الطيور من لون ونوع واحد، دائمًا ما تطير في سرب واحد.
الكاتب الإنجليزي الساخر وليام تيرنر، مؤلف كتاب «البحث عن الثعلب الروماني».

تطورت المقولة أعلاه، حتى وصلت إلى العرب، وتحولّت لمثل شعبي يُساق عادةَ للذَم حيث يقال: الطيور على أشكالها تقع.

وفي رحلة بحث النادي الأهلي عن مهاجم فَذّ، يتقاطع طريقه مع فرنسي بمنتصف عقده الرابع يُدعى «أنتوني موديست»، صال وجال في ملاعب أوروبا، قبل أن ينتهي به المطاف في الجزيرة، حيث يجد طيورًا تشبهه، ويشبههم. فكيف ذلك؟

«ريما» وعاداتها

وصل «موديست» إلى الأهلي في منتصف سبتمبر/أيلول عام 2023 في صفقة انتقال حُر، بعدما انتهى تعاقده قبل أشهر مع «بوروسيا دورتموند» الألماني. يبدو تعاقدًا شيقًا؛ لأن من استطاع تحمُّل ضغط المُدرَّج الجنوبي في «سيجنال إدونا بارك» بلا شك سيُبدع داخل القارّة السمراء، حتى وإن أوشكت مسيرته على الانتهاء.

لكن سرعان ما اكتشفنا بضع ثغرات في هذه الفرضية. الرجُل يبدو بعيدًا تمامًا عن لياقته البدنية، يتلعثم كلما وصلته الكرة، لدرجة تجعل المشاهد يشُك أنّه نفس الشخص الذي انتشرت مقاطع مصورة له وهو يُمزِّق شباك أندية الدوري الألماني.

في الواقع، يبدو الحكم على اللاعب متسرعًا، فهو لا يزال يتعرَّف على أسماء زملائه، يكتشف ثقافة جديدة، ودوريًا لم يسبق له أن شاهد مثله. وتلك بالمناسبة مبررات كافية جدًا للصبر عليه، لكن هذه ليست الأزمة.

طوال عقد من الزمن، يدخُل الأهلي بمحض إرادته نفس الدائرة المُفرغة، حين يبحث عن مهاجم جديد يمكنه أن ينتشل الفريق من محاولات الترقيع. وبتطلعات عالية مع كل نافذة انتقالات، تأتي النتائج عادة عكس المُتوقَّع، إما بتعاقد لا يرضي الجماهير، أو صمت مُطبق من إدارة التعاقدات بالنادي.

يقول أينشتاين، الذي لا نعتقد أنّه كان مهتمًا بكرة القدم على أي حال، إنّ من الغباء تكرار نفس الأخطاء وانتظار نتائج مختلفة. وهذا ما تفعله إدارة الأهلي في ملف المهاجم الأجنبي تحديدًا.

يرى «مايك ريج»، الذي عمل كمدير تقني في مانشستر سيتي، أنّ هناك مجموعة خطوات رئيسية يجب أن تُتبع عند حاجة أي نادٍ لدخول سوق الانتقالات، أهمها: بناء قاعدة بيانات خاصة باللاعبين المُستهدفين، حصر هؤلاء اللاعبين وتحديد قائمة مختصرة من الأهداف وأخيرًا الاستعانة برأي المدير الفني للنادي.

ما حدث في قصة «موديست» كان العكس تمامًا، ظلّ الأهلي يُطارد مجموعة من الأسماء الواعدة، قبل أن تفشل المفاوضات واحدة تلو الأخرى، ليظهر اسم الفرنسي على السطح في اللحظات الأخيرة. وبلا شك، لا يمكن اعتبار لاعب كسر حاجز الـ35 هدفًا واعدًا.

«موديست»: أحب أيضًا العودة من الموت

أكثر من 20 مهاجمًا في 10 سنوات منذ 2011 وحتى 2021، كانت حصيلة تعاقدات الأهلي في مركز المهاجم، وعلى الرغم من أنّ هذا الرقم ضخم جدًا، يعني ببساطة عدم تجاهل إدارات الأهلي المُتعاقبة لمطالب جماهيرها، لا تزال الجماهير غير راضية على معظم هذه التعاقدات، لأسباب مُختلفة، منها ما كان منطقيًا، ومنها ما ليس كذلك. لكن القاسم المُشترك الأعظم في كل تلك الحالات، هو انتظار المُهاجم «السوبر»، المُخلِّص الذي سينهي سنوات المُعاناة، حتى ولو لم تكُن هنالك أية مؤشرات على ذلك.

هنا، تتقاطع مسيرة «أنتوني موديست» مع الأهلي. حتى انفجاره في «كولن» الألماني صيف 2015، كان اللاعب دائمًا محل شك، يرتحل من فريق لآخر بحثًا عمن يؤمن بإمكانياته، ويعيد إليه بريق الشباب، لدرجة جعلته يلعب لصالح 12 ناديًا مختلفًا في مسيرة امتدت لـ16 عامًا.

مسيرتي شهدت الكثير من فترات الصعود والهبوط، لكنني دائمًا ما كنت قادرًا على تصحيح مساري. أعلم يقينًا أنني لم أنتهِ بعد.
أنتوني موديست

في الحقيقة، نحنُ أمام قصة لمهاجم الأهلي الأجنبي «المُفضَّل» في السنوات الأخيرة. لاعب عقدت عليه جماهير«بلاكبيرن روڤرز» الإنجليزي آمالًا عريضة في 2012 قبل أن تنتهي القصة بهبوط النادي دون أن يترك اللاعب أي بصمة تُذكر. ونفس اللاعب الذي دخل في صراع قضائي مع نادٍ صيني بسبب مستحقاته. لكنّه أيضًا، كان مُفاجأة «كولن» الألماني السارّة، حيث تحوَّل لماكينة أهداف حقيقية.

عند التدقيق في مسيرة «موديست» نكتشف وجهًا آخر الشبه بينه وبين سياسة تعاقدات الأهلي المصري. اللاعب الذي يُعد ضمن أحد أفضل 20 هدافًا في تاريخ الدوري الألماني لم يكن يومًا هدفًا مثيرًا لأندية النخبة في أوروبا، لكنّه طبقًا لأحد زملائه بنادي «كولن»، يمنح الفريق -عند تأقلمه- تعاقدًا مثاليًا، لم يكن النادي ليحظى به في سوق مفتوحة.

هذا بالضبط ما يبحث عنه الأهلي، ولو بشكل ضمني دون تصريح. مهاجم جيِّد يعاني من فترة انحدار بالمستوى، يسهُل التفاوض معه ماديًا، عكس أسماء أخرى تعيش فترة تألق. بغرض أول يتمحور حول منح الإدارة هُدنة مؤقتة من غضب الجماهير والمُدرب، ولم لا حدوث مفاجأة بتألقه سريعًا.

مزيد من الرهانات

يجب عليّ أن أتكيَّف، أنا نوع مُختلف من اللاعبين عما اعتادوا عليه.
أنتوني موديست، عن اللعب في بوروسيا دورتموند.

في كُل مرّة، يتعاقد فيها النادي الأهلي مع مهاجم أجنبي جديد يبدو الأمر كدخول في رهان، لا يمكن توقُّع نتيجته، بغض النظر عن حالة الفريق، وأي ما كان اسم المهاجم. تراهن الإدارة في كل مرّة أنّ الرهان القادم لا بُد وأن يؤتي ثماره.

بالمثل، يؤمن «موديست» في قدراته، التي تتلخَّص حسب رأيه، في كونه حريصًا على إتقان عمله، وإعادة مشاهدة مبارياته وتصحيح أخطائه. حتى يدخُل المباراة الجديدة والموسم الجديد وهو يراهن على قدرته على التألق مجددًا.

المسألة هذه المرّة تبدو أبسط، نحن أمام مهاجم أوروبي، يسهل التعرُّف على مميزاته، التي تكمُن في قدرته الجيدة جدًا على اللعب بالرأس، كما يُمكن بنفس السهولة استنتاج عيوبه وهي إهداره لعدد كبير من الفرص المتاحة نتيجة لعدم إجادته اللعب بقدميه.

بالتالي، فمسألة تحوُّل «أنتوني موديست» تحديدًا، و أي اسم آخر بشكل عام، لمهاجم مُرضي للتطلعات، مرهونة بقدرته على التكيُّف مع الفريق وقدرته هو على التأقلم مع الفريق، وهذه البديهيات بالمناسبة تحتاج للوقت، الذي لا يبدو في صالح اللاعب الذي وقَّع عقدًا لعام واحد مع المارد الأحمر.

لكن المفاجأة، هي أن تألُّق «موديست» مع الأهلي من عدمه لا يعد مشكلة من الأساس؛ الفريق يسير في طريقه دون الالتفات لملايين ودقائق أُنفقت بحثًا عن «فلاڤيو» جديد. كذلك لم يندم موديست أبدًا على مسيرة أخفق خلالها أكثر مما نجح.

لهذا، يبدو أنّ الطيور على أشكالها وقعت أخيرًا؛ فقصة «موديست» مع كرة القدم لم تكن سوى رحلة من التقلبات بين لحظات طويلة من الشك تكسرها مفاجأة سارّة، كذلك قصة الأهلي مع مهاجميه الأجانب.