نفذ وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، وعده إبان حملته الانتخابية باقتحام المسجد الأقصى الشريف صبيحة الثلاثاء الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري، وذلك من باب المغاربة ورافقه عدد من المستوطنين وسط حراسة شرطية مشددة من قوات أمن الاحتلال، ووصل حينها لساحة البراق المقدسة، وقال بن غفير بعد اقتحامه إن حكومته لن تخضع لتهديدات حماس، وشدد على أن اليهود سيصلون لهذا المكان.

انتصار إسرائيلي أم استفزاز؟

أثارت عملية الاقتحام ردود فعل واسعة سواء داخل إسرائيل أو خارجها، وأججت الأوضاع بين منتقد ومهاجم ومدافع عن موقف الوزير ذي الأصول الإرهابية المتطرفة، الذي نشأ من رحم حركة كاخ الإرهابية وتتلمذ على يد المتطرف المشهور مائير كهانا، تباينت ردود الأفعال الإسرائيلية حول تلك الزيارة بين المؤيد والمعارض.

الكاتب الإسرائيلي جاكي خوري في صحيفة هآرتس يرى أن الحادث مر بهدوء رغم التهديدات العديدة من حماس أو التحذيرات من المعارضة الإسرائيلية التي أخرج لها بن غفير لسانه بحسب الكاتب الإسرائيلي، التي حذرت من تأجج الوضع وربما يتم شحن الشارع ضد إسرائيل، وهنا يرى خوري أن حماس والسلطة الفلسطينية على حد سواء لا يمتلكون أي قوة تنظيمية على الأرض داخل القدس تستطيع تحريك الناس، لكنه في الوقت نفسه حذر من سلوك العرب الذي أصبح شعبويًا إلى حد كبير ونما وتطور وأصبح غير متوقع، ومسألة عدم انتفاضة الناس ضد اقتحام بن غفير لا يضمن تكرار الأمر مستقبلًا، وإجمالًا يرى الكاتب الإسرائيلي أن بن غفير الذي أرضى غروره وغرور مؤيديه وكذلك بعض قادة الشرطة الذين وصفوا الزيارة بالانتصار التكتيكي على حماس بتلك الزيارة لكنه خدم الفلسطينيين وروج لقضية المسجد الأقصى دوليًا وعربيًا.

ورغم ذلك فإن هناك مخاوف متزايدة لدى الاستخبارات الإسرائيلية وأجهزة الأمن بأن ثمة احتقانًا سيؤدي إلى مواجهات عنيفة في الضفة الغربية في الفترة المقبلة بسبب نية الحكومة المتطرفة الجديدة اتخاذ خطوات أحادية الأجانب بحسب تحليل نشرته صحيفة هآرتس للكاتب الإسرائيلي يوناتان ليس، حيث من المتوقع وقوع مصادمات خصوصًا في شهر رمضان مع تزامن الشهر مع أعياد الفصح اليهودية.

يرى كثير من المحللين الإسرائيليين أن تلك الزيارة لها أهداف أبعد من كونها مجرد تنفيذ لوعد الوزير المتطرف بن غفير، فهدف اليهود المتشددون هو الحصول على مزيد من التسهيلات التي تمكنهم من زيارات دائمة للمسجد دون قيود أو تحديد أوقات معينة، وهو ما أكده المحلل الإسرائيلي نداف شاراجاي في صحيفة «يسرائيل هيوم» في مقالته حول عملية الاقتحام، حيث كشف عن وثيقة أعدتها جماعة «في أيدينا» المتشددة تطلب فيها من الشرطة مزيدًا من التسهيلات التي تمكنهم من الزيارة الدائمة للحرم القدسي الشريف ومزيدًا من الطلبات الأخرى التي يخطط بن غفير لتقديمها إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو للحصول على موافقات بشأن التعديلات المقترحة، ما يعني أن اقتحام بن غفير ما هو إلا بداية لمزيد من الاقتحامات ومن ثم المضي قدمًا في خطط التهويد، سواء الزماني أو المكاني للمسجد الأقصى الشريف.

تحد لنتنياهو أم تمهيد لانهيار الحكومة؟

سبق ورفض نتنياهو طلب بن غفير زيارته للحرم القدسي، ويرى نتنياهو أن التوقيت غير مناسب، وعلى الرغم من أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي كشف أنه سيزور الأقصى في غضون أسابيع، لكنه فاجأ الجميع بتلك الزيارة، وهو ما يعد في نظر بعض المحللين الإسرائيليين تحديًا لنتنياهو وهو ما تحدث عنه بإسهاب الكاتب والمحلل الإسرائيلي المشهور، عاموس هرئيل، في مقالة تحليلية عن الاقتحام في صحيفة هآرتس.

بداية أشار هرئيل إلى تأكيدات مكتب نتنياهو بأن الوضع الحالي في الحرم القدسي لن يتغير كنوع من رسائل التهدئة، لكن بن غفير نفسه أكد سعيه إلى تغيير الوضع الراهن في الحرم، ويرى هرئيل أن بن غفير زعيم «القوة اليهودية» أكد تغيير الوضع الراهن في الحرم وبداية التحدي لنتنياهو، ولن تكون الأخيرة، ويسعى زعيم الصهيونية الدينية إلى إنفاذ وعده بتمكين أكبر لليهود في الساحة المقدسة، لذلك كما قال ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، فإن بن غفير لا يحسب أي حساب لنتنياهو ولا يضعه في اعتباره بالأساس.

شبّه المحلل الإسرائيلي الشهير ألون بن دافيد في صحيفة معاريف اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بسيارة تسير بسرعة 200 كيلومتر في الساعة، ويقودها أطفال سرقوا مفاتيح سيارة ثم اندفعوا بها بتلك السرعة فسرعان ما تصطدم بالحائط فتتهشم بعد أن تصل لنهاية طريقها، لكن المفزع هو أن «الجميع» يقصد كل الإسرائيليين يسافرون في تلك السيارة المندفعة، ويرى بن دافيد أن اقتحام بن غفير أدى إلى تدهور علاقة إسرائيل بكافة جيرانها وحلفائها مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يعيق نتنياهو في الحصول على دعم أمريكي ضد الملف الإيراني كما يرى الكاتب الإسرائيلي، الذي أكد أن هذه الحادثة أظهرت للجميع من هو رب البيت الحقيقي في الحكومة.

ووصف الكاتب الإسرائيلي، يوآف ليمور اقتحام بن غفير للأقصى بأنه تصرف صبياني، واستفزازي لعموم المسلمين في كافة أنحاء العالم وليس العرب فقط، وأكد ليمور صعوبة احتواء أي دول عربية لعملية اقتحام المسجد الأقصى حتى الإمارات التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، ليؤكد الكاتب في مقالته المنشورة في صحيفة «يسرائيل هيوم» أن بن غفير أضر بإسرائيل وعلاقاتها الخارجية وخططها المستقبلية بسبب اقتحامه للمسجد الأقصى دون أن أي مبالاة أو عمل حسابات دقيقة لتبعات عملية الاقتحام.

ويؤكد الكاتب والمحلل الإسرائيلي للشأن العربي في صحيفة هآرتس، تسفي برئيل بأنه لا يوجد ضمانة بعدم تكرار اقتحام بن غفير وحلفائه من حزبه أو مؤيديه بعمليات اقتحام مستقبلية، وسخر الكاتب من ذلك بأن بن غفير قد يفكر في فتح مقر لمكتبه هناك داخل الحرم القدسي.

حلم نتنياهو يتلاشى

وعلى الرغم من أن الإعلام الإسرائيلي تعامل باعتبار أن الزيارة مرت بهدوء وسلام نسبيين، ولم تحدث ضجة أو مواجهات حينها بسبب توقيتها المفاجئ من ناحية، ومدتها القصيرة من ناحية أخرى، توالت ردود الفعل الداخلية والخارجية إثر اقتحام بن غفير الذي من المحتمل أن يفقد الحكومة الجديدة شرعية دولية ويقوض طموحات نتنياهو نفسه، سواء في استكمال ملف التطبيع مع الدول العربية أو التعامل الملف النووي الإيراني.

تصرف بن غفير وضع حكومة نتنياهو بحسب صحيفة هآرتس موقف محرج، وأنه يجد نفسه بين وزراء متطرفين، وحكومة غير منسجمة، رغم تأكيد نتنياهو للمجتمع الدولي أنه يسيطر على حكومته، لكن الاقتحام جعل ولاية نتنياهو الحالية تبدأ بشكل مثير ومقلق، وكأنه دخل باب الحكومة بقدمه اليسرى بحسب تعبير الصحيفة نفسها، وترى الصحيفة أن الاقتحام من شأنه التأثير على علاقة نتنياهو بعدد من الدول العربية، مثل الإمارات التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، التي أدانت الاقتحام وقدمت طلب فلسطين في مجلس الأمن من أجل عقد جلسة طارئة حول عملية الاقتحام الأخيرة وصوتت لصالح فلسطين من أجل التوجه لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ضد استمرار الاحتلال الإسرائيلي، كما أن السعودية التي يسعى نتنياهو لإقامة اتفاقات سلام معها على غرار الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أدانت المملكة عملية الاقتحام ووصفتها بالممارسات الاستفزازية.

وهنا، اختار الكاتب الإسرائيلي، يوناتان ليس عنوان مقالة تحليلية له حول هذه النقطة تحديدًا في صحيفة هآرتس حول تلاشي حلم نتنياهو مع السعودية، فخصص مقالة بعنوان، «ردود الفعل على اقتحام بن غفير للحرم القدسي أوضحت لنتنياهو: الحلم السعودي يتلاشى»، ويرى ليس بأنه من الصعوبة بمكان دفع العلاقات السعودية الإسرائيلية للأمام طالما أن بن غفير وزيرًا في حكومة نتنياهو، وفي سياق متصل عزز تأجيل زيارة نتنياهو إلى الإمارات التكهنات حول ردود الفعل الغاضبة من اقتحام بن غفير، رغم إعلان سبب تأجيل الزيارة بأنه بسبب صعوبات في عملية تنسيق مرور رحلة نتنياهو عبر الأردن، لكن ذهب آخرون إلى وجود احتمالية أخرى تتعلق باقتحام بن غفير للمسجد الأقصى.

لم تتوقف الإدانات حول اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، رغم أنه ليس الوزير الأول، فقد سبقه جلعاد إردان، لكن بن غفير معروف بخلفيته المتطرفة، وعدائه المعلن للعرب، وتسبب الاقتحام في عقد جلسة ساخنة هاجم فيها سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة الهيئة الأممية بسبب صمتها، وحدث صدام حاد في النقاش بحضور جلعاد إردان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، وقال رياض منصور سفير فلسطين بحسب ما نشره موقع الأمم المتحدة: «ما الخط الأحمر الذي ينبغي على إسرائيل أن تتجاوزه ليقول مجلس الأمن أخيرًا كفى ويتصرف وفقًا لذلك؟ لقد نفد صبر شعبنا، ولا ينبغي أبدًا تفسير الاعتدال والشعور بالمسؤولية الذي نظهره على أنه ضعف».

وفي المقابل وصف إردان اجتماع الأمم المتحدة في جلسة طارئة بأنه أمر سخيف، وقال: «إن الدعوة إلى هذا الاجتماع إهانة لذكائنا. الوضع الراهن واضح. يمكن للمسلمين فقط الصلاة في الحرم القدسي، لكنّ اليهود والمسيحيين يمكنهم الزيارة فقط، بغض النظر عن ألقابهم أو مناصبهم»، وعلقت الأردن وقتها على كلمة سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، بأن كلامه زيف يتكرر دون اعتراض المجتمع الدولي.

بشكل عام أحدث اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بلبلة سواء داخل الحكومة الإسرائيلية الجديدة وينذر بصدام مبكر بين نتنياهو المدعوم من حزب الليكود صاحب الأغلبية، وبين شركائه في الحكومة الأكثر تطرفًا ويمينية في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم يرضخ بن غفير لتوصيات نتنياهو ومكتبه بضرورة تأجيل الزيارة كما يسمها الإعلام الإسرائيلي، وهنا زادت التكهنات حول عدم تقدير واحترام بن غفير لنتنياهو الذي رضخ في كثير من المواقف لطلبات الصهيونية الدينية وعلى رأسها بن غفير بتعيينه وزيرًا للأمن القومي وإطلاق يده بصلاحيات كبيرة على الشرطة.

كما تعرضت إسرائيل إلى إدانات دولية وعربية بسبب اقتحام بن غفير، وهو ما قد يؤثر على مساعيها بإحراز تقدم في ملف التطبيع على سبيل المثال أو الحصول على تأييد أمريكي في تقويض الملف الإيراني، أو مزيد من التعاون مع دول أوروبية في العديد من الملفات سواء السياسية أو الاقتصادية، كما تعرضت حكومة نتنياهو لهجوم شرس من المعارضة بقيادة، رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، وعدد كبير من أعضاء الكنيست، لذلك قد يتسبب اقتحام بن غفير على المدى البعيد في انهيار تلك الحكومة، بسبب تطرف الأخير وتوقع الكثيرين بمزيد من التصعيد والقمع ضد الفلسطينيين ما دام هذا المتطرف على رأس جهاز الأمن القومي في دولة الاحتلال، وكلها تداعيات ستجلب مزيدًا من التحديات والعقبات أمام حكومة إسرائيل الوليدة.