بالتأكيد، لم أقدم على تنفيذ ركلة الترجيح ضد ألمانيا الغربية بحثًا عن الشهرة. اعتقدت أن ركل الكرة بهذه الطريقة كان الحل الوحيد للتفوّق على حارس المرمى. 
أنطونين بانينكا، لاعب منتخب تشيكوسلوفاكيا السابق. 

بمجرد البحث عن اسم «بانينكا»، نصطدم بمئات ركلات الجزاء المُسددة بارتفاع متوسط لمنتصف المرمى بطريقة جمالية. هذا هو إرث نجم منتخب تشيكوسلوفاكيا، الذي أخذ على عاتقه مقارعة «سيب ماير»، حارس مرمى ألمانيا الغربية، في نهائي كأس الأمم الأوروبية عام 1976. 

بالنسبة للجماهير، بدأ تاريخ «أنطونين» وانتهى بهذه اللحظة، حيث تم تجاهل مسيرته التي امتدت لأكثر من 20 عامًا، واختزالها بلقطة واحدةٍ. فلماذا حدث ذلك؟ 

زيزو: كما يقول الكتاب

ديفيد بيكهام، جونينيو برنامبوكانو، روجيريو سيني، أنطونين بانينكا وأحمد سيد «زيزو». هل يمكنك أن تُخبرنا أول كلمة طرأت على ذهنك عند سماع هذه الأسماء؟

دعنا نجيب نيابة عنك، غالبًا قام عقلك بتصنيف هؤلاء كلاعبين متخصصين، سواءً في التسجيل من ضربات حرة، أو ركلات جزاء، على الرغم من امتلاك كل اسم من هذه الأسماء لمسيرة تتعدى كونه مجرد منفّذ جيد للمواقف الثابتة. صحيح؟ 

دعنا نصب تركيزنا على الاسم الأخير، نجم الزمالك المصري مثال نموذجي للقياس، فاللاعب الذي انتقل للقلعة البيضاء بشتاء عام 2019، نجح في تصدّر المشهد تمامًا آخر موسمين على أقل تقديرٍ؛ والسبب الرئيسي في الصيت الذي حظي به لم يكن متعلقًا بمدى جودته كجناح سريع، يمتلك قدرة على إرسال عرضيات مُتقنة، بل قدرته الممتازة على تحويل ركلات الجزاء التي يحصل عليها فريقه لأهداف.

بل إن الأمر تطور ليصبح «زيزو» أحد أفضل مسددي ركلات الترجيح في المنتخب المصري، مناصفةً مع «محمد صلاح»، نجم ليفربول الإنجليزي وقائد المنتخب المصري. 

في الواقع، لا نعلم إن كان «زيزو» قد سبق له وأن قرأ كتاب «Twelve Yards: The Art & Psychology of the Perfect Penalty»، لمؤلفه الإنجليزي «بين ليتلتون»، لكن على كُل حال، يطبّق لاعب منتخب مصر كل النصائح التي ذكرت داخل الكتاب بحذافيرها. 

لتنفيذ ركلة جزاء مثالية، نصح «ليتلتون» المُسدد بضع نصائح مهمة؛ منها انتظار تحرُّك حارس المرمى، تجاهل قيمة المنافس، التركيز على لغة الجسد، عدم التسرّع في التسديد، امتلاك إستراتيجية واضحة لتنفيذ الركلة، وأخيرًا تذكُّر أن حارس المرمى قد يبقى ملازمًا لمنتصف المرمى. 

خلال تصريحاته الإعلامية، أوضح «زيزو» حقيقة امتلاكه لطقوس محددة قبل مواجهة أي حارس مرمى، تتفق ضمنيًا مع النصائح أعلاه، إضافة لدراسته لخصومه المتوقعين، وهو ما يمنحه أفضلية نسبية على الحراس -حسب وجهة نظره. 

يعود تاريخ إهدار أحمد سيد زيزو لركلة جزاء إلى موسم 2014/2015. 
موقع ترانسفير ماركت للإحصائيات.

وعي الجمهور

نظرًا لإتقان «زيزو» تسديد ركلات الجزاء، حظي بثقة «كارلوس كيروش»، المدير الفني لمنتخب مصر، الذي لم يجد حرجًا في إشراكه بديلًا لمحمد شريف، مهاجم الأهلي المصري، في آخر دقائق الوقت الإضافي لمباراة منتخب مصر ضد الكاميرون بنصف نهائي كأس الأمم الأفريقية 2021، بعد دقائق معدودة من مشاركة الأخير، في حدث أسال الكثير من الحبر، قبل أن يكافئ الأول مدربه -كالعادة- بتنفيذ متقنٍ جديد. 

هنا يجب أن نتوقف للحظة، هل تحوَّل «أحمد سيد «زيزو» لمُجرّد لاعب يستعان به في لحظات محددة؟ بالطبع لا، لكن الجماهير والصحافة قررت طواعية أن تضعه في قالب محدد، فلماذا يحدُث ذلك؟ 

تمتد مباراة كرة القدم لـ90 دقيقة، وهي فترة زمنية طويلة مقارنةً بالألعاب الجماعية الأخرى، حيث يفشل المتابع عادةً في تذكُّر كافة أحداثها عند مشاهدة البث المباشر، بالتالي يلجأ المتابعون لاختزال المباريات في بعض اللحظات الرئيسية، التي يمكن أن تُعبر -بشكل ما- عن مجريات المباراة. 

في مقال نُشر عام 2019، أوضح المؤرخان الرياضيان الهنديان «كوسيك بانديوبادياي» و«سوفيك ناها» دور اللحظات الحاسمة من تاريخ كرة القدم في خلق ذكريات الجماهير. 

ولأن تاريخ كرة القدم واسع جدًا، يستحيل التعامل معه ككتلة واحدة، من هنا يلجأ المتخصصون؛ مثل الصحافة، الإعلام وحتى المتابعين الشغوفين باللعبة للتفكير ببعض اللحظات الرئيسية من التواريخ المحلية أو الوطنية وإسقاطها على فترة زمنية بعينها. 

حسب وجهة نظرهما، تنشأ من هنا مسألة تفضيل بعض الأشخاص لأحداث بعينها على أخرى، ومن ثم تقديم سرد يختصر هذه الفترة، وهو ما يضعنا أمام معضلة جديدة؛ وهي تعقيد مسألة فهمنا لتاريخ اللعبة وتفسير أحداثها، حتى وإن شاهدناها مباشرةً. 

لأننا بشر

ربما تكمُن متعة كرة القدم في هذا الاختلاف بنظرة كل مشجع عن الآخر في رؤيته لحقيقة التاريخ، ولأننا بشر، نمتلك ذاكرة لا إرادية، لا نستطيع استرجاع شريط حياتنا وقتما نشاء، تظل ذكرياتنا مرتبطة بقوة بالأحداث التي نراها مهمة. 

وبإسقاط هذه الفكرة على مباراة كرة القدم، ربما لن يهتم المشجع كثيرًا بمدى جودة «روجيريو سيني» كحارس مرمى، مقارنة بمهاراته في تنفيذ الضربات الثابتة، وقد لا يكترث أيضًا بمسيرة «بيكهام» و«جونينيو» الحافلة بالإنجازات لنفس السبب. هذا هو المصير الذي نخشى أن يلقاه «أحمد سيد زيزو»، وربما حذرّه منه «بانينكا» دون أن يقابله وجهًا لوجه. 

يعلم «بانينكا» في قرارة نفسه أن على الرغم من أن ركلته الرائعة ضد «ماير» قدّمت له أضعاف الشهرة التي كان ليحظى بها إن لم يسددها بهذه الطريقة، فإنها في نفس الوقت، محت كل إنجازاته الشخصية، التي فضّل أن يتذكرها المتابعون، خاصة وأنه لم يكن مهتمًا آنذاك سوى بتحقيق انتصار لبلده، أيًا ما كانت الطريقة. 

بالتالي، وإذا قررنا إجراء حوار خيالي ما بين «زيزو» و«بانينكا»، ربما ينصح التشيكي نظيره المصري بنصيحة واحدة؛ وهي أن يُهدر ركلة الجزاء القادمة، حتى لا يتحول في نهاية المطاف لمجموعة من ركلات الجزاء المجمعة في مقاطع مصورة، لا تتعدى مدتها بضع ثوانٍ.