أفضى بنا البحثُ في وثائق وقفيات الخديوي إسماعيل إلى نتيجة أساسية وغير مسبوقة في الدراسات التاريخية التي تناولت سيرته وإنجازاته في فترة حكمه، وهذه النتيجة هي: أن هذا الخديوي هو «أبو التعليم الأهلي الموروث»، وهو «أبو الأوقاف على المساجد»، في تاريخ مصر الحديث والمعاصر كله.

وللتعليم الأهلي الموروث المقصود هنا ركيزتان: الأولى مادية مؤسسية تمثلت تاريخيًا في المساجد والكتاتيب، وهي منتشرة في مختلف نواحي مصر، منذ فتحها عمرو بن العاص. والثانية معنوية ثقافية، تمثلت في المحافظة على أصول الهوية الذاتية وأهمها: اللغة، والدين، والتاريخ، والعادات. وكانت الكتاتيب والمساجد وفي مقدمتها الأزهر الشريف هي المؤسسات التعليمية التي تقوم بمهمة تحصين تلك الأصول في مواجهة الغزو الأجنبي لمصر ــ ولغيرها من البلدان الإسلامية ــ في زمن الزحف الاستعماري والهيمنة الغربية على الشرق ومجتمعاته وحضاراته خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر للهجرة/التاسع عشر للميلاد وما تلاه.

لقد قال كثيرون من المؤرخين عن الخديوي إسماعيل: إنه كان يريد «تغريب مصر» وجعلها قطعة من أوروبا. ولكن هذا القول إن صح من جهة رغبته في أن تمتلك مصر أسباب النهضة والتقدم الذي أحرزته أوروبا الحديثة، فإنه لا يصح إن كان القصد منه اتهام الخديوي بالعمل على خلع مصر من جذورها الحضارية أو استلاب هويتها في الهوية الأوروبية.

ولو صح القول على إطلاقه: إن إسماعيل كان يريد تغريب مصر؛ فكيف نفهم سياساته التي استهدفت دعم الكتاتيب والمساجد وتعزيز دورها التعليمي بريع وقفيات ضخمة بلغت مساحتها 33 ألف فدان من الأراضي الزراعية، إضافة إلى عدد كبير من العقارات المبنية، منها قصرُه بمدينة أسيوط! وقد غطت هذه المساحات والعقارات مختلف مدن مصر وأريافها؟ وما عسى أن يكون الدور التعليمي للمساجد والكتاتيب سوى أن يكون في مواجهة التغلغل الثقافي الأجنبي وسياسات القوى الاستعمارية العدوانية على الهوية وسعيها لتقويض أصولها وخلعها من جذورها؟

بعد عامين فقط من توليه حكم مصر، وفي 18 يناير/كانون الثاني 1863م، بادر الخديوي إسماعيل بوقفية ضخمة عبارة عن مساحة قدرها عشرة آلاف فدان من الأراضي الزراعية، وهذه المساحة موزعة بين اثنتي عشرة مديرية من مديريات الصعيد، والدلتا؛ أي في شمال مصر وجنوبها ووسطها. وقد خصص ريعها من تاريخ وقفها للصرف على المساجد والكتاتيب الكائنة بمصر بحسب البيان التفصيلي الذي تضمنته حجة الوقف (حجة وقف العشرة آلاف فدان، طبعة ديوان عموم الأوقاف 1317هــ/1899م).

وفي العام الثالث لتوليه الحكم 1283هــ/ 1867م، قام الخديوي إسماعيل بإنشاء وقفية مساحتها أكبر من سابقتها (ضعفها تقريبًا)، هي وقفية «وادي الطميلات» بالتل الكبير بمحافظة الشرقية، ويسمى أيضًا: تفتيش الوادي، و«جفلك الوادي». وكانت مساحته 16 سهمًا، وقيراطان، و21.918 فدانًا طين سواد، عشورية. واشترط أن يصرف ريع هذا الجفلك «على المساجد والمكاتب الأهلية الكائنة بالقطر المصري، وعلى المصالح والمهمات اللازمة لإدارة شئونها وشئون التعليم بها. وإذا تعذر الصرف على ذلك، صرف الريع على الفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا في الديار المصرية».

وحجة هذه الوقفية الضخمة محررة أمام محكمة الباب العالي بمصر، بتاريخين أولهما: 9 رمضان 1283هـ، وثانيهما في 9 ربيع الثاني 1304هـ. وهي مسجلة بسجلات وزارة الأوقاف سجل رقم/1 خيري، ص47 ـ ص49. وتوجد بمحفوظات مجلس الوزراء بدار الوثائق القومية بالقاهرة، وثائق كثيرة تخص هذه الوقفية، وهي محفوظة بمحافظ نظارة الأوقاف، ومنها المحفظة رقم/2/ج (موضوعات مختلفة) وفيها وثيقة عبارة عن نص الأمر العالي الذي أصدره الخديوي إسماعيل بتاريخ 9 رمضان 1283هــ الموافق 15 يناير/كانون الثاني 1867م برقم 76، والوثيقة تنص على: «إيجاد مدارس بالأقاليم المصرية ووقف جفلك الوادي عليها».

وإضافة إلى هاتين الوقفيتين الكبيرتين، قام الخديوي إسماعيل في سنة 1287هـ/1870م بوقف «قصر» كان بمثابة استراحة له بمدينة أسيوط في وسط الصعيد. ونصَّ في حجة هذه الوقفية على أن يتم تحويل هذا القصر إلى «مكتب ومدرسة لتعليم العلوم الشرعية والأدبية، واللغات الغربية والأعجمية»، واللغات الأعجمية هي اللغات الشرقية بتعبيراتنا المعاصرة؛ أي أن الخديوي كان يهدف لتحقيق التوازن في تعلم اللغات بين لغات الشرق ولغات الغرب، وهذه سياسة حصيفة، وتعزز الهوية وتحصنها من الذوبان في غيرها. وحجة هذه الوقفية محررة بتاريخ 27 شعبان 1287هـ أمام محكمة أسيوط الشرعية، ومسجلة في سجلات وزارة الأوقاف، سجل/3 أهلي قديم/أ تحت نمرة 1936. وبحسب هذه الحجة؛ فإن قيمة القصر الموقوف بمحتوياته كانت تساوي 499.0166 قرشًا حسب أسعار السنة التي تم وقفه فيها، وقد أكد الخديوي في نص هذه الحجة على أن وقفه هذا:

صدر عن طيب خاطر، وانشراح صدر، فمبقتضى ذلك صار هذا القصر وقفًا من أوقاف الله الأكيدة، محرمًا بحرمات الله، مدفوعًا عنه بقوته الشديدة، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه الكريم صاير، أن يغيره أو يبدله أو يسعى في إبطاله، فمن فعل ذلك، أوشيئًا منه، كان الله طليبه وحسيبه ومجازيه يوم التناد، يوم عطش الأكباد، ومن أعان على بقائه وتمشيته على ما قُدر فيه، برد الله مضجعه، ولقنه حجته، وجعله من الآمنين المستبشرين برضا الله في أعلى عليين.

ولتلك الوقفيات التي خصصها الخديوي إسماعيل للإنفاق على المساجد والتعليم بالمكاتب والكتاتيب أهمية كبيرة في فهم دور الوقف في مجال التعليم والثقافة في مصر الحديثة بصفة عامة، وفي مواجهة الغزو الثقافي الأجنبي والمحافظة على أصول الهوية الوطنية بصفة خاصة. فقد جاءت تلك الوقفيات في سياق صعود موجة إنشاء الأوقاف في مصر مع بداية الثلث الأخير من القرن الثالث عشر للهجرة/ منتصف القرن التاسع عشر للميلاد تقريبًا، وكان صعود تلك الموجة موازيًا ومواجهًا لصعود موجة التغلغل الأجنبي الاقتصادي والثقافي، وكان موازيًا ومواجها لزيادة نشاط الإرساليات التبشيرية وتوسعها في إنشاء المدارس الأجنبية في مصر آنذاك.

في تلك الظروف لجأ الخديوي إسماعيل إلى «الوقف»، واستخدمه في دعم مؤسسات التعليم الموروث ليسهم إسهامًا جادًا في إحياء دور تلك المؤسسات، وفي تمكينها من أداء هذا الدور بفاعلية في تثبيت أصول هوية الأمة المصرية العقيدية والثقافية في مواجة ما أشرنا إليه من تحديات الغزو الأجنبي. وهذا ما نطق به صراحة الأمر الكريم الذي أصدره إسماعيل إلى ناظر ماليته بخصوص وقفية العشرة آلاف فدان، ونصه هو:

إن المحافظة على الشعائر الدينية وإقامتها فرض عين على الجميع، ولكن بعضًا من المعابد والجوامع والمكاتب الصغيرة متخرب، وبعضها مشرف على الخراب والاندراس، من قلة إيراد أوقافها… وحيث إن عمارة الجوامع والمعابد والمكاتب ودوام إقامة الشعائر الدينية فيها بعناية، ملتزم ومرغوب لدينا؛ فبناءً عليه قد وقفنا عشرة آلاف فدان يصرف إيرادها على عمارتها وإحيائها…فبناءً عليه يجب أن تعنو بفرز المقدار المذكور، وأن تعنو بتطبيق الإجراءات اللازمة على القواعد الشرعية والأصول المرعية بخصوص تحرير وإخراج التقاسيط اللازمة من الروزنامجة، على ذمة ديوان الوقف.(جورج جندي وجاك تاجر، إسماعيل كما تصوره الوثائق الرسمية، القاهرة، طبعة سنة 1947م، ص20).

وإسماعيل في تصرفه بوقف أراضي جفلك الوادي المشار إليه، كان بعيد النظر؛ إذ سرعان ما تحول النفوذ الأجنبي إلى تدخل رسمي في مالية مصر، بعد أن تم وضعها تحت الإشراف المباشر للدول الأجنبية الدائنة، وعندما حدث ذلك في أواخر عهد إسماعيل، كانت أوقافه في مأمن من هذا التدخل، وكانت أراضيها أيضًا -شأن جميع الأوقاف- خارجة عن إطار التعاملات الاقتصادية التي خضعت هي الأخرى لتأثيرات القوانين الوافدة، وللتسلط الأجنبي عبر المحاكم المختلطة والأهلية، ولم يبق -في ذلك الوقت- مجال تختص به المحاكم الشرعية دون غيرها إلا الأحوال الشخصية ومسائل الأوقاف.

ويضاف إلى ما سبق؛ أن الأوقاف في عهد إسماعيل صارت أهم مصادر الدخل التي اعتمدت عليها السياسة الحكومية الرسمية في النهوض بالتعليم الابتدائي، وبخاصة بعد أن أصدر مجلس شورى القوانين عدة قرارات في سنة 1866م بناء على مشروع تنظيم التعليم الذي قدمه علي باشا مبارك، وقد دعت تلك القرارات المصريين «إلى إنشاء المزيد من المكاتب في مختلف أنحاء البلاد، وأن يكون الإنفاق عليها من إيرادات الأوقاف ومن تبرعات الأهالي» (أحمد عزت عبد الكريم، تاريخ التعليم في مصر، القاهرة 1945مـ ج/3، ص34-35).

ورغم تعرض وقفية الوادي لكثير من الإجراءات البيروقراطية المعقدة، إلا أنها قد استمرت في تمويل إنشاء المدارس من ريعها حتى بداية الثلث الأخير من القرن الرابع عشر للهجرة/منتصف القرن العشرين للميلاد تقريبًا، ومن ذلك: الإذن الصادر بموجب حجة من محكمة مصر الشرعية بتاريخ 14 فبراير/شباط 1948م وهي تتضمن «إنشاء مدارس من ريع وقفية الوادي على مساحة تم شراؤها قدرها 40 فدانًا بمصر الجديدة». ولم تتعطل الوقفية عن أداء رسالتها إلا بعد سنة 1952م بسبب قسوة الإجراءات التي تعرض لها نظام الوقف في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وذابت أراضي وقفية الخديوي إسماعيل لوادي الطميلات شيئًا فشيئًا في جملة ما تبقى من الأوقاف تحت إدارة هيئة الأوقاف المصرية.

إن تخصيص ريع وقفية الوادي للمساجد ولدعم والتعليم والتوسع في إنشاء المكاتب الأهلية والمدارس الأولية في جميع الجهات المصرية لم يكن الدليل الوحيد على بعد نظر الخديوي إسماعيل، ولم يكن البرهان الوحيد أيضًا على ثبات موقفه في مواجهة النفوذ الثقافي الأجنبي الذي كان يهدد الهوية الذاتية للمصريين؛ وإنما كان دليلاً وبرهانًا أيضًا على صواب رؤيته الإستراتيجية للدفاع عن البلاد وتأمين جبهتها الشرقية المؤدية إلى الدلتا وقلب القاهرة ذاتها.

لقد وثَّقْنا الغفلة الأمنية التي ارتكبها سلفه محمد سعيد باشا، وانعدام رؤيته الإستراتيجية عندما قرر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1854م؛ أي بعد أقل من أربعة أشهر من بدء ولايته، أن يمنح صديقه دليسبس امتياز تأسيس شركة لحفر قناة السويس، ووثقنا كذلك غفلته عن استيلاء هذه الشركة بثمن بخس قدره: 68 ألف جنيه على جفلك الوادي بمساحته الشاسعة، عندما اشترى دليسبس هذا الجفلك البالغ مساحته 21.918 فدانًا من تركة إلهامي باشا ابن عباس الأول (1836-1860م)؛ الأمر الذي تفاخر به دليسبس أمام الجمعية العمومية لشركة القناة في اجتماعها بتاريخ أول مايو/آيار سنة 1862م. ولم تكن أطماع دليسبس مقتصرة على امتياز شركة القناة، إذ سرعان ما تبين أن شراءه لجفلك الوادي كان جزءًا من مخططه لإنشاء مستعمرة فرنسية في منطقة القناة في سياق التنافس الاستعماري الفرنسي البريطاني، كما كشف عن ذلك صديقنا المؤرخ الأستاذ سيد حامد.

ولأراضي جفلك الوادي أهمية كبيرة إستراتيجيًا وأمنيًا وعسكريًا: فأراضي هذا الوادي بمثابة بوابة الدفاع الشرقية عن مصر بعد بوابة سيناء، وتشكل قرية «التل الكبير» التجمع السكاني الرئيسي في الوادي، وتقطع خط الغزوات على الدلتا من جهة سيناء كما يقول محمد صبري السربوني في كتابه عن الإمبراطورية المصرية في عصر إسماعيل. وتعتبر تلك المنطقة أضعف نقطة في خط الدفاع عن مصر، أما من جهة الشمال والغرب، فإن البحيرات الشمالية من الإسكندرية وحتى بورسعيد، وهي: المنزلة والبرلس ومريوط، تشكل مانعًا مائيًا وخط دفاع طبيعي ضد أي غزو قادم من هاتين الجهتين.

تلك الغفلة التي وقع فيها سعيد باشا، تنبه لها الخديوي إسماعيل منذ الأيام الأولى لتوليه حكم مصر، إذ سعى لاسترداد الوادي ونجح في ذلك، ودفع فيه ثمنًا باهظًا بمعايير ذلك الزمن وقدره 400 ألف جنيه مصري. وفور إبرام صفقة شرائه من شركة القناة بادر الخديوي إسماعيل بوقفه وقفًا خيريًا؛ وذلك لتحصينه في حرز الوقف بعيدًا عن التدخلات الأجنبية؛ حيث كانت سلطات الاحتلال البريطاني –آنذاك- تبدي احترامًا لكل ما له صلة بالدين درءًا لاستثارة الغضب الشعبي ضدها.

وقد برهنت وقائع الغزو الإنجليزي لمصر عام 1882م، على بعد نظر الخديوي إسماعيل، فالإنجليز أخفقوا في استخدام محور الإسكندرية/كفر الزيات للسيطرة على الدلتا، ولم يفكروا في غزوها بالنزول في دمياط، مدركين دروس التاريخ، ومنها: هزيمة الحملة الصليبية الخامسة والحملة التاسعة وقد نزلتا بدمياط عامي 1219 و1249 للبلاد. كما لم ينزل الإنجليز في رشيد، وقد سبق أن لقن أهلها «حملة فريزر» درسًا قاسيًا في 1807م. وكما يقول سيد حامد: «كانت نقطة الضعف التي نفذ منها الإنجليز هي قناة السويس، مستغلين عدم وجود تحصينات بها، فدخلت سفنهم الحربية القناة من ناحية بورسعيد بسهولة، ثم تقدمت قواتهم البرية إلى التل الكبير، حيث جرت المعركة الفاصلة»، ولكنهم لم يجدوا موطئ قدم للراحة، ولا موردًا لتموين عساكرهم من أراضي «وادي الطميلات»، أو «تفتيش الوادي» لأنه كان قد صار وقفًا إسلاميًا من عهد إسماعيل.

لقد تأسست وقفية الوادي في ذلك السياق الذي أوضحناه. وارتبطت هذه الوقفية الكبرى منذ تأسيسها بالسياسات العامة للدولة المصرية. وأضحت موضوعًا قائمًا بذاته من الموضوعات التي تمت مناقشتها في مجلسي النواب والشيوخ طوال العهد الملكي؛ من أول برلمان في سنة 1924م، إلى آخر برلمان قبل ثورة يوليو/تموز سنة 1952م.

وفي مضابط مجلسي النواب والشيوخ وملحقاتها، ظهرت وقفية «تفتيش الوادي» في قسم مستقل من أقسام ميزانية وزارة الأوقاف، كما أعمل نواب المجلسين أدواتهم البرلمانية في شؤون هذه الوقفية من تقديم: أسئلة، وطلبات إحاطة، واستجوابات، وغير ذلك مما سجلته مضابط المجلسين بالتفصيل طوال العهد الملكي.

ومن ذلك مثلاً: ما ورد في مضبطة الجلسة الثامنة والخمسين لمجلس النواب بتاريخ 25 ذي القعدة 1342هـ/ 28 يونية/حزيران 1924م، (ص 720) بشأن الوقفيات على المدارس، ومنها وقفية الخديوي إسماعيل لوادي الطميلات بالشرقية. ومثال آخر: ما ورد في مضبطة الجلسة الحادية والخمسين لمجلس النواب بتاريخ غرة ربيع الأول 1345هــ/ 8 سبتمبر/أيلول 1926م، (ص876) تحت عنوان: «الباب السابع: تفتيش الوادي»  وهو أن إيراداته قدرت بمبلغ 66627 جنيهاً، مقابل 66377 جنيهاً في العام الماضي (1925م)، وأطيان هذا التفتيش الموقوف على المساجد والتعليم موزعة كالآتي: 8 أسهم، و23 قيراطًا، و13709 فدانًا مؤجرة ومجموع إيجارها لسنة 1926م مبلغ 63500 جنيهًا، و20 سهمًا 21 قيراطًا و70 فدانًا جناين ومشاتل تباع بمبلغ 1800 جنيه ، و592 فدانا أطيان من البور تحت الإصلاح، و4595 فدانًا أطيان بور، و12 سهمًا و10 قراريط، و1528 فدانًا منافع عمومية لأطيان الوادي.

ومثال آخر من ملحق مضبطة مجلس النواب بالجلسة الحادية والأربعين بتاريخ 21 جمادى الثانية 1363هـ/ 12 يونية/حزيران 1944م (ص1750)، تحت «القسم الرابع: ميزانية أوقاف الخديوي إسماعيل بالوادي»، وهو أن تلك الميزانية قدرت بمبلغ 128800 جنيهًا، بزيادة قدرها 16530 جنيهًا على تقديرات العام الماضي(1943م)، ثم أوردت المضبطة بقية تفاصيل إيرادات وقف الوادي ومصروفاته.

ومثال ثالث: ما ورد في ملحق مضبطة مجلس النواب بالجلسة 24 بتاريخ 24 جمادى الاولى 1366هـ/16 إبريل/نيسان 1947م (ص155)، تحت عنوان «أوقاف الخديوي إسماعيل بالوادي»، وهو أن إيرادات أوقاف الوادي في ميزانية السنة المالية 1943/1944م قدرت بمبلغ 112.270 جنيهًا، وقدرت مصروفاتها بمبلغ 82.670 جنيها، وقد بلغت الإيرادات الفعلية 116.452 جنيهًا، بينما بلغت المصروفات الفعلية 85.656 جنيهًا، وبذلك زادت الإيرادات على المصروفات بمبلغ 30.796 جنيهًا. وهذه الزيادة تصرف سنويًا لوزارة المعارف؛ لأن ريع هذه الوقفية مرصود على التعليم والمساجد.

وفي مضابط مجلسي النواب والشيوخ في العهد الملكي معلومات وبيانات وإحصاءات ومناقشات تخص وقفية الخديوي إسماعيل لتفتيش الوادي، وهي تصلح لكتابة رسالة علمية رصينة وفريدة من نوعها في هذا الموضوع. وفي تلك المضابط أيضًا ما يخص الأوقاف في مصر بصفة عامة، وهو يصلح أيضًا لعمل مجموعة رسائل جامعية، أو كتابة عدة مؤلفات تاريخية رصينة عن الوقف في مصر إبان تلك الحقبة. وإذا كان الخديوي إسماعيل قد أنهى حجة «وقف الوادي» بالتأكيد على أنه «صار من أوقاف الله الأكيدة»، وأنه «لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه الكريم صاير، أن يبدله أو يغيره أو يسعى في إبطاله»، وأن «من فعل ذلك أو شئياً منه، كان الله حسيبه وطليبه ومجازيه يوم التناد، يوم عطش الأكباد…»، فإن السؤال الأكبر اليوم هو: أين ذهبت وقفية الخديوي لـ «تفتيش الوادي»؟ وأين نصيب المساجد والتعليم وطلاب العلم من ريعها؟ والجواب هو: أن هذه المسائل «علمها عند ربي في كتاب».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.