يليق بأرسنال القصص الحالمة، النادي الذين يدين للبروفيسور الفرنسي بالحياة ثم الموت، الفريق صاحب الكأس الذهبية الوحيدة في إنجلترا وبطل دوري الأبطال لمدة 75 دقيقة فقط، ملايين حول العالم وقعوا في حب ثنائية بيركامب هنري ثم كُسرت قلوبهم على يد فان بيرسي، ثم أوزيل وسانشيز.

يمكنك أن تقص عشرات القصص الدرامية حول أرسنال، لكنك دومًا ستعرف في قرارة نفسك أنك تتحدث عن حكايات تليق بالماضي؛ لأن حاضر أرسنال كاد يكون غير لائق للحديث عنه لولا ظهور رجل لا يؤمن بالقصص الحالمة، وهو السيد «مايكل أرتيتا».

يقاتل أرتيتا كل أسبوع من أجل أيام سعيدة أكثر للنادي اللندني، وفي كل مرة يفلح الرجل. ربما يتوج بدوري غير متوقع إطلاقًا، وربما يفشل في ذلك. المؤكد أنه أعاد أرسنال إلى الحياة بعد أن اعتقد الجميع موته.

تبدو تلك أيضًا قصة حالمة، لاعب سابق في الفريق يعود في رداء المدرب الشاب ويبث الروح في جسد فريقه الميت، لكن قصة أرتيتا تحديدًا نجحت لأنها عكس كل قصص أرسنال السابقة. لم تكن قصة حالمة بل كانت واقعية تمامًا، مليئة بالمقدمات والنتائج والمجهود والمحاولات، ولهذا السبب تحديدًا تستحق أن تُروى.

رجل واقعي: لأن الانتماء وحده لا يكفي

في عام 2016 كان لاعب الأرسنال المعتزل حديثًا مايكل أرتيتا يمتلك ثلاثة عروض لبدء حياته في مجال التدريب. قدم فينجر مدرب أرسنال التاريخي العرض الأول، والذي يتضمن تولي أرتيتا أكاديمية الفريق، بينما العرض الثاني أتى من قلعة الغريم على يد مدرب توتنهام ماوريسيو بوكيتينو الذي أراد لأرتيتا أن يكون جزءًا من طاقمه التدريبي، أما العرض الثالث فيعرفه الجميع وبطله بيب وسحره الذي لا يقاوم.

هنا تحديدًا يمكننا بناء حجر الأساس للقصة، حيث نتعرف على البطل الذي لا يضع العاطفة أو الحنين إلى الماضي قبل الواقع والمنطق والتفكير الواضح. رفض أرتيتا عرض أرسنال تمامًا؛ لأنه لن يساعده على تطوير نفسه أبدًا، كما أنه وجد صعوبة بالغة في مقاومة كونه جزءًا من مشروع بيب حتى لو كان ذلك يعني قطع علاقاته مع فينجر.

إنه مهووس تمامًا بمحاولة تحسين قدرته التنافسية للحد الأقصى.
شخص مقرب لأرتيتا لموقع أتليتيك.

أدرك أرتيتا أن ولعه التكتيكي لن يتحقق في كواليس أكاديمية الأرسنال، لذا كان مشروع بيب هو الأكثر منطقية له، ولم يتردد الرجل في قبول عرض الفيلسوف الإسباني. هنا يتضح لنا جانب آخر مهم من جوانب الرجل، إنه مجنون بالتكتيك بشكل حقيقي.

تكتيك فوق الجدران

في عام 2012 وقبل إقامة مباراة برشلونة وتشيلسي في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، أجرى جوارديولا مكالمة هاتفية لأرتيتا للحصول على معلومات داخلية عن تشيلسي. تفاجأ بيب بمستوى التفاصيل التكتيكية والطريقة الموجزة التي شرح بها أرتيتا كل شيء. أصبح لدى بيب انطباع واضح بأنه كان يتحدث إلى رجل لديه فهم عميق لكرة القدم.

ذهب أرسنال إلى ألمانيا ليلعب ضد بايرن ميونيخ في دوري أبطال أوروبا عام 2015، وهنا اقترح بيب على أرتيتا أن يتعاونا حال قيامه بتدريب فريق إنجليزي.

كان بيب بالفعل يتفاوض سرًّا ليحل محل مانويل بيليجريني في السيتي. وهكذا تزامل الرجلان، واكتشف أرتيتا أنه ينتمي لنفس المدرسة التي يعمل بها بيب مدرسًا. إنهما يتشاركان نفس المعتقدات حول ما يجعل فريق كرة القدم ناجحًا، والفلسفة المشتركة بينهما يمكن إيجازها في البساطة قبل أي شيء.

انضم أرتيتا إلى طاقم جوارديولا بينما كانت زوجته تعمل في لوس أنجلوس. عاش أرتيتا لفترة طويلة وحيدًا في مدينة مانشستر، لكن المشهد الأهم كان الدهشة التي يصاب بها زائروه من الطريقة التي كان يعيش بها. كانت شقة أريتا تنبئ برجل مولع بالتكتيك حد الجنون، فهناك دومًا ملاحظات ومخططات تكتيكية معلقة على الجدران.

كان دومًا يعترف بأنه ليس من الصحي أن ينفصل عن عائلته ويعيش بهذه الطريقة، لكنه في المقابل لا يمكن أن يفوت لحظة دون أن يستفيد ويتطور، ألم أقل لك إنها قصة واقعية بعيدة عن دراما أرسنال الحالمة.

لذا عندما قرر أرتيتا قبول مهمة أرسنال كان يعلم جيدًا ما يريد أن يفعله. كان يؤمن بأنه قادر على إحداث الفارق مع الوقت. لكن التكتيك لا يكفي وحده أيضًا.

المنطق الذي فُقد لأكثر من عشر سنين

كان الجميع يعرف في أرسنال أن أرتيتا قادر أن يحدث الفارق. فالجميع يتذكر أن أكثر ما كان يحبط أرتيتا أثناء لعبه لأرسنال أن فينجر قليل التعليمات بين الشوطين، أما على أرض التدريب فكان يتحدث إلى الجهاز الفني أكثر من حديثه مع اللاعبين. كان من الشائع جدًّا بالنسبة لأرتيتا قضاء بعض الوقت مع محللي الفيديو ومناقشة نقاط القوة والضعف لدى الخصوم. كان معروفًا حتى أنه يتحكم في جهاز iPad الخاص بالمحللين لتصفح برامجهم وتقديم اقتراحاته الخاصة.

أصبح أرتيتا مدربًا أرسنال خلفًا لأوناي أيمري الذي يعرف الجميع أيضًا أنه مدرب جيد لكنه شخص غير قيادي أو مؤثر، وهنا يتضح لنا الجانب الثالث في شخصية أرتيتا.

بعيدًا عن سرد واقعة خلاف أرتيتا مع أوباميانج لكن بمعاونة الفيلم الوثائقي «كل شيء أو لا شيء» الذي تناول موسم أرسنال الماضي، يمكننا حتمًا فهم شخصية الرجل من زاوية الجانب الإداري والتنظيمي، والتي ظهرت خلال تعامله مع تمرد نجم الفريق أوباميانج، والتي اكتشف الجميع خلال الموسم الحالي أنها الطريقة الأفضل لعودة أرسنال من الموت.

يمكنك وصف أرتيتا بالشخص القاسي، لكنك حتمًا ستقتنع بما آمن به الرجل. الانضباط هو الطريق الأفضل للنجاح في نهاية المطاف، وأن الفريق أهم من النجوم. كانت اللحظة الأهم في الوثائقي عندما أوضح أرتيتا أنه اختار الفريق على حساب أوباميانج؛ لأن هذا هو المنطق، لكن الأمور في النادي تدار عكس ذاك منذ أكثر من عشر سنوات.

الشغف الذي أشعر به لهذه اللعبة، لهذا النادي، هو ما يدفع تلك المشاعر وهذا المستوى من المشاركة وتلك الرغبة والجوع لأكون الأفضل والتحسن في جميع الأوقات.
مايكل أرتيتا

نعم تلك هي الحقيقة، كانت قصص أرسنال الحالمة تضره كثيرًا، دائرة لا تنتهي يحتلها أوزيل المظلوم وسانشيز المُضحي وأخيرًا أوباميانج الذي شعر مع الوقت أنه أكبر من أرسنال. تُرك أرسنال للقصص التي لا تنتهي وأصبح مكانًا خصبًا لأنصاف اللاعبين وهؤلاء الذين قرروا أن يهنئوا بفريق لامع دون منافسة حقيقية، لكن واقعية أرتيتا عادت بالنادي للمنطق أخيرًا.

التحضير النفسي وأهمية الفرصة

يدرك الرجل أهمية التحضير النفسي للاعبيه، وضح ذلك من خلال إحضاره سماعات ضخمة لتقليد أصوات ملعب أنفيلد قبل مباراة الليفر، أو عرض تغريدة إيفان توني قبل استضافة برينتفورد. يمكنك أن تعتبر أن كل هذا محض هراء لأن الفريق لم يحقق شيئًا خلال الموسم الماضي، لكن مع الوقت ظهر أن الرجل كان يعد فريقه لاستغلال الفرص المناسبة.

كانت التجربة الأهم التي شاركها مايكل مع لاعبيه هي تجربة طفولته. وُلد أرتيتا بمرض في القلب يمنعه من الحصول على الإمداد المناسب من الدم النظيف. في سن الثانية فقط خضع لعملية جراحية وأصبح من أوائل الذين خضعوا لمثل هذه العملية في إسبانيا.

كان خائفًا في طفولته لأنه مع الوقت أًصبح أكثر وعيًا بحالته وتعامل مع عدد من القيود، لكنه مع الوقت فهم الحكمة الأهم من كل ذلك. أنه عندما تسمح له الظروف بفعل شيء فيجب أن يتقنه تمامًا. أتقن لعب الكرة ثم التدريب، وكان هذا ما يريد أن يوصله للاعبيه، أنتم لاعبون في أرسنال، تلك فرصة مهمة يجب استغلالها وإلا فلن تأتي ثانية أبدًا.

تفهم لاعبو أرسنال حجم الفرصة، ويتمسكون بها كل أسبوع نحو حلم مجنون، أن يكونوا أبطال الدوري الإنجليزي بعد أعوام من محاولة اللحاق بدوري أبطال أوروبا دون جدوى. ربما لن يكتمل الحلم، لكننا نعلم جميعًا أن أرتيتا جعل أرسنال مختلفًا. أصبح فريقًا منضبطًا لا يؤمن بالقصص الحالمة بل بالعمل الشاق والمجهود واستغلال الفرص.

ولأن أرسنال يليق به القصص الحالمة فقد رآه الجميع فيلًا ضخمًا يعتلي الشجرة لحين، ويتوقعون سقوطه المدوي في أي وقت. لكن الحقيقة أن السيد أرتيتا لا يؤمن بتلك القصص، وربما فيل أرسنال في ذهنه هو فيل شطرنج يدهس خصومه دون توقف.