«زابوريجيا» الكلمة التي باتت الأكثر رواجًا عبر وسائل الإعلام ومحركات البحث على مدى الأسابيع الماضية، حتى وصل الحد لاختصار الحرب الروسية الأوكرانية بالكامل حول ذلك الاسم الذي تتنازعه دول الغرب ومعها أوكرانيا من جانب، وروسيا من جانب آخر.

شد وجذب حول «الكارثة النووية المحتملة»، والسبب استغلال المخاوف من انتشار مواد مشعة وضمان الأمان النووي، وكذلك أمن القارة الأوروبية في ظل العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية التي بدأت فجر الخميس 24 فبراير/شباط 2022.

ميدانيًّا وطبقًا لآخر المعطيات، وجهت روسيا اتهامات لكييف، أمس الثلاثاء، بقصف منطقة محطة زابوريجيا مجددًا، وأضافت وزارة الدفاع أن قذيفتين انفجرتا قرب مبنى لتخزين الوقود المستهلك بالمحطة.

ماذا يحدث؟

لمعرفة الأزمة عن قرب حول المحطة، يقول الدكتور مصطفى خالد المحمد، الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية بموسكو، إن محطة زابوريجيا للطاقة النووية هي 6 مفاعلات، صممها الاتحاد السوفيتي السابق، وتسمى مفاعلات «القدرة المائية-المائية في.في.إي.آر-1000 في-320»، والتي يتم تبريدها بالماء وتهدئة نيوتروناتها أيضًا بالماء، وتعمل باليورانيوم 235 الذي يقدر نصف عمره بأكثر من 700 مليون سنة.

تعرضت المحطة للقصف في مارس/آذار الماضي، لكن لم يحدث تسرب إشعاعي، ولم يلحق بالمفاعلات أي ضرر، وتبادلت روسيا وأوكرانيا اللوم في تلك الضربة.

وأشار المحمد، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، إلى أن المحطة تعرضت لقصف أوكراني مكثف ومتكرر باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ خلال الأسابيع الماضية، والآن أُثبت بالأدلة القاطعة أن أوكرانيا استهدفت مستودع تخزين للوقود النووي الذي يقع في مسافة تقل عن 120 مترًا عن المفاعلات الستة. فالقصف قرب المحطة النووية تسبب في ذعر دولي، فالوضع يتدهور بسرعة، وأي عمل عسكري في محيط المحطة يعرض العالم إلى خطر نووي.

وتابع الباحث السياسي قائلًا: «كييف تبحث عن تعاطف عام أوروبي أمريكي حول المحطة التي سيطر عليها الروس، وهذا يثبت أن استهداف المحطة يأتي من الجانب الأوكراني لتواجد الروس داخل المحطة دون أن تأبه للخطر الحقيقي».

ورقة ضغط

تمثل أزمة المحطة النووية زابوريجيا كارت ضغط مزدوجًا يستخدمه الجانبان الروسي والأوكراني، ويقول الباحث المتخصص في الشئون الأوروبية والروسية، الدكتور باسل الحاج جاسم: نحن أمام استمرار للحرب الإعلامية والنفسية في ظل الاتهامات المتبادلة بين موسكو وكييف حول تحميل كل طرف الطرف الآخر المسئولية حول قصف المحطة.

وأضاف باسل جاسم في تصريحات خاصة لموقع «إضاءات» أنه بعد أزمتي الطاقة والغذاء، وهما يهددان أمن واستقرار الجميع، يضاف اليوم بعد آخر جديد لهذه الحرب، وهو خطر ينذر بكارثة نووية، إذا لم تجِدْ جميع الأطراف التعامل معها.

وتابع الباحث الحاج جاسم بأن كل الأطراف تدرك حجم الخطر الذي يمكن أن يشعله أي خطأ، قد يكون هناك استخدام لهذا الملف كورقة ضغط من الجانبين بعضهم ضد بعض وضد الأطراف الأخرى المعنية، لا سيما الاتحاد الأوروبي، كييف تريد المزيد من الدعم، وموسكو كورقة أخرى إضافية بالإضافة لورقة الطاقة، وفي جميع الأحوال الأنظار تتجه نحو زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما ستحمله من مقترحات.

اللعبة الخطيرة

تتضمن لائحة الاتهامات الغربية الموجهة لروسيا السعي إلى تحويل الكهرباء من محطة زابوريجيا إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها إلى أراضيها بقرار من جانب واحد في العام 2014، وتستغل القوى الغربية بسط موسكو سيطرتها العسكرية على زابوريجيا، باعتبارها أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، بينما يواصل موظفون أوكرانيون تشغيل الصرح النووي العملاق.

تبادل الاتهامات بين أوكرانيا وروسيا لم يهدأ منذ اشتعال المواجهات العسكرية وإطلاق النار بين البلدين، واتهم وزير خارجية أوكرانيا دميتري كوليبا، موسكو بالعمل بقوة على تحويل محطة زابورجيا النووية إلى قاعدة تهدد القارة الأوروبية.

أوكرانيا من جهتها تحاول الضغط على المجتمع الدولي للدفع بمجموعة ضغوط جديدة على الروس خشية تكرار كارثة تشيرنوبل النووية، التي تعد أحد أكبر الكوارث النووية في العالم وتسببت في مصرع 36 شخصًا وأصابة أكثر من 2000 شخص، وظلت تداعيات الحادث الخطيرة على الإنسان والحيوان والنبات لسنوات.

الضغوط الأوكرانية تصب في اتجاه أن روسيا حولت محطة زابوريجيا النووية إلى قاعدة عسكرية تهدد أمن «القارة العجوز» بعدما حشد الجيش الروسي قواته في محيطها، بينما باتت مطالبة بضرورة الانسحاب العسكري من محيط زابوريجيا، على الجانب الآخر، أثبتت روسيا بالأدلة في 25 أغسطس/آب الجاري – عبر بعثتها في مجلس الأمن الدولي – قصف القوات الأوكرانية المحطة النووية الضخمة.

الجانب الأوكراني لم يقف مكتوف الأيدي إزاء التوغل العسكري في محيط المحطة ويصعد الجيش الأوكراني من قصف المدفعية واستهداف القوات الروسية في محيط زابوريجيا لحمل تلك القوات على المغادرة الفورية.

في تلك الزاوية وحول تحركات أوكرانيا، يقول السياسي والإعلامي البولندي كاميل جيل كاتي إن روسيا تستغل الرعب الأوروبي من التسرب الإشعاعي من أجل تثبيت أقدامها العسكرية في محيط تلك المحطة التي احتلتها، بحسب قوله.

وأضاف كاميل جيل كاتي، خلال تصريحاته لـ «إضاءات»، إن الرفض الروسي لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول المحطة دليل على نوايا موسكو في السيطرة العسكرية ثم من بعد ذلك نقل الكهرباء واستغلال المحطة في تغذية المناطق التي سيطرت عليها، كنوع من أنواع تدمير البنية التحتية لأوكرانيا.

وأشار السياسي والإعلامي البولندي إلى الضربات العسكرية الروسية للقرى حول المحطة قبيل الزيارة الأممية بساعات وتوجيه الاتهامات لكييف.

 الجانب الروسي من ناحيته أبلغ قيادات القوى الأوروبية ونقل إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة مفادها الترحيب بزيارة المسئولين الأمميين، لإظهار أوكرانيا بأنها قد تتسبب في كارثة نووية بسبب القصف في محيط المحطة وتهميش الحملة الإعلامية التي تشنها الميديا الغربية ضد روسيا أمام العالم وأوروبا على وجه التحديد، بسبب أزمة زابوريجيا، وباتت أوكرانيا بعد الذكاء الروسي في التعامل مع أزمة المحطة النووية الكبيرة مطالبة بضمان أمن المراقبين الدوليين وأعضاء المنظمات الدولية لدى زيارتهم للمحطة أو أي منشآت نووية في أوكرانيا في مرحلة لاحقة، وهو نجاح سياسي وعسكري وإعلامي روسي.

وهنا يقول الدكتور آصف ملحم، مدير مركز «جي سي إم» للدراسات، ومقره موسكو، حدوث كارثة نووية بما تفعله أوكرانيا في الوقت الحالي أمر وشيك للغاية، من هنا نفهم صلابة الموقف الروسي حيال الموضوع؛ فالدول الغربية بدأت تستثمر موضوع محطة زابوريجيا سياسيًّا بغية ابتزاز روسيا، وعلى ما يبدو أن الجانب الأوكراني فقدَ أدنى حدود المسئولية الأخلاقية حيال هذا الموضوع.

وأضاف الدكتور آصف ملحم، خلال تصريحاته لموقع «إضاءات»، في الواقع هناك حالة من انعدام الثقة بين روسيا والدول الغربية؛ فجميعنا تابعنا وقائع الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 12 أغسطس/آب الجاري، فلقد حاولت الدول الغربية التركيز على إدانة روسيا وتحميلها المسئولية بدلًا من دراسة حجم الخطر الذي قد يؤدي إليه حدوث تسرب إشعاعي بسبب القصف الأوكراني.

الحل الوسط

في تلك الزاوية يقول الدكتور مصطفى خالد المحمد إن إقامة منطقة منزوعة السلاح حل وسط قد يمنع الوصول إلى عواقب مأساوية جراء تعرض أي من المفاعلات النووية بأوكرانيا للقصف، أو وقوعها في مرمى نيران المعارك، وتحت مراقبة قوات تركية-صينية ضامنة.

أوكرانيا ستحاول تصعيد الموقف وتستعطف العالم تارةً وتقوم بابتزاز الأوروبيين تارة آخرى، لخوفها من أي مصالحة مستقبلية بين موسكو وأوروبا، وإيقاف الغرب الأسلحة عن كييف.

وفي ظل إقامة الدعوة لمنطقة منزوعة السلاح مع عدم رغبة موسكو التراجع عن أي أراضٍ سيطرت عليها، سيكون تواجد قوات حفظ سلام تركية صينية أو تركية عربية خيارًا معقولًا لموسكو.

وتابع: «أنا متأكد أن اللعب في ورقة وقوع كارثة نووية سيكون من صالح حكومة كييف؛ لأنها تعتبر الورقة الأخيرة في استفزاز الاوروبيين بطريقة دبلوماسية وتهديدهم بطريقة غير مباشرة بأن الخطر لن يهدد أوكرانيا فقط، بل سيمتد إلى الدول الأوروبية وسيبقى آثاره لعقود ليثبت للعالم ككل ضعف حلف الناتو والقادة الأوروبيين».

وهنا أوضح السياسي والإعلامي البولندي كاميل جيل كاتي أن الجميع خاسر حال تصاعد الأمور النووية من المحطة، وتابع: «حال ترسب الإشعاع من زابوريجيا ستكون بداية حقيقية للحرب النووية المدمرة للعالم أجمع».