في عام 589هـ، توفي صلاح الدين الأيوبي، تاركاً أبناءه وإخوته فريسة للفتن الداخلية والتنافس على السلطة، فتخلوا عن دورهم التاريخي في التصدي للصليبيين وتفرغوا لصراعاتهم، وانتهى الأمر بزوال الدولة الأيوبية وإقامة دولة المماليك.

ويروي جُرجي زيدان في كتابه «تاريخ مصر الحديث من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم»، أن السلطان صلاح الدين الأيوبي ركب لأداء مناسك الحج، لكنه عاد إلى منزله كسلًا، ثم أصيب بالحمى الصفراوية، وفي اليوم التالي أصبح أكثر كسلًا وضعفًا، وما زال المرض يتزايد يومًا وراء يوم إلى أن توفاه الله سنة 589ﻫ، عن عمر ناهز 57 عامًا.

وترك صلاح الدين من الأولاد 17 ذكورًا، وأنثى واحدة اسمها مؤنسة خاتون، التي تزوجت ابن عمها ناصر الدين محمد بن سيف الدين، الذي لُقب بعدئذ بالملك الكامل.

تقسيم الدولة الأيوبية

لما توفي صلاح الدين اقتسم أولاده وإخوته وأولادهم مملكته في ما بينهم، بناء على وصيته، غير أن الحصص لم تكن متساوية، لأن ثلاثة من أولاده أخذوا أكبرها، واقتنع الباقون بمقاطعات صغيرة، وتم كل ذلك بموافقة الأمراء، فتلقب نور الدين أول أولاد صلاح الدين بالملك الأفضل، وكان من نصيبه مملكة دمشق والشطوط البحرية وأورشليم والبصرة وبانياس وسوريا الغربية، ولُقب أبو الفتح غازي بالملك الظاهر غياث الدين، فأخذ حلب وجميع سوريا الشرقية ومن ضمنها حران وتل ياسر وعيراز ومنبج، ولُقب عماد الدين عثمان بالملك العزيز وتولى مصر.

ومن هؤلاء الأمراء الثلاثة تكونت ثلاث دول مختلفة، هي الدول: الأيوبية الحلبية والدمشقية والمصرية، كما ذكر زيدان.

 أما ما بقي من تلك العائلة فكانوا ولاة على بلاد أقطعهم إياها صلاح الدين، إلا أنها تحت سلطة هؤلاء الثلاثة. فسيف الدين أبو بكر المُلقب بالملك العادل بن أيوب وأخو صلاح الدين كان حاكمًا في الكرك والشوبك، وناصر الدين محمد الملقب بالملك المنصور بن تقي الدين عمر بن شاهين شاه أحد شقيقي صلاح الدين كان أميرًا على حماه والسلامية ومارا، وبهرام شاه الملقب بالملك الأمجد حفيد شاهين شاه أيضًا كان ملقبًا بملك الرها، وشمس الدولة طوران شاه بن أيوب الذي كان قد فتح اليمن بأمر أبيه سنة 569هـ كان قد أقام فيها مملكة، وكان أخوه توغتغن حاكمًا فيها تحت اسم الملك المعز.

معارك وصراعات عسكرية

دفعت هذه القسمة إلى تفرق كلمة أبناء وإخوة صلاح الدين الأيوبي، لرغبة كل طرف في الاستيلاء على نصيب الآخرين وضمه لحصته، ومن ثم نشبت بينهم المعارك والصراعات. ففي سنة 592ﻫ رأى الملك العادل صاحب الكرك والشوبك أن حصته قليلة ومنصبه حقير بالنسبة لغيره من الأسرة الأيوبية، فتواطأ مع الملك العزيز عثمان سلطان مصر على خلع الملك الأفضل نور الدين علي عن دمشق وتولية الملك العادل عليها وفعلاً تم ذلك بسهولة. ففرّ الملك الأفضل من دمشق إلى بغداد ملتجئًا إلى الخليفة الناصر لدين الله العباسي.

إلا أن الملك العادل لم يلبث أن شعر بتأنيب الضمير فأعاد الملك إلى ابن أخيه «الأفضل»، وتنازل أيضًا عن حصته الأصلية. وفي نفس الوقت لم يتمتع «العزيز» بالملك مدة طويلة، فتوفي في القاهرة سنة 595هـ، وكان ملكًا مباركًا كثير الخير واسع الكرم محسنًا إلى الناس يقرب أرباب الخير والصلاح، لكنه كان ضعيف الرأي سهل الانقياد قليل التروي.

وخلف «العزيز» ابنه ناصر الدين محمد، وكان عمره 8 سنوات فلقبوه بالملك المنصور، ثم استقدموا عمه الملك الأفضل من سوريا؛ ليكون وصيًّا على ملكهم الجديد، فقبل وجاء القاهرة ونودي به «أتابكًا»، أي وصيًّا على ابن أخيه، إلا أنه لم يتمتع بهذا المنصب، لأن عمه الملك العادل قدم بجيش جرار إلى القاهرة وبيّن حقوقه بالتوصية بناء على أنه جد الصبي الحاكم وعمُّ وصيه، فحاول الأفضل مقاومته فلم ينجح، فحاصره «العادل» في قصره بالقاهرة، ثم فر راجعًا إلى حكومته في دمشق مكتفيًا بما قسم له.

 ولما خلا الجو للملك العادل خلع الملك المنصور سنة 596هـ بعد أن حكم 21 شهرًا، وتولى سلطنة مصر وسوريا بنفسه، وخلع الملك الأفضل عن دمشق، وجعل جميع من بقي من الحكام الأيوبيين في الإمارات الصغيرة خاضعين لسلطانه، وفي جملتهم ابن أخيه الظاهر ملك حلب، فأصبحت مملكة صلاح الدين بعد أن انقسمت حصصًا مملكة واحدة تحت سلطان واحد، بحسب ما ذكر زيدان.

تقسيم جديد وفتن جديدة

الغريب، أنه بعد موت الملك العادل في 615هـ حدث ما حدث بعد موت صلاح الدين الأيوبي، إذ وزع مملكته بين أبنائه على أنهم نوابه. ففي دمشق المعظم عيسى، وفي مصر الكامل محمد نصر الدين، وفي ديار بكر ببلاد الجزيرة الأشرف موسى.

ويذكر الدكتور عبدالمنعم ماجد في كتابه «الدولة الأيوبية في تاريخ مصر الإسلامية 567-648هـ/ 1171-1250م)»، أن «الكامل» كان مثل أبيه «العادل» وعمه «صلاح الدين»، إذ سعى لإقامة الدولة الأيوبية الموحدة، فعمد إلى توحيد مصر مع سوريا وبلاد الجزيرة، واستولى على مدن إخوته وأقربائه، وساءت علاقته معهم، بخاصة مع أخيه المعظم عيسى في دمشق.

ولما توفي الكامل محمد سنة 635هـ، كان قد جعل العادل سيف الدين (الثاني) في سوريا ومصر، مع أنه الابن الأصغر له، فنازعه النفوذ أخوه الأكبر نجم الدين أيوب، الذي لُقب بالملك الصالح، وكان نائبًا لأبيه في حصن كيفا ببلاد الجزيرة، بخاصة أنه كان في أول أمره في ولاية عهده، وربما كان ينوي الخروج على أبيه بسبب ذلك.

وكان الموقف صعبًا بالنسبة لنجم الدين لتحقيق طموحاته في السلطنة في مصر، وهو في بلاد الجزيرة، إلا أنه لم يكن يقل عن غيره من الأيوبيين في تآمره ومشاحناته، فاعتمد في أول أمره على جند مرتزقة أتوا من خوارزم بعد أن انحلت دولتهم على يد المغول، وهزيمة ملكهم جلال الدين خوارزم شاه، وتفرقهم في جيوش الملوك الأيوبيين المتنافسين، بحيث أصبحوا يتحكمون في بلادهم.

وكان الملك الرحيم صاحب الموصل من أشد أعداء نجم الدين في بلاد الجزيرة، وبلغت كراهيته له أنه أراد أن يقبض عليه ويحمله في قفص ويسلمه إلى الخليفة في بغداد، غير أن نجم الدين كان قد سوى أموره في بلاد الجزيرة بالجند الخوارزميين، وبعد ذلك قرر تركها إلى دمشق، بعد أن ترك ابنه توران شاه مكانه في حصن كيفا في بلاد الجزيرة عام 636هـ، منتهزًا وجود نزاع بين العادل (الثاني) في مصر ونوابه في الشام، حيث كان نجم الدين يحرض هؤلاء النواب ضد العادل.

ويروي ماجد، أن نجم الدين اتجه إلى مصر في العام التالي، أي سنة 637هـ، وساعده في الاستيلاء عليها فخر الدين بن شيخ الشيوخ، أحد أفراد الأسرة الأيوبية، وكان يحقد على العادل (الثاني)، إذ سجنه لمكاتبته نجم الدين، فبويع لنجم الدين بالسلطنة في مصر ووصله التقليد والخُلع الخلافية.

وسُر الناس في مصر سرورًا كبيرًا بسلطنة نجم الدين، وزُينت له القاهرة وقلعة الجبل زينة عظيمة، ذلك لأن العادل الثاني لم يكن مهتمًا بمصالح الدولة قدر اهتمامه بالجواري والراقصات، وإقامة الولائم الفخمة في الميدان الأسود تحت قلعة الجبل، حيث صرف على هذه الأمور كل ما كان في خزائن الدولة من أموال. وبحسب ماجد، سجن نجم الدين أخاه العادل في القلعة في جبل المقطم، ثم أرسل إليه من خنقه في السجن.

صراعات نجم الدين مع أسرته

دخل نجم الدين في صراع مع أفراد أسرته، بخاصة مع ابن أخيه الصالح إسماعيل، ملك دمشق، الذي وليها منذ عام 637هـ، ومع ابن عمه الناصر داود أمير كرك في فلسطين، ومع الخوارزميين أيضًا، الذين أصبحوا تارة معه وتارة ضده. فحارب عمه الصالح إسماعيل بسبب سماحه لفرنجة عكا، وكانت أهم معاقل الصليبيين والباقية لهم من مدن الساحل في فلسطين، بدخول دمشق، وشراء السلاح، بل أعطاهم ما فتحه صلاح الدين من قبل، وسمح لهم بإقامة مراكز في بيت المقدس التي كان جدهم صلاح الدين استردها منهم بعسكره المصريين، بعدما اعتبر استردادها معجزة بسبب يأس المسلمين من رجوعها.

ويروي ماجد، أنه لما التقى عسكر نجم الدين مع عسكر الصالح إسماعيل ومعهم الفرنجة، فإن عسكر الشام انضموا طواعية للعسكر المصريين، وقاتلوا معهم الفرنج وهزموهم في معركة تل العجول، فاستولى نجم الدين على دمشق، وأحضر عمه أسيرًا إلى القاهرة، ثم عفا عنه.

الحملة الصليبية ووفاة نجم الدين

خلال فترات الاضطراب السياسي الذي شهدته الدولة الأيوبية، شن الصليبيون هجمات عديدة على كثير من المدن الساحلية في مصر والشام، على أمل الاستيلاء على بيت المقدس مرة أخرى، وكان من بين ذلك الإعداد لحملة صليبية سابعة على مصر عام 643هـ، في عهد نجم الدين، وذلك بتنسيق بين البابا أنوستت الرابع والإمبراطور الفرنسي لويس التاسع.

ويذكر سالم يونس محمد في دراسته «دور المماليك في إنهاء الحكم الأيوبي في مصر 648هـ/1250م»، أن الحملة انطلقت من فرنسا ونجحت في احتلال مدينة دمياط، وذلك رغم الاحتياطات والتحصينات التي قام بها الملك نجم الدين أيوب قبل وصول الحملة.

ولما توفي نجم الدين في 646هـ، استدعت زوجته شجرة الدر ولي عهده توران شاه، الذي كان في حصن كيفا ببلاد الجزيرة، وأرسلت إليه الأمير حسام الدين نائب السلطنة، والأمير فارس الدين أقطاي رئيس المماليك، والقاضي بدر الدين السنجاري، وبويع لتوران شاه بالسلطنة، ولُقب بالسلطان الملك المعظم، وإن قيل إن نجم الدين لم يكن راضيًا عنه، وكان ينوي تسليم مصر للخليفة العباسي في بغداد.

ومع ذلك، فإن النصوص التاريخية تبين أن توران شاه على عكس ما أشيع عنه من أنه خفيف وأهوج وسكير، كان مولعًا بمجالس أهل العلم، وعلى بينة بالفقه وأصول الدين، وكان يناقش العلماء فيما يعلمه ويفحمهم، وكان جده الكامل يحبه لذلك.

ومما ينفي عنه هذا الافتراء أيضًا، انتصاره الناجح على الفرنسيين وإلحاق هزيمة ساحقة بهم في موقعة فارسكور سنة 648هـ بأسلوب حربي متميز، أثبت بها أنه كان سلطانًا عظيمًا لمصر. ويذكر محمد، أنه ربما أتى تشويه سيرة توران شاه من قبل مماليك مصر الذين قتلوه للاستيلاء على الحكم.

ويذكر محمد، أن هناك أسبابًا دفعت المماليك لقتل توران شاه بعد انتصاره على الصليبين في معركة فارسكور، منها التفاف الناس حوله، كما أنه لم يمنح أمراءه ما يستحقون من الهبات والهدايا كما فعل في دمشق، فضلًا عن عدم وفائه للأمير أقطاي بتوليته إمارة حلب عند عودته من حصن كيفا، بل عمد إلى إرسال بعض أمراء المماليك إلى خارج مصر، ومنهم الأمير أقطاي، بحجة تبشير ملوك الدول المجاورة بنصره على الصليبيين، وفي نفس الوقت قرّب مماليكه الذين قدموا معه من حصن كيفا، مما أزعج مماليك والده، ويضاف لكل ذلك أيضًا مطالبته لزوجة أبيه شجرة الدر بأموال أبيه، مخالفًا بذلك وصية والده.

على كلٍ، قُتل توران شاه بيد مماليك والده نجم الدين أيوب، واستقروا على إقامة شجرة الدر في السلطنة، التي سرعان ما تنازلت عنها لأتابك عساكرها الملك المعز أيبك التركماني عام 648هـ لتعلن إقامة دولة المماليك.

المماليك وتأجيج الصراع داخل الأسرة الأيوبية

على مدار الصراعات والمشاحنات الداخلية التي شهدتها الدولة الأيوبية، كان المماليك حاضرين بقوة، بل ومحركين لكثير من الأحداث، وهو ما يرصده الدكتور جلال الدين حسني سلامة في دراسته «دور المماليك في الصراع بين أبناء البيت الأيوبي على السلطة (589 – 637هـ/ 1193- 1239م)».

ويرى «سلامة»، أن وجود المماليك في الدولة الأيوبية، وتعاظم نفوذهم فيها، يعود بالدرجة الأولى إلى المسؤولية الجسيمة التي أخذها السلطان صلاح الدين الأيوبي على عاتقه بعد إطاحته بالحكم الفاطمي في مصر سنة 567هـ، ومطاردة أتباع المذهب الشيعي وتصديه لمناوئيه وخصومه من آل زنكي في بلاد الشام، إلى جانب تحرير بيت المقدس من أركان المملكة الصليبية.

وكان لزامًا على صلاح الدين أمام ثقل هذا المشروع، والتحديات الداخلية والخارجية، أن يلجأ إلى استقطاب أكبر عدد من طائفة مماليك عمه أسد الدين شيركوه، التي عرفت بـ«الأسدية»، واستطاع أن يكسب ودهم وطاعتهم له.

كما استجلب مجموعات أخرى جديدة من المماليك ودمجهم في صفوف جنده وقواته الموالية له، ومنح من صدق في ولائه وإخلاصه في القتال إلى جانبه ألقابًا ورتبًا تشير إلى رفعة مكانته وعلو منزلته ومشاركته في اتخاذ قرارات في الجوانب السياسية والعسكرية.

وعُرفت طائفة المماليك التي نالت حظوتها واهتمامها من قبل السلطان صلاح الدين الأيوبي باسم طائفة المماليك الصلاحية، والتي أسهمت في ترتيب أوضاع الدولة الأيوبية سياسيا وعسكريا، وتُوجت جهودها بالانتصار على القوات الصليبية في معركة حطين الشهيرة عام 589هـ.

ويرى «سلامة»، أن خطوة صلاح الدين بتقسيم أملاك الدولة الأيوبية بين أبنائه، وما ترتب عليها من عدم رضى كل واحد بنصيبه، سمح للطوائف المملوكية، على اختلاف جنسياتها وميوله، بالوقوف إلى جانب كل واحد من الإخوة واستعدائهم على بعضهم البعض، فسارع كل منهم إلى كسب ولاء المماليك وطاعتهم بإغرائهم بتقلد مناصب عليا وحساسة في الدولة.

وإلى جانب ذلك، أغدق ملوك بني أيوب وأمراؤهم أموالًا طائلة في سبيل استجلاب أعداد كبيرة من المماليك، ممن عرفوا بدراية الحرب والفروسية، ونُسبت كل طائفة منهم إلى الملك أو الأمير الذي عكف على شرائها، ونالت منه كل رعاية واهتمام، ومنها على سبيل المثال – طائفة «الافضلية» التابعة للملك الأفضل نور الدين، وطائفة «العدلية» التي تبعت الملك العادل، و«الصالحية» نسبة للملك الصالح نجم الدين أيوب، وهكذا.

وكثيرًا ما انقلب بعض كبار الأمراء المماليك على الملك أو السلطان التابعين له، ليلتحقوا في صفوف آخر، ويثيروا فيه الحقد والكراهية ويدفعوا به إلى محاربته، ومن ذلك الأمير المملوكي فارس الدين ميمون القصري، وشمس الدين سنقر الكبير، وغيرهم من الذين فروا من ديار الأفضل الشامية إلى العزيز عثمان في مصر، فأشعلوا نار الحرب بينهما.

ولعل هذا الأمر أسهم عن قصد أو غير قصد في انتقال مقاليد حكم الدولة الأيوبية إلى الملك العادل وأبنائه، الذين ساروا على خطى أبناء عمهم السلطان صلاح الدين الأيوبي، حين استعانوا هم الآخرون بالأمراء المماليك في نزاعاتهم وخصوماتهم، الذين واصلوا هذا النهج، كما حصل مع الملك العادل الثاني الذي قدموا له الدعم والمساندة ضد أخيه السلطان الصالح نجم الدين أيوب، ولكن ما لبثوا أن عادوا عن قرارهم هذا ووقفوا إلى جانب الأخير، عندما حاول الملك العادل الثاني أن يحد من نفوذهم أو يسعى إلى استبدالهم في محاولة منه لإفشال طموحاتهم في التدرج في إنهاء حكم البيت الأيوبي.

ويذكر سلامة، أن السلطان نجم الدين أيوب أدرك مدى الخطورة التي بات أمراء المماليك وأتباعهم يشكلونها على الدولة، فعندما استتبت له الأمور أخذ بملاحقتهم ومطاردتهم، حتى أولئك المقربين منه الذين كانت لهم اليد الطولى في تدبير انقلابه على أخيه العادل، وتولية سدة الحكم في الديار المصرية، لذا فكروا في الإطاحة به، لكن مرضه وقدوم الحملة الصليبية السابعة على مصر دفعهم لتأجيل مؤامرتهم، وانتهى الأمر بقتلهم لابنه توران شاه، وانتقال السلطنة لزوجة نجم الدين شجرة الدر، ثم إلى المماليك.

محاولات أيوبية لاسترجاع الدولة

غير أن استيلاء المماليك على الحكم لم يمر دون استفزاز أمراء البيت الأيوبي في الشام والجزيرة، فتوحدوا تحت قيادة صاحب حلب الناصر يوسف، الذي عرض على لويس التاسع ملك فرنسا – وكان مقيمًا في عكا بعد إخراجه من مصر – التنازل عن القدس مقابل مساعدته في استرجاع مصر من النفوذ المملوكي.

ويذكر الدكتور إبراهيم بيضون في كتابه «الصراع على الشام في عصر الأيوبيين والمماليك»، أن ظروف الملك الفرنسي لم تكن مؤاتية لذلك التحالف، لا سيما أن السلطان المملوكي عز الدين أيبك هدده بقتل الأسرى الفرنسيين المتبقين لديه، الذين كانوا رهنًا لسداد باقي الفدية عن إطلاق سراحه بعد أسره في موقعة المنصورة، فآثر الوقوف على الحياد.

وإزاء ذلك، شن الأيوبيون حملة توغلت مسافة في مصر، قبل أن تندحر على يد المماليك في معركة العباسية عام 649هـ، وتنهار معها آمالهم في العودة إلى هذه البلاد، فقد سارع الخليفة العباسي المستعصم – وقد أثارت مخاوفه حينذاك بوادر الزحف المغولي باتجاه العراق- إلى التدخل وحمل الطرفين على إنهاء الصراع بينهما، والاتفاق على صلح تحت إشرافه، يقضي بتكريس السيطرة المملوكية على مصر إضافة إلى أجزاء من جنوب الشام، على أن تبقى الأجزاء الأخرى في الأخيرة خاضعة لنفوذ الأمراء الأيوبيين.