السلام عليكم، قطر بيت الوحدة وبيت العالم العربي اليوم، والعالم غدًا، لنكن أمة واحدة، عائلة كرة قدم واحدة.
جياني إنفانتينو، رئيس «فيفا».

للوهلة الأولى قد تبدو تلك الكلمات لمسئول رياضي قطري، أو على الأقل ذي أصول عربية، ولكنها في الواقع تعود إلى رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، السويسري جياني إنفانتينو، في افتتاح بطولة كأس العرب «فيفا قطر 2021».

لا شك بأن تلك اللقطة منفردة لن تعطينا أي دلالة تُذكر، ولكن بوضعها في جانب باقي الدلالات، التي تقول بأن هذه المرة هي الأولى التي تعترف فيها «فيفا» رسميًّا بالبطولة العربية منذ انطلاقها عام 1963 في لبنان.

 وبالنظر لحفل الافتتاح الضخم الذي خطف الأنظار عالميًّا، إلى جانب الأجواء التنظيمية التي تعيشها البطولة حتى الآن، فنحن بالطبع أمام حدث عربي فريد، ينال اهتمامًا واسعًا من قبل قطر الدولة المستضيفة، وأيضًا «فيفا»، المؤسسة الأولى في عالم كرة القدم.

وهو الأمر الذي سيقودنا إلى تساؤل منطقي، ألا وهو: لماذا كل هذا الاهتمام من قطر و«فيفا» بالمونديال العربي؟ ولكن قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال لا بد أن نشير إلى أن الثنائي يتمتع بمصالح مشتركة في مشروع أكبر، ألا وهو كأس العالم قطر 2022، ومن هنا ستكون نقطة الانطلاق.

بديل كأس القارات

جرت العادة على مدى السنوات الماضية أن تستضيف دولة كأس العالم في كل نسخة بطولة مجمعة مصغرة، مكونة من أبطال القارات، حيث تُلعب المنافسات على مجموعتين، يصعد الأول والثاني من كل مجموعة للمربع الذهبي، فيما يُعرف بـ «كأس القارات»، قبل المونديال بعام واحد.

وكانت بمثابة البروفة الأخيرة قبل انطلاق الحدث الأكبر عالميًّا في كرة القدم، وتستغله «فيفا» من أجل الوقوف على استعدادات الدول لاستضافة المونديال، كما حدث في جنوب أفريقيا 2009، والبرازيل 2013، وأخيرًا روسيا 2017، وهي النسخة الأخيرة من تلك البطولة.

مستثمرو القطاع الخاص على استعداد لضخ 25 مليار دولار لامتلاك حقوق البث التلفزيوني لمسابقة كأس العالم للأندية بشكلها الجديد حتى عام 2033.

تلك العادة لم تجرِ في قطر هذا العام، نظرًا لأن «فيفا» قد اتخذت قرارًا بإقامة بطولة كأس العالم للأندية كل 4 أعوام بداية من عام 2021، على أن يتم تغيير موعدها إلى يونيو/ حزيران، وهو الموعد الذي تقام فيه «كأس القارات»؛ لذا كان القرار الملحق بذلك هو إلغاء الأخيرة.

وبعيدًا عن السبب وراء هذا القرار، والذي أرجعته تقارير صحفية إلى خسائر من محدودية الإقبال الجماهيري والإعلاني في البطولتين مقارنة بكأس العالم للمنتخبات، فإن النتيجة أن «فيفا» فقد فرصة البروفة الأخيرة قبل المونديال القادم في قطر، ولم يجد مفرًّا من اللجوء إلى توحيد العرب.

فـأر التجارب

يعد المونديال العربي فرصة جيدة ليس لتجربة الملاعب التي ستستضيف كأس العالم العام المقبل فقط، ولكنه أيضًا بمثابة «فأر التجارب» لكل التقنيات الحديثة المخطط لها أن تتواجد في مونديال قطر 2022.

ووفقًا لما أعلن عنه «فيفا»، فإن بطولة كأس العرب تشهد تطبيق تقنية التسلل شبه الآلي «Semi-automated offside technology»، والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تتبع أطراف الهيكل العظمي للاعبين، مما ينعكس على مساعدة الحكام في اتخاذ القرار بالسرعة والدقة المطلوبة.

إنه نظام قائم على الكاميرا، نقوم بتركيب 10 إلى 12 كاميرا داخل الاستاد تحت السقف، هذه الكاميرات تتابع اللاعبين وتتبع ما يصل إلى 29 نقطة بيانات بمعدل 50 مرة في الثانية.
يوهانس هولزمولر، مدير تكنولوجيا كرة القدم والابتكار

تقنية أخرى أعلن عنها «فيفا» بالتزامن مع انطلاق البطولة، وهي تحليل أداء اللاعبين «performance analytics»، والتي توفر أكثر من 15000 نقطة بيانات لكل مباراة، مما يمنح المحللين والمدربين واللاعبين والمشجعين معطيات ومعلومات جديدة ستساعدهم على فهم المباريات بشكل أفضل.

لدينا فريق مكون من 25 محللًا يعملون على كل مباراة، لذلك لدينا محلل واحد يغطي لاعبًا واحدًا طوال فترة المباراة.
كريس لوكسستون، مدير فريق تحليل الأداء في «فيفا».

الرد في الملعب

تلاحق قطر اتهامات عديدة منذ الإعلان عن فوزها بشرف تنظيم كأس العالم في عام 2010، وشكوك في قدرتها على تنظيم بطولة تليق بالحدث الكروي الأكبر، لا سيما وأنها دولة تتمتع بمساحة صغيرة، وتاريخ ليس بالكبير في عالم كرة القدم.

الأمر لم يتوقف عند حد التخوفات من ارتفاع درجات الحرارة ووفرة الملاعب والبنية التحتية، والتي عملت عليها قطر خلال السنوات العشر الماضية، ولكن وصل الأمر إلى اتهامات مباشرة في قضايا عمالية تمس حقوق الإنسان.

أكثر من 6500 عامل مهاجر من الهند وباكستان ونيبال وبنغلادش وسريلانكا لقوا حتفهم في قطر في الفترة الممتدة بين 2011 و2020 منذ أن فازت قطر بحق استضافة كأس العالم.
موقع «ذا جارديان»

من جانبها، اعتمدت الدولة المستضيفة لكأس العالم على دحض هذه التقارير أولًا بأول من خلال وسائل الإعلام العربية والعالمية، وبالتوازي تعمدت أن يكون لديها «رد في الملعب» بشكل عملي دائمًا، من خلال استضافة البطولات الرياضية الكبرى، والتي تخطت الـ 500 حدث رياضي.

الفعاليات الرياضية المقامة في قطر خلال العام الحالي 2021 تتضمن 63 حدثًا رياضيًّا، منها 6 بطولات عالمية و30 دولية.
اللجنة الأولمبية القطرية

الأموال غير مهمة

بالرجوع لسبب رغبة قطر القوية في استضافة كأس العالم، فإننا سنجد أنه أبعد ما يكون عن الأرباح الاقتصادية، وهو ما فسرته ورقة بحثية نشرها موقع «ذا كونفرزيشن»، والتي أكدت أن الأموال لن تكون مهمة بالنسبة إلى أول دولة عربية تستضيف المونديال.

وأوضحت الورقة أن التكاليف المبدئية لاستضافة قطر لأكبر بطولات «فيفا» ستتجاوز الـ 65 مليار دولار أمريكي، أي ما يقارب 4 أضعاف ونصف ما تكلفته روسيا في المونديال السابق بــ 14 مليار دولار فقط، في حين أشارت تقارير إلى أن مجموع ما أنفقته قطر منذ 2010 وحتى الآن اقترب من الـ 300 مليار دولار بالفعل.

قد لا يكون الربح شيئًا بالنسبة إلى الدولة المضيفة، لكن إحدى المنظمات التي تأمل في تحقيقه بعض الشيء هي «فيفا»، حيث توجه نموذج عملها بشكل كامل لكأس عالم ناجح، من أجل تحقيق أرباح تتجاوز الـ 6.4 مليار دولار أمريكي (أرباح النسخة الماضية في روسيا).
موقع «ذا كونفرزيشن»

بالرغم من عدم الكشف عن التكاليف المالية لاستضافة كأس العرب بشكل رسمي، فإنه من المنطقي ألَّا تكون تلك التكاليف عائقًا أمام قطر في استضافة تلك البطولة المصغرة، وهو سبب آخر يفسر لنا الشكل الذي ظهرت به حتى الآن، إعمالًا بمقولة الفنان حسن حسني الخالدة، في فيلم «غبي منه فيه»: «أبسطها لك، لو معاك طبق كشري وجيت أنا خدت منه معلقة هتحس بحاجة؟».

اقرأ أيضًا: خسائر فادحة: هل تستفيد الدول من استضافة المحافل الرياضية؟