أوقفت السلطات البرازيلية، يوم 21 سبتمبر/ أيلول الجاري، أسعد أحمد بركات، أحد كبار ممولي حزب الله اللبناني، في ضربة كاشفة لأنشطة الحزب، الذي وجد في أمريكا اللاتينية بيئة خصبة لجني الأموال. كانت المخدرات وتزوير العملة وغسيل الأموال الطرق الُمثلى والأسرع لجني الأموال. لم يجد أبناء حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، في هذه الدول مأوى مالياً فقط، لكن أيضاً سياسي؛ حصلوا على جنسياتها لتسهيل سرعة الانتقال والتحرك في أي مكان حول العالم، شغل بعضهم مناصب سياسية حساسة أمثال طارق العيسمي، نائب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، والمتهم بالتعاون مع حزب الله في هذه التجارة المربحة.


من هو أسعد بركات؟

سقط أسعد بركات، في يد الشرطة البرازيلية في مدينة فوز دو إيغواسو الحدودية مع الأرجنتين وباراجواي. ليست أول مرة يُعتقل فيها الرجل، إلا أن هذا الاعتقال جاء بناء على مذكرة توقيف بحقه من قبل باراجواي، في أغسطس/ آب الماضي بتهمة تزوير مستندات، بعد أن أمر رئيس باراجواي ماريو عبده بينيتيز، بفتح تحقيق بشأن الحادث.

أصبح الرجل مطلوباً بشدة هذه المرة، فسبق أن حصل على جنسية باراجواي عام 1989، إلا أنها سحبت منه عام 2003، حيث أوقفته البرازيل لديها وسلمته لبارجواي أيضاً بتهمة التهرب الضريبي، لكن الأمر يتعدى ذلك، فلم يمكث الرجل طويلاً في السجن، حيث قضى 6 سنوات ونصف فقط، وخرج عائداً إلى أنشطته غير المشروعة، رغم ذلك حصل في أبريل/ نيسان 2018 على جواز سفر جديد مزور من باراجواي، وبتهمة التزوير هذه اعتقلته البرازيل مجدداً من أجل تسليمه لبارجواي.

ليس الرجل وحده المؤيد لحزب الله، إنما يعمل مع عائلته وآخرون من أجل نصر الله، متخذاً من «منطقة الحدود الثلاثية» بين الأرجنتين والبرازيل وباراجواي مكاناً لأنشطته السياسية قبل أن تكون إجرامية وغير مشروعة، فالسياسة تجعل هذا الأمر مشروعًا، فـ«الغاية تبرر الوسيلة»، كما قال نيقولا ميكافيللي.

بدأ الانتباه لنشاط الرجل واستهدافه حكومياً من قبل وزارة الخزانة الأميركية التي فرضت عقوبات عليه وعلى شركاته عام 2004 لتمويله حزب الله، ثم استهدفت لاحقاً أخويه حمزة وحاتم عام 2006، وذلك بعد تصنيفها حزب الله منظمة إرهابية، والبدء في تجفيف منابعه المالية، محذرة الجميع من التعامل معه.

كانت الولايات المتحدة أكثر المستهدفين لأنشطة بركات وشبكته، التي حددت مكان وجودها في منطقة الحدود الثلاثية مستهدفة تعطيلها، غير أن الاستجابة كانت بطيئة من قبل الدول الثلاث التي لم تتحرك إلا مؤخرًا، يرجع ذلك إلى الحماية الإيرانية التي كانت توفرها طهران لهؤلاء الأشخاص المتوغلين مالياً وسياسياً في أجهزة أمريكا اللاتينية.

وخروجاً على بطء الدول اللاتينية في مواجهة أنشطة الحزب، أعلنت الحكومة الأرجنتينية تجميد أصول ما سمته «شبكة بركات»، في يوليو/ تموز 2018، وفقاً للقانون الجنائي المتعلق بتمويل الإرهاب. طال التجميد أكثر من 14 شخصاً، أقارب لأسعد بركات وموالين له، حيث أكدت التحريات تورطهم في جرائم تهريب وتزوير أموال ووثائق وابتزاز وتهريب مخدرات واتجار بالأسلحة، وغسل أموال وتمويل إرهاب، في إشارة لتقديم الأموال إلى حزب الله.

أما البرازيل حتى الآن فلم تتخذ إجراءات قوية ضد رجال حزب الله ومنهم أسعد بركات، الذي تؤكد بيانات سلطات الضرائب البرازيلية أنه شريك تجاري في شركتين بمنطقة فوز دو إيغواسو، وشقيقه حمزة شريك في إحداهما، بجانب مساهمته في 5 شركات أخرى مع آخرين، وسبق أن اعتقلت السلطات البرازيلية حمزة عام 2013، وأُطلق سراحه لاحقًا.

كشفت وزارة الخزانة الأمريكية الكثير عن نشاطات بركات حينما فرضت عليه العقوبات عام 2004، وعلى شركتيه «Casa Apollo» و«Ltda Import Export Barakat» بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، ووصفته بأنه «لم يترك جريمة مالية وردت في الكتاب إلا واستخدمها لتوليد الأموال لحزب الله».

أكدت الخزانة الأمريكية أن بركات عمل منذ فترة طويلة قبل عام 2004 كممول رئيسي لحزب الله، فقد شغل منصب نائب المدير المالي لحزب الله علي قازان، والقائد الأساسي لمنطقة الحدود الثلاثية، وضمن دلائل ارتباطه ودوره الحيوي في الحزب، التقى بحسن نصر الله أواخر عام 2001، وكان دائم السفر إلى لبنان وإيران على مدرا العام.

كشفت المعلومات الأمريكية أيضاً عن استخدام بركات أعمال الاستيراد والتصدير عبر شركتيه كغطاء لأنشطة وخلايا حزب الله في أمريكا اللاتينية، فمثلاً استخدم متجر الإلكترونيات Casa Apollo غطاء لجمع التبرعات لصالح الحزب ووسيلة لنقل المعلومات من وإلى عملائه، بينما استخدم الشركة الثانية لجمع الأموال عن طريق رهن الشركة من أجل اقتراض الأموال من البنوك لصالح الحزب بشكل احتيالي.


زعيم عصابة

لم يكتف الرجل القوي بذلك حتى استخدم تكتيكات الأذرع القوية والإجراءات القسرية كما وصفته واشنطن لجمع المال سنوياً وإرساله إلى حزب الله في لبنان وإيران، حيث هدد اللبنانيين الموجودين في منطقة الحدود الثلاثية خاصة أصحاب المتاجر بدفع حصص لصالح الحزب وإلا سينالون العقاب هم وعائلاتهم. ومن بين أنشطته الإجرامية الأخرى تزّعمه عصابة توزيع وبيع دولارات منذ عام 2001 في منطقة الحدود الثلاثية.

ولم ينس رجل نصر الله إقامة كيانات عسكرية مصغرة، فشكل ذراعاً أمنية بالمنطقة الثلاثية، تولى إدراتها صبحى محمود فياض ذراعه الأيمن، وهو عضو معروف بحزب الله، كان خبير أسلحة بصفوف الحزب منذ ثمانينيات القرن الماضي، وسبق أن اعتقل عام 1999 لمراقبته السفارة الأمريكية في عاصمة باراجواي أسونسيون، وأفرج عنه ليُعتقل لاحقاً في نوفمبر/ تشرين الثاني 2002 وحُكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات ونصف السنة بتهمة التهرب من الضرائب.

وحينما قبضت السلطات الباراجواية على أسعد بركات عام 2003 وجدت تعليمات من حزب الله على حاسوبه الشخصي وأوامر وخطط عسكرية لكل بلدة وقرية في جنوبي لبنان التي يتمركز فيها الحزب. استطاع بركات أيضاً توفير المعلومات للحزب عن تجار المخدرات العرب في أمريكا اللاتينية، وبجانب ذلك جمع معلومات عن العرب الذين يترددون على الولايات المتحدة وإسرائيل، وبخلاف ذلك وضع من خلال فرع الحزب بأمريكا اللاتينية خططاً لاغتيال أعضاء سابقين في جيش جنوب لبنان، ووصل الأمر إلى وضع خطة عام 2000 للتخلص من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بسبب موافقته على التفاوض مع الاحتلال.


لماذا اختار حزب الله أمريكا اللاتينية؟

منحت تجارة المخدرات وغسيل الأموال حزب الله قدرات مالية مكنته من البقاء سياسياً وتطوير قدراته العسكرية
حزب الله له موقف شرعي وديني واضح جدًا بأن الاتجار بالمخدرات ممنوع وحرام وهو من الكبائر أيضًا.

كان هذا تصريح سابق لحسن نصر الله، مطلع العام الجاري، رداً على إجراءات أمريكية، لتتبع نشاطات حزب الله في الاتجار بالمخدرات داخل أمريكا وأوروبا لتمويل عملياته.

مثلت دول أمريكيا اللاتينية، وخاصة منطقة الحدود الثلاثية، مكاناً استراتيجياً لحزب الله، فهي تجمع بين أكثر ثلاث دول لاتينية يقطنها لبنانيون وعرب بخلاف ضعف الإجراءات الأمنية وتفشي الفساد بما يسهل أنشطة الحزب، لهذا أصدرت الولايات المتحدة قرارات خاصة عام 2006 لاستهداف قيادات الحزب النشطة في هذه المنطقة بشكل خاص، فخلافاً لأسعد بركات وأخويه حاتم وحمزة، فرضت عقوبات على ابن عمهم محمد فايز بركات، ومحمد يوسف عبدالله، وصالح محمود فايد وأخيه صبحي، وفارق عميري، وعلي محمد قازان، وشركة page Galaria وHamza Casa وذلك لمشاركتهم في مشاريع تجارية لتمويل الحزب.

واستمرارًا لتتبع أنشطة الحزب أعلنت الولايات المتحدة، في يناير/ كانون الثاني 2018، تشكيل وحدة خاصة من الخبراء في قضايا الاتجار بالمخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة وغسيل الأموال، لتتبع أنشطته في استخدامه هذه الآليات لتمويل عملياته، فهناك تقارير أمريكية تؤكد أن الحزب يدير شبكة مخدرات دولية بدورة مالية تصل إلى ملياري دولار سنويًا.

كانت الأرجنتين أكثر الدول اللاتينة تعاونًا مع واشنطن ضد حزب الله، فهي تضررت من عمليات إرهابية اتهم فيها الحزب، أحدها ضد السفارة الإسرائيلية عام 1992، قتل فيه 29 شخصًا، وآخر ضد الرابطة المشتركة بين الأرجنتين وإسرائيل عام 1994، حيث لقي 85 شخصًا حتفهم، رغم أن التعاون كان بطيئًا، في أبريل/نيسان الماضي أعلنت الولايات المتحدة والأرجنتين العمل سويًا لوقف شبكات تمويل حزب الله في أمريكا اللاتينية، لتعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة.

لم يقتصر نشاط الحزب على دول الحدود الثلاثية، لكن امتد إلى فنزيلا، وفي فبراير/ شباط 2017 نشرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة بأملاك اللبناني طارق العيصمي نائب الرئيس الفنزويلي، متهمة إياه بدعم تجارة المخدرات وتمويل حزب الله، كاشفة عن إدارته رفقة آخرين مجموعة شركات ومؤسسات مالية تنشط بين الولايات المتحدة والمكسيك، وبريطانيا، وجزر العذراء.

ورغم اعتقال أسعد بركات، فإنه من المرجح أن يُفرج عنه خلال سنوات – إن لم يكن قريباً – كما حدث من قبل، وإن جاءت أوامر صارمة هذه المرة من دونالد ترامب بعدم الإفراج عنه، فلن يشكل فارقاً كبيراً، فحزب الله بالتعاون مع إيران يديران هذه الأنشطة بشكل مؤسسي أكثر منه فردي، الأمر الذي منحه الاستمرارية منذ سنوات طويلة.