وصل الإسباني «إرنيستو فالفيردي» إلى رأس القيادة الفنية في برشلونة في صيف 2017 خلفًا لمواطنه «لويس إنريكي». قبل ذلك بأعوام بسيطة كان إرنيستو محط إعجاب كل من «يوهان كرويف» و«بيب جوارديولا»،اللذين انهالا عليه بالمدح فيما يخص قدراته التدريبية، فكيف لشخص ينال استحسان اثنين ممن تكمن فيهما الجينات الرئيسية للحمض النووي الأصيل للـ«بلوجرانا» أن يضع هوية النادي على المحك بهذا الشكل؟

حينما غادر اليونان بعد فترة نجاح منقطعة النظير رفقة أوليمبياكوس، خرج بيب بتصريح غريب عنه، ربما لم يتفكر أحد إداريي برشلونة فيما بين سطوره قبل أن يصدروا القرار النهائي بالسعي وراءه ومن ثم تعيينه.

لقد خسرت اليونان مدربًا جيدًا، واستفادت إسبانيا من عودة مصور فوتوجرافي ممتاز.

تصريح سابق للمدرب الإسباني «بيب جوارديولا» عن مواطنه «إرنيستو فالفيردي».


تاريخ قديم للواقعية

في عام 1986،بدأ فالفيردي دراسة التصوير الفوتوجرافي في معهد «دي ستوديو فوتوجرافيك دي كاتالونيا»، وكانت هذه أول علاقة له بالإقليم واستمرت حتى بات لاعبًا في الفريق الأول بعد ذلك بعامين ولمدة موسمين.

بين عامي 2004:2012، تمكن ذلك المصور غير المشهور من التقاط 66 صورة بالألوان السوداء والبيضاء، جمعت بين حياته داخل وخارج كرة القدم. وبرغم أن هذه الهواية أو الشغف لم يتأثرا بحبه لكرة القدم، لكن كان من الممكن بواسطة هذه الصور أن تكتشف شخصية ما وراءها.يؤكد «برناردو أتكساجا»، الناقد الفني، أن في صور فالفيردي ما هو أعمق مما تبدو عليه من الوهلة الأولى، إنها توضح إحساسًا بالخوف، الصبر والصدفة.

3 معانٍ يمكنك أن تراها إما في صور فالفيردي الغريبة أو في طريقة لعبه رفقة برشلونة الأغرب. هدم بطريقة اللعب الجديدة كافة الأسس التي وضعت منذ سنوات معتمدة على رسم 4-3-3 وذلك من أجل التحول لـ4-4-2 بصورتها المسطحة. رباعي دفاعي كالمعتاد لكن بدون منظومة واضحة، وأجنحة لا تبدو كأجنحة في الغالب، في حالة كان راكيتيتش أو إنييستا أو حتى كوتينيو في خط الوسط، مع محورين بأدوار دفاعية بشكل أكبر ثم ميسي وسواريز في المقدمة.

يمكن القول إن ذلك الرسم يُعد اضطراريًا بعض الشيء. في البداية كان رسم 4-3-3 هو المسيطر لكن خلاله أظهر الفريق فشلًا واضحًا في بناء الهجمة على الأطلال المتبقية من مجد إنييستا وخلل أكثر من واضح في الشقوق الدفاعية بعد مستوى بيكيه خلال السنوات الأخيرة، وعليه جاءت فكرة نقل المعركة إلى منتصف الملعب لكن بالاعتماد على الأحاسيس الثلاثة: الصدفة، الخوف والصبر.

أولًا: الخوف، يظهر جليًا في الدفاع، برشلونة، صدق أو لا تصدق، يتقهقر دفاعيًا للخطوط المتأخرة بلا حيلة للذود عن مرماه إلا من خلال قوة أومتيتي وشتيجن؛ بمعنى أن الزيادة العديدة في منتصف الملعب كان غرضها الزيادة للرهبة من الخصوم وليس لمنظومة محددة.

ثانيًا: الصبر، الذي يتعاظم في كل لقاء ترى فيه المدرب ينفذ نفس الأشياء بصبر وهدوء مبالغ فيهما جدًا، حتى بنفس العناصر القديمة بالرغم من قدوم عدة عناصر تخدم الشكل الذي يُفضل، والصبر الغريب في انتظار نتائج مختلفة في كل مرة.

أما ثالثًا: الصدفة، وهي ميسي.


الكل يبدأ وينتهي عند ميسي

بعد التحول إلى 4-4-2 انتقل ميسي مرة أخرى من طرف الملعب إلى قلبه في محاولة لاستغلال قدراته في صنع الفارق في شقين: الأول، بناء اللعب لتعويض رحيل إنييستا أو ضعف مستواه في حال كان موجودًا، والثاني، في تجمع كل الخطورة الهجومية في شخصه.

يشارك ميسي بجانب سواريز في مركز «المهاجم الخفي- False 9»، مطلوب منه بشكل دائم التواجد فوق ثنائي المحور ليصبح أول لاعب يستلم الكرة من نقطة متأخرة في الملعب في مرحلة بناء اللعب الطبيعية النادرة، ثم توزيع اللعب على أحد طرفي الملعب لمدة مؤقتة لحين استلامها في الربع الأخير من الملعب لصناعة الفارق.

أما في الحالة الأكثر شيوعًا، وهي الحالة المرتدة، فهو تكتيك فالفيردي المفضل بالنسبة لـ«ليو». الأخير كان قد خرج بتصريح ينضم لسلسلة طويلة من الدفاع غير المبرر عن المدرب الإسباني. الأرجنتيني كان قد أكد أنه يشعر بقوة خارقة في ظل تكتيك المدرب الحالي للفريق، بناءً ذلك التصريح إجمالًا يقوم على التراجع الذي يقوم به الفريق مؤخرًا.

ميسي يتواجد بجانب آخر لاعب في الملعب، وهو سواريز، بالتالي أدواره الدفاعية تنتهي بمجرد خروج الكرة من حدود نصف ملعب الخصم. أما في حال نجح أحد أفراد وسط الملعب أو الدفاع في قطع الكرة فإن ميسي في وضع أمثل، هو والكرة والمساحة، الخصم في مشكلة كبيرة الآن بالطبع!

الملخص، أن عامل الصدفة الذي يصف الشكل الهجومي لبرشلونة في ظل نمط فالفيردي، تتعاظم أكثر من 60% منه في قوة ميسي، بالتالي فإن كان الأخير في غير حالته، تجد الفريق أكثر بؤسًا مما تعتقد، أو بالأحرى على صورته الحقيقية.


فالفيردي النموذج الأمثل لأرباح أكبر

برشلونة، فالفيردي، أرتورو فيدال، مالكوم،
من اليمين: مالكوم، أرثر، فيدال ولينجلت.. صفقات برشلونة لصيف 2018

الأمور كلها تقودنا لرحيل فالفيردي، إما بنهاية الموسم أو حتى قبل النهاية بشهور. وبالنظر إلى كل الأسماء المرشحة، وبدون أدنى مجهود، ستكتشف أن إدارة الـــ«بلوجرانا» قد أخطأت بشكلٍ جسيم في تعيين إنريكي في الفترة ما بعد برشلونة-بيب، حيث كان الوحيد الذي لا يسمح بالتدخل الإداري الفج في القرارات وفيما يخص عمليات بيع وشراء اللاعبين بالتحديد، في حين كانت البقية ترضخ، دون أدنى اعتراض، لما يُملى عليهم من إدارة لا تعرف عن كرة القدم الكثير.

تصريح سابق للراحل «تيتو فيلانوفا» عن تعامله مع الإدارة.

من «لوران بلان» لـــ«تيري هينري» وحتى الانتهاء من كل الأسماء على هذه الشاكلة المرشحة لخلافة الإسباني بشكل شبه مؤكد، جميعهم لن يصدقوا حقيقة وصولهم إلى منصب مدرب فريق بحجم برشلونة. جميعهم سيكونون سعداء جدًا للقيام بدور الموظف الصغير التابع لإدارة النادي، بلا تدخل في أي صفقات أو بمجرد إبداء الرأي الذي يُعد استشاريًا فقط، بدون أسماء بهذه المواصفات ما كان لإدارة الفريق فرصة الوصول لإيرادات بهذه القيمة.

أكثر من 120 مليون يورو مدفوعة في صفقات الصيف، أكثر لاعب شارك من ضمنهم كان في ثلاثة لقاءات أو أقل قليلًا، وبشكل اضطراري، منذ بداية وحتى اقتراب نهاية النصف الأول من الموسم. شيء من شأنه أن يفتح باب الشكوك حول عمولات خفية وسمسرة خلف هذه الصفقات التي تظهر وتتم بين ليلة وضحاها، لكنها لا تترك أي فرصة للهروب من حقيقة أن فالفيردي هو الشخص المثالي لإدارة برشلونة منذ الوهلة الأولى.

الترشيح الأول للإسباني جاء عن طريق مواطنه بيب حينما أعلن عن نية رحيله، حيث اختصر الترشيحات في مساعده فيلانوفا أو في فالفيردي، الإدارة قررت تعيين الأول بحثًا عن الاستمرارية، لكن سرعان ما طلبت من إرنيستو القدوم فيما تلى ذلك مرات عدة. رفض في البداية لارتباطه بأتليتك بلباو واستمر رفضه حين طلب منه ريال مدريد قدومه قبل تعيين «رافا بينيتيز»، لكن بعد ذلك كان كل شيء مهيئًا لتعيين الشخص المثالي لتلك المهمة الصعبة.

في الثلاثاء الأول من شهر أكتوبر لعام 2018، وبعد موسم ونصف بالضبط من تعيين الإسباني فالفيردي في منصب مدرب الفريق،صدر في البيان الرسمي الذي تخرجه الإدارة في نهاية كل سنة مالية، أن فريق إقليم كتالونيا الأكبر أصبح النادي الأول في العالم الذي يتخطى المليار دولار؛ أي ما يُعادل 915 مليون يورو، كإيرادات سنوية. مع التوقع بزيادة الرقم لما هو أكبر من ذلك في السنين القادمة، لا سيما بعد أن حققت الإدارة ربحًا للعام الثامن على التوالي، منذ عام 2010 -قبل رحيل جوارديولا بموسم واحد فقط- بمكاسب متراكمة تعادل 200 مليون يورو تقريبًا.

البيان أكد في مضمونه أن استغلال قيمة الشرط الجزائي المدفوع في البرازيلي «نيمار دا سيلفا» قد تم تخصيصه في عدة جهات، على رأسها التوسع التجاري وتحسين منشآت الملعب وتطوير وسائل الإعلام وحقوقه، وأخيرًا الصفقات. بجانب الإشارة إلى أن أحد أهم الأسباب في زيادة الإيرادات كان في تحويل مسار الأموال القادمة من الاتحاد الأوروبي ووضع طرق جديدة في توزيعها. لا أحد يعلم طريقة التوزيع الجديدة، كما لا يعلم أحد على أي أساس تُبنى هذه الصفقات.


القصور الكتالوني الذاتي

إدارة النادي تأتي لي بقوام الفريق وأنا عليّ تدريبهم فقط.

يمكن تلخيص ما يحدث في برشلونة منذ خروج المدرب الإسباني «جوارديولا» بأحد تفسيرات القانون الأول للحركة باستنتاج «نيوتن»، إنها تلك اللحظة التي تشعر فيها بقدرتك على الركض بسرعة كبيرة بمجرد أن تقفز من إحدى العربات المسرعة، أو ما يُعرف علميًا بنظرية «القصور الذاتي»، حيث تفضل الأجسام أن تحافظ على حالتها الساكنة أو المتحركة دون تغيير، على الأقل حتى يؤثر فيها مؤثر خارجي.

إن المشروع الذي وضعه «خوان لابورتا»، الرئيس السابق للنادي، بمشاركة كل من «يوهان كرويف» و«أندوني زوبيزاريتا»، المدير الرياضي في عهد لابورتا، وهو دون شرح مطول اللبنة الأساسية التي قدمت لنا برشلونة في تسعينيات القرن الماضي وما استمر حتى وصل إلى أفضل حالاته في ولاية جوارديولا، إنما يمكن وصفه بالدَفعة التي وضعت عربة «كتالونيا» -الكروية- في سرعة مناسبة لتلحق، بل ولتسبق الخصوم أيضًا، ما بعد ذلك ومنذ تولي «جوسيب بارتيمو» يترادف جدًا مع السرعة التي تركض بها بمجرد أن تقفز من هذه العربة.

إدارة النادي تظن أنها تحقق إنجازًا ما بمجرد انتهاء الموسم برفع أي كأس مهما كان اسمه، وأن ذلك ما هو إلا نتاج عملهم، لكنه في الواقع بقايا عمل الآخرين، مخلفات الأجداد التي ورّثت لنا النفط ليس إلا.

وجود فالفيردي على رأس القيادة الفنية للفريق كان أحد محطات التخلي عن هوية النادي أو التخلي عن الشكل الذي تمناه ووضع أسسه كرويف، بداية من تغيير طريقة اللعب لـ4-4-2 غريبة الشرح، وحتى العجز الهجومي والفشل في أكثر الأشياء التي اشتهر بها النادي في العقود الأخيرة: الاستحواذ.

هو النقطة التي انتهت عندها الدفعة التي كان ينتفع بها الفريق في فترات «تيتو فيلانوفا» و«مارتينو»، والتي كان من المفترض أن يبدأ عندها مشروع جديد يقوم على ما قد بدأه الآخرون، لكن شيئًا لم ولن يحدث.