قبل أيام مرت الذكرى السنوية الأولى للأزمة الخليجية، تلك الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو/ حزيران 2017، عندما قامت السعودية والإمارات ومصر والبحرين بسحب السفراء من قطر، وفرض حصار اقتصادي وسياسي عليها. كان لدى البعض أمل في أن تكون هذه الذكرى مناسبة جيدة لحلحلة الأزمة، لكن هذه الآمال أخذت تتبدد شيئًا فشيئًا بعدما تواترت أخبار عن لجوء نجل أحد حكام الإمارات إلى قطر.

بدا الخبر عند تداوله أول الأمر، أواخر الشهر الماضي، شائعة سخيفة غير قابلة للتصديق، لكن نشر جريدة الأخبار اللبنانية، المعروفة بقوة واطلاع مصادرها، للخبر في 29 مايو/ آيار الماضي أعطاه بعض المصداقية، ثم جاءت جريدة التليجراف البريطانية، بعدها بـ10 أيام، لتؤكد أن الخبر صحيح.


ما الذي نعرفه حتى الآن؟

يدعى الأمير الإماراتي اللاجئ إلى قطر، الشيخ راشد بن حمد بن محمد الشرقي، وهو نجل حاكم إمارة الفجيرة ورئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام. من مواليد العام 1987، ويحمل شهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة لندن متروبوليتان.

اتفقت مصادر الأخبار والتليجراف على أن الشيخ راشد ذهب بقدميه إلى سفارة قطر في لندن قبل نحو ثلاثة أسابيع، وطلب اللجوء. رحبت الدوحة بالصيد الثمين وآوته في سفارتها بلندن لمدة 3 أيام، ثم نقلته بسيارة دبلوماسية تابعة لها إلى مطار هيثرو البريطاني، ومنه بطائرة خاصة إلى الدوحة التي دخلها بجواز سفره الدبلوماسي.

استعان الإماراتيون بالبريطانيين للكشف عن مكان الشيخ الشاب، عقب اكتشافهم اختفاءه من جناحه في فندق «45 بارك لاين»، الذي كان يقيم فيه منذ 34 يومًا. أجرى ضباط وحدة الحماية الدبلوماسية البريطانيون تحرياتهم ثم أكدوا لسلطات أبو ظبي لقاء راشد الشرقي بشيخ قطري من آل ثاني في ردهة فندق «45 بارك لاين» في اليوم نفسه الذي اختفى فيه، ملمحة إلى أن الشيخ الإماراتي ليس مختطفًا، وذهب إلى القطريين بإرادته.

وبحسب التليجراف، فقد أخبر الشيخ راشد بعضًا من أصدقائه بأنه التقى السفير القطري ببريطانيا وعددًا من مسئولي السفارة عدة مرات خلال الفترة التي قضاها في لندن، ما يشير إلى وجود مفاوضات بين الأمير والسلطات القطرية من أجل الوصول لاتفاق بخصوصه.

وقالت مصادر الجريدة البريطانية إن السبب في هروب ابن حاكم الفجيرة إلى قطر عدو بلاده، هو تدهور علاقته بالرجل الأقوى في الإمارات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والتي أدت إلى طلب الأخير تعيين الشقيق الأصغر للشيخ راشد وليًا لعهد الإمارة بدلًا منه. لكن معلومات التليجراف في هذا الشأن غير دقيقة، فالأمير راشد ليس أكبر أبناء حاكم الفجيرة حتى يصبح وليًا للعهد، بل أخوه الشيخ محمد المولود عام 1986 هو الأكبر، وهو بالفعل ولي عهد الفجيرة منذ العام 2007، ما يعني أن الخلاف بين الشيخ راشد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إن كان حقيقيًّا، فليس سببه ولاية عهد الفجيرة.

ورفضت الشرطة البريطانية وإدارة فندق «45 بارك لاين» التعليق على الاستفسارات الصحفية حول الموضوع. كما لم ترد السفارة الإماراتية بالمملكة المتحدة على طلبات جريدة التليجراف المتكررة بالتعليق.

وحتى أسابيع قليلة مضت لم يكن هناك ما يشير إلى نية الشيخ راشد الشرقي الهرب من بلاده أو على وجود أزمة بينه وبين أحد من حكام الإمارات، فظهور الشاب كان طبيعيًّا للغاية، حتى أنه أطلق في 29 مارس/ آذار الماضي جائزة باسمه للإبداع خلال فعاليات منتدى الفجيرة الثقافي، كما شهد ختام الدورة العاشرة لمهرجان الفجيرة للمسرح المدرسي، في 19 من أبريل/ نيسان الماضي.

ويقتصر نشاط الشيخ راشد على المجال الثقافي والاجتماعي باعتباره رئيسًا لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام. ويُذكر له تأليف أغنية ياسم «حلم زايد» التي قُدمت خلال حفل افتتاح مهرجان الفجيرة الدولي للفنون في فبراير/ شباط الماضي.


معارك تكسير العظام مستمرة

لجوء الشيخ الإماراتي راشد الشرقي إلى قطر ليس خبرًا عاديًا، فالشاب الثلاثيني ابن حمد الشرقي حاكم إمارة الفجيرة، وكان يحضر اجتماعات المجلس الأعلى لحكام الإمارات، ما قد يجعله مصدرًا ثمينًا للمعلومات بالنسبة لقطر، وقد يجبر أبو ظبي على التفاوض المباشر مع الدوحة من أجل تسوية الأزمة الخليجية.

امتداد معارك تكسير العظام القطرية الإماراتية لتصل إلى اللعب على خلافات الأسر الحاكمة أمر جديد على الدوحة، لكنه معتاد منذ زمن بالنسبة لأبو ظبي، إذ تدعم سلطات الأخيرة معارضي أمير قطر من آل ثاني، إذ نظمت القيادة الإماراتية، في فبراير/ شباط الماضي، استقبالًا حافلًا للشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني، أحد أبرز معارضي أمير قطر من أسرته.