استطاع ناصر الخليفي أن يقنع معجزة كرة القدم ليونيل ميسي بالانضمام لحديقة الأمراء ليكوِّن ثلاثيًّا هجوميًّا هو الأغلى ثمنًا في تاريخ كرة القدم رفقة نيمار ومبابي. اصطفت الجماهير يومئذٍ لتحيي قدوم المعجزة وتباركه.

بعد سبعة أشهر فقط إثر الهزيمة أمام مدريد في دوري أبطال أوروبا تلقى الثلاثي صيحات الاستهجان، بينما تمت مطالبة الخليفي بالاستقالة من أجل مصلحة النادي، بل إنهم تساءلوا من أين لنا بروبسبير جديد ليخلصنا من رءوس لا قيمة لها. روبسبير هذا هو الرجل الذي يُنسب له إعدام الآلاف أثناء الثورة الفرنسية.

حاول أن تتخيل حيرة الخليفي وهو يتعامل مع موقف كهذا. لقد جاء الرجل بأسماء مثل ميسي ونيمار ومبابي وكافاني وألفيش ودي ماريا وفيراتي وسيلفا، محققًا ثمانية ألقاب دوري خلال العشر السنوات الأخيرة، فما عساه أن يفعل أكثر من ذلك.

إنها ذات الحيرة التي ارتسمت على وجه محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي، وهو يوضح للجماهير الغاضبة أن فريقه كان شريكًا في المباراة النهائية لدوري أبطال أفريقيا خمس مرات خلال آخر ست سنوات، وهو نفسه الفريق الذي يسيطر تاريخيًّا على المسابقات المحلية.

قبل أن تقرر أن الأزمة في الجماهير المتطلبة غير الواعية، حاول أن تدقق أكثر في المشهد. لقد انتهى خطاب محمود الخطيب لتبدأ قناة النادي في إذاعة أغنية للجماهير تؤكد أن الأهلي أعظم نادي في الكون. حسنًا من هنا يمكننا تفكيك المشهد بشكل أوضح.

«أعظم نادي في الكون»

تكمن المشكلة ببساطة في أن الأندية الضخمة حول العالم تتعامل مع المشجعين أنهم سلعة ووقود لعقود الرعاية. فالنادي الأهلي مثلًا شعاره الذي يقدمه للجماهير والرعاة أنه الأكبر والأهم والأضخم والقادر وحده على الفوز الدائم وتحقيق الألقاب دون انقطاع.

يأتي الرعاة بشعارات مماثلة لشعارات النادي على الفور، فترى على الفور شركة كذا الراعي الرسمي لأعظم نادي في الكون، بينما شركة كذا هي الراعي للدقائق الأخيرة التي يفوز خلالها الأهلي.

تقدم الرعاة إعلاناتها ومنتجاتها المزينة بتلك الشعارات للجماهير في دائرة مغلقة، تُغذَّى عقول الجماهير داخلها بشعارات تؤكد أن الأهلي لا يمكن أن يخسر أبدًا.

حسنًا نحن هنا لا نقصد أن يغير الأهلي من هويته الأصيلة، والتي تتلخص في السعي الدائم نحو الفوز والبطولات. لكن يجب هنا التأكيد أن الهدف الأساسي هو السعي فقط، والذي إذا ما كُلل بالنجاح في تسع مرات من أصل عشر فلا يغير ذلك من الحقيقة شيئًا، وهي أن السعي فقط في كرة القدم هو الهدف.

في فرنسا وألمانيا أيضًا أعظم أندية الكون

هذا الحديث ليس عن الأهلي فقط بالمناسبة، بل إن فكرة وجود أندية كرة قدم خارقة دومًا ما تؤثر بالسلب على الجماهير والإدارات معًا.

ربما يفسر لك تلك النظرة التي كانت على وجه الخليفي نفسه بعد هزيمة فريقه أمام ريال مدريد. الشعور بأنك فعلت كل شيء ولا يمكن أن تهزم، ولكنها كرة القدم التي لا يُؤمَن جانبها، والتي يجب أن تعترف معها بأن النتيجة ليست حتمية أبدًا.

نظرة الخليفي الغاضبة كانت متطابقة مع نظرة الجماهير التي قررت المطالبة برحيل الرجل الذي صرف أكثر من مليار دولار لانتداب اللاعبين. هذا لأن الخليفي دومًا يؤكد أنه أتى هنا من أجل جماهير باريس وفرنسا، حتى فكرة بقاء مبابي سوَّق لها الخليفي بأن الفرنسي الصغير قرر البقاء هنا لأهمية وجوده في فرنسا.

حسنًا ما زرعه الخليفي في الجماهير هو ما حصده على الفور، أنهم يطالبون بتفعيل دورهم، وما دمت جئت هنا حبًّا في باريس والأزرق والأحمر، فنحن نقول لك إن وجودك رفقة صفقات كثيرة كبيرة لا يفيد نادينا، ونطالبك بالرحيل.

لا يمكن للخليفي أن يصارح الجماهير بأنه وجد في النادي الفرنسي اختيارًا مثاليًّا لبناء الإمبراطورية القطرية في كرة قدم أوروبا، لكن في المقابل عليه أن يتقبل غضب الجماهير التي ترى نفسها أهم من ميسي وترى أنها تملك النادي وليس هو.

أما إذا كنت تعتقد أن تحقيق دوري أبطال أوروبا سيجعل جماهير البي إس جي متصالحة مع الخليفي، فدعني أوضح لك أن جماهير بايرن ميونخ انقلبت غاضبة على رئيس النادي «هربرت هاينر» والرئيس التنفيذي «أوليفر كان» لرفضهما مناقشة اتفاق رعاية النادي المثير للجدل مع قطر.

ترفض جماهير البايرن شراكة النادي مع قطر، رغم أن الأخيرة ستمد النادي بالمال، لكن هذا لا يمنع أن يرفضوا كل ذلك من دولة قطر. فهم يشجعون بايرن ميونخ، نجمة الجنوب، الفريق الذي لا ينكسر لأحد، ورقم واحد للأبد كما تقول أغانيهم في المدرجات.

هناك قاسم مشترك يتضح جليًّا في المواقف الثلاث أتمنى أنك لاحظته، إنه انعدام المنافسة.

مدى أهمية المنافسة

من قال من الأساس إن الفوز على الدوام شيء لطيف؟

يكمن جوهر المسابقات المثيرة في امتلاك الجدارة الرياضية كعامل حاسم في الفوز أو الخسارة. يؤدي ذلك إلى منافسات مليئة بالمباريات حيث تكون النتائج غير المتوقعة ممكنة وحيث تكمن الإثارة للجماهير في إمكانية فوز فريقهم.
جاكو سوارت المدير الإداري للبطولات الأوروبية

تأمل هذا التصريح جيدًا وأعد ترتيب كل الأوراق. نعم كلما تضخم النادي ونافس بشراسة في كل المسابقات التي يدخلها، ازدادت فرصة خسارته في تلك المسابقات، مما يعني فرصًا أكثر لفوز فريق آخر بالألقاب، ومن هنا تزدهر المنافسة.

هذا ليس عيبًا على الإطلاق، هذا منطقي للغاية في كرة القدم. بل إن عدم وجود منافسة هو الخطر الأكبر.

في الحقيقة الأهلي يقع، لكنه حظي في مصر بمنافس ممتلئ بالمشاكل الداخلية والصراعات التي لا تنتهي، كما أنه يميل دومًا للعب دور الضحية التي لا تقوى على المواجهة، رغم أنه بقليل من التخطيط عاد إلى منصات التتويج كمصير منطقي.

هيمنة فريق واحد محليًّا أو أوروبيًّا ستؤدي إلى الملل في السوق. سوف يتضاءل الحضور وسيكون لذلك تأثير على البث. ما عليك سوى إلقاء نظرة على صفقات التلفزيون في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، ثم تنظر إلى إنجلترا. إنه أحد الأسباب التي جعلت الدوري الإنجليزي أكبر بكثير.
الدكتور روب ويلسون ، خبير تمويل كرة القدم بجامعة شيفيلد

تجد الأندية نفسها في صراع دائم في عدد كبير من البطولات، مما يتطلب عددًا كبيرًا من اللاعبين وعقودًا أضخم وأموالًا أكثر، وهو ما يفسر لك مثلًا شكل إنفاق السيتي، لكن في المقابل يُحدث ذلك فجوة مالية كبيرة بين الأندية الضخمة والأندية الصغيرة التي لا يمكن أن تجاري مثل هذا الإنفاق أبدًا.

فبدلًا من أن تتضاءل فرص الفرق الكبرى في الفوز بكأس محلي مثلًا، على العكس هناك فريق ثانٍ وغير أساسي لأحد هذه الأندية قادر على هزيمة النادي الصغير.

اصطدم الأهلي خلال المواسم الأخير بعدم وجود تلك الفجوة المالية الضخمة بعد تحول الدوري إلى دوري شركات قادرة على دفع الأجور وانتداب اللاعبين، بل خطفهم من الأهلي والزمالك أيضًا.

لكن في المقابل من يضيع حقًّا هي الأندية الشعبية، وهي تلك الأندية التي تستطيع أن تحقق التوازن والتنافس الحقيقي في أي دوري في العالم.

الجزء الأخير هنا الذي يجب أن تتناوله هو أن التشجيع الرياضي بطريقة أن فريقي لا يُهزَم قد يصيبك بالاكتئاب، نعم هناك ما يسمى بالاكتئاب الرياضي.

الاكتئاب الرياضي يشبه فقدان وظيفة أو علاقة؛ إنه شيء استثمرت فيه الكثير من الوقت نفسيًّا وعاطفيًّا وجسديًّا.
جريج ميلر مستشار نفسي

الأمر خطير إذًا؛ لذا عليك أن تتأكد أنك تشجع رياضة كرة القدم التي هي تمتلك سببًا رئيسيًّا لبقائها على قمة الأنشطة الترفيهية طوال تلك السنين، والسبب أنه لا يمكن لأحد أن يفوز دائمًا.