نحن شعب فقير، لكننا سنأكل العشب وأوراق الشجر من أجل الحصول على القنبلة الذرية.

ذو الفقار علي بوتو – رئيس الوزراء الباكستاني (1973 – 1977)

في سباق مع الزمن، كان الأسطول الأمريكي وحاملة الطائرات «إنتر برايس» يتقدمان نحو خليج البنغال، لتقديم العون والدعم للقوات الباكستانية التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع الهند في ديسمبر/ كانون الأول 1971، في الوقت الذي أدركت فيه الإدارة الأمريكية بقيادة ريتشارد نيكسون أن انتصار الهند يعني بشكل أو بآخر نجاح سياسة الاتحاد السوفييتي لفك الطوق أو الحافة التي سعت الولايات المتحدة لاحتواء السوفيت من خلالها.

لكن كان ذلك قبل فوات الأوان، وفي السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 1971 كان الفريق خان نيازي قائد الجيش الباكستاني في باكستان الشرقية (بنغلاديش حاليًا)،يستعد متلفعًا بالقهر والانكسار ليوقع على وثيقة الاستسلام وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، بعد خوض حرب طاحنة دامت 13 يومًا، تكبد فيها الجيش الباكستاني الهزيمة على جميع الأصعدة؛ اعتُقل أكثر من 85 ألفًا من الباكستانيين، وأُعلن انفصال بنغلاديش عن باكستان. وفي تلك الأثناء كان الاتحاد السوفييتي يعرقل قرارات مجلس الأمن الداعية لوقف الحرب.

بدأت الحكاية في لاهور، 24 مارس/ آذار 1940 عندما أعلنت الرابطة الإسلامية دعوتها لإنشاء وطن للمسلمين في غرب وشمال شرقي الهند البريطانية، منحت بريطانيا الهنود المسلمين الحق في إنشاء ذلك الوطن الموعود استنادًا إلى وثيقة إعلان لاهور قبل الهند بيوم واحد، وذلك في 14 أغسطس/ آب 1947. وأُعلن ذلك اليوم عيدًا للاستقلال، بينما أعلن في اليوم الذي يليه استقلال الهند، لكن ظلت أقاليم كشمير وجامو متنازع عليها والتي أشعلت فتيل الحرب، وعلى مبدأ الصديق والعدو فإن الدولتين اتخذتا من الآخر عدوًا تعريفيًا لوجودهما، كونهما يتمتعان باختلافات أيديولوجية دينية وقومية.

خاضت الهند وباكستان أربعة حروب، وهي حرب 1947 التي بدأت من طرف الهند وانتهت إلى ضم الهند لكشمير مطلع عام 1949، الحرب الثانية كانت في 1965 واستمرت لمدة شهر، حيث بدأت باكستان الحرب بالدخول إلى مناطق جامو وكشمير وانتهت بإعلان وقف إطلاق النار بضغط من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت حرب 1971، ثم حرب 1999، بعد التأكد من دخول باكستان إلى نادي الدول النووية، بالإضافة لوجود العديد من المناوشات في عام 2001 وعام 2008، انتهاءً إلى مناوشات العام الحالي 2019.


خير وسيلة للدفاع الهجوم

كل هذه الحروب دفعت البلدين للدخول في تنافس محموم بُغية امتلاك الأسلحة والتقنيات العسكرية الفائقة، وهناك العديد من الأسباب التي دفعت الطرفين لخوض سباق التسلح على الرغم من الفقر وضعف التنمية في كلتيهما، كما يشير عراك الفهداوي في (سباق التسلح الهندي – الباكستاني وأبعاده الإقليمية والدولية المنشور بمجلة ديالى 2010) فإن أهم تلك الدوافع كالتالي:

الدوافع الهندية

  1. يشكل التسليح للهند قوة رادعة في مواجهة التنين الصيني، ويمكنها من التوازن معه، حيث تضم الصين إقليم «أورنشال براديش» الذي تدعي الهند أنه جزء من أرضها، وهذه القوة الرادعة أيضًا تمكن الهند من الدفاع عن دعواها بأحقيتها للأرض الكشميرية.
  2. تسلح الهند قبل انهيار الاتحاد السوفييتي كان نابعًا من رغبة الاتحاد السوفييتي لكسر الطوق الأمريكي حوله، وجاء ذلك الدعم بعد محاولات استقطاب عديدة كان محفزها حرب الهند مع الصين بسبب الحدود عام 1962، والتي خسرتها الهند، وحرب باكستان 1965 ناهيك عن مشروع الهند النووي المعلن منذ أربعينيات القرن الماضي.
  3. تسعى الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وبذلك تتحول إلى قوة عظمى وإقليمية.
  4. اعتُبر سباق التسلح من عوامل التنمية الاقتصادية في الهند حديثًا، كونها تحاول الدخول إلى نادي الدول المصنعة لسلاح.
  5. يعتبر سباق التسلح ضامنًا لتماسك القومية الهندية المفككة وغير المتجانسة من خلال إعلاء منطق القومية الهندوسية في مواجهة القومية الإسلامية، وتحويل الصراع السياسي لصراع أيديولوجي يشمل حتى مسلمي الداخل الهندي.
  6. ثمة عوامل خارجية كذلك لتأجيج تواصل السباق التسليحي، من أهمها شراء الأسلحة من الدول المصنعة، ويعد ذلك السباق سوقًا رائجة لهذه الدول.
  7. إثبات الثقل النوعي والعسكري، وذلك لوجود الهند في بيئة شديدة التباين والتنافس في شرق آسيا.

الدوافع الباكستانية

  1. مُجاراة الهند لإحداث توازن معها، حتى أنها أجرت ست تجارب نووية مثلما أجرت الهند تمامًا.
  2. تكوين قوة رادعة ضد الهند بالرغم من ضعف قدراتها العسكرية في مضاهاة الهند، لكنها تطور من كفاءة سلاحها النووي بتطوير الصواريخ والتحكم في حجم الرؤوس النووية، إضافة لتطورها في مجال الطائرات دون طيار.
  3. التسلح الباكستاني قبل انهيار الاتحاد السوفييتي كان بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة، وذلك لسببين الأول، تشكيل طوق حول السوفييت، والثاني، التوازن مع الهند التي كانت تميل لموسكو، وذلك للضغط عليها كي تُقدِم على تحالفها مع الولايات المتحدة، نظرًا لأهمية دورها في تحجيم الهند.
  4. روج العديد من القادة مثل ضياء الحق أن غاية التسلح هي تشكيل قوة إسلامية سنية للعالم الإسلامي أجمع، والتحول لقوة إقليمية تخدم هذه المصالح.
  5. توجد عوامل خارجية لتأجيج تواصل السباق التسليحي من أهمها شراء الأسلحة من الدول المصنعة، ويعد ذلك السباق كما أسلفنا سوقًا مهمة لهذه الدول.
  6. يحمي التسلح الباكستاني وجود الدولة في ظل بيئة تنافسية مضطربة متنازع على أحلافها بين قوى عالمية كبرى، كما يمكنها من حفظ التوازن في ظل وجود جارتين نوويتين (الهند والصين)، وجارة شيعية المذهب على حدودها تسعى لامتلاك القنبلة النووية (إيران).

الفيل والتنين وجهًا لوجه

تأرجحت علاقة الولايات المتحدة بباكستان، على حسب نسق النظام العالمي، يمكن رصد التحولات في السياسة الأمريكية تجاه باكستان في أربع مراحل:المرحلة الأولى، حافظت فيها واشنطن على تحالفها الاستراتيجي مع إسلام آباد خلال الحرب الباردة، وذلك في إطار سياسة تطويق السوفييت، في حين كانت نيودلهي تدين بالولاء لموسكو في ذلك الوقت، ودارت رحى الحرب بين الهند وباكستان على قاعدة هذا التحالف، كذلك قدمت باكستان الدعم للمجاهدين الأفغان لدحر الاحتلال السوفييتي من أراضيهم، وهو ذات المسعى الذي اتخدته الولايات المتحدة في ذلك التوقيت.تأتي المرحلة الثانية، بُعيد تفكك الاتحاد السوفييتي 1990 وانتهاء خدمات باكستان التي مكنت المقاتلين الأفغان من القضاء على التواجد السوفييتي في بلادهم عبر دعم الولايات المتحدة وبتمويل سخي من دول الخليج، سعت واشنطن لتوثيق علاقتها بنيودلهي عبر اتفاقيات عدة وشراكات عسكرية، بهدف تحجيم التنين الصيني في منطقة جنوب وشرق آسيا.وتوترت العلاقات الأمريكية الباكستانية إبان إعلان الأخيرة امتلاكها القنبلة النووية في 1998. إذ اتجهت أمريكا بقوة نحو الهند وفرضت عقوبات على شريكها الباكستاني السابق. ثم جاءت المرحلة الثالثة، والتي يمكن تسميتها بفترة التعاون الاستخباراتي، وذلك عبر التحالف الاستراتيجي الذي نشأ على إثر حرب أفغانستان 2001. أما المرحلة الرابعة، فهي مرحلة التوتر، وقد بدأت بشكل تدريجي منذ 2004 حيث أبرم بوش الابن اتفاقية للتعاون المشترك في الملف النووي مع الهند مما أدى لنمو الغضب داخل الأروقة العسكرية في باكستان، ومنذ وصول خلفه، باراك أوباما، إلى البيت الأبيض سعى الأخير للاهتمام بملف الصين التي ستتحول في فترة حكمه الأولى إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وهناك العديد من التوقعات لتربعها على القمة في 2030.في هذه الأثناء سعت الصين لتطوير قواتها البحرية بما يعتبر تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة المتواجدة في مضيق مالقا، وبما يهدد سيطرتها على خطوط التجارة البحرية، دفع ذلك الولايات المتحدة إلى دعم الهند لتطوير قدراتها التسليحية البحرية، فحصلت لأول مرة على حاملة طائرات من روسيا 2013، وقُدمت لها الخبرات لإنجاز حاملة طائرات هندية تدخل العمل 2014. استغلت الصين التوتر الأمريكي الباكستاني هذه التحولات لتقديم خدمات مضاعفة لباكستان والتي كانت تحافظ على علاقات استراتيجية معها، على سبيل المثال مكنتها من تطوير العديد من الصواريخ البالستية المهمة للاستخدام النووي، وساعدتها مثلًا في صنع صاروخ (حتف-2) و (حتف-3) والذي تشابه تقنيات صاروخي M9 وM11 الصينيين، كما رفعت حجم التبادل العسكري معها.ومن خلال التعاون مع إسرائيل وروسيا سعت الهند لتطوير قواتها الجوية بالإضافة لامتلاكها طائرات السوخوي في حين زودت الولايات المتحدة باكستان بطائرات F16 في إطار التعاون الأمني والاستراتيجي في أفغانستان.وفي ظل تلك الأزمات الآسيوية تصدرت الهند قائمة أعلى الدول استيرادًا للأسلحة منذ عام 2006 وحتى 2010 بنسبة مثلت 9% من حجم استيراد العالم، وتصدرت أيضًا القائمة بين عامي 2010 و2015، بنسبة مثلت 15% من إجمالي استيراد العالم، قبل أن تنتزع منها السعودية ودول الخليج هذه المكانة، وفي المقابل حلت باكستان في المرتبة الخامسة بنسبة مثلت 5% من المبيعات العالمية لسلاح.غضب الباكستانيون من العلاقة الجديدة بين الهند وأمريكا في حين لا ترغب الولايات المتحدة في التخلي عن باكستان نظرًا لاحتمالية استمالتها من جانب الصين من جهة، ومن جهة أخرى إمكانية تحالفها مع إيران، لذا فهي تسعى لتوظيف الأزمة الخليجية – الإيرانية التي ستضغط بالدول الخليجية لدعم باكستان لتطويق إيران من شرقها، وفي المقابل سعت دول مثل الإمارات لاستثمار مبالغ ضخمه في الهند لتدعيم السياسة الأمريكية الراغبة في دعم الاقتصاد الهندي في مواجهة الصين.


السباق يزداد سرعة ونوعية

تشير دراسة، بعنوان «Understanding the arms race in South Asia» المنشورة في وقفية كارنيجي 2012، إلى ارتفاع حجم الإنفاق العسكري بين عامي 2002 و2011 لكل من الهند وباكستان، وحسب تقرير سيبري فإن الإنفاق العسكري ازداد ليصل إلى 48 مليار دولار للهند، و7 مليارات لباكستان بما يشكل 2% من الناتج المحلي للبلدين تقريبًا.

وحسب الدراسة، فإن الاختبارا ت الصاروخية للهند تضاعفت من عام 2001 وحتى 2011، ثم تقدمت باكستان لتتجاوز الهند بين عامي 2009 و2012 بأكثر من ست تجارب سنوية، كما طورت الهند مع روسيا منظومة الصواريخ «براهموس» لتدخل بذلك نادي الدول التي تملك صواريخ عابرة للقارات بمدى يصل إلى 5000 كم، وقامت كذلك بتطوير صواريخ إجني وبريثفي 1 و2 و3.

دخلت الهند نادي الدول المصنعة بتصنيعها مدرعات ودبابات وحاملة طائرات، وتطويرها العديد من الطائرات، وتطمح لترويج أسلحتها المنتجة خلال المرحلة الحالية. وتعتبر الهند زبونًا أساسيًا لأسلحة أمريكا وروسيا وإسرائيل، في حين تشتري باكستان من الولايات المتحدة والصين وألمانيا وكندا وتتعاون مع كوريا الشمالية.

سعت باكستان لشراء العديد من منظومات الليزر من الولايات المتحدة، وذلك لتطوير قدرات الصواريخ على تحديد الأهداف، وفي المقابل مع تطوير صواريخ حتف أنتجت صاروخ غوري-1، وهو صاروخ متوسط المدى يصل إلى 1500 كم وغوري-2، الذي يصل إلى 2000 كم، وشاهين-1 الذي يصل إلى 2500 كم. وحسب تقرير كارنيجي سابق الذكر فقد حصلت باكستان على أنظمة صواريخ كروز بعمق يصل إلى 500 كم في أبريل/ نيسان 2007 من الولايات المتحدة نظير المساعدات الباكستانية في أفغانستان.

وطورت باكستان الطائرات دون طيار وأحدثت طفرة في ذلك، كما سعت لعمل دراسات عديدة للتحكم في حجم الرؤوس النووية، وأنتجت أكثر من رأس نووي بأحجام جديدة، وقامت بتصنيع فرقاطات صينية.


القدرات العسكرية للبلدين

تمتلك الهند جيشًا ضخمًا مكونًا من 1.3 مليون عسكري وباحتياطي 2.1 مليون عسكري، وتمتلك 12 ألف قطعة عسكرية من الدبابات والملالات و7600 مدفع، وأكثر من 200 راجمة صواريخ، و1086 طائرة عسكرية سواء للهجوم (أغلبها روسي) مثل ميج وميراج وسوخوي أو الإمداد أو دون طيار (إسرائيلي)، وحاملتي طائرات وقطع من أهمها 10 مدمرات و24 بارجة و14 فرقاطة و14 غواصة، ناهيك عن العديد من القطع البحرية، وهو رابع جيش في العالم و يمتلك قدرات فضائية تطورت منذ عام 1979، ويمتلك قدرات نووية تتراوح بين 90 – 120 رأسًا نوويًا.

كل ذلك جعل الجيش الهندي أكثرة قدرة على دخول حرب طويلة الأمد مع باكستان، في حين يحل الجيش الباكستاني في المرتبة الثالثة عشرة من حيث القوة، فهو مكون من أكثر من 600 ألف جندي ونصف مليون احتياط، 6000 دبابة وملالة، و3500 مدفع و120 راجمة صواريخ، و920 طائرة عسكرية سواء نقل وإمداد أو حربية ويضم جيشها الـF16 الأمريكية، وتمتلك 10 فرقاطات و5 غواصات فقط. يعتريها الضعف في القوات البحرية بشكل كبير، وتمتلك باكستان رؤوسًا نووية تفوق الهند بعشرة رؤوس تقريبًا.


لماذا أفرج عمران خان عن الطيار الهندي؟

يحذر العديد من الخبراء الغربيين من البرنامج النووي الباكستاني، وذلك كون باكستان قوة إسلامية كبرى وهي ثاني أكبر دولة مسلمة من حيث عدد السكان بتعداد 200 مليون نسمة، كذلك فإن القوة النووية هي السلاح الرادع الوحيد لباكستان، فمن الناحية العسكرية ميزان القوة يميل إلى الهند، وهي الأقدر على دخول حرب مفتوحة نظرًا لترسانتها من الأسلحة التقليدية ولحجم جيشها، أما في حالة باكستان فإن تصعيدها واستخدامها السلاح النووي قد يكون خطوة سهلة اللجوء إليها في غياب القدرات العسكرية الأخرى، لذا فإنه في حالة التوتر كما حدث هذا العام فإن الأنظار تتجه الى إسلام آباد أولًا، ويظل السؤال هل ستستخدم إسلام آباد السلاح النووي؟

هنا جاء الجواب من عمران خان برغبته خفض التصعيد وإرسال رسالة للعالم أجمع بأننا لسنا إدارة متهورة على أي حال، في حين أنه يدرك أن هذا التصعيد جاء في إطار انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والرغبة في تحجيم دور باكستان في المنطقة لصالح الهند، المنافسة للصين، والتي تخدم سياسة العم السام الأمريكي لاحتواء التنين الصيني في المنطقة الآسيوية.