مع اقتراب انعقاد القمة الخامسة عشرة لقادة دول مجموعة «بريكس» في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا ما بين 22 و24 أغسطس / آب الجاري، تتزايد التكهنات حول ما ستسفر عنه هذه القمة الاستثنائية في ظل حالة انقسام عالمي عميق على خلفية الحرب الأوكرانية.

ويشارك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في القمة عبر مكالمة فيديو، بينما من المتوقع أن يحضر الرؤساء الآخرون، وقد دعت جنوب أفريقيا، 67 زعيمًا من أفريقيا ودول الجنوب لحضور فعاليات بريكس-أفريقيا وبريكس بلس، وأكدت 34 دولة على الأقل حضورها للقمة.

ويتكون اسم بريكس (BRICS) من الحروف الأولى لأعضائها الخمسة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وانطلقت المجموعة عام 2006، وكانت تسمى «بريك» (BRIC)، وأصبحت «بريكس» بعد دخول جنوب أفريقيا.

تدعم المجموعة نظامًا ماليًا ونقديًا متحررًا نسبيًا من الهيمنة الأمريكية، وتملك بدائل للمنظمات الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة والغرب مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مثل بنك التنمية الجديد الذي يضم في عضويته دولًا من خارج التكتل كالإمارات ومصر وبنغلاديش، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تستضيف مصر الاجتماع السنوي له في سبتمبر/أيلول المقبل.

ازداد الحديث مؤخرًا حول الدول التي تسعى للانضمام إلى هذه المجموعة، وحظوظها في نيل عضوية دائمة في هذا التكتل؛ إذ من المقرر أن يناقش الاجتماع ملف الدول الراغبة في الانضمام.

تتخذ المجموعة قراراتها بالإجماع، وبينما تريد موسكو حشد أكبر قدر من الدول بجانبها في ظل العزلة المفروضة عليها غربيًا، وترحب بكين بأعضاء جدد في مجموعتها، فإن البرازيل تخشى تقليص نفوذها داخل المجموعة مع تزايد أعضائها.

نشرت رويترز في الثاني من أغسطس/آب الجاري، أن البرازيل قاومت توسيع عضوية المجموعة، ونقلت عن دبلوماسيين برازيليين لم تحدد هويتهم الإعراب عن قلقهم من أن إضافة مزيد من الدول يمكن أن يقلل من تأثير الأعضاء الحاليين، لكن بعد ساعات من نشر هذا التقرير، قال الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا: «من المحتمل في هذا الاجتماع أن نقرر بالفعل بالتراضي أي الدول الجديدة يمكن أن تنضم إلى بريكس.. أرى أنه نظرًا لأن عديدًا من البلدان ترغب في الدخول، إذا كانت تلتزم بالقواعد التي نضعها، فسنقبل دخولها».

وبعد لقاء لولا دا سيلفا بالصحفيين وإدلائه بهذه التصريحات، قال وزير الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، إن حوالي 20 دولة تقدمت رسميًا بطلبات للانضمام، وإن جميع أعضاء البريكس مهتمون بقبول دول أخرى، لكن المعايير لا تزال بحاجة إلى المناقشة ويجب أن يكون هناك اتفاق بين قادة بريكس.

وتم الإعلان عن تقدم 13 دولة بطلبات رسمية للانضمام، فيما طلبت ست دول أخرى ذلك بشكل غير رسمي، وقبلت المجموعة قبل ذلك عضوًا جديدًا واحدًا فقط هو جنوب أفريقيا عام 2010، منذ تشكيلها عام 2006.

 ومن بين الدول التي تريد الانضمام إلى التكتل: السعودية وإيران والجزائر وتركيا والأرجنتين والإمارات والجزائر ومصر والبحرين وإندونيسيا.

مشروع عملة بريكس

مع فرض واشنطن عقوبات مالية على موسكو بسبب حرب أوكرانيا، تزايدت الخشية من توسعها في استخدام الدولار كسلاح ضد الدول الأخرى، وتخطط بريكس لإطلاق عملة جديدة تنافس العملة الأمريكية، مع أن هذا الملف لن يكون على جدول أعمال قمة الشهر الجاري، لكن الدول الخمس ستستمر في التحول عنه في الفترة المقبلة والتداول وتسوية المعاملات بينهما بالعملات المحلية، وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن إنشاء عملة موحدة غير ممكن في الوقت الحالي، لكن سيستمر بحث ومناقشة الموضوع.

وهناك مقترح بتسمية العملة الجديدة R5 لأن عملات دول بريكس الخمس تبدأ بحرف الراء «R» (رينمنبي صيني، وروبية هندية، وريال برازيلي، وروبل روسي، وراند جنوب أفريقي).

ونظرًا إلى أن أحد أسباب قوة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية يرجع إلى استخدامه في المعاملات بين الدول خاصة في تجارة النفط، وقد استثمرت الصين بنشاط في المملكة العربية السعودية ضمن مساعيها المستمرة منذ سنوات لكسر اعتماد تجارة النفط العالمية على الدولار، وهناك مساعٍ لعقد اتفاقية تجارة حرة بين الطرفين، ورحبت بكين باستثمارات سعودية بمليارات الدولارات.

وبعيدًا عن موضوع العملة المرتقبة، فإن خطوات دول البريكس تقضي بهدوء على الهيمنة الحالية للدولار تدريجيًا؛ فمع التركيز مؤخرًا على التداول بالعملات المحلية بين دول المجموعة، هناك تحول واضح بعيدًا عن الدولار، فمثلًا هناك حديث عن تحضير الهند لشراء النفط الإماراتي بالروبية خلال الأشهر المقبلة، وتناقش البرازيل مع الأرجنتين إنشاء عملة مشتركة.

فهناك تحول عميق يحدث في الاقتصاد العالمي حاليًا، إذ تعمل الاقتصادات الرئيسية في الجنوب على إقامة شراكات تسمح لها بإدارة اقتصاداتها بعيدًا عن الدولار، والأرجح أنه لن يتم إنهاء هيمنة العملة الأمريكية من قبل عملة منافسة واحدة مثل عملة البريكس المنتظرة، بل ستفقد قوتها وهيمنتها بفضل الخطوات الصغيرة التي تتخذها الدول التي تفضل عدم الارتهان لقرارات سيد البيت الأبيض.

بريكس في الفضاء

شيئًا فشيئًا تتعدد مجالات عمل بريكس وتتشعب أساليب التعاون بين دولها، فمؤخرًا عرضت موسكو على أعضاء المجموعة المشاركة في بناء محطة فضائية مما يتيح للدول الأعضاء الاستفادة منها لتنفيذ برامجها الفضائية الوطنية وتطوير مشروعات الملاحة الفضائية المأهولة، وتتضمن خطط روسيا إطلاق المرحلة الأولى من المحطة المخطط لها في عام 2027.

يأتي ذلك بعد إعلان موسكو نيتها الانسحاب من برنامج محطة الفضاء الدولية (ISS) بحلول عام 2024، وإنهاء تعاون استمر 25 عامًا مع واشنطن، ولا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية برزت كعامل حاسم في قرار موسكو الانسحاب من محطة الفضاء الدولية التي كانت إحدى آخر قنوات التعاون المتبقية بين القوتين.

وقد اتخذت بريكس عام 2021 خطوة مهمة تمثلت في إنشاء لجنة تعاون لتبادل البيانات والمعلومات الخاصة بالأقمار الصناعية.

تحديات بريكس

لا تزال بريكس لا تمثل تحالفًا دوليًّا متينًا، وإنما هي أشبه في بعض الجوانب بمجموعة «عدم الانحياز» التي تتفق على مشترك سلبي أكثر من كونها تعبر عن مشروع مشترك متفق على تفاصيله وأبعاده، بل لكل دولة سياستها المستقلة ونظرتها المختلفة للمجموعة ذاتها ودورها، فبخلاف الاتحاد الأوروبي مثلًا، لا تجمع بين دول بريكس منظومة قيمية مشتركة.

ويرجع ذلك جزئيًا لكونها تضم دولًا متضادة المصالح، كالصين والهند اللتين تتسم العلاقة بينهما بالتوتر وتصل المشاكل بينهما أحيانًا إلى درجة الصدامات الحدودية المسلحة، كما أن قائمة الدول الراغبة في الانضمام للتكتل الاقتصادي تضم إيران والسعودية مثلًا رغم ما تحمله العلاقة بينهما من حزازات وتوترات.

كما أن المؤسسات الأخرى الشقيقة لبريكس والتي تهيمن عليها روسيا والصين مثل “منظمة شنغهاي” تضم مثلًا الهند وباكستان معًا وهما عدوان لدودان وقع بينهما عدد من الحروب ولا تزال حالة الشقاق قائمة بينهما، ومثل هذه الأمور تفرض قيودًا كبيرة على طبيعة التعاون وتمثل عائقًا أمام المضي قدمًا في طريق التكامل بين تلك الدول، وإن ظلت المصالح المشتركة للتصدي للهيمنة الأمريكية تجمع بينهم.