أرسنال 3-3 ليفربول: لهذا يلومون بيب جوارديولا

اقتسم أرسنال ووصيفه ليفربول نقاط قمة الجولة الـ19 من الدوري الإنجليزي الممتاز، بعدما حصل كُل منهما على نقطةٍ غير مرضية لأي طرف، بعد التعادل الإيجابي بثلاثة أهداف لمثلها، في المباراة التي أُقيمت على ملعب الإمارات بمدينة لندن؛ لتبقى الأمور في صراع الترتيب على حالها المؤرق بالنسبة لجماهير الفريقين.

للوهلة الأولى يمكنك أن تظن من نتيجة المباراة أنها كانت إحدى القمم النارية التي امتلأت بالفرص لكل فريق، لكن بعد تعمق بسيط في التفاصيل تكتشف أنها كانت مباراة عادية جدًا من جانب خط الهجوم لكل منهما، لكنها كارثية الطباع -كالعادة- من جانب دفاعهما. وهو ما جعل النتيجة تصل لشكلٍ كهذا، وهو تحديدًا ما يجب النظر في شأنه.

الشوط الأول: هدف وأشياء ثانوية أخرى

بدأ أصحاب الأرض برباعي في خط الدفاع، كشكل عاد إليه فينجر مؤخرًا بعد تجارب ليست بالقصيرة في الاعتماد على ثلاثي في الخط الخلفي. ناتشو مونريال وكوتشيلني في القلب، عن يسارهم ميتلاند-نايلز وفي اليمين هيكتور بيليرين، جاك ويلشير وجرانيت تشاكا ومسعود أوزيل في الوسط، إيوبي على الجناح الأيمن وسانشيز على نظيره الأيسر، تحت رأس حربة وحيد، ألكساندر لاكازيت. 4-2-3-1 واضحة للمستضيفين.

في حين قرر كلوب لأول مرة في هذا الموسم خارج ملعبه أن يضرب بترسانته الهجومية كاملة: صلاح وكوتينهو وفيرمينهو وساديو ماني، من بداية المباراة. رجوع منطقي لكوتي في منتصف الملعب لمعاونة إيمري تشان وهندرسون -الذي استبدل به ميلنر- من القلب، مع صلاح وماني بحرية تحرك أسفل رأس الحربة الوهمي فيرمينهو.

الدفاع مكون من كلافان ولوفرين في القلب، وجو جوميز كظهير أيمن وروبيرتسون كظهير أيسر. مينويليه في حراسة المرمى عند الضيوف وكالعادة تشيك عند أصحاب الدار. قبل الدفع بميلنر كانت 4-2-3-1، لكن تحولت إلى 3-4-3 بملينر ظهير هجومي من اليمين، وروبيرتسون من اليسار.

النصف الأول من الرواية يذهب الثناء فيه كله ليورجن كلوب الذي ظهر كدارس جيد للخصم. قراراته كانت واضحة بالاعتماد على رباعي الهجوم فقط في النصف الآخر من الملعب، ومع السوء الذي يُبديه دفاع أرسنال دائمًا، كان طبيعيًا مشاهدة كل فرص المباراة من الشوط الأول تحمل وصف خطيرة على مرمى تشيك، بجانب هدف كوتينهو الذي يُعد كارثة دفاعية بكل المقاييس، لكنها ليست بالمستحدثة على دفاع الجانرز.

استمر صاحب الأرض أكثر من 45 دقيقة بلا تصويبة واحدة على المرمى، في صورة واضحة لضعف هجومي غير مبرر في ظل وجود عناصر مميزة مثل لاكازيت وشانسيز، وممررين أكفاء مثل تشاكا وأوزيل وويلشير، لكنها منطقية في ظل نظام فينجر البالي. في حين حركية خط الهجوم لدى الليفر كانت دائمًا ما تؤتي ثمارها في الجانب الآخر من الملعب، حتى بالرغم من أن أداء كل من صلاح وماني -بالتحديد- كان أسوأ من المتوقع.

اعتمد فينجر -في قرار غريب متكرر- على ميتلاند نايلز كظهير أيسر، لاعب شاب بدون خبرات تقريبًا في مواجهة واحد من أفضل لاعبي العالم في الوقت الحالي وهداف الدوري الإنجليزي، محمد صلاح، حتى وإن كانت هناك معاونة من قبل كوتشيلني، الذي يظهر بأداء سيئ جدًا من فترات طويلة، خصوصًا في المواجهات واحد ضد واحد، التي تطور فيها المصري محمد صلاح. كان واضحًا أن فينجر قد ضحى بتلك الجبهة تمامًا، بالإضافة إلى تضحية مسبقة بالجبهة اليمنى التي لا يعلم أحد حتى اللحظة ما سبب احتفاظ هيكتور بها كل هذا الوقت، بالرغم من سوء أدائه.

كلوب لعب على تفصيلة واضحة المعالم بجانب تفاصيله الهجومية المعتادة: من حركية هجومية مستمرة ولعب مباشر سريع، وهي أن كل عرضيات ليفربول وكراته الطولية كانت دائمًا على القائم الثاني المعاكس. ظهيران قصيرا القامة، بالتالي نسبة مرور الكرة من فوق رأسيهما عالية جدًا؛ فكان رهانا في غاية النجاح ضمن له أكثر من 45 دقيقة ناجحة، مُكللة بهدف يضعه في مقدمة السباق، ولولا مستوى سيئ من خط هجومه لما انتهى بهدف وحيد. لكن دائمًا لا توجد قصص كاملة أبدًا.

الشوط الثاني: أليس فيكم رجل رشيد؟

في الحقيقة، يمكن تقسيم المبارة إلى ثلاثة أقسام: من بداية المباراة وحتى الدقيقة 52، ومن الدقيقة 53 وحتى الدقيقة 58، ومنها إلى نهاية اللقاء. هنالك 5 دقائق خزعبلية مرت في أحداث اللقاء انقلبت فيها الأحداث بشكلٍ لا يمكن وصفه، لكن يمكن تفسيره.

في بداية الشوط الثاني، قدم دفاع أرسنال هدية لا ترد لصلاح وفيرمينهو، بتمركز وتحرك لا يوجد أسوأ منهما من قبل المدافعين، وكالعادة لم يرفض هجوم الليفر الهدية، وعززوا تقدمهم بهدفٍ في الدقيقة 52 من عمر المباراة وبعد 7 دقائق فقط من بداية النصف الثاني من القصة. بعدها ومن كرة عرضية تبدو لوهلة سهلة التعامل معها، أحرز الجانرز هدفهم الأول، ولم يلبث حتى عزز بالثاني ثم الثالث في خمس دقائق غريبة. تلك أحداث تظهر فقط مع ليفربول ولا غيره.

ثلاثية أرسنال تندرج تحت تفسير واحد، حارس مرمى سيئ جدًا ودفاع لا يعرف عن التمركز سوى الوقوف، الوقوف فقط دون الاهتمام بأين يجب أن يكون هذا الوقوف! الهدف الثالث بالأخص، تم كسر تمركز -وهمي- لأكثر من 5 لاعبين بتمريرة بكعب القدم من لاكازيت، ناهيك عن تحرك أوزيل من بينهم كما لو كان أحد الزائرين المرحب بهم جدًا. في الواقع، يكفيك أن تنظر إلى جوميز وهو يرفع يده متفاخرًا أنه لم يلمس أوزيل أثناء اختراقه الذي سبق التسجيل، لتعرف كارثية الوضع في ليفربول.

بعدما يُسجل الهدف الثالث وبعودة تاريخية، يبدأ القسم الأخير من المباراة، والذي يتعاظم فيه التساؤل، ألم يكن لزامًا على فينجر أن يقلل عدد المهاجمين والدفع بمدافع ثالث لتقوية خط دفاعه الهش، احتراسًا من الهجمات المتوقعة من هجوم ليفربول؟ لكن تجد أن ذلك لم يحدث بلا سبب واضح، وهو ما يعود بنا لسؤال يجب أن يسبقه، متى سيحافظ ليفربول على تقدمه في النتيجة؟ إجابات وتفسيرات تائهة.

بعد إحراز أصحاب الأرض أهدافهم الثلاثة، ظهر عيب قوي في وسط ملعب ليفربول، وهو غياب فاينالدوم. ميلنر وإيمري تشان لا يملكان ميزات الهولندي المزدوجة هجومًا ودفاعًا، بالتالي ضرورة تقوية خط وسط أرسنال بعنصر دفاعي زائد بدلًا من إيوبي أو ويلشير كان ضرورة مُلحة، كذلك تعزيز الجبهة اليسرى بأحد يمكنه التعامل مع صلاح وتحركاته الدائمة فيها بمعاونة كوتينهو وأحيانًا كُثر فيرمنهو، كان ضرورة أكثر إلحاحًا. لكن على ما يبدو أن للهجوم هاجسا ضخما.

جوارديولا مختلف، ولو كره الكارهون

خلال الموسم الحالي والذي سبقه لم يكف قلم عن نقد أداء جوارديولا الدفاعي وتركه للمساحات الواسعة في خطوطه الخلفية. لكن جميعهم أهملوا أن بيب وحده هو الذي يُتقن كيفية الهجوم بذلك العدد الكبير، وأن هؤلاء أمثال كلوب وفينجر تحديدًا، ينفذون هجومًا لا يدركون عواقبه في الدفاع بعناصر غير مساعدة على ذلك مطلقًا.

الشوط الأول شهد دراسة جيدة جدًا من كلوب، لكن سرعان ما تنقلب عليه اختياراته السيئة. مينوليه ليس المناسب لفريق بطموحات ليفربول، حقيقة ثابتة لا تقبل الشك، وكذلك لوفرين وكلافان وجوميز، وإن قدموا شوطا أول جيدا، والأخير تحديدًا وإن قدم موسما يمكن وصفه بالمقبول، لكن أخطاءهم التي تهدم كل البناء في كل مرة، تؤكد أن تغييرهم ليس بالرفاهية.

الأمر في أرسنال أكثر سوءًا، أخطاء دفاعية كارثية في كل اللقاءات، بداية من مباراة مانشستر يونايتد التي لم يستحق فيها هجوم الفريق ما فعله فيهم دفاعهم، ووصولًا لمباراة ليفربول، وما بينهما وما قبلهما أيضًا. الأدهى أن الفرنسي لا يتوقف أبدًا عن العبث، وقراراته دائمًا ما تشهد سوءًا بعد سوء، وآخرها قرار ميتلاند-نايلز الذي لا يوجد له تفسير واحد حتى الآن، لا سيما في ظل أداء كولاسيناتش -مهما اختلفنا عليه- لكنه سيبقى أفضل من ناشئ مثل نايلز.

لكن بالعودة للسيتي الذي يقدم نسخة هي الأفضل من بين كل فرق البريميرليج هذا الموسم، نجد أن معدل فقد الكرة في وسط الملعب وخط الدفاع بالنسبة لهم منخفض للغاية، وإذا ما قورن بالوضع في ليفربول وأرسنال، نجد أنه معدل يكاد يكون منعدما، وهو ما يصنع الفارق بين القرار الهجومي بالنسبة لكلوب وفينجر وأمثالهما، وبين بيب جوارديولا.

معدل خسارة الكرة من قبل الفريقين في المباراة، المصدر: www.whoscored.com

هذا ما زرعه جوارديولا

الحديث عن المنافسة في إنجلترا شيء لا يمكن المساس به، مهما كانت مستويات الفرق الكبرى خلال الموسم، فإنك ستجدهم جميعًا يتنافسون على المراكز الست أو السبع الأولى. شيء ثابت وأحد معالم إنجلترا بكل المقاييس، لكن ما تغير هذا العام هو أن الصراع الذي دار بالأمس كان على المركز الرابع، وهو شيء لن تراه كثيرًا.

جوارديولا يقدم أحد النسخ الاستثنائية، حسم المقدمة لصالحه بفارق 11 نقطة وعدد رهيب من الأهداف، ومن خلفه اليونايتد بخطى وإن كانت غير ثابتة جدًا، لكن على الأقل مستقرة في الوصافة. تشيلسي وأرسنال وليفربول وبيرنلي وتوتنهام، جميعهم بنقاط تتراوح بين 31: 38 في صراع على المراكز من الثالث وحتى السابع، كل منهم يحتل أحد مواضع الترتيب يحارب عليها كما لو كانت ستحسم له اللقب في النهاية.

الطموح بالنسبة لتلك الفرق سيختلف جدًا مع بداية الدور الثاني من المسابقة، إذا ما انتهت الحكاية في المركز الثالث أو الرابع، فسيكون الأمر مرضيا جدًا، ومع اشتداد المنافسة، فإن مراكز مثل الخامس والسادس ستُعد مريحة للغاية وأهون كثيرًا من التراجع أكثر وأكثر. حسم بيب للمقدمة لم يصنع هذا كله، لكنه ساعد في تعظيم قيم المراكز التي تلي الأول لأنه لم يترك فرصة للآخرين للموافقة أو الرفض. عليهم جميعًا القبول بما ستئول إليه الحكاية عند الختام بلا امتعاض.