احتفلت «إسرائيل» وأوزبكستان هذا العام بالذكرى الثلاثين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وبهذه المناسبة ناقش الطرفان تعزيز تعاونهما في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، ومن المتوقع أن يُعقد هذا العام أول اجتماع للجنة الحكومية الدولية برئاسة نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار والتجارة الخارجية الأوزبكي، ساردور أومورزاكوف، مع وزير السياحة الإسرائيلي، يوئيل رازفوزوف.

وتشهد العلاقات بين الطرفين تصاعدًا ملحوظًا ففي فبراير/شباط 2018، سمحت أكبر جمهوريات آسيا الوسطى سكانًا، للإسرائيليين بزيارتها دون تأشيرة، ومن المقرر افتتاح غرفة التجارة الإسرائيلية الأوزبكية قريبًا، لتوثيق الروابط بين مجتمعات الأعمال في البلدين.

وشهدت العلاقات نقلة نوعية منذ تعيين السفيرة النشطة، فيروزا مخمدوفا، العام قبل الماضي كسفير مفوض فوق العادة لدى تل أبيب، وهي أول امرأة أوزبكية يتم اختيارها كسفيرة منذ تأسيس الدولة التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع أكثر من 130 دولة.

ويتطلع الأوزبك باهتمام شديد إلى الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مجالات التكنولوجيا والتقنيات الطبية والتعليم والأساليب الحديثة للزراعة والري وكذلك في الدفاع والأمن، وتوجه تل أبيب عيونها إلى طشقند لفتح أسواقها على نطاق واسع أمام رجال الأعمال اليهود، إذ إنه منذ تولي الرئيس شوكت ميرضيايف الحكم في عام 2016 بدأ عهد الانفتاح الاقتصادي، فبينما بلغ حجم التجارة الخارجية للبلاد حوالي 24.2 مليار دولار عام 2016، تضخم هذا الرقم في غضون ثلاث سنوات ليصل إلى 41.8 مليار دولار، شكلت الصادرات 24.3 مليار من هذا المبلغ.

وكانت أوزبكستان من الدول التي تستضيف أقلية يهودية مؤثرة نجحت تل أبيب في إقناع أغلبيتها بالهجرة إليها خلال فترة زمنية قياسية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.

الاستثمار في الفراغ

كان انهيار الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991 فرصة للكيان العبري الذي راقب الوضع وتحرك بمنتهى السرعة لاقتناص اللحظة التاريخية قبل أن ينتبه إليها الآخرون، وخاصة الدول العربية والإسلامية، فنظم على عجل أول مؤتمر اقتصادي مشترك مع دول آسيا الوسطى في طشقند، في مارس/آذار 1992، لبحث الاحتياجات الاقتصادية للدول الخمس المستقلة حديثًا، وما يمكن لإسرائيل القيام به حيالها، وعلى مدى الأعوام التالية بدأت المشروعات والاستثمارات الإسرائيلية تغزو المنطقة.

وتواصل الموساد بسرعة مع الجاليات اليهودية في الدول الخمس: كازاخستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وتركمانستان، وأدت هذه الأقليات دورًا كبيرًا في التواصل بين دولة الاحتلال والأنظمة المشكلة حديثًا، أو بالأحرى كانت في طور التشكل حينذاك.

وعمل الكيان العبري على تقوية علاقته بهذه الجمهوريات لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية، فقد نجح في إقناع هذه الدول منذ البداية بإقامة علاقات طبيعية معه وعدم التأثر بالبعد الديني في سياستها الخارجية، وإضعاف فرص التأثير العربي والإسلامي على تلك الدول، وبالتالي ضمان ألا تدعم القضية الفلسطينية رغم كون أغلبية شعوبها من المسلمين السنة، وشهود هذه المنطقة صحوة دينية عقب الاستقلال.

وأتاح التعاون الأمني لإسرائيل الاطلاع على أوضاع هذه البلدان عن قرب، وتتبع الحركات الدينية والتحركات الشعبية التي تمضي في اتجاه العودة إلى الجذور الإسلامية بعد عقود من القبضة الأمنية الحديدية للحزب الشيوعي السوفيتي، وتعاون الإسرائيليون مع بقايا النخب السوفيتية التي ظلت تحكم سيطرتها على الشعوب بعد الاستقلال عن موسكو، وقدمت تل أبيب نفسها كوسيط يملك مفاتيح التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ومصدر للتكنولوجيا الحديثة، والسلاح المتطور لدول تسعى لبناء جيوشها الوطنية.

ووسط التنافس الروسي والصيني والتركي والإيراني، استطاع الإسرائيليون وضع أيديهم على فرص اقتصادية مهمة في المنطقة التي تضم مخزونًا هائلًا من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضة والمنتجات الزراعية، لا سيما القطن الذي تشتهر به المنطقة، فضلًا عن كونها سوقًا كبيرة وواعدة، كانت بعد استقلالها متعطشة للاستثمارات والمبادرات الخارجية.

وإضافة إلى ذلك تمتلك كل دولة مميزات خاصة، فكازاخستان على سبيل المثال كانت تملك مشروعًا نوويًّا عسكريًّا وشكل ذلك سببًا للقلق الإسرائيلي، لكونها آنذاك الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك هذا السلاح إلى أن تخلت عنه طوعًا عام 1994، فاتجه الإسرائيليون إلى شراء مجمع اليورانيوم الكازاخي الذي اعتبر من أكبر مجمعات اليورانيوم في العالم، رغم أن تل أبيب ترفض حتى اليوم الإعلان رسميًّا عن امتلاكها أسلحة نووية.

كما استفاد الكيان العبري من امتلاك كازاخستان مركز بايكونور لإطلاق الصواريخ الفضائية، وهو المطار الذي تخرج منه الرحلات الروسية إلى الفضاء حتى اليوم، وتم إطلاق الأقمار الصناعية الإسرائيلية منه ومنح تل أبيب حق استخدامه كجزء من برنامج فضائي مشترك، ووقع الطرفان اتفاقية دفاعية عام 2014، لم يتم الكشف عن بنودها، لذلك سببت الانتفاضة الشعبية الكازاخية مطلع العام الجاري قلقًا لدولة الاحتلال، إذ تم تسليط الضوء خلال الاحتجاجات على هذه العلاقة الغامضة، قبل أن يتم وأد الانتفاضة سريعًا بدعم روسي.

ورغم الروابط الوثيقة التي تربط شعوب هذه المنطقة مع بلدان العالم العربي والإسلامي، فإن هذه الدول جميعًا إلا ما ندر لم تُظهر اهتمامها بتطوير العلاقات مع وسط آسيا بقدر ما فعلت إسرائيل، التي دأبت على دراسة ومتابعة أوضاع هذه الجمهوريات النائية وملء الفراغ العربي المفترض، واهتبال ما لاح لها من فرص ومكاسب.