بتلك الجملة، اختار جمهور برشلونة الدخول لملعب الكامب نو حاملًا لافتة كُبرى تتوسطها صورة للملك الأرجنتيني «ليو ميسي». اللافتة لم تكن سوى تعبير عن رؤية جمهور البلوجرانا لوضعية فريقهم الحالية. فبرشلونة الذي مر بموسم سيئ العام الماضي، وخسر الليجا والسوبر المحلي، وودّع البطولة الأوروبية مبكرًا، هاهو يستعيد توازنه مرة أخرى هذا العام، وينجح في بسط نفوذه محليًا بمسابقتي الدوري والكأس، ويتمكن من العبور لدور الثمانية بدوري الأبطال؛ وهذا كله كان أهم أسبابه هو «ميسي» نفسه.«أنطونيو كونتي» مدرب تشيلسي أرجع حسم المباراة بتلك النتيجة الثقيلة، ومرور برشلونة على حساب البلوز، للفارق الذي صنعه «ميسي» ذهابًا وإيابًا، فقد سجل ثلاثة أهداف من أصل أربعة هزّت شباك «كورتوا»، غير أن الهدف الرابع نفسه جاء عبر صناعة خالصة للأرجنتيني. باختصار كان «ميسي» هو عامل الحسم حينما يبدو في أشرس وأفتك صوره، ولولا وجوده، يدعى «كونتي»، لاختلفت الأمور كثيرًا وربما مر رفاق «أزبيليكويتا» إلى ربع النهائي، وربما عاد الإيطالي إلى إنجلترا برأس مرفوع، وربما استقبلته في شوارع لندن موجات زرقاء تهتف باسمه، وربما عرض عليه مالك تشيلسي «أبراموفيتش» عقدًا للتجديد، وربما وربما وربما. لكن شيئًا من هذا كله لن يحدث، بل إن الأقرب للتحقق هو النقيض من كل ذلك، وقد تتسبب النتيجة في حسم إقالة «كونتي» بعد موسم سيخرج فيه تشيلسي خالي الوفاض على الرغم من أنه لم يقدم أداء هزيلًا أمام الكتلان!

قبل صافرة البداية

ربما لم يكن هناك حادث مثير يخص الفريقين بين مبارتي الذهاب والعودة، بقدر ما كانت تصريحات «كونتي»، تحديدًا تلك التي أطلقها عقب تأهل يوفنتوس على حساب توتنهام من ملعب ويمبلي. إذ خرج الإيطالي قبل يومين من مباراة فريقه المرتقبة في كتالونيا مادحًا خبرة لاعبي اليوفي، وقدرتهم على قلب الطاولة أمام خصم قوي مثل توتنهام، لكنه في الوقت نفسه استبعد أن ينجح لاعبوه في تكرار الأمر أمام برشلونة، والسبب في ذلك كما يفسره «كونتي» لا يعود فقط لقوة البلوجرانا، ولكن لأنه لا يرى أن لاعبيه يمتلكون من الخبرة والقدرة على الحضور الحاسم في مباراة كتلك مثلما يفعل لاعبو «أليجري»! هذا التصريح، الذي كان صادمًا لقطاع لا بأس به من محبي الأزرق اللندني، لم يكن الهدف منه التمويه أو المناورة. فبالنظر لقائمة لاعبيه الأساسية ستجد أن كثيرًا من العناصر بالفعل لا تمتلك خبرة أوروبية كبيرة، لكن أن يخرج المدرب ليصرح بهذا الأمر علانية قُبيل المباراة بساعات فهذا لن يعود غالبًا على رفاق «هازارد» بالنفع.عمومًا هذا التصريح المتشائم لم يمنع «كونتي» من استنفاد ما يمتلك من أدوات، فعاد مجددًا لأسلوب لعب 3-4-3 مع دخول المهاجم الفرنسي «أوليفيه جيرو» على حساب «ألفارو موراتا» والإبقاء على باقي القوام الأساسي، أما نظيره «إرنستو فالفيردي» فقد اختار أن يلعب برسم 4-4-2 في صورته الكلاسيكية بوجود كل من «عثمان ديمبيلي، أندريس إنيستا» على الأطراف، وتمركز الثنائي «بوسكيتس، راكيتيتش» في عمق الملعب، خلف الثنائي «ميسي، سواريز».
برشلونة، تشيلسي، دوروي أبطال أوروبا، ميسي، سواريز، هازارد.
تشكيل الفريقين، المصدر: www.whoscored.com

الشوط الأول: أن تخطئ أمام ميسي

من خلال اختيارات «كونتي»، بدا أن تشيلسي لن يتمترس حول مرماه طوال عمر اللقاء، بل سيصعد الثنائي «ألونسو، موسيس» لتقديم الدعم الهجومي في الثلث الأخير إلى جوار «ويليان، هازارد»، وهو أمر منطقي للغاية بالنظر لحاجة تشيلسي لتسجيل هدف واحد على الأقل. لكن بقي سؤالان يواجهان «كونتي»؛ الأول هو: إلى أي مدى يمكن للثنائي «فابريجاس، كانتي» الصمود أمام رباعي وسط برشلونة الذي يعاونهم «ميسي»؟ هل مستويات ثلاثي الدفاع كافية لدرء شر مرتدات تنتظرها سرعة «ديمبيلي» وشراسة «سواريز»؟ أما السؤال الثاني فكان: هل يمتلك تشيلسي عامل الحسم الهجومي الكافي أمام مرمى «تير شتيجن» الذي يمكنه ترجمة مجهودات «هازارد، ويليان» إلى أهداف؟ بالطبع كان أبعد ما يتمناه جمهور تشيلسي أن يكون «كونتي» قد أجاب بالفعل على السؤالين السابقين بتصريحاته المتشائمة! على العموم لم تتأخر الإجابة العملية على أرضية الملعب، فخلال العشرين دقيقة الأولى كان قد تحقق لـ«فالفيردي» ما يريده بالتحديد. نجح الثنائي «راكيتيتش، بوسكيتس» في فرض السيطرة على دائرة الملعب، وسمحا بصعود «البا، وروبيرتو» للمساندة الهجومية، في المقابل كان الثنائي «أومتيتي، شتيجن» يقومان فيما أجادا فيه عبر الموسم، وهو النجاح في حماية العرين الكتالوني أمام أي تهديد، والأهم لـ«فالفيردي» من كل ذلك هو أن يقوم أي من مدافعي تشيلسي بخطأ واحد فقط أمام «ليو» ليزيد من تعقيد مهمة «كونتي»؛ لم يحصل «إرنستو» على خطأ واحد، بل خطأين!تقول الأرقام إن العشرين دقيقة الأولى شهدت على قيام ثنائي وسط برشلونة بـ48 تمريرة، في مقابل 20 فقط لثنائي تشيلسي، بينما سدد هجوم الضيوف على المرمي تسديدتين، الأولى من خارج المنطقة لـ«ويليان»، والثانية لـ«هازارد» اصطدمت بالدفاع الكتالوني، وتحولت في غمضة عين لهدف معاكس، أما الهجوم البرشلوني قد سدد مرتين تحولا لهدفين!
دوري أبطال أوروبا، برشلونة، تشيلسي، بوسكيتس
تمريرات الثنائي بوسكيتس وراكيتيتش في العشرين دقيقة الأولي تشير لإنتشار في عمق الملعب. المصدر: موقع www.whoscored.com

الهدف الأول جاء نتيجة سوء تمركز وغفلة غريبة من «ماركوس ألونسو»، عندما ترك الإسباني أخطر من في الملعب يتسلل دون مقاومة خلفه بعد أن أخفق بتشتيت الكرة، ثم أخطأ زميله «كريستنسن» في ملاحقة سواريز الذي هرب ليمرر الكرة للأرجنتيني من جديد، ليو كان على موعد مع خطأ ثالث لا يغتفر للحارس البلجيكي كورتوا. في أحيان كثيرة ينجح ميسي في التسجيل عن طريق خطأ بسيط من الخصم، فما بالك بخطأ مركب؟أما الهدف الثاني الذي انتهى عند أقدام ديمبيلي، كان قد بدأ بخطأ غريب من فابريجاس، الذي قدم واحدة من أفقر مبارياته، عندما فشل بتشتيت الكرة وتباطأ في التمرير قبل أن ينقض عليه ليو الذي سيقدم فاصلًا سريعًا من المراوغات لـ «كريستنسن» ثم أزبيليكويتا، ثم يمرر في المساحة الخالية من تغطية ألونسو لزميله الفرنسي. سجلوا هدفين من تسديدتين فقط!

تسديدات برشلونة وتشيلسي خلال العشرين دقيقة الأولي. المصدر: www.whoscored.com

لم يكن أمام كتيبة كونتي شيء لتخسره، بل كان أمامهم خيار وحيد وهو محاولة تهديد مرمى شتيجن من أجل تسجيل هدف واحد قبل نهاية الشوط الأول، واللعب خلال الشوط الثاني على إحراز هدف التعادل الذي سيمنحهم بطاقة التأهل، لذلك اندفع الثنائي «هازارد، ويليان» في المساحة خلف الأظهر وبالأخص «روبيرتو» لصناعة فرص خطيرة. تشيلسي سدد 5 مرات على المرمى منذ هدف ديمبيلي، ثلاث تسديدات منها كادت تكون أهدافًا محققة عن طريق توغل «كانتي» وضربات «ألونسو»، ولو تحولت إحدي تلك الفرص لأهداف لكان من الممكن أن يتغير خط سير المباراة تمامًا، لذلك من المهم الإشارة إلى أن تشيلسي كان قليل الحظ ذهابًا وإيابًا وهذا لا يقلل من استحقاق برشلونة في الأخير.

الشوط الثاني: تشيلسي بلا أنياب

برشلونة، تشيلسي، دوري أبطال أوروبا، ميسي.
برشلونة، تشيلسي، دوري أبطال أوروبا، ميسي.
من المثير تأمل رد فعل «كونتي» عندما يطالع تفاصيل أرقام فريقه بالشوط الثاني، فلاعبو البلوز قد دخلوا الشوط الثاني وهم الأفضل بعد أن زاحموا برشلونة على الاستحواذ، وفازوا بأغلب الكرات المشتركة، ووصلوا بالفعل لمنطقة جزاء «شتيجن» أكثر من مرة، لكن فاعليتهم لم تكن كافية أبدًا لهز شباكه! ثنائي الوسط اللندني ظهر بشكل أفضل في الشوط الثاني، خصوصًا بعد خروج «إنيستا، وبوسكيتس»، فبدا «كانتي» أكثر نشاطًا، و«فابريجاس» أكثر حضورًا في صناعة الهجمات، الثنائي حقق 71 تمريرة أغلبها في مناطق برشلونة، في المقابل قام كل من «راكيتيتش، بوسكيتس، إنيستا، جوميز، باولينو» بـ72 تمريرة، وقد قام «كانتي» بـ6 عرقلات، نجح في الحصول على الكرة منهم جميعًا، بل إن لاعبي تشيلسي فازوا بكل الكرات الثنائية مع خصمهم، ونجحوا في استخلاص الكرة بشكل أفضل من الشوط الأول، لكن كل ذلك لم ينعكس أبدًا على فاعلية تشيلسي الهجومية؛ لقد كان فريقًا بلا أنياب في مباراة بأشد الحاجة لأهداف خاطفة!
برشلونة، تشيلسي، دوري أبطال أوروبا.
تمريرات الثنائي كانتي وفابريجاس في الشوط الثاني، أغلبها في مناطق برشلونة. المصدر: موقع WHOSCORED.
رفاق «ويليان» قاموا بتسع تسديدات كاملة على «شتيجن» في الشوط الثاني، لكن ثلاثًا فقط منها على المرمي وبين الثلاث خشبات، الأكثر من ذلك أن الثنائي الهجومي «جيرو، موراتا» لم يسددا ولو مرة واحدة على المرمى، بينما قام المدافع كـ«روديجر» بإطلاق تسديدتين، واحدة منهما ارتطمت بالقائم وكادت تعلن الهدف الأول!
برشلونة، تشيلسي، دوري أبطال أوروبا.
تشيلسي قام بـ9 تسديدات، ثلاث منها فقط على مرمى شتيجن، بينما قام برشلونة بـ4 تسديدات، جميعها على المرمى. المصدر: موقع WHOSCORED.

في المقابل كان لاعبو «فالفيردي» أكثر فاعلية، حتى وإن تراجعوا قليلًا على صعيد الاستحواذ عن الشوط الأول، تقول أرقام موقع whoscored إن برشلونة قام بأربع تسديدات خلال الشوط الثاني، جميعها على المرمى وبين الثلاث خشبات، إحداها تحوّلت لهدف بعد مراوغة عبقرية للأرجنتيني الذي كرر الأمر مجددًا وسدد بين أقدام «كورتوا» معلنًا قتل المباراة نهائيًا. «ميسي» بالتأكيد حصل على التقييم الأعلى، و كان رجل المباراة الأول، وربما يكون رجل الموسم إن استطاع أن يقود فريقه لثلاثية جديدة؛ يستحق فعلًا هذا اللافتة التي كست مدرجات الكامب نو.