حدثني صديقي عقب المباراة الأخيرة التي جمعت أرسنال ومانشستر يونايتد عن أسوأ ما كان في المباراة، تعددت إجاباتي لكن إجابة صديقي كانت أصدق بالفعل. هدف أوباميانج الذي ألغي بداعي التسلل قبل أن ينقذ الفار الموقف، لكن وللأسف أفقدنا هذا احتفال أوباميانج الرائع المعتاد.

يحيى أوبا حياة كرة القدم من قلبه بالفعل. عقب كل هدف يحرزه، يركض محتفلًا كطفل أحرز لتوه هدفه الأول على الإطلاق. يستمتع بالأمر لأنه حتمًا سينتهي سريعًا، لا يقلق ويؤمن أنه سينتصر في النهاية طالما أنه فعلها من قلبه.

عرف أوباميانج كرة القدم الاحترافية منذ الصغر، لكنه أصر أن يلعبها بعيدًا عن قواعد النجوم والكاميرات. كان سريعًا مثل نمر منطلق، لكن لا يستطيع أحد أن يتأكد من سرعة النمر إلا إذا أعطاه أحدهم الفرصة ليركض.

وبينما أراد له الجميع أن يحيى كنمر جميل مستأنس في حدائق أوروبا، أراد هو أن يحيى كنمر حقيقي، مثلما تحيى النمور في أوطانها. يبحث أوباميانج في البداية عن وطن يستطيع أن يشعر بأنه على طبيعته داخله ثم يركض مثلما لم يركض أحد.

البداية: فرنسا المولد وفرنسا الانطلاق

بدأ الأمر بعمل والد أوباميانج في نادي آي سي ميلان الإيطالي ضمن فريق الكشافة، ذهب معه بيير فكانت النتيجة المنطقية أن يلتحق أوباميانج بصفوف شباب ميلان، كانت أولى اللقطات لبيير في بطولة ودية للشباب أقيمت في ماليزيا تحت اسم دوري أبطال الشباب، أحرز أوباميانج ستة أهداف في سبع مباريات وبدأ الحديث عن مهاجم ميلان الشاب.

قرر مسئولو فريق الميلان أن يمنحوا أوباميانج في عامه التاسع عشر فرصة للعب بشكل مستمر عن طريق الإعارة لفريق ديجون الفرنسي، خاصة أن الجابوني كان يبدو مبشرًا للغاية. لكن بعد الإعارة، رأى الميلان أن المهاجم الشاب يحتاج لمزيد من الوقت، فتمت إعارة أوباميانج لفرق ليل ثم موناكو وأخيرًا فريق سانت إيتيان.

وجد أوباميانج نفسه دون أي ارتباط نحو فريق ما، إنه بند ضمن صفقات تبادلية عدة يجريها ميلان كل عام ولا يستفيد بها أحد، مجرد اسم يتردد هنا أو هناك دون هوية، أراد أوبا الاستقرار لكي يلعب كرة القدم التي يجيدها، لم يفهم أحد أن أوبا يلعبها من قلبه، هو يريد الارتباط بالجماهير والركض من أجل قميص ما.

لن يكون هذا النمر الذي يتم عرضه كل عام في حديقة ما من أجل حفنة دولارات، إنه حتى لم يقبل دعوة المنتخب الإيطالي للشباب للعب باسم إيطاليا ولم يستطع أن يخوض سوى مباراة واحدة بقميص فرنسا، قرر أوباميانج ببساطة أن يبدأ بداية مستقرة وكانت البداية خضراء بألوان سانت إيتيان.

سانت إيتيان: سبايدر مان كان يحتاج لوطن

هنا نستطيع أن نتحدث عن أوباميانج الذي نعرفه: قضى أوباميانج نصف عامه الأول رفقة نادي سانت إيتيان دون أن يلمع نجمه، فقط لاعب في سرعة البرق، لكنه لا يقدم ما قد يجعله صفقة مهمة للفريق الأخضر؛ لذا لم يكن مسئولو سانت إيتيان على قدر من الثقة أنهم سيضمون أوباميانج في النهاية، لكن أوباميانج نفسه قرر أنه سيبقى.

بعد انقضاء النصف الأول من الموسم تحول أوباميانج إلى لاعب آخر، قرر قضاء عطلته الصيفية رفقة النادي لكي تتحسن قدرته على التصويب على المرمى، استمع أوباميانج جيدًا لكل النصائح التي من شأنها تحسين قدرته على التهديف وقد كان. وقّع عقدًا دائمًا مع سانت إيتيان وازداد عدد أهدافه المسجلة مع الوقت حتى أصبح أهم وأفضل لاعبي الفريق بعد انقضاء موسمه الأول.

خلال الموسم التالي، احتل أوباميانج المركز الثاني في سباق الهدافين بالشراكة مع زلاتان إبراهيموفيتش لاعب فريق باريس سان جيرمان برصيد 19 هدفًا، كما حصل على جائزة مارك فيفيان فو كأفضل لاعب أفريقي في الدوري الفرنسي، استطاع سانت إيتيان أن يحقق بطولة الكأس الفرنسي، كما احتل المركز الخامس في الدوري وهو ما لم يكن يحققه إيتيان في السنوات الأخيرة.

شعر أوباميانج بالاستقرار فاستطاع أن يطل على الجميع بوجهه الحقيقي خاصة بعد أن أنجب ولده الأول وتعلق قلبه بقميص سانت إيتيان؛ أما عن الجانب الإنساني فاستطاع أوباميانج أن يعقد صداقات عميقة مع لاعبي سانت إيتيان حتى أنه ليلة فوز الفريق ببطولة الكأس تمت سرقة بيته وسيارته، لكنه لم يبدُ عليه أي حزن ولم يخبر أحدًا إلا بعد نهاية اليوم حتى لا يفسد الاحتفال على أحد.

في الموسم التالي، كان أوباميانج أكثر حرية وأكثر تنويعًا في طريقة تسجيل الأهداف وأصبح على طبيعته بشكل أكبر. ظهر أوبا بحذاء مرصع بالجواهر قبل مباراة الديربي أمام ليون، ثم احتفل لأول مرة مرتديًا قناع «سبايدر مان» بعد تسجيله هدفاً ضد فريق رين وذلك تكريمًا لحارس مرمى إيتيان السابق جيريمي جانوت، والذي ارتدى ذات مرة القميص الكامل لشخصية سبايدر مان في إحدى المباريات عام 2005.

بروسيا: كلوب وتوخيل وأوباميانج المتطور

ربما يستغرب البعض من إجادة أوباميانج لمركز الجناح وتخليه عن مركزه لصالح لاكازيت رفقة فريق أرسنال، لكن من المؤكد أن كلوب تحديدًا لا يستغرب من جودة أوباميانج في المركزين، حيث كان أول من أرسله لمركز الجناح لمعاونة المهاجم ليفاندوفسكي بألوان فريق بروسيا.

وهكذا بدأ أوباميانج مرحلة جديدة من الثقل الخططي رفقة كلوب، وبمجرد انتقال ليفاندوفسكي إلى الجار ميونخ عاد أوباميانج إلى مركز المهاجم وتحسنت أرقامه كثيرًا، لكنه كان قد اكتسب المزيد من الوعي.

رحل كلوب وجاء توخيل، وبينما توقع الجميع أن يصبح الفريق ككل أقل بهاءً برحيل كلوب إلا أن توخيل حمل للجميع المزيد من الفكر والمجهود. عمل توخيل على تحسين تحركات أوباميانج بكشل كبير مستفيدًا من سرعته الفائقة، وذلك عن طريق إعادة كل تحركاته وتحليلها باستخدام الفيديو، وهو ما أضاف الكثير من الوعي التكتيكي والحركي لأوباميانج وعزز قدراته التهديفية.

دعنا نعود للنقطة الأساسية هنا: هل كان أوبا قادرًا أن يتطور رفقة بروسيا لولا أنه أحب الفريق؟ الحقيقة أن أوباميانج وجد المزيد من الحب وجنون كرة القدم مع جماهير بروسيا دورتموند. يعلم الجميع كيف تتنفس جماهير دورتموند كرة القدم، ولذا استطاع أوباميانج أن يبقى هناك لمدة خمس سنوات تاركًا صداقة أخرى عميقة مع أيقونة بروسيا الأثيرة ماركو رويس. أينما حل أوباميانج فهناك صداقة وحب والكثير من الأهداف أيضًا.

لقد قلت في الماضي إنني أحلم باللعب في إسبانيا، لكن دورتموند أصبح منزلي الثاني. أحب هذا النادي، المشجعين والمدينة ذاتها. أعتقد أنني سأبقى هنا لفترة أطول.
أوباميانج متحدثًا عن بروسيا دورتموند

أرسنال: الأفضل على الإطلاق

أصبح أوباميانج رفقة بروسيا واحدًا من أفضل مهاجمي العالم، وكان فريق أرسنال يحتاج بشدة لرجل من طينة الأفضل. الفريق يهتز بشكل مؤلم، سانشيز يختار اليونايتد وأوزيل غير قادر على العودة لسابق عهده. فهل يستطيع أوباميانج أن ينقذ فريق الأرسنال؟

استطاع أوباميانج أن يُبقي لأرسنال شيئًا من حظوظه داخل قتال الستة الكبار، من خلال قدرته الدائمة على إحراز الأهداف، إلا أن هناك تقليلاً غير مبرر حول إمكانات أوباميانج وحول كونه مهاجمًا من الطراز الأول. ربما اتضح ذلك بوجود شعور غامض بالدهشة حيال أرقام أوبا الرائعة ومقارنتها مع لاعبين آخرين.

ربما يرجع ذلك لحالة التذبذب التي يعيشها أرسنال نفسه، كما أن أوباميانج بالفعل أهدر خلال موسمه الأول الكامل مع أرسنال عددًا من الأهداف، لكنه توج أخيرًا بلقب هداف الدوري. حسنًا، يضيع أوباميانج، لكنه يحرز كثيرًا. دعنا نتحدث بالأرقام.

وفقًا لـ Understat، فإن قدرة أوباميانج  على التهديف كانت أقل من المتوقع بمقدار 1.55 هدفًا، بمعنى أنه واستنادًا إلى جودة الفرص المتاحة له، كان يجب أن يسجل أوباميانج  23.55 هدفًا بدلاً من 22 هدفًا، وهي نفس النسبة التي يتفوق فيها صلاح وماني حيث أحرزا أهدافًا أكثر من المتوقع.

لكن ما يميز أوباميانج مقارنة بالآخرين هي قدرته الخيالية على التأقلم السريع على أجواء الدوري الإنجليزي، فمنذ أن وطأت قدماه ملاعب إنجلترا لم يحرز أي لاعب آخر في إنجلترا أهدافًا أكثر منه، أحرز أوباميانج  39 هدفًا بعد 56 مباراة فقط.

خلال الموسم الحالي، يقدم أوباميانج ما يجعله قائد أرسنال ولاعبه الأهم دون مبالغة: سبعة أهداف خلال ثماني مباريات محققًا نصف أهداف أرسنال خلال الموسم الحالي وهي أهداف حاسمة للغاية. أحرز أوباميانج هدف الفوز خلال أربع مباريات وهدف التعادل ضد كل من توتنهام واليونايتد. منذ أن التحق بيير بفريق أرسنال في يناير 2018، استطاعت أهدافه أن تضمن 32 نقطة للفريق أكثر من أي لاعب آخر حسمًا للنقاط في الدوري الإنجليزي.

أما على المستوى الإنساني، فهو كعادته ينشر الحب ويقيم الصداقات ويدعم الآخرين وينشر السعادة.

يرتبط أوباميانج بعلاقة صداقة وثيقة مع المهاجم الآخر للفريق ألكساندر لاكازيت يصفها أوباميانج ضاحكًا كعلاقة حب من النظرة الأولى، كما أنه يحوز على احترام أعضاء الفريق ككل حيث تم انتخابه من قبل اللاعبين كقائد ثانٍ للفريق بعد تشاكا.

ربما يبدو هذا الموقف الذي جمع بين أوبا ومهاجم أرسنال الجديد صغير السن البرازيلي مارتينيلي شارحًا لمدى صدق هذا الرجل وطبيعته الجميلة.

وصل مارتينيلي لتناول طعام الغداء في يومه الأول داخل جدران النادي، ليفاجأ بأوباميانج جالسًا بجواره ويتحدث معه بالبرتغالية ليقلل من شعوره بالغربة داخل الفريق.

هذا الرجل الذي رأيته على شاشة التلفزيون، جاء للتحدث معي!  لقد قدم لي الكثير من الدعم في النادي ويحاول دومًا أن يتواصل معي.
مارتينيلي متحدثًا عن دعم أوباميانج

هكذا يفعلها بيير أوباميانج، يفعلها من قلبه تمامًا. لا يبحث أوباميانج عن الكاميرات بقدر ما تبحث الكاميرات عنه، كرر أوباميانج احتفال الرجل العنكبوت رفقة فريق بروسيا، ثم تحول أخيرًا لارتداء قناع شخصية النمر الأسود مؤكدًا أن هذا القناع يمثله بشدة.

هل قلت لك أن أوباميانج أسرع من العدّاء بولت ذاته، لا بل هو أسرع من نمر يعيش هناك، حيث النمور في أوطانها.