بمرور الأيام على بداية معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية حماس، عبر ذراعها العسكرية، كتائب القسام، تتضح أكثر معالم اليوم الأول من هذه العملية. السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 كان مليئًا بالتفاصيل والتحركات المحورية التي كتبت للعملية الجريئة النجاح والصمود لأطول فترة وتحقيق أكبر نتيجة.

وتباعًا بدأت كتائب القسام في نشر مقاطع مصورة توضح المناطق التي اشتبكت فيها جنودها مع جنود العدو. ومع تضفير تلك البيانات مع بيانات الجهات الإسرائيلية يتضح المشهد نسبيًّا، فلا بد أن المشهد الكامل لمَّا يتضح بعد. وستظل الأحداث الراهنة وتبعاتها بحاجة لوقت أطول وبيانات أكثر تفصيلًا لاستيعاب جميع خطواتها.

معارك إيرز وكفار عزة وبئيري

 في اليوم الأول اقتحم المقاومون موقع إيرز وقتلوا وأسروا من فيه. وتوجه مئات الفلسطينيين إلى المعبر بعد السيطرة عليه، وجرت اشتباكات في محيطه، وتصاعدت أعمدة الدخان الكثيفة من المكان. ويُرجح أن المقاومة أسرت ما يقارب من 20 إلى 35 فردًا من معركة معبر إيرز؛ إذ إنه بعد السيطرة عليه مباشرة صرَّحت الجهات الإسرائيلية أن المقاومة أسرت ما يزيد عن 35 جنديًّا إسرائيليًّا

 كما اقتحموا موقع كفار عزة، وتعني بالعربية قرية غزة، واستطاعوا السيطرة الكاملة عليه بعد قتل وأسر من كانوا فيه. وهي مستوطنة في جنوب فلسطين، تبعد بحوالي 5 كيلومترات إلى الشرق من قطاع غزة. ولا تزال السلطات الإسرائيلية حتى ساعات قليلة ماضية تحاول التعرف على هوية القتلى الذين وجدتهم فيها. فقد كانت الجثث متناثرة في أرجاء القرية بعضها أمام منازل مدمرة ما يدل على اشتباكات حدثت، وبعضها كان على العشب بجوار سيارات محترقة.

لكن مرور 5 أيام من لحظة قتلهم جعلت من الصعب التمييز بين جثة وأخرى. لكن قدَّرت السلطات الإسرائيلية عبر تقصي كاميرات المراقبة أن قرابة 70 مسلحًا من المقاومة اقتحموا الكيبوتس. وقدَّرت إسرائيل قتلى كفار عزة بالعشرات، ويقطن المستوطنة عمومًا ما لا يزيد عن 700 فرد. كذلك فعل مقاتلو القسام بموقع بئيري.

معركة زيكيم ورعيم

وواصل القسَّاميون اقتحام خطوط العدو، وتجاوز العديد من الحواجز، ففتحوا عددًا جديدًا من جبهات القتال عليه. فقد اقتحموا موقع إيرز، وقتلوا وأسروا من فيه. كما نشرت الكتائب مقطعًا لاقتحام كوماندوز القسام لقاعدة زيكيم وقتل عدد من الجنود فيه. كانت قاعدة زيكيم من أوائل المواقع التي خططت المقاومة لدخولها، فهي تقع في مستوطنة محصنة، فيحيط بها مصفاة للنفط ومحطة توليد كهرباء وقاعدة عسكرية مهمة.

لهذا أسموها زيكيم، ويعني نقطة ضوء، لأهميتها وتفاءل المؤسسين لها عام 1949 أن تكون مركزًا مهمًّا للاستيطان لاحقًا. أرسلت حماس في الضوء الأول لطوفان الأقصى العديد من الزوارق الحربية نحوها. واستطاعت القوات الإسرائيلية تدمير زورقين في بداية الهجوم، لكن استطاعت باقي الزوارق وطواقمها الهبوط على شاطئ زيكيم. واقتحموا قاعدتها.

تقول البيانات الإسرائيلية إن معظم الجنود الذين تصادف وجودهم في القاعدة كانوا هناك لمدة 4 أسابيع فحسب. فقد كان التحاقهم بالجيش حديثًا، بهذا السبب بررت الصحف الإسرائيلية اختباء معظم الجنود وعدم اشتراكهم في القتال. لكن البيانات الإسرائيلية قالت إن مقاتلي حماس وجدوا مقاومة من سكان زيكيم، الذين كانوا جنودًا قدامى في الغالب، واستطاعت إسرائيل أن تقتل بعض المقاومين، وأعلنت إسرائيل في 11 أكتوبر/تشرين الأول أنها قتلت قرابة 8 مقاتلين من حماس.

كما نشرت المقاومة مقطعًا لعملية اقتحام قاعدة رعيم مقر قيادة فرقة غزة. تناقلت الجهات الإسرائيلية خبر القتال بعد حوالي 5 ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى. وتواترت أخبار عن قيام حماس بقتل وأسر عدد من جنود القاعدة، لكن دون تحديد لأعداد القتلى أو الأسرى. ثم تناقلت إسرائيل أخبارًا تفيد بأنها استعادت السيطرة على القاعدة في نفس اليوم، لكن دون تأكيد لهذه الأخبار.

معركة أميتي وناحال عوز

لم تتراجع المقاومة عن عزمها مواصلة الاقتحامات، فاقتحمت موقع أميتي، وقتلت كل من فيه. كما أظهرت مقاطع الفيديو سيطرتها على العديد من الآليات العسكرية والدبابات المتواجدة في الموقع العسكري شرق محافظة رفح. كما يظهر في الفيديو الاشتباكات الشرسة التي خاضها المقاتلون أثناء الاقتحام.

أمَّا ناحال عوز فكانت عمليةً نوعية خلف خطوط العدو، واستطاعت فيها المقاومة الهجوم على برج عسكري محصن شرق حي الشجاعية، حيث تسللت قوة فلسطينية وقتلت الجنود الإسرائيليين، وجرحت آخرين. واستولت على عتاد عسكري من الموقع وخرجت من الموقع بسلام، وجرى توثيق ذلك كله بالفيديو.

وفي بداية مقطع الفيديو يمكن ملاحظة إطلاق عدد من قذائف الهاون والصواريخ على الموقع تمهيدًا لدخول الجنود، كما تم تفجير برج المراقبة بقنبلة ألقتها طائرة مسيَّرة، وبدأ جنود القسام الاشتباك بعد إطلاق دفعة كثيفة من القنابل اليدوية على الموقع بالكامل. ما مكَّنهم من اقتحام الموقع كاملًا، ورفع علم الكتائب بجوار قتلى الجنود الإسرائيليين، كذلك ظهر عدد من الجنود مكبلي الأيدي تمهيدًا لاقتيادهم في مركبات مدنية وعسكرية مرةً أخرى نحو قطاع غزة.

معركة سديروت وعين هبشور

بدأت المقاومة بنشر مقطع عين هبشور، الموقع الموجود شرق المنطقة الوسطى في قطاع غزة. ظهر في المقطع التوثيقي مقاتلو حماس وهم يقتحمون الموقع بعد استهدافه بالقذائف كغطاء تمهيدي للاشتباك مع القوات الإسرائيلية الموجودة بداخله. كذلك ظهر في الفيديو جثتان للجنديين يبدو أنهما قُتلا في اللحظات الأولى للهجوم.

أما معركة سديروت فلا تزال مستمرة حتى اللحظة. واستطاعت المقاومة دخول المستوطنة في الساعات الأولى للطوفان باستخدام سياراتهم ودراجاتهم النارية. نجح المقاتلون في قتل وأسر عدد غير محدد من الجنود الإسرائيليين في المستوطنة. وتمكنت المقاومة من هزيمة الحامية الشرطية في المكان، وتحصنت في قسم الشرطة، وفشلت القوات الإسرائيلية في إخراج المقاومين منه طوال ساعات دارت فيها معارك ضارية، حتى قررت إسرائيل في النهاية قصفه بالكامل، واستطاعت المقاومة أن تقتل ما لا يقل عن 20 شرطيًّا في الاشتباكات بعد التحصن داخل القسم.

توقفت الرشقات الصاروخية عن الهطول على المستوطنة فور دخول المقاتلين لها. وقالت الكتائب إنها استطاعت بنجاح استبدال القوات المقاتلة بقوة أخرى، وأسندتها بالغطاء الصاروخي اللازم. فزاد عدد القتلى الإسرائيليين إلى 30 فردًا. بينما استشهد من المقاومين الفلسطينيين 10 مقاومين على أقل التقديرات.

بحلول الثامن من أكتوبر/تشرين الأول بدأت إسرائيل في استعادة السيطرة النسبية على سديروت. لكن لم تستطع أن تعلن السيطرة الكاملة على المستوطنة بسبب استمرار تسلل المقاومين لمناطق أخرى في المدينة. أمرت إسرائيل سكان المدينة والمناطق المحيطة بها بالبقاء في منازلهم حتى تتأكد أنها استعادت السيطرة الكاملة على المستوطنة.

معركة كرم أبو سالم

كذلك نشر الإعلام التابع لكتائب القسام مقاطع مصورة تظهر سيطرته على كيبوتس وموقع كرم أبو سالم ضمن المواقع الأولى التي سقطت في أيدي المقاومة. أعلنت الإذاعة الإسرائيلية سقوط عدد كبير من الجرحى والقتلى بين صفوف جنودها جراء هذا الهجوم. أعلنت فقط عن اسمين منهما كقتلى، أحدهما 33 عامًا والآخر 31 عامًا. وأعلنت إصابة اثنين من الجنود الأوائل الذين استجابوا لصافرات الإنذار، كما أعلنت عن إصابة مستوطن تزامن وجوده وقت الاشتباك.

يوصف موقع كرم أبو سالم بأنه الموقع الأكثر تحصينًا، حتى صار بمثابة كيبوتس صغير يبعد 300 متر فحسب عن الحدود بين غزة ومصر وإسرائيل. لهذا فهو معبر استراتيجي حدودي للمناطق الثلاثة. لكن لشدة تمركز قوات الاحتلال فيه كان جذَّابًا للمقاومة كي تبدأ به القتال، فغنمت منه العديد من الآليات والمعدات العسكرية، وقتلت عددًا كبيرًا من الجنود فيه.

كانت سيطرة المقاومة على موقع كرم أبو سالم، والعديد من المواقع السابقة، بمثابة تغيير لجميع معادلات الصراع. فقد أنشأت إسرائيل العديد من المناطق السابقة وهي تؤكد أنها لن تكون على خط النار يومًا، وأن المقاومة لن تحلم بتهديدها أبدًا، لكن مقاتلي القسام استطاعوا أن يجعلوا كل إسرائيل تقريبًا في مواجهة مباشرة مع خط النار.