ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يزور قطر في أول زيارة منذ الحظر الذي فرضه رباعي السعودية والإمارات والبحرين ومصر على الدوحة منتصف عام 2017، وأثار خلافًا مريرًا لم يحل إلا في يناير 2021 عندما وقَّعت الأطراف اتفاق العلا، فيما وصفته «عرب نيوز» السعودية الناطقة بالإنجليزية بـ «علامة فارقة جديدة في إعادة العلاقات، واعتراف بأن روابط الدم والتاريخ المشترك والاهتمامات السياسية المشتركة هي أكثر ديمومة من الخلافات التي أدت إلى انهيار العلاقات في منتصف 2017».

لكن الزيارة حملت تفاصيل أخرى؛ فقطر تقدم نفسها كوسيط محتمل في عملية إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية، وربما بديلًا للإمارات التي يبدو أنها تتباعد تدريجيًّا عن السعودية. بخلاف تحليلات صنفت الزيارة ضمن ترتيبات تنصيب ولي العهد السعودي على عرش المملكة.

وسيط جديد؟

في النهاية، لم تستسلم قطر لقائمة المطالب التي قدَّمها رباعي المقاطعة، وفي ذلك إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية، وتسليم الإسلاميين المطلوبين المقيمين في المنفى، لكنها قدمت نفسها كوسيط قوي في المنطقة، خصوصًا بعدما سهَّلت عملية الإجلاء التي قادتها الولايات المتحدة من أفغانستان خلال الصيف، ولعبت دورًا رئيسيًّا في تسهيل الاتصال بحكام طالبان بعد إغلاق السفارات الغربية هناك.

من هذه التفاصيل، ربما تقدم قطر دورًا جديدًا للسعودية عبر الوساطة في تخفيف التوترات مع تركيا وإيران، وربما الولايات المتحدة.

وعرضت قطر على السعودية الوساطة مع تركيا بالفعل، مباشرة بعد اتفاق العلا بحسب ما أعلنه مطلق بن ماجد القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات.

وردت تركيا بالتأكيد أنها «أكثر استعدادًا لاستعادة العلاقات مع الرياض».

من زاوية إيران، يقول المركز العربي واشنطن دي سي، إن قيادة السياسة الخارجية في قطر تشارك حاليًّا في إعادة ترتيب علاقات الدولة مع السعودية في محاولة لإيجاد مسار جديد للمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، أو وضع خطة عمل جديدة.

وبهذا الصدد، يرى المركز أن «احتضان السعودية الواضح لقطر يتجاوز مجرد تنفيذ قرارات العلا إلى سياسة جديدة في الرياض لخفض التصعيد الإقليمي».

بديل للإمارات؟

أسوشيتد برس اعتبرت أن الحفاوة الواضحة في استقبال محمد بن سلمان في قطر، قادمًا من الإمارات العربية المتحدة، التي وجد فيها «مصافحة شكلية من ولي عهد أبوظبي» عكس الاحتضان الذي تلقاه في قطر بعد نزوله من الطائرة، وقرار جعل الإمارات محطته الثانية في جولته بعد زيارة عُمان، يسلط الضوء على التوترات الكامنة التي ظهرت في العلاقة السعودية الإماراتية.

تضيف الوكالة: «على الرغم من البيان المشترك المطول الذي أعرب عن التزامهما بالازدهار الاقتصادي والأمن في ختام زيارة محمد بن سلمان إلى الإمارات، فإن الحليفين التقليديين لديهما مواقف متباينة على نحو متزايد في السياسة الخارجية، وهما في منافسة حامية على الاستثمار الأجنبي والنفوذ الإقليمي».

تتعلق تلك التوترات بالأساس بمحاولة السعودية ترسيخ وجودها كمركز تجاري وثقافي وجيوستراتيجي في الخليج، عبر تأمين حصة في إدارة الموانئ والمحطات الإقليمية، التي تسيطر عليها الإمارات حتى الآن.

وتقول فاينانشال تايمز إن السعودية، على الرغم من كونها عملاقة بالمقارنة مع الإمارات، إلا أنها بدت مقيدة وبطيئة في مضاهاة خفة الحركة التجارية والفطنة لدولة الإمارات، لدرجة أن حاشية ولي العهد أقنعت راعيها بأن «الإمارات تأكل غداء المملكة».

وهكذا، بدأت الرياض بإلزام أي شركة تسعى للحصول على عقود حكومية سعودية بنقل مقراتها الإقليمية إلى السعودية بحلول 2024، وهو القرار الذي يتعلق خصوصًا بالشركات متعددة الجنسيات العاملة من دبي. وبحلول منتصف العام، أصدر السعوديون قواعد أكثر صرامة بشأن الإنتاج المحلي والعمالة الأجنبية والقيمة المضافة، مما جعل معظم السلع الإماراتية غير مؤهلة للتعريفة الخارجية المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي، لتتراجع الصادرات الإماراتية إلى السعودية بمقدار الثلث في غضون شهر.

لاحقًا، أمر السعوديون الشهر الماضي مجموعاتهم الإعلامية الرائدة، التي تتخذ من دبي مقرًّا لها على مدى العشرين عامًا الماضية، بالانتقال إلى الرياض، بما في ذلك إم بي سي. 

حسين أبيش، الزميل المقيم في معهد الخليج العربي في واشنطن، يصف الخلاف بين السعودية والإمارات بـ «الحقيقي والجوهري». لكنه يقول إن الدولتين ستبقيان مرتبطتين بشكل أساسي، على المستويين الإقليمي والدولي؛ لأنهما مستمرتان في مشاركة مصالح جوهرية لتبقيا شريكتين أكثر بكثير من متنافستين. 

يضيف أبيش أن السردية واسعة الانتشار بأن الحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، يتصرف كمرشد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلقت نوعًا إضافيًّا من الارتباك؛ بعدما صورت أنه، ومن خلال قوة الشخصية، فإن محمد بن زايد، كانت له سيطرة مؤثرة في الرياض، بما أضاف إلى الشكوك المتبادلة، على الأقل بين الزعيمين. 

ابتعدت الإمارات والسعودية جدًّا بعضهما عن بعض في موضوع التحالفات الإقليمية كذلك، بعدما انخرطت السعودية في محاولة تقارب تجريبية مع تركيا، قبيل الاتفاقية التي أنهت مقاطعة قطر. وعندما اكتشفت الإمارات أنها لن تتمكن من منع اتفاق ثنائي بين الرياض والدوحة، قدمت عرضها الأخير لتصالح أوسع في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحقق في قمة العلا. 

لكن، وبينما مضت السعودية قدمًا في البناء على الاتفاق، طلبت الإمارات على الأغلب أن يتركها الآخرون وشأنها مع رؤيتها الخاصة، مفضلة استمرار المقاطعة على ما يبدو، من منظور أيديولوجي يرى في قطر عضوًا رئيسيًّا في شبكة تركيا الإقليمية الناشئة.

تمهيد الأرض لوراثة العرش

أمير قطر تميم بن حمد سافر إلى السعودية والتقى ولي العهد عدة مرات منذ انتهاء الخلاف. لكن زيارة الأربعاء كانت أول زيارة رسمية للأمير السعودي لقطر منذ تعيينه وليًّا للعهد في عام 2017، في اختلاف يحمل رمزية، في منطقة تكون فيها الاستضافة مؤشرًا على موافقتك على ضيفك، بوصف مايكل ستيفنز، الزميل المشارك في معهد رويال يونايتد للخدمات البحثية في لندن.

إن بي سي نيوز الأمريكية وصفت الزيارة بـ «تراجع كبير للزعيم الفعلي للسعودية الذي قاد جهود عزل قطر، متهمًا إياها بدعم الجماعات المتطرفة في المنطقة». بينما قال نيل كويليام، الزميل المشارك في تشاتام هاوس، إنها «تظهر بشكل كبير أن الأزمة عولجت بشكل أو بآخر».

وقادت السعودية ومصر جهودًا لإعادة العلاقات مع قطر، حيث عينت الرياض والقاهرة سفيرين جديدين في الدوحة، بينما لم تحذُ أبوظبي والمنامة حذوهما.

كما أعادت قطر تأسيس روابط التجارة والسفر مع السعودية والإمارات ومصر، لكن ليس مع البحرين.

وبينما لم تخرج دولة بعينها كفائز في المواجهة التي استمرت لعشر سنوات تقريبًا بين جيران الخليج، يقدم كريستيان كوتس أولريتشسن، زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، تفسيرًا لذوبان الجليد في العلاقات، بالقول إن زيارة محمد بن سلمان إلى قطر «محاولة سعودية لتنصيبه كقائد إقليمي، وزعيم مرغوب فيه في معظم دول الخليج».

يضيف: «يحاول السعوديون تصوير محمد بن سلمان على أنه شخص مختلف تمامًا عن الصورة التي صنعها لنفسه في سنوات ترامب. إنهم يظهرون شخصًا يمكنه العمل مع الآخرين، شخصًا سيكون ملكًا في النهاية وسيكون قادرًا على التصرف كما ينبغي للملك».

ونال محمد بن سلمان استحسان القادة الغربيين لبعض الإصلاحات التي أشرف عليها في المملكة الخليجية المحافظة، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات والسعي لتنويع الاقتصاد. لكنه تعرض أيضًا لانتقادات شديدة بسبب خوضه حربًا في اليمن المجاورة تسببت في كارثة إنسانية، وبدء خلاف دبلوماسي مع قطر أدى إلى انقسام مجلس التعاون الخليجي.

الآن، ينهي محمد بن سلمان فعليًّا الأزمة مع قطر، والتي قد تعطيه بعض المساعدة في الوساطة مع إيران لإنهاء الأزمة في اليمن.

مخاوف حول صحة الملك

بالتزامن مع الزيارة، يبقى الملك سلمان بن عبد العزيز في معتكفه في قصر نيوم في الصحراء الشمالية الغربية للمملكة لمدة 482 يومًا متتاليًا، منذ 12 أغسطس 2020، مما أثار مخاوف على صحته، وفق إنسايدر.

وخضع الملك لعملية جراحية في المرارة في يوليو 2020. لكن الحالة الحقيقية لصحته تبقى سرًّا يخضع لحراسة مشددة. 

برنارد هيكل، الخبير البارز في السياسة السعودية في جامعة برينستون، قال لـ «إنسايدر»: «إن الملك في نيوم لأن هذا في الواقع أكثر أمانًا؛ لأنه يحد من الوصول إليه. إنهم حريصون للغاية لأنهم يريدون منه أن يعيش».

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتولى وريث الملك سلمان، ولي العهد الأمير محمد، البالغ من العمر 36 عامًا، العرش بعد وفاة والده، وهو ما يتوقع هيكل أن «تسير ترتيباته بسلاسة».