في نهاية نوفمبر من عام 2007، قمت بالتسجيل لأول مرة في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وذلك على إثر نصيحة من زميلي بالعمل وقتها، حيث قال: هذا الموقع واعد وهو مستقبل التواصل بين البشر، لم أكن أعلم وقتها أنه كان صادق الكلمة، ثاقب الرؤية إلى هذا الحد، ولم أكن أعلم أني أيضًا بهذا التسجيل المجاني الذي أجريته وقتها، أنني أصبحت شاهدًا على عصر جديد من التواصل البشري.


بداية الأمر

في هذه الفترة كنت كأغلب شباب جيلي، أحاول التزين بكل ما هو عصري، أبحث عن كل ما هو جديد، الكمبيوتر ووسائل التواصل والإنترنت كانت هي الخطوط العريضة للحداثة والنظرة المستقبلية من وجهة نظرنا.

كان السائد في هذه الفترة هو وسائل التواصل البسيطة التي تدعم المحادثات الصوتية والمرئية، من قبيل «Yahoo، ICQ، MSN، hi5، Skype» وغيرها من وسائل التواصل وقتها.

لذا عندما ظهر الفيسبوك كانت البيئة في الأساس عامرة بمتشابهات كثيرة، وكانت النسخة الأولية منه عقيمة جدًا، مجرد حائط شخصي للكتابة، أدوات قليلة جدًا، لا يوجد به تواصل مرئي أو صوتي، مجرد دفتر للأحوال تكتب به ما يجول بخاطرك، وقد تضيف بعض الصور القليلة ذات الجودة المنخفضة، ويتيح لك إنشاء «مجموعات» للأصدقاء وأيضًا تحت شروط معينة.

أضف إلى ذلك أن الفيسبوك كان وسيلة جديدة، لم يسمع بها إلا القليلون المهتمون بمثل هذه الأمور، لذا فكانت المشكلة الأصعب من وجهة نظري هي كيفية إقناع الآخرين بهذه الوسيلة! كيف ستقنع أصدقاء الياهو والسكايب بأنه أصبح عندنا وسيلة تواصل جديدة.. هيا بنا نتواصل بها.

في بداية الأمر لم يكن عندي على حسابي الشخصي وقتها إلا أربعة أصدقاء، نعم.. قرأتها صح، أربعة أصدقاء فقط، وجمعتهم بشق الأنفس.

في الواقع الفيسبوك في بداياته لم يكن وسيلة جاذبة للجمهور أبدًا، ولم يكن يشجع على استخدامه بالمرة، مقارنةً بباقي وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لذا كان إقبالي عليه قليلًا جدًا، نظرًا لأنني تقريبًا كنت أشعر وكأنني أدخل صحراء قاحلة لا أصدقاء فيها ولا تواصل ولا اجتماع.


التحول التدريجي

مرت سنون قليلة وبدأت الأوساط الاجتماعية تتحدث كثيرًا عن الفيسبوك، وظهر لأول مرة في الميديا مصطلح «شباب الفيسبوك» نظراً لكون جُل مستخدميه من الشباب.

ولعلنا نذكر اللقاءات التي كانت تتم بين شباب الجامعات وقتها وكيف كانوا يطلبون من القائمين على الأمور التواصل والتفاهم مع شباب الفيسبوك باعتباره قوة شبابية متواصلة ومتماسكة اجتماعيًا قد يكون لهم رؤى وأحلام وطموحات طيبة لوطنهم وأمَّتهم، أتذكر وقتها كيف كانت السخرية القاسية اللاذعة من الشاب الذي طرح هذا الحديث على الملأ، وأصبح مفهوم شباب الفيسبوك وقتها مثار تندر وسخرية واستهزاء.


القفزة

كي لا أطيل عليكم، هذه القفزة حدثت بالنسبة للمصريين والعرب إبان ثورات الربيع العربي، فقد أدرك وقتها المصريون والعرب جميعًا أن هناك فعلاً ما يسمى بـ«شباب الفيسبوك»، وأنهم قادرون على التواصل والتحادث وإبداء الآراء، وأدركوا أيضًا أن الفيسبوك وسيلة قادرة على إحداث التواصل الاجتماعي بين الأفراد والمجتمعات وبين العالم بأسره.

أضف إلى ذلك أيضًا أن الفيسبوك وخلال هذه السنوات أخذ يقفز بخطوات متلاحقة في التطوير والتحديث للموقع، فأضحينا نراه يتيح وسيلة التواصل المسموع والمرئي بكل سلاسة، وأصبح التعامل معه أيسر كثيرًا من النسخ الأولية التي ذكرتها في بدايات الحديث.

عند هذه الإحداثيات بدأ المصريون والعرب بشكل عام يدخلون في منظومة الفيسبوك أفواجًا أفواجًا ليطَّلِعوا على ماهية هذه الوسيلة الفعَّالة العجيبة.


شاهد على العصر

المطَّلِع على الفيسبوك العربي والأجنبي أيًا كانت جنسيته سوف يرى ويحكم ويفند ببساطة أهم نقاط الاختلاف، أو بشكل آخر الأمور التي تميز الفيسبوك العربي أو تجعله مختلفًا عن بقية جنسيات مستخدمي الفيسبوك في العالم بأسره.


أشياء تلازم «الفيسبوكيين» العرب

  • نظرية المؤامرة

العربي منذ أن أبصرت عيناه الدنيا وهو متشبع بفكر ونظرية المؤامرة، والتي تجري في جسده مجرى الدم، فكل أمر في حياته يأخذه بهذا المبدأ، فمثلًا لو صادف أن أحد الأشخاص خرج من بيته ذاهبًا لعمله، ووجد إطارات سيارته فارغة على الأرض فأول ما سيجول بخاطره وقتها هو زميله في العمل الذي تسلل خفية في الليل وقام بإفراغ إطارات سيارته حتى لا يصل عمله باكرًا ويتميز هو عند مديره بدلًا منه.

لو صادف أن أحدهم انزلقت قدمه على السلم، ففي كسر من الثانية سيكون الفاعل هو جاره الشقي الذي تآمر مع صديقه حتى يقع هو، وهكذا.

هذا الفكر التآمري والذي تشبع به العربي لابد وأن يظهر صداه على الفيسبوك، لذا فنجد أي أمر وكل أمر مآله الكلمة الواحدة السحرية التي تريح العقل ولا تشغله بالتفكير ولا تبيان الأمور، إنها «المؤامرة»!

فالعرب يتآمرون على أنفسهم، ويتآمر عليهم الأجانب من أي جنس ونوع، وإن لم يتواجدوا فهناك المؤامرة الكونية، وإن لم تتواجد فهناك المؤامرة بين المجرات والنجوم!

  • التخوين

وهذه الظاهرة هي الأبرز على صفحات الفيسبوكيين العرب، فعندما لا يستطيع أحدهم النقاش في أمرٍ ما أو توضيح وجهة نظره بالشكل العلمي والمنطقي السليم، يبدأ عندها بمهاجمة متحدثه وتوجيه الاتهامات المقذعة إليه، وطبعًا أشهرها على الإطلاق هو «التخوين»، ولفظة التخوين تشمل بمعناها العريض كل مناحي الحياة، فالذي يتبنى وجهة نظر يراها من جانبه صحيحة ويحاول أن يدافع عنها، يكون في نظر الآخر والذي ينحاز لأفكاره وآرائه خائنًا.

مثلًا: هذا اللاعب الذي ترك ناديه وفضّل الاحتراف، نجد مشجعي هذا النادي يصمونه بالخيانة دون أي تفكير أو نظرة أعمق للأمور، وهناك الشخص الذي ترك العمل مع شركة ما وقرر الانضمام للأخرى، فورًا تجد زملاءه ينظرون له ويحيطونه بنظرات الخيانة.. «إزاي تخون ولي نعمتك؟»!

هكذا ببساطة الفكر العربي، ناهيك عن الأمور والموضوعات السياسية والتي يكون فيها التخوين الكلمة «الافتتاحية» للحديث.

  • السطحية

إذا طرح أحدهم موضوعًا يدعو للتأمل والفكر وإعمال العقل، فغالبًا ما تكون المشاركة والفعالية من جانب الأفراد العرب ضعيفة جدًا، وبالعكس إذا كان الموضوع هزليًا أو سخيفًا أو له دلالة دينية جدلية أو دلالة جنسية، وقتها فقط سوف تجد «حنفية» المشاركات والتفاعل قد انفتحت «على البحري» وتجد وقتها أن السلبية وعدم الاهتمام وعدم التفاعل قد انقلبت لإيجابية واهتمام.

  • ارتداء عباءة أخرى

كثير من الأحيان نجد أن الشخص العربي على الفيسبوك قد أخذته «الجلالة» وبدأ في تقمص دور ليس له، أو الظهور بشخصية تخالف طبيعته ومنهاجه، فنجد السطحي قد ارتدى عباءة «الفقيه المتفلسف» العالِم ببواطن الأمور وظواهرها، ونجد المنحرف أخلاقيًا والذي يعرفه أصدقاؤه جيدًا قد ارتدى عباءة العالِم الورع الفقيه في مشهد مزرٍ مخالف لطبيعته وشخصه وكأنما يحادث جمهورًا لا يعرفه أو يعلمه.

  • مبدأ المجاملة

للأسف الفيسبوكيون العرب لا يدركون حقيقة أزرار «Like, Share and Comment» ففي واقع الأمر هذه الأزرار وضعت لتوضح رأيك وتتفاعل مع الموضوع وليس مع الشخص نفسه، فعندما أقوم بإبداء الإعجاب بموضوع ما فهو في واقع الأمر إعجاب بالموضوع والكلمات والطرح وليس له علاقة من قريب أو بعيد بشخص صاحب الموضوع.

ولكننا نرى للأسف الفيسبوكيين العرب يتخذون من زر Like أو الإعجاب بالموضوع وسيلة للمجاملة والرياء ولتبيان طبيعة علاقتك بهذا الشخص، وعليه فإن الشخص المهم ذا الحيثية والمنصب والمقام الرفيع نجد أن عدد المعجبين بحديثه وموضوعه حتى لو قال أي هراء قد تتعدى الآفاق، وستجد التعليقات تنهمر كالسيل لتوضح عظيم طرحه وبديع فكره الذي هو في الأساس هراء، بينما نجد أحدهم قد طرح موضوعًا مهمًا ويستحق الانتباه والتركيز، نجد الجميع قد انفضوا من حوله لأنه لا يستحق «المجاملة».

وهناك بعض الأصدقاء قد يعتبرون عدم الإعجاب أو كتابة تعليق لمواضيعهم لفترة طويلة هو نوع من التكبر وعدم الاهتمام وقلة الذوق تجاههم. إلا أنه في واقع الأمر الموضوعات التي يطرحونها لا تستدعي أي تفاعل أو مشاركة نظرًا لضعفها أو سطحيتها.

  • مبدأ المعاملة بالمثل

معظم الفيسبوكيين العرب عند مطالعة منشورات الآخرين يتذرعون بمبدأ «المعاملة بالمثل»، بمعنى، هذا الشخص يقوم بعمل إعجاب ومشاركة لمنشوراتي، إذن سوف أقوم بالمثل معه، دون النظر لطبيعة هذه المواضيع أو توافقها مع فكري أو لا، وفي المقابل نجد أنه قد يتغافل عن التفاعل أو المشاركة في مواضيع أكثر أهمية لمجرد أن صاحبها لا يعامله بالمثل.

  • السلبية

عندما قام مارك زوكربيرج بتصميم وسيلته للتواصل «الاجتماعي»، كان الهدف الرئيس منها هو التواصل بين الأصدقاء وبعضهم، إلا أنه هناك بين أفراد العرب من يقوم بالدخول على الفيسبوك ويظل ساعات يتصفح فيه، ولا يقوم بالتواصل مع أحد، وعند سؤاله يتعلل بأنه لا يحب المشاركة وإنما يفضل المشاهدة، ناسيًا المقولة الأشهر لسقراط «تكلم حتى أراك».

  • الثبات على موضوعات بعينها

كثير من الفيسبوكيين العرب عند تواصلهم مع الآخرين على صفحاتهم، تكون الموضوعات المثارة نفس التي تحدثوا عنها من قبل، ويعيشون حالة من الثبات والملل في إطار موضوع واحد لا يتحدثون عن شيء غيره.

فهناك من يقوم بمشاركة المنشورات الرياضية ولا غيرها، وهناك من يقوم بمشاركة المنشورات الدينية فقط، وكأنما مشاركة أمور أخرى مجتمعية وقيمة إنما هو إثم وجرم، وهناك من يقوم بمشاركتنا تفاصيل حياته التي لا تهم أحدًا غيره، مثلًا هناك أحدهم الذي سافر إلى إحدى الدول المتقدمة، نجده يأتي بعد ذلك ولا سيرة له إلا هذه الدولة وعظيم شأنها وعلو قامتها ويقوم بالدعاية لها بشكل أفضل من سفير هذه الدولة، هذه الأمور لا تهم قطاعًا كبيرًا من المستخدمين، وحتى إن تفاعل البعض مرة فسوف يقل التفاعل بعد ذلك نتيجة الثبات والملل.

  • نسخ ونشر المواضيع دون تدبر أو تفكير

أغلب الفيسبوكيين العرب ينشرون مواضيع هي عبارة عن نسخ كربونية من مواضيع أشخاص آخرين أو مشاهير. ولا يقومون بالتعليق أو إبداء آرائهم ورؤيتهم في الموضوع كبشر، وكأنهم يعطون عقولهم فترة راحة من التفكير، واعتمادهم يكون على اسم صاحب الموضوع الشهير الذي «لا يخطىء أبدًا».

  • مسايرة الموضة

الفيسبوكيون العرب يرون في الاختلاف جريمة وعيبًا، وكأنما ثقافة وفكر القطيع هي السائدة، فعندما يكون هناك حدث اجتماعي ما، أو أمر جلل حدث، تجدهم يكتبون المفروض كتابته رسميًا واجتماعيًا، أو ينظرون إلى أحد المشاهير ويرون كتابته وينسخونها أو يحاولون تقليدها. ولا يحاولون أن يدونوا ما يدور بداخلهم، أو ما تفرضه ضمائرهم عليهم، أو إعطاء فسحة لعقولهم أن تتدبر الأمر وتعطي رأيًا في هذا الحدث. وكأنما يكتبون فقط لمسايرة «الموضة الفيسبوكية» فقط!

  • الانسياق وراء توافه الأمور

لا نستطيع إنكار أن هناك الكثير من الفيسبوكيين العرب قد أدركوا التكنولوجيا متأخرًا، وعليه فإن كل الأمور التي يكون بها خداع باستخدام البرامج الحديثة تنطلي بسهولة عند هذه الفئة.

مثال على ذلك: صور تم التلاعب بها باستخدام برنامج الفوتوشوب، مثل بقرة لها أجنحة، أو طفل له ثلاث عيون، نجد بسهولة «حنفية» الإعجابات والمشاركات على هذه المنشورات، وأغلبهم يكون من الفئة البسيطة التي تصدق هذه التوافه.

هناك أيضًا صفحات عديدة تعتمد في الأساس على المنشورات الدينية والتي تبالغ فيها جدًا وتضع معلومات أغلبها غير صحيح وتطلب من أعضائها «المشاركة والنشر ولكم الأجر»، أو علق بـ «تم» حتى تأخذ الأجر والثواب كاملًا.

كلها حيل وأمور تافهة ولا تجدها للأسف إلا بكثرة عند الفيسبوكيين العرب.

  • المبالغة المفرطة

هناك بعض الأفراد أو الصفحات يقومون بكتابة عناوين مثل «اتفرج على فضيحة فلان»، «شوف الفيديو الرهيب ده قبل الحذف»، «حقيقة فلان الفلاني»، «شوف فلان قال إيه واتفرج يا سلام».. وعندما تدخل وترى بنفسك كل هذا الهراء، تكتشف أنه عبارة عن كذب وتدليس ونصب، وإنما هي وسيلة للدعاية ونشر الإعلانات، ولا يسقط في بئر هذه الترهات إلا ذوو العقول السطحية ضيقة الأفق.

  • التلصص

كثيراً ما يصادفنا أفراد مدرجون في قائمة الأصدقاء عندنا، ولا تجد لهم أي مشاركة أو فعالية، وعندما يقابلك مصادفةً يسرد لك تفصيليًا كامل أنشطتك على الفيسبوك، وما نشرته وما علقت به، وتجده يبدي إعجابه بصورتك التي وضعتها، لتجد نفسك أمام شخص يتلصص عليك وليس مجرد إنسان يتواصل معك.

  • طاقية الإخفاء

كثيراً ما تجد بين الفيسبوكيين العرب طلبات صداقة مرسلة من أشخاص لا صور شخصية لهم ولا أسماء أو بيانات توضح طبيعتهم، وكأنما يرتدون طاقية الإخفاء كي لا يظهروا أمام مستخدمي الفيسبوك، العجيب في الأمر أنك قد تقابلهم صدفة وتجدهم يلومونك على عدم قبولك طلب صداقتهم!

  • التسول

كثيراً ما نجد بين الفيسبوكيين العرب هذه العادة السيئة، ألا وهي «تسول الاهتمام»، فنجد بعض الأفراد يقوم بتغيير صورته الشخصية إلى صورة الحداد الأسود، دون أن يعلق ببنت شفة، ولا يقول من الذي توفي عنده حتى يقوم أصدقاؤه بتعزيته، اللهم إلا بعد أن تنهال عليه التعليقات المستجدية عطفه لتبيان الأمر، وتتفاجأ بأن المتوفى هو شخص مقرب جدًا منه، لتقف بعدها وتتعجب، كيف لشخص في مثل هذه الظروف أن يقوم بهذه الفعلة على الفيسبوك لمجرد أن يتسول الاهتمام.

وهناك من تجده بين الفينة والأخرى يقوم بإعادة منشور سبق وإن لاقى إعجابًا كبيرًا بين أصدقائه، ولكن يعيده بشكل آخر، حتى يحوز الاهتمام مرة أخرى.

  • السخرية المفرطة

وهذه النقطة من أكثر النقاط انتشارًا بين الفيسبوكيين العرب وخاصةً بين الشعب المصري، فنجد العرب يسخرون من كل شيء وأي شيء، وقليلًا ما يأخذون الأمر على محمل الجدية، وهذه السخرية قد تصل بهم كثيرًا إلى حد الابتذال والسخف، وتضفي كثيرًا من السلبية إلى الأمور، دون الوصول إلى نقاش جدي وحل فعلي لأي أمر.

وعلى مستوى الأشخاص فإن هذه السخرية يستخدمها المغرضون كثيرًا للتسفيه والتقليل من شأن الشخص المراد حديث عنه، وعليه فقد تكون سخرية موجهة بقدر كبير، وهدفها خبيث وليس مجرد الضحك والتسرية.

  • ثقافة البلوك

أسهل شيء عند الفيسبوكيين العرب خسارة الآخرين، فعندما لا يوافقه الآخر الرأي، بدلًا من النقاش والتحاور واتباع منهج الإقناع، بكل سهولة، يذهب إلى الزر Block ويريح رأسه، ومن السهل جدًا أن يخسر العرب أصدقاءهم على الفيسبوك لمجرد الاختلاف في النقاش، أو لمجرد أن هذا الشخص غير ذي نفع لي، أو أن هذا الشخص لا يقوم بعمل إعجاب أو مشاركة لمنشوراتي.

  • الغرور والتعالي

وهذه الصفة لا نجدها إلا عند المشاهير من الفيسبوكيين العرب أو من يظنون أنفسهم كذلك، حيث يكون الشخص قد أحاط به آلاف المتابعين والأصدقاء، فيظن عندها أنه أكبر من أن يرد على أحد، أو حتى يتواصل مع أحد، ويظن أن مجرد الإعجاب أو مشاركة منشور لأحد الأصدقاء شيء كبير جدًا، لأنه يرى نفسه هو فقط من يستحق أن يتابعه الناس ويأخذون عنه رأيه السديد القويم، أما بقية الناس فهم أقل من مستواه الأدبي والثقافي والاجتماعي أيضًا.


ختامًا

الفيسبوك مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي «الحقيقي» بين الأفراد، الهدف الرئيس منه تدعيم أواصر الصداقة ومشاركة اللحظات الطيبة والمشاعر المتبادلة بين الأفراد، وليس للخداع والتقمص والتضليل والسخرية من الآخرين، ليس أبدًا هدفه خسارة الأصدقاء كما يحدث بين العرب.

الفيسبوك عند العرب شأنه شأن الفيسبوك عند مبتكريه، والنقاط السلبية التي أشرنا إليها موجودة أيضًا لديهم، إلا أننا نحن العرب نتميز بأننا لدينا سمات الكرم «الحاتمي» المفرط، لذا فهذه النقاط السلبية موجودة عندنا بـ «وفرة» أكثر منهم.

كاتب هذا المقال أيضًا عربي صميم، ولديه من هذه النقاط السلبية العديد والعديد، إلا أنني أدَّعي التعافي من بعضها، ومحاولة الشفاء من بعضها الآخر، ومقاتلة البقية العنيدة التي تجري بفطرتي العربية منذ أن أبصرت هذه الدنيا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.