«رونالدو» يسجل هدفًا كل 134 دقيقة، و«صلاح» يفعل كل 131 دقيقة، أما «ميسي» فيهز الشباك كل 96 دقيقة، وأخيرًا «مبابي» يعاقب خصومه كل 70 دقيقة فقط. هذه هي معدلات التهديف لألمع نجوم دوريات أوروبا. لكن هل فكرت يومًا أن يمتلك أحد ما معدلاً تهديفيًا أفضل؟ في الحقيقة، من الصعب أن تجد مهاجمًا في أوروبا يحظى بمثل تلك الأرقام، لكن لو وسعت نطاق بحثك خارج القارة العجوز لربما تختلف هذه النتيجة. دعنا نلقي نظرة على قارة آسيا، وتحديدًا دوري نجوم قطر الذي يضم 12 فريقًا، وسبق أن خاض منافساته بعض اللاعبين الكبار الذين يأتي في مقدمتهم «تشافي هيرنانديز» القائد السابق لفريق برشلونة، ومنتخب إسبانيا المتوج بمونديال 2010. يلعب تشافي بقميص نادي السد منذ عام 2015، وقد أصبح محط أنظار الجميع لما يمثله من قيمة فنية وتاريخية كبرى، سوى أن لاعبًا آخر تمكن هذا الموسم من سرقة بعض الأضواء التي تحيط بهيرنانديز. السبب ليس لأنه يمتلك مسيرة تضاهي تلك الخاصة بقائد البلوجرانا السابق، ولكن لأنه يملك معدلاً تهديفيًا خرافيًا ليس من السهل تصديقه. هذا اللاعب هو المهاجم الجزائري «بغداد بونجاح»، وقد سجل 26 هدفًا وساهم في صناعة 5 أهداف بعد مضي 13 جولة فقط من بداية الدوري، بمعدل هدف كل 35 دقيقة فقط!


كم هدفًا في مباراة واحدة؟

في مساء الثاني عشر من أغسطس/آب الماضي، كان ملعب جاسم بن حمد يحتضن جولة جديدة من ديربي قطر بين السد وغريمه العربي. هذه الجولة التي سيذكرها جمهور الناديين طويلًا بعد أن شهدت 11 هدفًا كان لبونجاح نصيب الأسد منهم.ففي الدقيقة 89، كان الدولي الجزائري يستعد لاستلام تمريرة زميله «أكرم عفيف» داخل منطقة الجزاء، قبل أن يحولها بعد اللمسة الأولى لهدف في مرمى العربي. لم يكن ذلك هدف بغداد الثاني، ولا الثالث، ولا حتى الرابع، بل كان السابع. نعم، هدفه الشخصي السابع وهدف فريقه العاشر. وهو الأمر الذي جعل معلق المباراة «خليل البلوشي» يحتار في إيجاد التعبير الملائم، فهذا لم يكن هاتريك، ولا سوبر هاتريك، ولا حتى ميجا هاتريك! دللت هذه المباراة على أكثر من شيء. أوضحها للعيان هو إمكانيات بونجاح التهديفية التي تفوق منافسات الدوري ككل، خصوصًا وأنه كان قد سجل هاتريك في المباراة السابقة، ثم سيعود بعد مباراة واحدة ليضيف هدفين آخرين. كما طرحت المباراة سؤالين هامين؛ الأول ماذا يميز بغداد بالتحديد؟ والثاني هو لماذا لم يخض صاحب الـ26 عامًا تجربة احترافية بأوروبا حتى الآن؟


صاروخ أرض جو

عرفت الجماهير العربية اسم بونجاح قبل أن يرتدي قميص الزعيم القطري. فقبل خمسة مواسم، كان قد أتم انتقاله لنادي النجم الساحلي التونسي قادمًا من اتحاد الحراش الجزائري، وهناك نجح في لفت الانتباه مبكرًا مع فريق مدينة سوسة، فقد أنهى موسمه الأول 2013/2014 متربعًا على صدارة هدافي الدوري التونسي برصيد 14 هدفًا في 24 مباراة فقط. ومع تولي «فوزي البنزرتي» مسئولية الفريق الساحلي في صيف 2014، تضاعفت أسهم بونجاح حتى بات أهم عناصر الفريق الذي شهد صحوة محلية وأفريقية كبيرة. فعلى الصعيد التونسي، تمكنوا من التتويج بالدوري والكأس التونسية. وقاريًا، شكّل النجم قوة لا يستهان بها بين عمالقة أفريقيا، حتى قادهم بغداد للفوز بالكأس الكونفدرالية بنهاية عام 2015، بعد أن حظي بلقب هداف البطولة.يمتلك بونجاح كل صفات مهاجم الصندوق الكلاسيكي؛ حيث يتجاوز طوله الـ180 سم، وهو ما يمنحه أفضلية في الكرات الهوائية والعرضية أمام الخصوم. وبرغم هذا الطول، فلا يعيب بغداد البطء وثقل الحركة، وقد ظهر ذلك في هجمات فريقه المرتدة. كما يمتلك لمسة دقيقة للغاية أمام المرمى برأسه وكلتا قدميه، وهو ما يفسر تسجيله 32 هدفًا خلال مسيرته مع النجم الساحلي عبر 54 مباراة. ويتميز أيضًا بقدرة على الهروب من الرقابة سواء أثناء العرضيات أو الكرات البينية. هذا بالإضافة إلى أنه مهاجم نشيط ومشاكس ومرهق لأي خط دفاع داخل أفريقيا. وقد أكسبته سنواته مع النجم خبرة لا بأس بها في التعامل مع الضغوط الجماهيرية والإعلامية، واكتمل هناك نضوجه الفني حتى صار ينافس على حجز مقعد في قائمة محاربي الصحراء المدججة بالمحترفين في أندية أوروبا.لكل ذلك، كان لابد أن تنهال العروض على ناديه ووكيله، وقد سمعنا في مصر عن رغبة الأهلي والزمالك في الحصول على خدماته، وتواترت أنباء أخرى عن متابعة أندية فرنسية وإنجليزية له، لكن الحال انتهى به يوقع للسد القطري في صيف 2015 في صفقة بلغت 3.5 مليون يورو، وجعلت من بغداد أحد أغلى اللاعبين في تاريخ السد والدوري القطري عمومًا.


هداف تاريخي لكن بلا بطولة

كان عمر بونجاح لا يزال 23 عامًا فقط يوم انتقل للسد، وقد واكب انتقاله التعاقد مع تشافي. وهذا التوقيت بالإضافة للمبلغ الكبير الذي دفعه مسئولو النادي للحصول على خدماته له دلالة وحيدة فقط؛ وهي أنهم يثقون في قدراته، وينظرون له كاستثمار لتحقيق أهدافهم.كانت أهداف مسئولي السد عودة النادي لسابق مجده المحلي والقاري، فقد تراجعت هيمنة الزعيم لصالح نادي الدحيل، وفشل قاريًا في تكرار إنجاز الفوز بدوري أبطال آسيا الذي كان السد آخر فريق عربي يفوز به عام 2011.لم يخيب بغداد ظن أحد، وعاد لممارسة ما يجيده جيدًا أمام المرمى بقميص السد، حتى أنه نجح في أقل من ثلاثة أعوام في أن يصبح الهداف التاريخي للنادي برصيد 78 هدفًا بـ57 مباراة فقط. لكن هل نجح السد كفريق في تحقيق أهدافه؟ كان الزعيم بالفعل قريبًا من تكرار إنجاز 2011 الموسم الماضي، لكنه تعرض للإقصاء من دور نصف النهائي على يد بيرسوليس الإيراني، ولم تفلح محاولاته في استعادة لقب الدوري الغائب منذ 2013. بالتأكيد لا يمكن لوم بونجاح على ذلك الإخفاق، فعلى النقيض يمكن اعتباره عامل حسم كبير يمنح فريقه أفضلية على خصوم لا يمتلكون مثل تلك الجودة في خط الهجوم.


الطريق لأوروبا يساوي 15 مليونًا

اليوم يملك بغداد 26 عامًا ولا زال لم يخض تجربته الاحترافية الأولى بعد، في الوقت الذي يلعب فيه أبناء جيله كـ«رياض محرز، فوزي غلام، ياسين براهيمي، ونبيل بن طالب» في أندية أوروبية لها اسمها. فما هو السبب في ذلك؟عرضنا ذلك السؤال على الصحفي «حسن دراز»، المختص في شئون الكرة العربية والخليجية بموقع سبورت 360، وجاءت إجابته على النحو التالي:«كانت هناك عروض أوروبية بالفعل لبغداد خلال فترة تواجده مع النجم، لكنها كانت لأندية تلعب بالدرجة الثانية، وهو ما جعل القيمة المالية لتلك العروض ضئيلة للغاية خصوصًا إذا قورنت بالرقم الذي عرضه السد. قد طلب منه المسئولون في السد تأجيل قرار الرحيل لبعد بطولة دوري أبطال آسيا الموسم الماضي، لكن الحظ لم يكن حليفًا للسد. أما موقفه الحالي، فهو مقيد بعقد مع ناديه القطري حتى عام 2021، وهناك شرط جزائي في عقده يسمح له بالرحيل ولكن بقيمة 15 مليون يورو تدخل خزينة السد».يؤكد دراز أن هناك أكثر من نادٍ مهتم في الوقت الحالي بالتعاقد مع بونجاح، أندية في السعودية وفي الصين وفي أوروبا، ولكن رغبة بغداد الأولى هي الانتقال لأوروبا في يناير القادم، وتحديدًا لنادي مارسيليا حيث يسعى مدرب الفريق «رودي جارسيا» لتدعيم خط هجومه، وقد وضع المهاجم الجزائري ضمن أولوياته. العائق الحالي سيكون قيمة الصفقة؛ هل يقدم مارسيليا على دفع الشرط الجزائي كاملًا، أم ينجح في الوصول لاتفاق مع مسئولي السد بتقليل قيمة الصفقة، أم يمكن أن نرى بغداد بقميص نادٍ خليجي آخر؟ الأسابيع القليلة القادمة تحمل لنا الإجابة.