قليل من لاعبي كرة القدم احتفظوا ببريقهم بعد الاعتزال، أحد هؤلاء دون شك كان الفرنسي «إريك كانتونا»، الرجل الذي بنى مجده الكروي الحقيقي في خمس سنوات فقط رفقة اليونايتد قبل ثلاثين عامًا ورغمًا عن ذلك يبدو وجهه مألوفًا لكثير من محبي كرة القدم صغار السن.

ربما تعتقد أن السبب الرئيسي هو وجوده شبه الدائم لسنوات كثيرة في إعلانات نايكي، لكن السبب الأكثر دقة هو الكاريزما والشخصية الصدامية التي يتمتع بها الرجل وتصريحاته اللاذعة التي لا تتوقف، لذا دعنا نتناول واحدًا من أغرب تصريحات الرجل.

خرج السيد كانتونا ذات يوم ليؤكد أنه لم يحب طريقة احتفال عدد من اللاعبين وعلى رأسهم ماريو بلوتيلي والسبب أنها احتفالات معدة مسبقًا، احتفل بالوتيلي حينذاك بهدفه ضد اليونايتد من خلال الكشف عن رسالة مكتوبة تحت قميصه، وهو ما اعتبره كانتونا شكلًا من أشكال جذب الانتباه أو كما نقول هنا استغلال اللقطة.

الأمر المستغرب في حديث كانتونا أنه كان يحتفل بلكم زملائه في الفريق، هذا بخلاف حادثته الشهيرة التي ركل فيها مشجع لكريستال بالاس بحركة كونغ فو. حتى بعد الاعتزال قام بعمل حملة وهمية لنيل منصب رئيس فرنسا؛ لذا كان غريبًا أن الرجل الذي يمكن تفسير معظم تصرفاته بأنه أسير الكاميرات وجذب الانتباه أن يتهم لاعبًا بنفس الاتهام حتى إذا كان هذا اللاعب هو ماريو بالوتيلي.

نتحدث هنا عن فكرة محاولة جذب الانتباه، هذا الاتهام الذي يلاحق كثيرين مؤخرًا دون أي منطق مفهوم، لذا بدأنا الحديث بقصة كانتونا الذي اُتهم باستغلال اللقطة طوال حياته ثم اتَهم آخر بها عندما حان دوره في توجيه الاتهام، والآن سنكمل القصة لكن على لسان بطلها الحقيقي.

اللقطة من زاوية صاحبها

كانت الرسالة التي ظهرت تحت قميص بالوتيلي؛ «لماذا أنا دائمًا». انتشر هذا المشهد في العالم أجمع، حتى أن الجملة ذاتها أصبحت رنانة في عالم كرة القدم. فهل قصد بالوتيلي أن يكون صاحب اللقطة كما اعتقد البعض، في الحقيقة بالوتيلي يملك تفسيرًا آخر.

في عام 2012 أوضح بالوتيلي من خلال مقابلة مع صحيفة الجارديان أن الجملة الشهيرة كانت رسالة تهدف إلى الرد المباشر على التغطية الإعلامية السلبية المتكررة عنه في إنجلترا.

لقد كانت رسالة لجميع الناس الذين يتحدثون عني بشكل سيئ ويقولون أشياء ليست لطيفة وهم لا يعرفونني، لذلك كنت فقط أسأل: لماذا أنا دائمًا؟
ماريو بالوتيلي

نفى بالوتيلي حينئذ عددًا من تصرفاته المزعومة وأشهرها أنه قاد سيارته حول مانشستر مرتديًا زي بابا نويل وقدم ألف جنيه إسترليني إلى رجل بلا مأوى كما ورد في الصحافة، كانت رسالة بالوتيلي إذًا مفادها محاولة تجنب الانتباه الذي توليه صحافة إنجلترا له وليس جذب الانتباه كما اعتقد الكثيرون.

امتلك بالوتيلي مسيرة حافلة بالإشاعات والجنون والقرارات الصادمة، لكن التفسير الذي يصف به أشهر لحظاته مع الكرة يبدو منطقيًا ويبعد عنه فكرة استغلال اللقطة، لكن هل يعني هذا أنه لا وجود للقطة ومُستغليها، بالطبع لا.

لا تقدم لنا كرة القدم خططًا وأهدافًا وتكتيكات فقط، في الحقيقية هناك عشرات اللقطات التي يستغلها كل عناصر كرة القدم بعيدًا عن جوهر اللعبة.

كرة القدم التي يعرفها رونالدو جيدًا

تشترك الصحافة والجماهير في حب فكرة المشهد المؤثر رغم عدم الاعتراف بذلك، تتعدد أشكال تلك اللقطة فهناك اللاعب الوفي واللاعب الخائن والمنقذ والمنحوس وعشرات اللقطات التي تفرض أحيانًا على اللاعبين.

إلا أن بعض اللاعبين يجيدون استغلال ما تحبه الجماهير، أهم هؤلاء بالطبع كريستيانو رونالدو، الرجل الذي عاش مسيرة كاملة لا يقبل فيها سوى أن يكون محور الاهتمام بشكل دائم، هكذا قدم نفسه، وهكذا هتف له محبوه، ومجدته الصحافة طوال سنوات، يمكنك وصف مسيرة رونالدو بأنها محاولات مستمرة من البرتغالي ليكون جديرًا باللقطة.

استغل رونالدو عشرات اللقطات ليحافظ على كونه أكثر الرجال تأثيرًا حتى إذا كان على دكة الاحتياط، فهو من صرخ«سدد يا إيدر» ليحرز البرتغال بطولة أوروبا على الفور، هل هذا يمنع أنه أحد أعظم لاعبي كرة القدم عبر التاريخ، بالطبع لا لكنه أكثرهم استغلالًا لفكرة اللقطة لمعرفته جيدًا أن لكرة القدم وجهًا آخر تطل به خارج الملعب ويجلب المجد كما يجلب الملايين أيضًا.

ثم حدث أن مفهوم اللاعب الواحد تغير في كرة القدم، مهما كان موهوبًا فلا يمكن أن يطلق له العنان وأن يكون لديه فريق مبني حوله، المبادئ الأساسية التي بنى عليها رونالدو مسيرته تآكلت أمام عينيه. لذا قرر الرجل بذكاء متقد أن يذهب للسعودية حيث يستطيع أن يكون نجم العرض الأول وملك اللقطة دون منازع وعن استحقاق.

شيكابالا وإمام وتريكة ولنترك القوس مفتوحًا

قبل أسابيع قليلة وفي خضم نقاش مطول جمع المذيع «إبراهيم عبد الجواد» واللاعب السابق «طارق السيد» حول عدد من الأمور كان أهمها فيديو ظهر به إمام عاشور لاعب الأهلي الحالي ولاعب الزمالك لسنوات وهو يغني «أهلاوي أنا والفخر ليا».

هنا عقد عبد الجواد ذراعيه وتحدث بحكمة بالغة أنه يتمنى من الله أن يعافي جميع لاعبي مصر من شهوة اللقطة واللعب على أوتار عاطفة الجماهير، لأن قطعة الحديد هذه (يقصد الهاتف) تؤثر في عقلية اللاعبين فتجعلهم مهتمين باللقطة التي تجلب إعجاب الجماهير، هنا تأثر كابتن طارق بالحديث على ما يبدو لأنه أجابه بالفصحى: بالفعل!

في الحقيقة إننا في مصر نتهم كل اللاعبين بأنهم «بتوع لقطه» دون محاولة حتى لجعل الاتهامات منطقية، حسين الشحات وكهربا لاعبو لقطات لأنهم توجهوا لتريكة أيقونة الأهلي الغائبة خلال كأس العالم للأندية، وشيكابالا لاعب لقطات لأنه يحيي جماهير فريقه في نهاية مباراة ظهر بها دون المستوى وإمام بالطبع تفرغ لزيادة المشاهدات على إنستجرام.

ربما يخرج إمام بعد سنوات ليفسر الأمر بأنه غنى للأهلي لأنه يحتاج دعم جماهير الأهلي في وقت تهاجمه فيه جماهير الزمالك بضراوة وسيكون طرحه منطقيًا حينئذ، وربما سيعتقد الكثيرون أن كهربا لاعب لقطة لأن هذا يناسب شكل حياته الخاصة وإثارته للجنون أينما حل تمامًا مثلما كان بالوتيلي، وربما إذا تصفحنا حساب تويتر للسيد عبد الجواد سنحصل حتمًا على آراء الغرض منها اللعب على أوتار عاطفة الجماهير لكنه سيتهم آخر بذلك تمامًا مثلما فعل كانتونا. ويبدو السبب في كل المواقف واحدًا وهو أن اللقطة جزء من تناولنا لكرة القدم، وهذا لا يعيب أحدًا لأن كرة القدم خارج الملعب تهتم باللقطة.