تتجاوز علاقة البعض بكرة القدم كونها مجرد رياضة ممتعة ومثيرة لتصبح أشبه بخريطة زمنية منظمة. يتذكر أحدهم طفولته من خلال مشهد ذي ألوان باهتة للساحر روجيه ميلا، ويتذكر الآخر فترة المراهقة بهدفي زيدان في مرمى كلاوديو تافاريل. يخبرني أحد الأصدقاء أنه شاهد زوجته للمرة الأولى في نفس العام الذي شاهد خلاله كليان مبابي بينما يسمي البعض عام 2004 بعام ظهور ميسي.

جزء مهم من سحر كرة القدم هو أنها دومًا تحمل الجديد لمحبيها. فبعد أن أيقن الجميع أن التعريف المنطقي لمهارة كرة القدم يحمل اسم دييجو مارادونا، أعطت كرة القدم محبيها المزيد من الانبهار بتوقيع ليونيل ميسي. وبعد أن كانت قصص المهاجمين الأفذاذ على شاكلة جوزيبي مياتزا وألفريدو دي ستيفانو هي محض تشكيك دائم شاهد الناس بأعينهم رونالدو يقفز لأكثر من مترين ليحرز هدفاً.

نحن الآن في نهاية العام 2019 وهناك كالعادة العديد من الأسماء التي لمعت خلال العام، أسماء لم تكن معروفة لأحد قبل هذا العام تحديدًا ثم حفظها الجميع وارتبط بها في انتظار توهج مقبل خلال السنوات المقبلة. دعنا نتحدث عنهم الآن ومن يدري لعلنا نتحدث فيما بعد عن العام 2019 بصفته عام ظهور واحد من تلك الأسماء.

أنسو فاتي: الظاهرة الجديد برعاية ميسي شخصيًا

بعد أربعة أشهر فقط من تسجيل الظاهرة رونالدو لهدفي تتويج البرازيل بكأس العالم 2002 ولد أنسوماني فاتي في غينيا بيساو. ظل رونالدو دي ليما محتفظًا بلقب الظاهرة دون شريك لأعوام عديدة لكننا وخلال عام 2019 كنا على موعد مع ظهور الصغير أنسو فاتي بأرقام وأداء تقرب منه لقب الظاهرة الجديد.

انضم فاتي إلى فريق إشبيلية في سن السادسة وفي سن العاشرة انتقل إلى فريق شباب برشلونة ولم يحتج الكثير للظهور خلال الفريق الأول. في الخامس والعشرين من أغسطس لهذا العام أصبح فاتي أصغر لاعب على الإطلاق يمثل فريق برشلونة في الدوري حيث بلغ عمره حينئذ 16 عاماً و298 يومًا فقط.

بينما احتاج ميسي شخصيًا إلى تسع مباريات ليسجل هدفه الأول لبرشلونة فعلها أنسو في مباراته الثانية فقط ليصبح أيضًا أصغر هداف في تاريخ برشلونة في الدوري ثم بعد أسابيع قليلة أضاف لهذا السجل لقب أصغر هداف في دوري أبطال أوروبا على الإطلاق.

View this post on Instagram

Ansu Fati = the youngest ???? #UCL goalscorer ??

A post shared by UEFA Champions League (@championsleague) on

لعب القدر كعادته دورًا محوريًا في انتزاع فاتي بقعة الضوء من الجميع خلال هذا العام، فبعد عامين من الانتقادات بسبب عدم الاهتمام بمواهب اللاماسيا قرر المدير الفني إرنستو فالفيردي أن ينظر أخيرًا بشيء من التفحص داخل اللاماسيا لتقع عينه على انسو مباشرة. ضربت الإصابات خط هجوم برشلونة ليقرر فالفيردي الاعتماد على فاتي الذي كان في الموعد تمامًا.

يتلقى فاتي رعاية خاصة في برشلونة كونه أول موهبة تنتجها اللاماسيا وتظهر بشكل أساسي ومهم منذ أن قرر بيب جوارديولا الاستعانة بسيرجيو بوسكيتس منذ عشر سنوات كاملة. إلا أن فاتي في الحقيقة يتلقي رعاية تبدو أهم كثيرًا من رعاية فريقه، إنها رعاية ليونيل ميسي شخصيًا.

احتلت صورة ميسي محتضنًا فاتي داخل ممر اللاعبين بعد مباراته الأولى مع الفريق كل منصات التواصل الاجتماعي والحقيقة أن العلاقة تتعمق بين الأسطورة والواعد شيئًا فشيئًا. يلعب ميغيل شقيق فاتي رفقة ابن ميسي في اللا ماسيا كما أن فاتي قرر تعيين شقيق ميسي الأكبر رودريغو ممثلاً عنه. أصبح تطور فاتي يهم ميسي شخصيًا الآن كونه نجاحاً للعائله وهو ما يجعلنا نتوقع نصائح خاصة من الأرجنتيني للصغير. يمتلك فاتي موهبة فذة بالفعل والتي أصبحت مدعمة بنصائح الأسطورة ليونيل ميسي، لذا يتوقع الجميع نتيجة مبهرة تمامًا.

لا شيء يحدث في برشلونة بعيدًا عن أعين مدريد، هكذا تقتضي تقاليد كرة القدم وعاداتها. ولذا فبظهور فاتي في برشلونة كان لا بد لنا من أن نتعرف على الصغير الآخر الذي ظهر في فريق العاصمة، البرازيلي رودريجو.

رودريجو : عندما يصبح نيمار شيئًا من الماضي

احتاج فاتي للعديد من الأحداث القدرية لكي يُظهر موهبته أمام الجميع لكن رودريجو لم يحتج لكل ذلك والسر ببساطة أنه ولد في البرازيل. كون المرء موهوبًا كرويًا في البرازيل فذلك أمر معتاد لكن كون تلك الموهبة استثنائية فهذا يحتم على العالم بأكمله الانتباه فورًا.

هكذا حظي رودريجو باهتمام عالمي وهو في الحادية عشرة فقط حيث وقع عقد رعاية مع شركة نايكي الأمريكية متفوقًا على نيمار الذي وقع نفس العقد في الثالثة عشرة. حاول نادي ليفربول أن ينتدب رودريجو لإنجلترا لكن نادي سانتوس نجح رغمًا عن كل الإغراءات الإبقاء على الصغير.

عرف فريق سانتوس جيدًا أنه يمتلك ماسة جديدة في عالم كرة القدم. شارك رودريجو في صفوف الفريق الأول وهو في السابعة عشرة دون حتى أن يشارك في دوري الشباب البرازيلي ،وعندما احتفل الفريق بمئويته وقف رودريجو جنبًا إلى جنب بجوار بيليه ونيمار كعلامات مميزة في تاريخ النادي البرازيلي.

كل هذا لم يوفر لسانتوس الحق في الإحتفاظ بجوهرة البرازيل القادمة لوقت كبير حيث اقتنص فريق ريال مدريد اللاعب في منتصف هذا العام. ولم يحتج رودريجو صاحب الثمانية عشرة عامًا سوى 93 ثانية فقط ليسجل أول أهدافه في الليجا.

خلال أول ست مباريات لصاحب الثمانية عشرة عامًا مع مدريد سجل خمسة أهداف وصنع هدفًا منهم ثلاثة أهداف في مباراة واحدة أمام جالاتا سراي في دوري أبطال أوروبا ليصبح ثاني أصغر لاعب مدريدي يسجل ثلاثة في بطولة أوروبا بعد راؤول جونزاليس.

يؤمنون في البرازيل أن مع ظهور لاعب مميز يصبح لاعباً آخر شيئًا من الماضي. ينطبق ذلك على رودريجو الذي يسير على نفس خطوات نيمار سواء بالتوهج المبكر أو الذهاب إلى أحد قطبي إسبانيا مباشرة وهو ما يأمل به بالطبع مشجعي مدريد ليعوض خروج رونالدو إلى إيطاليا. وبمناسبة قدوم لاعب ليعوض آخر فقد شهد عام 2019 في إنجلترا تعويضاً مثالياً من لاعب جديد لآخر راحل، حدث هذا تحديدًا في مدينة ليستر على يد التركي «كاجلار سويونكو».

كاجلار سويونكو : لا أحد يتذكر ماجواير في مدينة ليستر

قررت إدارة مانشستر يونايتد أن الحل المثالي لإنقاذ دفاع الفريق هو انتداب مدافع ليستر سيتي ومنتخب إنجلترا هاري ماجواير قبل بداية الموسم. تمسكت إدارة ليستر بماجواير كثيرًا ورفضت أكثر من عرض لينتهي الأمر بماجواير  في مدينة مانشيستر كأغلى مدافع في العالم حيث تكبدت خزينة الفريق الأحمر 80 مليون إسترليني.

انتظر الجميع اللاعب الذي سيعوض ماجواير في صفوف الثعالب وتناثرت الأقاويل خاصة أن خزينة ليستر باتت منتعشة أكثر من أي وقت، إلا أن إدارة ليستر والمدير الفني رودجرز قرروا أن الحل داخل أروقة ليستر. هنا ظهر الصخرة التركية كاجلار سويونكو كمدافع أساسي لفريق ليستر وهو القرار الذي سيثبت صحته تمامًا فيما بعد.

قدم «سويونكو» إلى ليستر من فريق فرايبورج الألماني وانتظر فقط أن يؤذن له باللعب لكي يصبح من أفضل مدافعي الدوري خلال الموسم الحالي.

استطاع سويونكو أن يخرج بشباك فريقه نظيفة خلال سبع مباريات هذا الموسم مكونًا ثنائياً دفاعياً رفقة إيفانز لاعب مانشستر السابق هو الأقوى بعد دفاع ليفربول بينما لم يستطع ماجواير أن يحافظ على نظافة شباك فريقه سوى 3 مرات فقط. يتفوق سيونكو أيضًا في عملية اعتراض تسديدات المنافسين أكثر من ماجواير بستة كرات وكذلك يتفوق سويونكو في عدد التدخلات الناجحة بفارق يزيد على الـ10 تدخلات!

 

أظهر سويونكو القادم عام 2018 من فرايبورج مقابل 18 مليون إسترليني، أداءً جيدًا للغاية سواء في عملية الاعتراضات أو التصدي أو مواجهات لاعب ضد لاعب، الأمر الذي جعل مدينة ليستر سيتي تنسى ماجواير تمامًا وأصبح التحدي المقبل هو الإبقاء على سويونكو داخل صفوف ليستر خلال المواسم المقبل.

ومن يدري، ربما يلعب سويونكو وماجواير في نفس المدينة خلال العام الحالي فالحديث عن رغبة مانشستر سيتي في الحصول على خدمات سويونكو يزداد يومًا بعد الآخر. حينئذ ربما يصبح ليستر أول نادي يبيع أغلى قلبي دفاع في العالم.