أثارت الهجمات التي استهدفت مصفاتي نفط بالمملكة العربية السعودية وأدت إلى انقطاع نحو 5% من إمدادات النفط العالمية، الكثير من التساؤلات عما حدث، ومن يقف خلف الهجوم، وتأثيره على أسعار النفط العالمية وعلى المستهلكين. نقدم في هذا التقرير أجوبة على كل هذه التساؤلات.

ماذا حدث؟

في الساعات الأولى من صباح يوم السبت الماضي، استهدف معملان تابعان لشركة أرامكو بمنطقتي بقيق وخريص بطائرات دون طيّار «درون»، مما تسبب في اشتعال الحرائق بهما. وبعدها بساعات، أعلنت الداخلية السعودية السيطرة على الحريقين والحد من انتشارهما وفتح تحقيقات في الأمر، لكنها لم تذكر مصدر الهجمات.

يوجد موقع بقيق على بعد حوالي 60كلم جنوب غربي مدينة الظهران في المنطقة الشرقية بالسعودية، ويعتبر من أكبر المرافق النفطية في العالم، فهو المركز الرئيسي لمعالجة النفط الخام العربي الخفيف جدًا والعربي الخفيف بطاقة إنتاجية تزيد على 7 ملايين برميل في اليوم، أي أكثر من نصف النفط الذي تنتجه السعودية يوميًا. أما حقل خريص فيقع على بعد 150كلم جنوب شرقي العاصمة الرياض، وينتج نحو 1.5 مليون برميل نفط يوميًا.

ما الخسائر الناتجة عن الهجمات؟

أدت الهجمات إلى توقف عمليات الإنتاج في معامل بقيق وخريص بشكل مؤقت، وخفض إنتاج السعودية من النفط الخام بمقدار 5.7 مليون برميل في اليوم، وهو ما يعادل نصف إنتاج المملكة من النفط تقريبًا و5% من إنتاج العالم. كما أدت إلى توقف إنتاج كمية من الغاز تقدر بنحو ملياري قدم مكعبة في اليوم، تستخدم لإنتاج 700 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي، مما سيؤدي إلى تخفيض إمدادات غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى حوالي 50%.

وقال وزير النفط السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إنه سيتم تعويض جزء من انخفاض الإنتاج من المخزون، وأن شركة أرامكو تعمل حاليًا على استرجاع الكميات المفقودة.

من المتهم؟

أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، التي تقود السعودية حربًا عليها في اليمن، مسؤوليتها عن الهجمات التي استهدفت مصفاتي بقيق وخريص، قائلة إن سلاح الجو المسير التابع لها نفذ الهجوم بـ10 طائرات مسيرة. وتوعدت بتوسيع عملياتها أكثر فأكثر وجعلها أشد إيلامًا. 

السعودية بدت غير مقتنعة بمسؤولية الحوثيين عن الهجمات، وقال متحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، إن المؤشرات الأولية تدل على أن الهجوم على مصفاتي خريص وبقيق شن بأسلحة إيرانية، ولم ينطلق من اليمن.

وأضاف المتحدث تركي المالكي أن «التحقيقات ما تزال مستمرة مع الجهات المختصة، كافة المؤشرات والدلائل الخاصة بالعمليات والأسلحة التي تم استخدامها، تعطي دلالة مبدئية أن هذه الأسلحة أسلحة إيرانية من طراز أبابيل، ونحن نعمل على تحديد مكان انطلاق هذه الهجمات».

ووجه زير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أصابع الاتهام سريعًا إلى إيران، إذ كتب في حسابه على «تويتر»: «طهران وراء نحو 100 هجوم تعرضت لها السعودية في حين يتظاهر روحاني وظريف بانخراطهما في الدبلوماسية. وسط كل تلك الدعوات لوقف التصعيد تشن إيران الآن هجومًا غير مسبوق على إمدادات الطاقة العالمية. لا يوجد دليل على أن الهجمات جاءت من اليمن».

وأضاف: «ندعو جميع الدول إلى الإدانة العلنية والقاطعة لهجمات إيران. ستعمل الولايات المتحدة مع شركائها وحلفائها لضمان استقرار أسواق الطاقة وإخضاع إيران للمساءلة عن عدوانها».

وقال مسؤولون أمريكيون، لم يكشفوا عن هويتهم، لعدد من وسائل الإعلام، إن الهجمات على السعودية جاءت من الغرب والشمال الغربي وليس من المنطقة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي في اليمن، والواقعة إلى الجنوب الغربي من المنشآت النفطية السعودية. وعليه، يرى المسؤولون الأمريكيون أن الهجمات انطلقت من شمالي الخليج من إيران أو العراق.

ما أبرز ردود الأفعال الدولية؟

بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متريثًا على غير العادة في توجيه أصابع الاتهام لكنه لوح باستخدم القوة ضد المعتدي على مصفاتي السعودية، فكتب على حسابه على «تويتر»: «إمدادات النفط السعودية تعرضت لاعتداء. هناك سبب للاعتقاد بأننا نعرف المجرم، ومتأهبون للرد حسب التأكيد، لكننا ننتظر أن نسمع من المملكة عمن يعتقدون أنه سبب هذا الهجوم، وتحت أي شروط سنتحرك».

كما أعلن ترامب أنه وجه السلطات الأمريكية بالسحب من مخزون النفط الاستراتيجي إذا لزم الأمر، قائلًا: «نتيجة للهجوم على منشأتي النفط السعوديتين، الذي قد يكون له تأثير على أسعار النفط، سمحت بالسحب من مخزون النفط الاستراتيجي إذا لزم الأمر».

وأدانت الأمم المتحدة الهجمات على السعودية واعتبرتها «تهديدًا حقيقيًا للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط»، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، جميع الأطراف إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومنع أي تصعيد وسط التوترات المتزايدة والامتثال في جميع الأوقات للقانون الإنساني الدولي».

وحذر الاتحاد الأوروبي من «تهديد حقيقي للأمن الإقليمي» في الشرق الأوسط بعد الهجمات على منشآت النفط في السعودية، واعتبر أن مثل هذه العمليات تقوض العمل المتواصل من أجل الحوار ووقف التصعيد، ودعا إلى «أقصى درجات ضبط النفس ووقف التصعيد» دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

وأدانت روسيا الهجوم الذي استهدف منشآت «أرامكو»، قائلة: «ندين بشدة الهجمات على أهداف مدنية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة التوازن بين العرض والطلب على الطاقة»، لكنها دعت في الوقت نفسه إلى عدم الاستعجال في الخروج باستنتاجات حول الجهة التي نفذت الهجوم باعتبار أنه  «من غير المجدي أبدًا، استخدام ما حدث لترسيخ المقاربة الأمريكية المعروفة ضد إيران». 

ورفضت الصين تحميل أحد المسؤولية عن الهجوم على مصفاتي السعودية دون حقائق دامغة، وأملت أن  تتحلى جميع الأطراف بضبط النفس، معربة عن معارضتها لأي خطوات توسع نطاق الصراع أو تصعده.

وأدانت قطر بصيغة عامة الهجوم على المنشآت السعودية، إذ كتب وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن على «تويتر»: «ندين الهجمات على المرافق الحيوية و المدنية وآخرها البقيق. يجب لهذه الحروب والصراعات أن تتوقف وأن تتكاتف الجهود لتحقيق الأمن الجماعي المشترك في المنطقة».

إيران والعراق تنفيان مسؤوليتهما

رفضت إيران اتهامات وزير الخارجية الأمريكي لها بالوقوف خلف هجمات السعودية، وكتب وزير خارجيتها جواد ظريف على «تويتر»: «بعد الفشل في ممارسة أقصى درجات الضغط انتقل الوزير بومبيو إلى ممارسة أقصى درجات الخداع. الولايات المتحدة وزبائنها عالقون في اليمن بسبب الوهم بأن تفوق السلاح سيؤدي إلى نصر عسكري. إلقاء اللوم على إيران لن ينهي الكارثة. قبول مقترحاتنا الـ15 التي قدمناها في أبريل لإنهاء الحرب وبدء المحادثات قد يفعلان».

ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، الاتهامات الأمريكية لبلاده، معتبرًا أنها «تدخل في باب الأكاذيب القصوى وتعبر عن الفشل». وأضاف أن طهران «ليست متفاجئة من هذه الممارسات، لا تزال هذه الدول التابعة، وأولئك الذين من المفترض أن يحلبوهم، يطلقون هذه الأقاويل لتشعر هذه الدول التابعة لهم بالأمان».

العراق هي الأخرى نفت ضلوعها في الهجمات التي استهدفت المنشآت السعودية، وقال رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على صفحته بـ«فيسبوك»: «ينفي العراق ما تداولته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن استخدام أراضيه لمهاجمة منشآت نفطيّة سعوديّة بالطائرات المُسيّرة، ويؤكد التزامه الدستوري بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جواره وأشقائه وأصدقائه وإن الحكومة العراقية ستتعامل بحزم ضد كل من يحاول انتهاك الدستور، وقد شكلت لجنة من الاطراف العراقية ذات العلاقة لمتابعة المعلومات والمستجدات».

بيان••••••••••ينفي العراق ما تداولته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن استخدام اراضيه لمهاجمة منشآت نفطيّة…

Gepostet von ‎عادل عبد المهدي Adil Abd Al-Mahdi‎ am Sonntag, 15. September 2019

كيف تأثرت أسواق النفط؟

ارتفعت أسعار النفط، في بداية تعاملات، أمس الاثنين، بنسبة 19%، وهو أكبر ارتفاع وقع في يوم واحد منذ حرب الخليج في عام 1991. وقفزت أسعار خام برنت إلى 71.95 دولارًا للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 15% وسجل 63.34 دولارًا في السوق الآسيوي.

وهدأت الأسواق قليلًا بعد ما وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استخدام الاحتياطي الأمريكي، لكن الأسعار لم تنخفض كثيرًا، إذ استقر برميل خام برنت في التعاملات التجارية عند سعر 66.72 دولارًا بارتفاع قدره 11%، وظل خام غرب تكساس الوسيط مرتفعًا بنسبة 10% بسعر 60.60 دولارًا.

ويعتقد خبراء أن إمدادات النفط العالمية قد تأخذ بعض الوقت قبل أن تعود لطبيعتها، فرغم إعلان السعودية السيطرة على الحرائق لكن «ذلك لا يعني إطفاء واحتواء كامل أضرار الحرائق، إذ يبدو أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت في بقيق والخريص كبيرة، وقد يستغرق الأمر أسابيع قبل أن تعود إمدادات النفط إلى حالتها الطبيعية»، بينما يرى آخرون أن الانقطاع لن يؤثر على إمدادات النفط الخام على المدى القريب لوجود «سعة تخزينية كافية لسد النقص على المدى القصير».

ويعتقد أنه لن يكون هناك تأثير مباشر لأسعار النفط المرتفعة على المستهلكين حيث إنها ستأخذ بعض الوقت كي يظهر تأثيرها عليهم، لكن إذا بقي انقطاع الإمداد النفطي مستمرًا لبعض الوقت فستتأثر الأسعار كثيرًا.