في ذروة الترقب لما يحدث من تطورات أمنية وميدانية في غزة، لا تغفل إسرائيل لحظة واحدة أن هناك تهديدا حقيقيا اسمه أنفاق غزة الشرقية، مما جعلها تنفق ملايين الدولارات على توفير معدات ومشاريع وبرامج خاصة بمقاومة الأنفاق من خلال ما سمي بـ «العائق المادي».

هذا ما أكده المُحلل الفلسطيني عدنان أبو عامر. فحماس نجحت في استغلال الأنفاق لتشكيل ضغط على إسرائيل، وخاصة في حرب غزة الأخيرة عام 2014، فكان ذلك السبب الرئيسي في تبني إسرائيل لمشروع العقبة من أجل مواجهة المخاطر القادمة من تلك الأنفاق، ولحماية نفسها إذا ما تورطت في حرب جديدة مع حماس، كي لا تتعرض لخسارة أخرى كالتي تحملتها في الحرب السابقة.

ورغم التحديات التي واجهت المشروع منذ البداية، بدايةً من ارتفاع تكلفته المادية، إلى جانب رفض سكان مستوطنتين ملاصقتين للسياج الفاصل تركيب الوسائل التكنولوجية ضد الأنفاق نظرًا لتخوفهم من إشعاع «الإنتينا» القوي المستخدم في المشروع، بالإضافة إلى قلقهم من استهداف حركة حماس للمنطقة. إلا أن الحكومة الإسرائيلية حاربت تلك الظروف واستطاعت مؤخرًا إقناع المستوطنين بالمشروع، وتوفير الميزانية الخاصة به.


ماهية مشروع العائق أو العقبة

يُعد هذا المشروع تكتيكًا جديدًا تعمل إسرائيل على الانتهاء منه في فصل الصيف المقبل من أجل مواجهة أنفاق غزة التي تمتد من القطاع باتجاهها.

ويتمثل هذا المشروع في بناء سور عند الشريط الحدودي مع غزة، قسم منه تحت الأرض والآخر فوقها، ويبلغ طول هذا السور حوالي 65 كيلومترا، إذ تعمل مئات الآلات الهندسية في حوالي أربعين موقعًا عند الشريط الحدودي من أجل إتمام ذلك المشروع.

وتصل تكلفة بناء هذا المشروع الضخم إلى جانب المعدات والآلات المستخدمة في البناء نحو 4.2 مليار شيكل، ولم تكن إسرائيل لتشرع للقيام بهذا المشروع بمفردها، فقد أكدت مصادر أمنية إسرائيلية أن الولايات المتحدة تقف وراء تمويل هذا المشروع، إذ قامت في هذا السياق بضخ المزيد من الاستثمارات لصالح الجيش الإسرائيلي.


ماذا ستجني إسرائيل من هذا المشروع؟

لقد كان للأنفاق دورًا كبيرًا في حرب غزة الأخيرة عام 2014، إذ نفذت المقاومة الفلسطينية سلسلة عمليات ضد أهداف إسرائيلية واستطاعت من خلال الأنفاق التصدي لقوات الجيش الإسرائيلي، مما دفع إسرائيل للتفكير في هذا المشروع بشكل جدي للتخلص من المخاطر التي تأتي لها عبر الأنفاق، فمع القضاء على أنفاق غزة ستستطيع إسرائيل أن تكون في مأمن من تهديدات حماس خلال الفترة القادمة.

ولعل التقرير الذي صدر أخيرًا من مراقب الدولة الإسرائيلي حول حرب غزة، والذي أشار فيه بأصابع الاتهام نحو مسئولين وسياسين في الدولة، أنهم لم يكونوا على دراية كافية بالأنفاق، وبالتالي فشلوا في التعامل معها، مما تسبب ذلك في تقليص تأثير سلاحي الطيران والمدرعات، واستطاع مقاتلو حماس الالتفاف على الخطوط الخلفية للجيش الإسرائيلي أثناء الحرب، هو ما تسبب في إحراج القيادات السياسية والعسكرية ودفعهم نحو إعادة استكمال المشروع بعد توقفه لشهور بسبب التمويل في محاولة منهم لرد الاعتبار أمام مواطنيهم.

وعقب صدور التقرير، قام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، بإعادة طرح المشروع وتكلفته أمام لجنة مراقبة الدولة في الكنيسيت، وركّز في كلامه على تهديد الأنفاق وضرورة العودة لاستكمال هذا المشروع.

وبالتالي فإن المكسب الحقيقي للحكومة الإسرائيلية من هذا المشروع هو التغطية على تقرير المراقب العام، ومحاولة كسب الرأي العام في الداخل الإسرائيلي من جديد بعد اهتزاز ثقة المواطن الإسرائيلي في حكومته.


هل ينجح المشروع في القضاء على الأنفاق؟

إن إسرائيل تدير اليوم هجوما إعلاميا – يترافق بتفعيل القوة – بهدف ردع حماس عن المسّ بمشروعها الأمني المركزي، عبر إقامة العائق الجديد حول القطاع.
الكاتب الإسرائيلي: أليكس فيشمان في مقالٍ له.

يتوقف نجاح المشروع من عدمه على مدى قدرة إسرائيل على حمايته، وردع حماس عن المساس به. فإسرائيل في تلك الفترة تعمل على توجيه رسائل تهديدية في شكل مناورات عامة ضد أي نوايا لإلحاق الضرر بالمشروع، ولعل اغتيالها لمازن فقها كان جزءًا من استراتيجياتها لليّ ذراع حماس وإثارة القلق داخل صفوف المقاومة، وإضعاف حماس، وبالتالي إضعاف سيطرتها على القطاع، ومن ثم إنهاء حكمها.

ولكن على الرغم من تهديد إسرائيل لحماس بأنها لن تتوانى عن الحرب إذا تم إلحاق أي ضرر بالمشروع، فإنها وفي تلك الفترة تحتاج إلى الهدوء من أجل إكمال العائق، فحاليًا تعمل إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة على تنفيذ المشروع في أسرع وقت، إذ قامت بافتتاح مصنع باطون على الحدود من أجل تسريع البناء.

إجمالاً، إذا نجحت إسرائيل في الانتهاء من المشروع في الصيف المقبل كما حددت، فستكون حماس أمام معضلة حقيقية تتلخص في كيفية تعاملها مع القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي في ظل ضياع أحد أقوى وسائلها في ردع إسرائيل، والتي بنتها على مدى سنوات. فهل ستعطي حماس إسرائيل تلك الفرصة أم ستدخل حربًا جديدة في القطاع للدفاع عن الأنفاق؟