باسل كان وطن، كان حامل همَّ الوطن، اسألوا عنه الشارع، اسألوا عنه الحجر، اسألوا عنه حيطان السجن، يجاوبوك مين باسل!

بجوار بندقيته وبقايا ذخيرته التي واجه بها قوات الاحتلال على مدار ساعتين، تجد ذخيرة فكرية من كتب ومجلات تسّلح بها الشهيد عبر سنواته الواحدة والثلاثين، وحاول بثها وزرعها في نفوس أقرانه لمواجهة الاحتلال وأعوانه على حدٍ سواء.

صباح اليوم، 6 مارس/آذار 2017، وبعد معركة استمرت لساعتين بين قوات الاحتلال والشهيد المثقف باسل الأعرج برفقة اثنين من أقرانه في منزل في منطقة مخيم قدورة في مدينة البيرة، وبعدما نفذت ذخيرته، استُشهد الأعرج، حيث أعدمته قوات الاحتلال من مسافة قريبة، وأخرجوا جسده من المنزل بحمله من قدميه، وكان مضرجًا بالدماء، وكان جسد الشهيد يرتطم بالأرض.


طريد السلطة والاحتلال

في مارس/آذار 2016، اعتقلت السلطة الفلسطينية الشاب الناشط باسل الأعرج (31 عاماً) وخمسة من رفاقه، بتهمة التخطيط والإعداد لتنفيذ عملية عسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، واستمر اعتقالهم من قبل جهاز مخابرات السلطة عدة أشهر، ورغم نفيهم للتهم الموجهة إليهم، إلا أن أجهزة السلطة زعمت أن اعتقال هؤلاء الشبان كان بحجة حمايتهم من الاحتلال.

وعقب إضراب عن الطعام نفذه الشباب المعتقلون احتجاجًا على اعتقالهم دون تهمة، قررت محكمة فلسطينية إطلاق سراحهم في التاسع من سبتمبر/أيلول عام 2016، حيث قامت قوات الاحتلال باعتقال الشبان تباعًا باستثناء الأعرج الذي ظل متخفيًا عن الأنظار.

وصية الشهيد باسل الأعرج

ومنذ لحظة الإفراج عن باسل، أصبح مُطارَدًا من قبل قوات الاحتلال، وأعجزهم عن اعتقاله. فاستمر، بشكل شبه يومي، اقتحام منزل الأعرج لمحاولة اعتقاله دون جدوى، كما جرى عدة مرات اعتقال والده وأشقائه، فيما كانت عائلته تؤكد باستمرار انقطاع جميع الأخبار عنه منذ إطلاق سراحه من سجون السلطة.

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي 2016، كان جيش الاحتلال يداهم منزل الأعرج كل ليلة، لمدة عشرة أيام، كما قاموا حينئذ بتفتيش منازل أعمامه المحيطين بمنزله، وعاثوا فيها خراباً أفظع مما سبق.


المثقف المقاوم

وصية الشهيد باسل الأعرج
31 عامًا كانت كافية حتى يصير باسل نموذجًا للشاب الفلسطيني المثقف المقاوم، الذي حمل همّ الوطن، وقرّر أن يفني جسده وفكره في جسد وذاكرة الوطن.

الأعرج هو خريج تخصص الصيدلة من إحدى الجامعات المصرية، عمل في مجاله قرب القدس، وكان ناشطًا جماهيريًا، تصدر معظم المظاهرات الشعبية الداعمة لمقاطعة إسرائيل؛ ومن أبرزها الاحتجاجات على زيارة شاؤول موفاز، وزير دفاع جيش الاحتلال الأسبق، عام 2012، حيث تعرّض للضرب من الأمن الفلسطيني وأصيب على إثرها بجراح.

حاول الأعرج تبصير الفلسطينيين بتاريخهم وتاريخ أجدادهم، كاشفًا عن صيرورة الثورة الفلسطينية التي بدأت منذ هجرة أول يهودي إلى أراضي فلسطين. فالثورة عند الأعرج هي الحالة الاعتيادية التي يحيا عليها الفلسطينيون ما دام الاحتلال قائمًا.

وفي الوقت ذاته، قاوم الأعرج «فساد» السلطة الفلسطينية، وتعاونها مع الاحتلال، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني. ويزعم البعض أن انتقاد الأعرج للسلطة الفلسطينية كان السبب الرئيسي لاعتقاله في مارس/آذار 2016 وليس التخطيط لعملية مقاومة.

كذلك عمل الأعرج في مشروع لتوثيق أهم مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولا للاحتلال الإسرائيلي، وذلك من خلال تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات شبابية متنوعة للتعريف بها على أرض الواقع.

وله العديد من الفيديوهاتالمصورة في هذا الشأن، من أبرزها:

وله العديد من المقالات المنشورة على شبكة «قدس» الإخبارية، منها:

وليكن الختام مع خاتمة الأعرج لواحدة من مقالاته، حينما قال:

إن أول ما يقوم به الاستعمار هو تعريف الممكن والمستحيل للشعوب المضطهدة، ويعاونه في ذلك عادة بعض أفراد الشعب، ويتم ذلك عبر تقنيات تدخل مباشرة وغير مباشرة، فلا تصدقوا ما يتم قوله ونقله ومحاولة زرعه في عقولنا، وحاكموا المقولات وفق المنطق وقوة التحرر لدى الشعوب.