وسط استمرار وتصاعد حدة الصراعات العسكرية على مستوى العالم عاد الحديث مجددًا عن «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» الجديد. يضم ما وصف بالـ «ناتو عربي» دول مجلس التعاون الخليجي الست، إلى جانب مصر والأردن والولايات المتحدة.

طُرحت الفكرة منذ أكثر من عام، سبقتها أفكار مشابهة لم تر النور، كانت القوة العربية المشتركة التي طرحتها مصر أول المشاريع، لكن سرعان ما وأدها في مهدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، معلنًا تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، أظهرته قوة المال سريعًا، لكن المال لم يمنحه الأنياب. فشلت جميع الأفكار، فهل سيعيدها الناتو العربي الذي طرحه دونالد ترامب؟


ما هو «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي»؟

ظهرت فكرة تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (Middle East strategic alliance) (MESA) في قمة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة، في مايو/ آيار 2017، أشير إليها على الهامش دون تفاصيل في إعلان الرياض الصادر عن القمة. أيدت الدول الـ 55 المشاركة بالقمة الفكرة إرضاءً لترامب وحلفائه الخليجيين، ليمر الاجتماع بسلام ويخرجوا بأي مكاسب من رعاة الفكرة، التي وصفت بـالناتو العربي على غرار حلف شمال الأطلنطي.

خفت الموضوع بعد طرحه، فالجميع لا يريد التورط في صراعات ترامب وحلفائه الخليجيين، فحرب اليمن تخطت الثلاث السنوات منذ بدايتها في مارس/ آذار 2015، ولم تنته حتى الآن أو تُحقق أهدافها، لحسم الحرب هناك ضرورة للتدخل البري، الأمر الذي لم يقبله المشاركون في التحالف العربي لدعم الشرعية، حتى قادة التحالف، السعودية والإمارات. لم يقدرا على المغامرة بتدخل بري في جبال اليمن، مكتفين بالضربات الجوية والتضييق البحري، مع دعم قوات الجيش اليمني وقوات شعبية تتقدم ببطء.

عاد تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي إلى الساحة مجددًا وبكثافة الأيام الماضية، مع إصرار الرئيس دونالد ترامب على تقليل تكاليف أعباء حماية الحلفاء، فكما طالب أعضاء حلف الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي، طالب حلفاءه الخليجيين أيضًا بالأمر نفسه.

ومن أجل الإسراع في هذا الأمر، أرسل ترامب مبعوثه الجنرال أنتوني زيني إلى الخليج، يوم 12 سبتمبر/ أيلول الجاري،التقي خلالها أعضاء التحالف المرتقب، قيل إن للحلف العسكري أهدافًا سياسية خلافًا للعسكرية، فسياسيًا تريد واشنطن إنهاء المقاطعة العربية لقطر، وتشكيل جبهة عربية أو ما تسميه محور الاعتدال ضد إيران، ومستقبلًا تسهيل انضمام دولة الاحتلال الإسرائيلي لهذا التكتل ضمن ما عُرف إعلاميًا بـ «صفقة القرن».

كشفت مصادر أمريكية عن طبيعة MESA، قائلةً إنه عبارة عن تحالف عسكري – أمني، ستكون مسارح عملياته في مناطق الخليج العربي وبحر العرب والبحرين الأحمر والمتوسط، مع التركيز على تأمين المعابر المائية الاستراتيجية، وهي مضيقا هرمز وباب المندب، وقناة السويس، وإلى جانب هذه المهام سيتولى التحالف مكافحة عمليات نقل الأسلحة إلى إيران وميلشياتها في المنطقة.

كما لن يكتفي التحالف الجديد بتعزيز وجوده بحريًا، إنما يُراد خلق وجود بري له، الأمر الذي يخشاه الكثيرون، فقليلون من يصمدون في المواجهات البرية، خطط التحالف للانتشار في مثلث الحدود بين الأردن وسوريا والعراق، حيث تتمركز القوات الأمريكية عبر قاعدة التنف، وهي المنطقة التي ستحسم مستقبل سوريا، ومساومة روسيا، في ظل إصرار واشنطن على حماية الأكراد السوريين، الذين يسيطرون على حوالي ربع الأراضي السورية.

لم تقف فكرة القوات البرية على مراقبة الحدود وتهريب شحنات الأسلحة، فكان الاقتراح بتكوين قوة برية يستعان بها في مناطق الصراعات المتوقع حدوثها كما في سوريا واليمن، مع وضع ذريعة مواجهة الجماعات الإرهابية لتبرير الوجود البري. ونظرًا لخطورة القوة البرية المشتركة لم يدعم معظم قادة التحالف المفترض فكرتها، لاسيما مصر، مكتفين بالتعاون البحري والجوي والاستخباراتي، وحجتهم في ذلك أن نشر قوات برية على أراضي دول أجنبية يحتاج قرارًا من مجلس الأمن.

لم ينس التحالف الجديد السماء، فمن ضمن الخطط أن يتم فتح أجواء الدول المشاركة للتحليق العسكري لطيران MESA، مع التعاون مخابراتيًا في مكافحة الإرهاب بأنواعه كافة، وتحديد حجم المساهمات المالية.

بالطبع رفض ترامب دفع أية أموال، فالآخرون هم من سيمولون، لأنه دفع كثيرًا ولم يجنِ شيئًا وفق مزاعمه، قائلًا إن بلاده أنفقت 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط منذ عام 2001 ولم تكسب شيئًا!


هل بدأ ترامب في الانسحاب من الشرق الأوسط؟

يبدو أن ترامب يريد دفع الجميع بسرعة نحو تشكيل هذا التحالف، فبعد أيام من جولة مبعوثه العسكري للخليج، أعلنت واشنطن يوم 27 سبتمبر/ أيلول الجاري سحب بعض أنظمة الدفاع الصاروخي «باتريوت» من الكويت والبحرين والأردن. أكد مسئول أمريكي أن التحول الاستراتيجي جاء للتركيز على مواجهة روسيا والصين، وإعادة التوازن بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط. زادت صحيفة وول ستريت جورنال الأمر وضوحًا، بتأكيدها أن المنظومات الأربعة المسحوبة سيعاد نشرها، فهي لم تكن تحمي القواعد الأمريكية في هذه الدول فقط، إنما للدفاع عن حلفاء واشنطن.

خاف الخليجيون من الخطوة، فخرجت وزارة الدفاع الكويتية معلنة أن الأمر روتيني ويخضع لتقدير القوات الأمريكية بالتنسيق مع الجيش الكويتي، مشيرة إلى أن المنظومات كانت تحمي القوات الأمريكية وليس الكويت. حاولت واشنطن تهدئة مخاوف حلفائها مجددًا ليقول البنتاجون إن الخطوة جاءت لتحديث منظومة الدفاع الأميركية بالاشتراك مع الحلفاء وتفويض بعض المهام إليهم.

وقبل ساعات من سحب منظومة باتريوت خرج ترامب من فوق منبر الأمم المتحدة خلال كلمته في الدورة الـ 73 للجمعية العامة، مطالبًا حلفاءه بالإسراع في تشكيل الناتو العربي، ليقول لهم على الملأ إن الأمر لن يظل كما كان قبل قدومه إلى البيت الأبيض، مهددًا حلفاءه بالمستقبل الغامض لهم، قائلًا: «ينبغي لكل دولة اختيار المستقبل الذي تريده»، ولهذا تعمل بلاده مع دول مجلس التعاون بجانب الأردن ومصر لتشكيل تحالف وصفه بأنه إقليمي استراتيجي يساعد الشرق الأوسط على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، دون أن ينسى الإشارة لخطر إيران وحلفائها، وذلك في توضيح لمفهوم العدو الذي سيواجهه الحلف المنتظر.


هل يقبل الحلفاء المشاركة في حروب مفتوحة؟

سبق أن طرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فكرة القوة العسكرية العربية المشتركة، في مارس/ آذار 2015، محاولًا خلق زعامة جديدة له وإيجاد تحالف يركز على التعاون في مكافحة الإرهاب، لكن قُتلت الفكرة في مهدها، وخرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، ليعلن ما يسمى بـ «التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب».

أراد ابن سلمان أن يجعل نفسه زعيمًا للشرق الأوسط وليس المنطقة العربية، ليعلن عن انضمام دول للتحالف لم تطلع على الفكرة من الأساس، ولم تُبلغ بها، لتُفاجَأ كالمشاهدين بإعلان اسمها ضمن التحالف الجديد، في دلالة على أن الأمر كان مجرد دعاية ولا يحمل توافقًا بين أعضائه المتجاوز عددهم 40 دولة، وعلى الرغم من عقد التحالف أول اجتماع له في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 بالرياض، أي بعد حوالي عامين من الإعلان عنه، لم يخرج إلا ببيانات معتادة كالتي تصدرها دائمًا اجتماعات الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات منزوعة الصلاحيات والغائب عنها التوافق والانسجام.

أراد ابن سلمان من تحالفه الجديد، تشكيل جبهة ضد إيران، لكنه لم يحصل إلا على بيانات دعم من البعض ولسان حالهم يقول: «اذهب أنت وجيشك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، فالجميع لا يريد المشاركة في صراعات مفتوحة، حتى أقرب حلفاء الرياض رفض خوض مثل هذه الحروب، فخرج الرئيس السيسي قبل أيام من اجتماع التحالف الإسلامي، معلنًا في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 معارضته توجيه ضربات عسكرية، سواء لإيران أو حزب الله، قائلًا: «لا نريد إشكاليات أخرى، ولا زيادة التحديات والاضطرابات الموجودة في المنطقة».

ما زالت الاجتماعات والحشد مستمرًا لإكمال تحالف الشرق الأوسط الجديد، وكان من المقرر عقد اجتماع على المستوى السياسي بين وزراء التحالف المفترض في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه لم يعلن شيء حتى الآن عن الاجتماع، وكان من المخطط أيضًا عقد اجتماع في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إلا أن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الخليج العربي، تيم ليندركينغ عقد جولة خليجية منذ أسابيع، للترتيب لقمة أخرى في واشنطن يناير/ كانون الثاني المقبل لإطلاق التحالف.

تكشف تحركات ترامب عن أنه يريد الضغط لإخراج الحلف للنور لاستخدامه أولًا ضد إيران، ثم توظيفه لاحقًا في ضم دولة الاحتلال إليه، وللعمل كذراع مستقبلًا ضد روسيا في الشرق الأوسط، مع تحقيق أكبر قدر من المكاسب المالية من الخليج، إلا أن لكل حلف عسكري عقيدة وعدوًا ينشأ من أجله، فالأعضاء التسع لكل منهم مآرب وعقائد مختلفة.

فمصر ترفض خوض أية حروب برية أو استهداف إيران وحلفائها، ومثلها سلطنة عمان صاحبة العلاقات القوية مع إيران، والآن طهران أقرب لقطر من أشقائها الخليجيين، أما الكويت فعلى الحياد ومثلها الأردن، ويتبقى السعودية الإمارات والبحرين أصحاب التوجه العدائي الأكبر نحو إيران، بالتالي خروج تحالف الشرق الأوسط كقوة عسكرية متكاملة أمر صعب تحقيقه، وإن شُكِّل فسيكون سياسيًا وغير متجانس على الأقل وفقًا للظروف الحالية.