كثيرًا ما يتصل بي بعض مترجمي الاتحاد الأوروبي ممن درّست لهم العربية فيما قبل، ليسألوني عن نطق أحد الأسماء العربية وكيفية كتابته. ذلك لأنني كنت دائمًا ما أقول لهم إنه ينبغي كتابة الاسم ونطقه كما في لغته الأم، لا كما ينطقه الإنجليز أو الفرنسيون.

ودائمًا ما أنصحهم بالعودة إلى دائرة المعارف الإسلامية ليروْا كيف تكتب الأسماء العربية كتابة صوتية أكاديمية صحيحة. وأنا أفعل ذلك لأن ترجماتهم يجب أن تكون أكاديمية لأنهم لا يكتبون للصحافة.

وقد توصّل الاستشراق إلى هذه الطريقة لكتابة للأسماء العربية والمصطلحات الإسلامية، واتفق عليها المستشرقون، منذ بداية القرن العشرين. وتفصيل ذلك أن جمعية المستشرقين الألمانية (DMG) وضعت تقريبًا عام 1910 قواعد منهجية لكيفية كتابة الأسماء العربية والمصطلحات الإسلامية بحروف لاتينية، وأدخلوا على الحروف اللاتينية رموزًا جديدة تشبه التشكيل لدينا لتعويض الحركات في اللغة العربية.

وهي قواعد محترمة ومشهورة لأنها انتقلت إلى مدارس الاستشراق الأخرى. وبعد أن تم إقرارها في مؤتمر الاستشراق الدولي بروما سنة 1935، أصبحت قانونًا موحدًا وكيفية محددة لكتابة الأسماء العربية والمصطلحات الإسلامية. فلماذا لا تفعل مجامعنا اللغوية هذا مع الأسماء الأجنبية خاصة أسماء الأعلام المستقرة.

ولأنني درست هذه الطريقة واستخدمتها في كتابة رسالتي للدكتوراه، أصبح من المزعج لي قراءة أي شيء لا يلتزم بهذه الطريقة خاصة في الكتب الأكاديمية أو الشبيهة بها. وعندما انتقلت لبروكسل سنة 2007، أصبحت أستخدمها في تعليم العربية لغير الناطقين بها، وأخبرهم بأن الأسماء لا تترجم ولا تنقل عن لغة ثالثة، والأصلح أن ننقلها كما في لغتها الأصل، وكما ينطقها مثقفو هذه اللغة على وجه الخصوص. فإذا كان هناك شخص قريب من أهل هذه اللغة فاسألوه، وإن لم يوجد فعودوا لدوائر المعارف المتخصصة وتصفحوها.


الترجمات العربية

وإذا انتقلنا للجهة المقابلة، أي للترجمات العربية، فحدّث ولا حرج عن كم المآسي التي نرتكبها في ترجماتنا للأسماء الأجنبية إلى لغتنا العربية. ويقع في هذا بصفة خاصة ممن يترجمون عن لغة وسيطة، ودون أن يسألوا متخصصًا أو متخصصين عن كيفية نطق الأسماء الملغزة في لغتها الأم، أو دون أن يطلعوا على كيفية كتابتها من قبل مترجمين متخصصين يترجمون عن الأصل ودون لغات وسيطة.

على سبيل المثال، وجدت مرة أن الدكتور قاسم السامرائي يكتب اسم المستشرق اليهودي المجري «Goldziher» هكذا «گ‍ولدزيهر» فتعجبت جدًا، لأن الاسم كأغلب أسماء يهود وسط أوروبا، جرماني الأصل، وله معنى، وهو يعني: «صائغ الذهب». ولو عاد لترجمات المترجم القدير الدكتور عبدالحليم النجار، خاصة ترجمته لكتاب «مذاهب التفسير الإسلامي»، سيجده كتب الاسم «جولدتسيهر»، وهذه في رأيي أدق كتابة، ولا مانع عندي إذا قلبت الجيم غينًا كما يفعل الشوام أو غيرهم، أما أن تقلب كافًا فارسيًا فغريب، خاصة وأننا نترجم للعرب لا للفرس.

ومن هذا القبيل اسم الفيلسوف «Isaiah Berlin»، وكان صهيونيًا عتيدًا يدعي أنه معتدل. فقد وجدت أن مترجم كتابه «كارل ماركس» يكتبه «إيسيا» بينما مترجم كتابه «جذور الرومانتيكية» يكتبه «إيزايا»، بينما اسم الرجل وببساطة «أشعـيا»، أي أنه اسم سامي مستقر في العربية وموجود في كتب التراث العربي وترجمات التوراة العربية، ولا نحتاج لنطقه الفرنسي أو الإنجليزي!


جدامر وغادامير

أضف إلى ذلك أنني أجد أحيانًا طرقًا مضحكة لكتابة الأسماء الأجنبية، خاصة ذات الأصل الجرماني أو الأنجلوساكسوني. ومن ذلك كتابة البعض لاسم الفيلسوف الألماني «Gadamer». وللحقيقة، الرجل حظه سيئ مع المترجمين العرب الذين لم يستقروا بعد على صيغة موحدة لاسمه. فالدكتور سعيد توفيق يكتبه «جادامر» في ترجمته لـ«تجلي الجميل»، وهو الأقرب للصحة.

أما حسن ناظم وعلي صالح فيكتبان الاسم «غادامير» فيما ترجماه من كتب الرجل مثل «الحقيقة والمنهج» و«التلمذة الفلسفية»، وكذلك يفعل محمد شوقي الزين فيما ترجمه لجدامر. وقد رأيت ترجمة لمحمد جديد يكتب فيها الاسم «غادامار». وقد رأيت كل هذه الاحتمالات السابقة مع قلب الغين جيمًا.

ومعنى ذلك أن تعريب اسم «Gadamer» لم يستقر على شكل محدد. وهنا الحل الأفضل أن نسأل أهل اللغة من المتخصصين فيها. وهذا ما كنت أفعله دائمًا، لأن لنا تجربة قديمة مع اسم «بريشت» الذي كان كثيرون منا ينطقونه «بريخت». وكنت كلما سألت ناطقًا للألمانية القياسية، أو أي متخصص فيها من أساتذتي الألمان، عن نطق اسم «Gadamer» كان يقول لي: «جدامه»، وهكذا كنت اسمعه طيلة ست سنوات، سواء في دروس الفلسفة التي زرتها، أو في المؤتمرات الفلسفية التي تابعتها.

فالفلاسفة الألمان، والرجل نفسه، الفيلسوف نفسه، ينطقون الاسم هكذا «جدامه»، وذلك في وسط الكلام وأوله وآخره. ولذا قررت أن تكون كتابته «جدامر» وهكذا أستخدمه دومًا، ولذا قلت إن طريقة سعيد توفيق، رغم أنه يترجم عن لغة وسيطة، هي الأقرب للصحة.


ترجمة كتاب «فان إس»

في الأسبوع الماضي، كنت أراجع الجزء الثاني من كتاب «علم الكلام والمجتمع» للمستشرق الألماني الشهير «جوزيف فان إس» لكتابة مقال عنه، فوقعت أمامي نماذج أخرى شبيهة بما سبق سأكتفي منها بنموذج وحيد.

ومن يعرف أهمية هذا الكتاب الضخم في ستة مجلدات)، وأنه أهم كتاب غربي عن علم الكلام، سيعرف ولا شك أهمية هذه الترجمة، وأنها ولا شك أهم ترجمة صدرت عن علم الكلام خلال السنوات الخمس الأخيرة. والترجمة على الصعيد اللغوي ونقل المعاني ممتازة، بسبب تمكن المترجمين من الألمانية. ولكن هذا وحده لا ينتج ترجمة مخدومة بإتقان. ويبدو لي أن صلة المترجمين، والمراجع كذلك، مع تراث الدراسات العربية والإسلامية خارج نطاق اللغة الألمانية ضعيف جدًا. وفي هذه النقطة تحديدًا كانت الأخطاء التي وقعت لي.

ولأنني أتحدث هنا عن طريقة كتابة الأسماء الأجنبية باللغة العربية، سأركز هنا على هذه النقطة تحديدًا. وسأضرب كما سبق مثلًا وحيدًا. ففي صفحة (767) من الترجمة نجد هذا النص:

أول مشكلة هنا أن المترجم تجاهل اختصار الاسم الأول، وثانيها، أنه جهل هذه الشخصيات الكبرى داخل تراث الدراسات العربية والإسلامية خارج نطاق اللغة الألمانية. على سبيل المثال، كنت أتمنى أن يعرف أن «N. Abbott» هي العالمة العراقية الكبيرة «نبيهة عبود». لكن المشكلة أنه بدلاً من أن يستعيد الاسم العربي للسيدة «N. Abbott»، زاد اسمها عجمة وقال: «أبوت»!

الحقيقة كنت أنتظر أن يعرف اسم الباحثة العراقية الرائدة ويعرّف بها في الهامش ويقول للقارئ، إنها ولدت سنة 1897 في بغداد، وحصلت على الدكتوراه من جامعة بوسطن سنة 1925، وعملت أستاذة في جامعة شيكاجو، وأنها نشرت حتى وفاتها سنة 1981 مجموعة ضخمة من الأبحاث المهمة الرائدة عن مصادر تاريخ الإسلام خاصة في مصر، وبصفة خاصة عن وثائق البرديات.

مشكلة أخرى تتمثل في حرف «W». نعم هذا الحرف يقرأ في الألمانية «فاءً»، ولكن هذا في الألمانية فقط أما في الإنجليزية فينطق «واوًا». وكما نمتعض ممن يقولون «ماكس ويبر» عن «ماكس فيبر»، لا بد وأن نمتعض أيضًا ممن ينقلون اسم المستشرق الأميركيّ «Wansbrough» على أنه ألماني الأصل، فيكتبونه «فانسبرو» بينما ينطق في الإنجليزية «وانسبرو»، وهو النطق المتعارف عليه حتى في الألمانية، مما يدل على أن المترجم لم يسمع اسم «جون وانسبرو» من قبل، رغم أن الرجل عَلَم على مدرسة كبرى في دراسة القرآن أو قل في تشويهه، وكتابه سيئ الذكر (Quranic Studies» (1977»، الذي حاول أن يثبت فيه أن القرآن لم ينزل على محمد في الحجاز، ولكن تم تأليفه في القرن الثالث الهجري في منطقة الشام، وأنتج مدرسة من المشوهين الجدد، من أشهرهم: بتريسيا كورن ومايكل كوك وأندرو ريبن.

أخيرًا، أريد أن أقف قليلًا عند اسم المستشرق الهولندي المعروف «K. Versteegh» لأنه كتبه هكذا: «فرستي». وهذا المستشرق العتيد «كيس فريستيغ» معروف في اللغة العربية منذ أكثر من خمس عشرة سنة. ففي سنة 2003، ترجم محمد شرقاوي كتابه عن «اللغة العربية» ونشره في المركز القومي للترجمة، وترجم محمود كناكري كتابه المهم «عناصر يونانية في الفكر اللغوي العربي» ونشره في الأردن. نعم، الترجمة الأخيرة كطباعتها غير متقنة، ولكنها ترجمة أقرّها المؤلف نفسه وتوجد في قائمة أعماله. المهم أن كلا المترجميْن – الشرقاوي وكناكري – كتبا اسم الرجل بشكل صحيح: «فريستيغ».

وقد سمعت بأن هناك ترجمة لكتاب ثالث لكيس فريستيغ، قام بها أحمد شاكر الكلابي، ولكنني لم أرها. وعلى العموم توجد للرجل دراسات أخرى تستحق الترجمة، منها كتابه الرئيسي «النحو العربي وتفسير القرآن في الإسلام المبكر»*. أضف إلى ذلك المداخل الكثيرة التي نشرها في المجلدات الخمسة لدائرة معارف العربية وفقهها التي أشرف عليها وأصدرتها بريل في الفترة من 2006 وحتى 2009. ورغم كل هذا فإن المترجمين ومراجعيهم لم يسمعوا بالرجل!


خاتمة

وقد عمل المرء في الآونة الأخيرة على تتمة ما بدأه جولدتسيهر Goldziher من مقالات رائدة في هذا المجال. نذكر من ذلك ما كتبه كل من أبوت N. Abott، ونويا P. Nwyia، وإسماعيل كيراهوجلو İsmail Cerrahoğlu، وفانسبرو J. Wansbrough، وجولدفيلد I. Goldfeld، وفرستي K. Versteegh. غير أن هذه الكتابات في بعض المسائل لم تتعد كونها أكثر من تقوية للفرضيات التي قال بها جولدتسيهر.

سأكتفي الآن بما سبق من نماذج لأقول إنني بسبب تأملي لهذه الجزئية وتتبعي لنماذجها، أصبح لدي ومنذ فترة ميل كبير للعمل على توحيد كتابة الأسماء الأجنبية، كما فعل المستشرقون مع الأسماء العربية. وهذا عمل لابد وأن تقوم به كما سبق المجامع اللغوية العربية بإقرار وتحديد كيفية كتابة الأسماء الأجنبية، خاصة أسماء الفلاسفة والكتاب والمستشرقين، بالعربية.

ولذا أرجو أخذ ما أقول به هنا كاقتراح في سبيل ذلك. ولذا ألخص فكرتي الأساسية حول هذا الموضوع فأقول:

أن أول خطوة في تعريب الأسماء في الكتب الأجنبية المترجمة هو أن نعيد الأسماء العربية لشكلها الأصلي، وألا نزيدها عجمة كما حصل مع «أبوت» الذي اتضح أنه العالمة الكبيرة «نبيهة عبود».

أما الأسماء الأخرى، فالموقف منها على نوعين، فإذا كان الاسم نقل قديمًا وأصبح مستقرًا في اللغة العربية على شكل محدد، فلا ينبغي ابتكار صيغة جديدة له، بل ولا ينبغي حتى نطقه مثل أهله. على سبيل المثال، الفرنسيون يقولون على رئيسهم السابق «فرنسوا أولاند»، بينما الاسم مستقر في العربية على «هولاند»، فهذا لا ينبغي تغييره بإسقاط الهاء كما يفعل الفرنسيون، وإنما تبقى كما هي في الكتابة العربية. والأمر نفسه مع أسماء أخرى مثل «فيكتور هوجو» و«شارلي إبدو» فلا نقول «اوجو» ولا «هبدو».

أما إذا كان الاسم جديدًا في العربية وغير مستقر، فالأفضل أن ننطقه منذ البداية مثل أهله. فالاسم الألماني ينطق مثلما ينطقه الألمان، وليس مثلما ينطقه الإنجليز أو الفرنسيون. والأسماء الفرنسية تنطق كما ينطقها الفرنسيون لا كما ينطقها غيرهم. وهكذا.

هذا ما أعلّمه لتلاميذي هنا، ومن هنا فإن إزعاجهم لي أمر منطقي كما ترى.