ستشكل الطائرة رأس الحربة العمليّاتية بالنسبة لجيش الدفاع الإسرائيلي على مدار عشرات السنوات القادمة، وستعمل على حماية الدولة وردع أي عدو، وإذا وقعت أي حرب فسننتصر بها.

هكذا علق رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي «جادي آيزنكوط» على امتلاك أول مقاتلات الجيل الخامس «إف-35»، والتي منحت إسرائيل مجالاً جديدًا للتفوق والهيمنة على سماء الشرق الأوسط.وقد ربطت عدة تقارير صفقة مقاتلات «الإف-35» بصفقات التسليح المصرية العديدة التي تم إبرامها خلال العام الماضي 2015، وهو الأمر الذي يستدعي فحص الجدوى العسكرية من الصفقات المصرية بعد إلقاء مزيدٍ من الضوء على مقاتلة إسرائيل الجديدة.


لماذا سلاح الطيران الإسرائيلي؟

بعد صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم أرض فلسطين، طلب دافيد بن جوريون تقديم اقتراحات بشأن الجيش القائم والطرق المرغوبة لبنائه في المستقبل. فقام كل من «أهرون ريمز»، طيّار حربي خدم في سلاح الجو الملكي البريطاني وصديقه «هيمان شختمان» الذي خدم في سلاح الجو الأمريكي، ببلورة بعض الأفكار حول إقامة قوة طيران. وكانت الفرضية الأساسية من وراء خطتهما أن القوة الجوية ستشكّل العنصر الحاسم في الحرب مع الجيوش النظامية العربية.ووفقاً للخطة، شملت مهام القوة الجوية القيام بدوريات استطلاع جوي وإرسال طائرات خفيفة تطلق قذائف خفيفة، وكذلك العمل بالتعاون مع القوى البرية. ومن أجل تحقيق تلك، حوت الخطة على شراء من 12 إلى 20 طائرة مدنية، وتجنيد الطيارين ورجال طاقم الصيانة الأرضية الموجودين في البلاد، ثم تأهيلهم وتدريبهم بشكل فوري لتشغيل الطائرات المتوقع تسليمها. بالإضافة إلى شراء من 20 إلى 40 طائرة مقاتلة ذات محرك واحد، ومن 5 إلى 10 طائرات نقل ذات محرك واحد، ومن 5 إلى 10 قاذفة قنابل متوسطة.وبالفعل، في نوفمبر 1947 تقرر إقامة الخدمة الجوية لمنظمة الهاجاناه، وفي شهر ديسمبر أعلن قائد منظمة الهاجاناه ورجال الخدمة الجوية عن إقامة السرب العملياتي الأول، وعن افتتاح دورة الطيران الأولى للخدمة. وفي شهر مايو 1948 طرأت تغييرات على الخدمة الجوية، حيث غُير اسمها إلى سلاح الجو وتم تعيين قائد جديد له «يسرائيل عمير».

في نكسة 1967، كانت الطائرات الإسرائيلية تُقلع بمعدل طائرة كل 48 ثانية، حيث تم إسقاط 60 طائرة عربية، وتعطيل 469 أخرى.

وقد ساهم سلاح الطيران الإسرائيلي بحيوية في كافة الحروب والعمليات العسكرية التي خاضتها «إسرائيل»، بداية من حرب 1948، حينما تمكّن الطيران الإسرائيلي من مواجهة الطيران المصري، وإسقاط طائرتين مصريتين قامتا بقصف تل أبيب.كما كان صاحب النصيب الأكبر من الهزيمة التي لحقت بالعرب في نكسة 1967، حيث كانت الطائرات الإسرائيلية تُقلع بسرعة وكثافة، بمعدل طائرة كل 48 ثانية في المتوسط. حيث تم تنفيذ 9327 طلعة للطائرات المقاتلة؛ للهجوم على 28 مطار. وفي نهاية الحرب، كان قد تم إسقاط 60 طائرة عربية، وتعطيل 469 أخرى.وعلى مستوى آخر، ساهم سلاح الطيران في تحقيق أهداف إسرائيل السياسية عبر عمليات عسكرية محدودة، ومن أبرزها؛ عملية «أوبرا» لضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981.ويمكن القول إن سلاح الجو الإسرائيلي يتفوق على نظرائه في الدول العربية بشكل عام، وهو الأمر الذي يعود إلى عدة عوامل، أبرزها: منظومة الأسلحة والذخائر الإسرائيلية التي جعل طائرات ومقاتلات سلاح الجو أكثر فتكًا. وتقدم وحدات الحرب الإلكترونية التابعة لسلاح الجو، وقدرتها العالية على التشويش على أنظمة رادار «العدو». وقدرة الطائرات الإسرائيلية على التزود بالوقود جوًا.كما تمتلك إسرائيل قدرات استخباراتية عالية في عالم الطيران، وذلك من خلال تشغيل «سرب الاستخبارات» الذي حصل خلال الأعوام السابقة على خبرة عملياتية كبيرة. والقدرات العالية لأسراب الطائرات على إنقاذ الجنود خلال المعركة. فخلال حرب لبنان الثانية تم إنقاذ 332 جنديًا خلال 94 مهمة إنقاذ.وعلى صعيد آخر، تعتبر إسرائيل أحد أكثر دول العالم تقدمًا في مجال تصنيع وتشغيل الطائرات بدون طيار.


منذ 2010: إسرائيل تكافح من أجل الـ «إف-35»

في مساء الأربعاء 22 يونيو 2016، في مصنع صناعة الطائرات «لوكهيد مارتن» في تكساس، أُقيمت مراسم رسمية حصلت إسرائيل خلالها على الطائرة «إف-35» الأولى في الولايات المتحدة. وبذلك تصبح إسرائيل هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تمتلك هذه المقاتلة الحربية المتقدمة. ويُتوقع وصول هذه المقاتلات رسميًا قرابة نهاية العام الحالي 2016.وتعود هذه الصفقة إلى أغسطس 2010، حينما صادقت عليها لجنة وزارية إسرائيلية خاصة برئاسة نتنياهو ووزير الدفاع حينها إيهود باراك. وكان من المفترض أن تحصل إسرائيل على أول طائرة رسمية العام الماضي 2015، إلا أنها في مارس من عام 2011 قررت تأجيل استلام الطائرات؛ حتى تحصل على النسخة الأكثر تطورًا منها.وتقضي الصفقة شراء إسرائيل لـ 33 مقاتلة «إف-35» من الطراز A ومن الجيل الخامس والمتقدم بسعر متوسط يبلغ 110 ملايين دولار للمقاتلة. ومن المقرر أن تهبط أول طائرتين في الأراضي المحتلة في ديسمبر 2016، وستحصل إسرائيل على باقي المقاتلات حتى عام 2021.وفي نوفمبر 2017 سيصبح لدى سلاح الجو الإسرائيلي السرب العملياتي الأول من هذه المقاتلات. وفي الأيام الأخيرة وصلت إلى قاعدة جوية أمريكية في أريزونا مجموعة طيارين إسرائيليين للقيام بتدريبات على نموذج متطور من الطائرة، لكن المرة الأولى التي سيطير بها الإسرائيليون بهذه الطائرة ستكون في أجواء إسرائيل، وذلك لأسباب مالية.كما من المقرر أن يصل إلى الأراضي المحتلة هذا العام 2016 أكثر من 100 مهندس وتقني من الشركة، حيث سيقيمون أكثر من سنة من أجل تدريب عناصر سلاح الجو الإسرائيلي وموظفي الصناعات الأمنية.ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل بتطوير الطائرة بقواها الذاتية، وأن تُركّب عليها منظومات حربية إلكترونية وسلاحًا خاصًا بها، وتجدر الاشارة إلى أن أجهزة الاتصال المركبة حاليًا في الطائرة هي من إنتاج إسرائيلي.


لماذا تتفوق الـ«إف-35»؟

قبل 40 عامًا، وبالتحديد عام 1974، ومع تسلم أولى طائرات الجيل الرابع «إف-15»، أعلن رئيس الأركان آنذاك «موتي غور»، أن وجه إسرائيل قد تغير، وبالفعل فإن الجيل الرابع من الطائرات حافظ لسلاح الجو الإسرائيلي على تفوقه في المنطقة حتى اللحظة الراهنة.وعلى ذلك، من المتوقع أن تُحدث طائرات «إف-35» ثورة في سلاح الجو الإسرائيلي؛ لتضمن تفوقه لمدة 40 عامًا قادمة، وفقًا للمحلل الإسرائيلي «أليكس فيشمان».فهي طائرة ذات قدرات عالية على تفادي نظم الرادار، وتمتلك ميزة وتفوقًا جديًا في مجال جمع المعلومات، فهي قادرة على جمع كم كبير ذي جودة عالية من المعلومات؛ بفضل نظم الرادار والمجسات التي تعمل على تحسين قدرتها الهجومية والدفاعية.كما بإمكان الطائرة الاقتراب من طائرات «العدو» ومن الأهداف الأرضية، حيث لا يتم اكتشافها إلا بعد أن تكون في ذروة النشاط وفي المرحلة التي لا يكون لدى «الأعداء» أية قدرة فعلية على الرد. فهي ترى «العدو» قبل أية منظومة رادار جوية أخرى؛ وبذلك تكون قادرة على التحليق في أية نقطة من الشرق الأوسط، والاقتراب من الأهداف بصورة فجائية، وإلقاء قذائفها والاختفاء.


هل تجوز المقارنة بين «الإف-35» و«الميسترال»؟

سيكون بإمكان الطائرة «إف-35» التحليق في أية نقطة في الشرق الأوسط، والاقتراب من الأهداف بصورة فجائية، وإلقاء قذائفها والاختفاء.

لن نكون هنا بصدد المقارنة عسكريًا بين سلاحين مختلفين أشد الاختلاف، ولن نناقش أيضًا أبعاد التحالف الإستراتيجي الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، الذي مكّن الأولى من الحصول على تكنولوجيا التسليح المتقدمة هذه.ولكن سنكون بصدد تحليل الجدوى العسكرية من صفقات التسليح التي أجرتها مصر، في مقابل الهيمنة العسكرية الجوية التي منحتها صفقة «الإف-35» لإسرائيل.2015 كان عام صفقات التسليح المصرية بامتياز، فوفقًا لتقرير حديث صدر عن «بلومبرج»، تعتبر مصر رابع أكبر مستورد للسلاح عالميًا في عام 2015، بـ 2.3 مليار دولار.

حاملة الطائرات «ميسترال» مصممة خصيصًا للعمليات العسكرية في المناطق البعيدة عن سيادة الدولة المُهاجِمة.

تضمنت هذه الصفقات، شراء حاملة الطائرات المروحية فرنسية الصنع من طراز ميسترال، و50 طائرة مروحية روسية الصنع من طراز «كا 52»، و24 طائرة مقاتلة فرنسية الصنع من طراز رافال، وفرقاطة بحرية.وكان وزير الصناعة الألماني في فبراير 2015 قد أعلن عن الموافقة على بناء غواصتين لمصر إضافة إلى غواصتين أخريين من المزمع تسليمهما لمصر بحلول عام 2017. ومن جهة أخرى أعلنت الصين تلقيها طلبًا مصريًا بتوريد غواصات صينية جديدة.وقد أبدى العديد من المحللين العسكريين تعجبهم من طبيعة صفقات التسليح التي أبرمتها مصر مؤخرًا، خاصة من حيث شراء كل تلك القطع البحرية، وأشاروا أنه من المحتمل أن تكون الميسترال والفرقاطة الفرنسية مجرد استعراض للقوة؛ لأن الميسترال مصممة خصيصًا للعمليات العسكرية في المناطق البعيدة عن سيادة الدولة المُهاجِمة وتستعين بها فرنسا في التدخل العسكري في أفريقيا، فمصر لا تحتاج إلى حاملة طائرات مثل الميسترال ويمكنها حماية حدودها البحرية بوحدات بحرية أصغر حجمًا وأرخص سعرًا. ناهيك عن الجدل الدائر حول قدرات طائرات الرافال، والتي مازالت إلى الآن محل شكوك.يُضاف إلى ذلك، أن الصفقات الجديدة لا تتماشى مع طبيعة التهديدات الأمنية التي تواجهها مصر حاليًا، من حيث تصاعد موجات الإرهاب، خاصة في سيناء، وهو الأمر الذي يفرض النظر بعين الاعتبار لتطوير قدرات القوات البرية والجوية.أمّا الدلالة الأخيرة التي تشير إليها هذه الصفقات في المجمل، فهي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرغب في شراء ودّ قادة أوروبا والدول المتقدمة، وأن يثبت أن مصر ما زالت دولة قوية ومستقرة، ويمكن الاعتماد عليها في أي جهود دولية لمكافحة الإرهاب.

المراجع
  1. "سلاح الجو"، موقع جيش الدفاع الإسرائيلي.
  2. معتز بالله محمد، "11 سبباً لتفوق سلاح الجو الإسرائيلي عالمياً"، موقع مصر العربية، 3 يونيو 2014.
  3. عامر دكة، "بالصور: استقبال حار للمقاتلة المراوغة F-35 في إسرائيل"، موقع المصدر، 23 يونيو 2016.
  4. "إسرائيل تريد تأجيل استلام مقاتلات أف-35 للحصول على طراز أكثر تطوراً منها"، موقع أخبار الدفاع والتسليح، 11 مارس 2011.
  5. أليكس فيشمان، "طائرة أف-35 تضمن لإسرائيل التفوق جواً في الشرق الأوسط 40 عاماً"، موقع صحيفة الأيام، 23 يونيو 2016.
  6. "إسرائيل تحتفي بضم مقاتلات الجيل الخامس لمنظومة الردع"، موقع سيليكون وادي، 26 يونيو 2016.
  7. عبدالله حامد، "محللون: صفقات السلاح أضعفت اقتصاد مصر" موقع الجزيرة نت، 18 يونيو 2016.
  8. "صحيفة ألمانية تتساءل: ما حاجة مصر إلى كل هذه الأسلحة الجديدة؟"، موقع صحافة ألمانية، 14 أكتوبر 2015.