الأسلحة حتى سكاكين الطعام في بعض الأحيان.

في عام 1573م، أحبطت إسبانيا بأعجوبة مؤامرة كبرى لاستعادة الأندلس، كانت تتضمن هجومًا بحريًا شاملًا يشنُّه أسطول الجزائر العثماني ضد بلنسية Valencia عاصمة الشرق الأندلسي، ويتضمن إنزال قواتٍ برية كبيرة من العثمانيين والأندلسيين في نقاطٍ عديدة من الساحل الشرقي، كبرشلونة ومُرسية، والاتصال مع الآلاف من الثوار الأندلسيين في الداخل، وأن يقوم الفرنسيون (حلفاء العثمانيين آنذاك) بمهاجمة أراضي مملكة أراجون الإسبانية في شمال شرقي إسبانيا. بل تتحدث المصادر الإسبانية عن محاولة أخرى لتكرار مثل تلك الغزوة عام 1605م، أي بعد أكثر من 113 عامًا من سقوط غرناطة

اقرأ: الأندلس في مرآة الشعر .. شذرات من رحلة الصعود والهبوط

وظلَّ هاجس الخطر المحتمل على أمن إسبانيا القومي والمتمثل في مئات الآلاف من أصحاب الأصول الأندلسية (الموريسكيين) الباقين في إسبانيا، والخوف من تزامن ثورةٍ لهم مع غزو إسلامي كبير، ظلَّ هذا الهاجس يسيطر على عقل القيادة الإسبانية الكاثوليكية المتعصبة، فأدى في نهاية المطاف إلى صدور المرسوم الشهير في 22 سبتمبر عام 1609م، بالطرد النهائي للموريسكيين من إسبانيا، وتوزَّع هؤلاء في كافة أنحاء المغرب الإسلامي، وقتلت السلطات الإسبانية الآلاف ممن رفضوا النفي، وتعرَّض ما يقدّر بمائة ألفٍ من هؤلاء للموت أو السبي أثناء عمليات النفي وظروفها السيئة.