أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في أغسطس/آب من عام 1914 تطوّع الألماني «كارل شوارزشيلد Karl Schwarzschild» للخدمة العسكرية. خدم في بلجيكا وكان مسئولاً عن محطة للطقس، وفى فرنسا خدم في وحدة للمدفعية، أُسندت له مهمة حساب مسارات الصواريخ، ثم خدم في روسيا.

وبينما كان في روسيا، كتب ورقة بحثية عن نظرية بلانك الكمومية واثنتين عن نظرية النسبية لأينشتاين. لندع الأولى جانباً. تقدم أوراق شوارزشيلد الحل الأول الدقيق لمُعادلات آينشتاين عن الجاذبية العامة، مما يعطي فهماً لهندسة الفضاء بالقرب من كتلة النقطة. أرسل إحداهما إلى ألبرت آينشتاين الذي رد قائلاً: «لم أتوقع أن يتمكن أحد من صياغة الحل الدقيق للمشكلة بهذه الطريقة البسيطة».

العمل المقدم في هاتين الورقتين شكّل الأساس لدراسة لاحقة لـ«متفردات شوارزشيلد Schwarzschild Singularities» والتي تُعرف الآن بـ«الثقوب السوداءBlack Holes»، وهو الاسم الذي اقترح الفيزيائي «جون ويلر» أثناء مُحاضرة له عام 1967، ولاقى قبولاً وشهرة.

تبين أن الأجسام ذات الكتلة الكبيرة (بالقدر الكافي) سيكون لديها سرعة هروب تتجاوز سرعة الضوء، وبالتالي لا يمكن رؤيتها. ومع ذلك؛ يقول شوارزشيلد إنه يعتقد أن الحل النظري ليس له معنى جسدياً، وذلك يعني أنه لا يؤمن بوجود «الثقوب السوداء» في الواقع.

كارل شوارزشيلد عام 1900.
شوارزشيلد مع بعض زملاء العمل أمام المرصد في Gdttingen.

وأينشتاين أيضاً

في عام 1939 كتب ألبرت آينشتاين ورقة بحثية، رفض فيها فكرة «الثقوب السوداء» التي تنبأت بها الجاذبية ونظرية النسبية العامة التي وضعها بنفسه ونشرها قبل أكثر من عقدين.

«إنها النتيجة الأساسية لهذا التحقيق»، وذلك كما ادعى آينشتاين، بعد مرور 6 سنوات على عمله أستاذاً في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون (نيو جيرسي)، ويُضيف: «هذا واضح تماماً، مثل لماذا لا توجد متفردات شوارزشيلد في الواقع المادي؟».

في ذات العام الذي حاول فيه آينشتاين تفنيد الثقوب السوداء، استطاع «ج. روبرت أوبنهايمر» وطالبته «هارتلاند إس. سنايدر» إيضاح كيف تتشكل الثقوب السوداء وذلك باستخدام النظرية النسبية العامة لآينشتاين.

ألبرت آينشتاين مع ج. روبرت أوبنهايمر. تم التقاط الصورة في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون، أواخر 1940. ولاحقاً في عام 1947 أصبح روبرت مديراً للمعهد.
/ IAS

ما الثقوب السوداء؟

الثقب الأسود مكان في الفضاء ضخم ومدمج بحيث إن الزمن يختفي والفراغ يمتد إلى ما لا نهاية، كثيف للغاية، لأنه تم ضغط المادة في مساحة صغيرة (يمكن أن يحدث هذا عندما يموت نجم). مع وجود جاذبية قوية للغاية حتى أن الضوء لا يمكنه الإفلات من قبضته إذا اقترب منه درجة كافية.

نظراً لعدم خروج أي ضوء، لا يمكن رؤية الثقوب السوداء. إنها غير مرئية. التلسكوبات الفضائية مع أدوات خاصة يمكن أن تساعد في العثور على الثقوب السوداء. يمكن للأدوات الخاصة أن ترى كيف تتصرف النجوم القريبة جداً من الثقوب السوداء بشكل مختلف عن النجوم الأخرى، وهكذا يتم اكتشاف الثقوب السوداء.

ويُمكننا تعريف الثقوب السوداء بأنها ثقوب كبيرة في نسيج الزمكان.

أول صورة لثقب أسود هائل – Supermassive Black Hole.

والصورة السابقة هي للثقب الأسود المركزي لـ Messier 87، وهي مجرة ضخمة في مجموعة Virgo.

الزمكان Spacetime

اعتقد العلماء أن المكان والزمان كيانان موجودان مُسبقاً، قبل وقوع الحركة، ويستمران بشكل مُستقل عنها. بالطبع، هذا هو حدسنا الساذج. نعلم أنه غير صحيح وذلك وفقاً للنظرية النسبية العامة لآينشتاين. الزمان والمكان شيئان ديناميكيان، حيث يتم تعديل الشكل بواسطة الأجسام التي تتحرك فيهما. قوة الجاذبية العادية تحدث نتيجة لتشويه الزمكان (الزمان والمكان).

الزمكان هو كيان مادي يؤثر على حركة الجسيمات، وأيضاً يتأثر بحركة الجسيمات نفسها. على سبيل المثال، تُشوِّه الأرض نسيج الزمكان بحيث الساعات على ارتفاعات مختلفة تعمل وتقيس الوقت بمعدلات مختلفة (كلما ارتفعنا عن الأرض، في الطوابق الأعلى، يمر الوقت أسرع، وذلك لضعف الجاذبية)، بالنسبة للأرض، هذا تأثير صغير جداً (نستطيع قياسه).

بالنسبة لكائن ضخم للغاية ومضغوط كثيراً، يمكن أن يكون لتشوه الزمكان تأثير ضخم. على سبيل المثال، إذا وضعنا ساعة على سطح نجم نيوتروني، فإنها تعمل أبطأ بمقدار 70% من سرعة الساعة الأبعد عنه.

تشوه الأجسام لنسيج الزمكان.
/ ESA

في الصورة السابقة، الزمكان كسطح ثنائي الأبعاد، يتم تشويهه من خلال وجود ثلاثة جسيمات ضخمة، التشويه الناتج عن كل جسيم يتناسب مع كتلته. ولا تلتقي الخطوط المتوازية أبداً ويبلغ مجموع زوايا المثلث 180 درجة. في النظرية النسبية العامة، الزمكان ليس مسطحاً ولكنه منحنٍ بسبب الأجسام ضخمة.

تشوه نسيج الزمكان نتيجة تقب أسود، نجم نيوتروني، الشمس.

وعلى ذلك، نشاهد أن الثقوب السوداء ثقوب كبيرة في نسيج الزمكان.

كيف تتشكل الثقوب السوداء؟

الطريقة الأكثر شيوعاً هي الموت النجمي. عندما تصل النجوم إلى نهاية حياتها، فإن معظمها يتضخَّم ويفقد الكتلة، ثم يبرد ليشكل أقزاماً بيضاء. لكن أكبر هذه الأجسام النارية، تلك التي لا يقل حجمها عن 10 إلى 20 مرة مثل شمسنا، من المُقرر أنّ تصبح إما نجوم نيوترونية Neutron Stars عالية الكثافة، أو ما يُسمى بـ الثقوب السوداء ذات الكتلة النجميةStellar-Mass Black Holes.

في منتصف ستينيات القرن العشرين، كرَّس شابّ وعالم رياضيات إنجليزي يُدعى «روجر بنروز» نفسه لدراسة الثقوب السوداء، وفي عام 1965، أثبت أنه من النظريات المهمة التي أظهرت أن انهيار الجاذبية لنجم الموت الكبير يجب أن يؤدي إلى التفرد Singularity، حيث لا يمكن أن يستمر، فالوقت والنسبية العامة الكلاسيكية تنهار.

نقطة اللا عودة

سطح الثقوب السوداء يُسمى «الأفق Horizon» أو (أفق الحدث، Event Horizon). إنهه نقطة اللا عودة. الشخص الذي يعبره لن يستطيع العودة أبداً، ومع ذلك، لن يشعر بأي شيء. لكن بعد قليل سيشعر بعدم الارتياح عندما يتم هرسه داخل «التفرد Singularity»، وهي منطقة بها مجالات جاذبية عالية جداً. الأفق هو ما يجعل الثقوب السوداء «سوداء»؛ لا شيء يستطيع الإفلات منه، ولا حتى الضوء. لحسن الحظ، إذا بقيت خارج الأفق، فلن يصيبك مكروه. فالتفرد لا يزال مُختفياً وراء الأفق.

سطح الثقب الأسود.
/ nature

مخرج طوارئ: الثقب الأبيض White Hole

الثقب الأبيض هو الصورة المعكوسة للوقت للثقب الأسود، في هذه الحالة، يمكن للمادة أن تتحرك إلى الخارج فقط. يحب الناس التفكير في الثقوب السوداء والثقوب البيضاء كبوابات عبر الكون. أنت تسقط في ثقب أسود، وتخرج من حفرة بيضاء في مكان بعيد. سيكون جميلاً إذا كانت هذه هي الطريقة التي تعمل بها الفيزياء بالفعل (قد تجعل السفر بين المجرات أسهل كثيراً). لكن لسوء الحظ، هذا ليس بالضبط ما يحدث.

لنكن واضحين، فالثقوب البيضاء هي ظاهرة نظرية فقط، فحتى هذه اللحظة، ليس لدينا أي دليل على وجودها. ويعتقد معظم العلماء أنها غير موجودة.

وقد يكون مستقبل جميع الثقوب السوداء هو التحول (كلٌ على حدة) إلى ثقب أبيض حقيقي.

الانتقال من ثقب أسود إلى ثقب أبيض.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.