اللاعبون هم من يخسرون لا التكتيك، يتحدثون كثيرًا عن التكتيك وهم لا يُجيدون لعب الدومينو
براين كلوف مُنتقدًا مُهاجمي تكتيك المُدربين.

أن تُصبح مُدربًا جيدًا شيء سهل،أما أن تُصبح أسطورة فهذا يحتاج الكثير سواء من العمل أو من الحظ، ولكن أن تُحقق المستحيلات وأنت غير مهتم فهذا مستوى آخر من الأسطورية، ربما لم يصل له سوى بطلنا، براين كلوف. غرابة مسيرة كلوف لم تكُن فقط عن بدايته كمُدرب ولكن مُنذ أن ركلها بقدمه. كلوف كان مُهاجم نادي البلدة التي وُلد بها – وربما ذلك هو الشيء المنطقي الوحيد في حياته – حيث لعب لنادي ميدليزبره في الفترة بين عامي 1955 و 1961 أصبح فيها الهداف التاريخي للنادي برصيد 197 هدفًا، وهو بعمر السادسة والعشرين فقط! ربما موهبة فذة في التهديف ولكن الغريب أنها كانت في دوري الدرجة الثانية الإنجليزي. انتقل بعد ذلك إلى سندرلاند وأحرز معه 54 هدفًا، والأغرب أنها جميعًا كانت في الدرجة الثانية، وهدف واحد بدوري الدرجة الأولى أو البريميرليج حاليًا في آخر مواسمه كلاعب عام 1965! ربما هذا الهدف الأخير كان إيذانًا منه بقدوم شيء ما أخطر من هز الشباك وإعلانًا ببداية الأسطورة كلوف.

كم من الأهداف يجب أن نُسجل حتى نستطيع أن نفوز ؟!

براين كلوف ساخرًا من زملائه بعد التعادل بين البورو وشارلتون أتليتك 6-6 .

كان يرى نفسه دومًا على الصواب، كان دائم السخرية من الآخرين وكان له أسلوبه الخاص، قالها مرة بفمه في أحد أشهر اللقاءات التلفزيونية في تاريخ كُرة القدم الإنجليزية بينه وبين دون ريفي أسطورة تدريب ليدز يونايتد بأنه «special». ربما يؤكد هذا ما ذكره نجله بعد وفاته وعند تكريمه بفيلم «I believe in miracles» ليُخلد ذكراه بأنه ووالدته يريان أن جوزيه مورينيو هو الأقرب لشخصية والده، ولكن والده أعظم على حد تعبيره لأنه صعد من الدرجة الثانية إلى الفوز بدوري أبطال أوروبا وهذا مالم يفعله جوزيه. يبدو أن كلوف ورث جيناته كما يجب في أبنائه.


لملامسة السماء كان لابد من الحفر تحت الأرض

كلوف، تايلور
كلوف ورفيق عمره بيتير تايلور

لم يتفوه بها كلوف ذات مرة، ولكن تشعر أنه يُحب أن يصنع المجد بنفسه من اللاشيء حتى يُرضي غروره _الذي اعترف به من قبل_ قبل أن يُرضي الناس، تشعر وأنه كان يُريد إثبات شيء ما دون أن يدري. بداية مسيرته التدريبية كانت مُتواضعة جدًا رغم كونه مهاجمًا على الأقل جيد جدًا، ولكنه اختار أن يكون المُدير الفني الأصغر بإنجلترا كُلها. وهو في بداية عقده الرابع تولى تدريب ناد مغمور جدًا أقرب للهواية يُدعى هارتبولز يونايتد، ولكنه ليس وحده كان برفقة تايلور، بيتر تايلور الذي رافقه أيام البورو، ولكن كحارس مرمى وتوطدت صداقتهما حتى أصبحا كشخص واحد تقريبًا. قبلا المهمة المستحيلة، وفي غضون عام ونصف تقريبًا لم يُحققا أي إنجاز يُذكر في ذلك النادي، ولكن كلوف وقع مع اثنين من اللاعبين، هما ليس جرين حارس المرمى وجون ماكجوفيرن اللذان لحقا به مؤخرًا في ديربي كاونتي.

كان ذلك بداية الحفر الذي لم يقتنع كلوف وتايلور أنه انتهى بل يجب الاستمرار فيه، وبالفعل تولى كلوف وصديقه مسئولية تدريب النادي الصغير وقتها ديربي كاونتي القابع بدوري الدرجة الثانية الإنجليزي وأنهى موسمه الأول في مركز أقل من الموسم المنُصرم ولكنه هنا قرر إنهاء رحلة التنقيب وقرر الصعود بقرارات لا تصدر إلا منه، التخلص من 11 لاعبا من الفريق الأول لديربي وبقاء 4 فقط من الحرس القديم بالفريق والتعاقد مع آخرين، كذلك التخلص من كشاف اللاعبين وعامل الأرضية واثنين من الموظفات بعدما رأهما يضحكان سويًا بعد هزيمة للفريق! النتيجة هي تأهل ديربي كاونتي للدوري الإنجليزي وحقق في موسمه الأول المركز الرابع في أعلى ترتيب لهم مُنذ 20 عامًا وبسبب حالة الفريق المادية السيئة حُرم من تمثيل إنجلترا في دوري الأبطال، في الموسم التالي حقق المركز التاسع في جدول الترتيب.


المجد والصداقة والعداء

كلوف وتايلور على اليمين، ودون ريفي

روما لم تُبن في يوم واحد، لأنني لم أكُن المختص
عن دخوله عالم التدريب بسرعة.

بكثير من تلك الثقة دخل كلوف موسمه الثالث مع ديربي كاونتي وبالفعل نافس على اللقب حتى النهاية، كان يُنافس عملاقي إنجلترا وقتها ليفربول وليدز يونايتد حيث فاز على ليفربول في مُباراته الأخيرة بهدف للاشيء وتصدر جدول الترتيب بفارق نقطة عن كليهما، ولكن مع مُبارة لكُل منهما، أمر كلوف تايلور أن يأخذ الفريق في إجازة إلى مايوركا حتى لا يتأثر إن فقد الفريق اللقب وهو الشيء المُرجح وذهب هو مع أسرته إلى صقلية لقضاء وقت استرخاء. جاءت الأخبار من لندن تقول إن ديربي هو بطل الدوري، كيف؟ تساءل الجميع، وكان الرد بأن ليدز خسر من ولفرهامبتون، وليفربول تعادل مع أرسنال! المُعجزة الأولى في حياة مُدرب المُعجزات.

شيء مثل هذا مع شخصية كتلك هو بمثابة القُنبلة الموقوتة، فالغرور والنجاح قد يُنتجان شيئا يصعُب التعامل معه وهو ماحدث، حيث بدأ بالتعاقد مع لاعبين دون مشورة الإدارة ورفض الذهاب لمُعسكر إعداد الفريق بألمانيا الغربية لرغبته باصطحاب أسرته معه الأمر الذي رفضه رئيس ديربي.

جمهورنا بدأ بالغناء عندما تقدمنا بالنتيجة فقط، كنت أريد الغناء عندما كُنا مُتأخرين، هذا شيء مُخجل
كلوف مُنتقدًا الجمهور بعد الفوز على ليفربول 2-1.

الآن الصدامات تمددت للجمهور أيضًا، والفريق في المركز السابع بجدول الترتيب، ولكنه بنصف نهائي كأس أوروبا أمام يوفينتوس والنتيجة هي الخروج بثلاثية أمام اليوفينتوس ليقول للصحفيين الطليان بعد اللقاء، لن أتحدث لأوغاد غشاشين.

أنا مثالي قليلًا وأحبب العدل، تلك هي نظرتي.
كلوف عن طريقته في كرة القدم.

الخلافات انتهت بإقالته هو وتايلور من تدريب ديربي كاونتي، تلك لم تكن مفاجأة بقدر ما تلاها، وهو قبول كلوف مهمة تدريب برايتون أند هوف ألبيون، النادي القابع بالدرجة الثالثة الإنجليزية، كيف؟ كيف من كان قبل أشهر قليلة على أعتاب نهائي دوري الأبطال يُقرر قبول عرض ناد أقصى طموحاته البقاء بدرجته فقط؟ ربما قرر الحفر مُجددًا، ربما أراد إثبات شيء ما! ولكن خساراته المُتكررة وبطريقة مُهينة أحيانًا مثل الخسارة أمام بريستول روفرز 2-8 عجلت بنهاية مُغامرة دون أن تبدأ.

لم أكُن مؤهلًا لأنجح دون بيتير تايلور، أنا بمثابة نافذة المحل وهو البضاعة خلفي
كلوف مُقدرًا قيمة صديق عمره بيتير تايلور في أحد تصريحاته.

المُفاجآت لم تتوقف هنا، بل وكعادته يملك المزيد في جعبته وربما كانت مفاجأة لنفسه أيضًا عندما قبل تدريب فريق طالما انتقد طريقة لعبه ومُدربه علانيةً، قبل كلوف خلافة الأسطورة دون ريفي في تدريب العملاق ليدز يونايتد وقتها. لم يُصدق بيتير تايلور صديقه ما حدث وللمرة الأولى قرر التخلي عن صديقه لأنه لم يُحب يومًا ليدز، ربما ولم يُحبهم أيضًا كلوف.

كان يعلم كلوف أنه لم ينجح أو أنه لم يرد هذا النجاح من الأساس كان يعلم أنه يُريد أن يتحدى القوانين والطبيعة وكل شيء، لم يكن ينوي الركوب على أكتاف ريفي والنجاح بفريقه الذي كان يُعتبر الأنجح في إنجلترا في هذا الوقت.

اذهبوا وألقوا بكل ميدالياتكم بالقمامة

براين كلوف في أولى حصصه التدريبية موجهًا كلامه للاعبي ليدز يونايتد الذين كانوا أبطال إنجلترا.

لا أحد يعلم لماذا فعل كلوف هذا؟ ولكن هو كان يعلم أنه كل هذا كان بمرحلة تحضير الأسطورة للمس السماء بعدما عانى كثيرًا من الحفر تحت الأرض.


مستوى العظمة

كلوف، تايلور، دون ريفي
كلوف، تايلور، دون ريفي
نهر الترينت رائع جدًا رُبما لأنني كنت أسير بجواره لمدة 18 عامًا

براين كلوف مُفتخرًا بنفسه.

كلوف في ليدز ذهب ليقول للاعبين ما كان يقوله عنهم في الصحافة، غروره هزمه وصور له أنه ضعيف طالما لم يواجههم بحقيقتهم التي اقتنع بها، لا يوجد تفسير لما فعله كلوف سوى هذا، وهنا جوني جايلز أسطورة ليدز وقتها يقول إنه كان من المُمكن أن ينجح مع ليدز لأنه كان عظيمًا، ولكن تصرُفاته معهم لم تكن على القدر بل حد وصف جايلز نفسه بأنها سيئة للغاية. المُحصلة 44 يوما فقط ورحل كلوف عن ليدز.

نتحدث لمُدة عشرين دقيقة فقط، بعدها نُقرر أنني كُنت على صواب
براين كلوف عن استماعه لآراء اللاعبين.

في السادس من يناير/كانون الثاني من العام 1975 عندما قرر مسئولو نوتينجهام فورست التعاقد مع براين كلوف، لم يكونوا يدرون أنهم أدخلوا الجميع بمن فيهم أنفسهم ذاتها التاريخ، ولكن كلوف كان ينتظر الفرصة، ترك الدُمية الجميلة الغالية وقرر اقتناء أُخرى ليجعلها هو أغلى من الكُل، بالتأكيد كان يطمح ولكنه لم يكُن يعلم.

في موسمه الأول أنهى دوري الدرجة الثانية في المركز الثامن ومع دخول موسم 1976/1978 عاد إليه ذراعه اليمنى بيتير تايلور كمُساعد مرة أُخرى وتمكن الثُنائي من الصعود للدوري الإنجليزي المُمتاز . هنا تقمص تايلور دور الرجل الأول لمرة واحدة في حياته حتى ولو في خياله وصرخ بصوت لم يسمعه إلا هو، صرخ يرجو كلوف أن يُكمل القصة ولو لمرة، انصاع كلوف للأوامر التي لم يسمعها وبعد الصعود فازوا بثنائية الدوري وكأس الرابطة على حساب ليفربول ليُصبح كلوف ثاني مُدير فني يُحقق الدوري الإنجليزي مع فريقين مُختلفين بعد شابمان.

كل شيء كان يدفع كلوف نحو مجد لم يُحققه غيره، الأمر لم ينته عند تحقيق الدوري بفريق للتو صاعد من درجة دُنيا ولكنه استطاع أن يحقق المُستحيل، كلوف وتايلور سويًا حققا دوري الأبطال موسمي 1979 و1980 واستطاع الحفاظ على كأس الرابطة لموسم آخر.

كلوف حقق رقما قياسيا بـ49 مباراة متتالية دون خسارة في الدوري، كلوف فعل شيء لا يمكن الكتابة عنه، كلوف جعلنا نندم أننا لم نر مثل هذه المعجزات. الأمر جعله يُدعى مدرب المعجزات ولكن مع التمعن أكثر في مسيرته يجب أن يُطلق عليه معجزة المدربين.