تطوّرت جراحة الأجنة للأمراض الخلقية، من مجرد مفهوم خيالي إلى مجال طبي في حد ذاته. فكيف نشأ علم جراحة الأجنة؟ وهل سيكون له دور خلال الفترة القادمة لمحاربة الأمراض التي تصيب الأجنّة؟

البداية

في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021، نُشر خبر عن قيام الدكتور السعودي «هاني نجم» بقيادة فريق طبي بإجراء جراحة لإزالة ورم ينمو الجانب الأيسر من قلب جنين في بطن أمه.

كانت حلقة المسلسل الشهير «دكتور هاوس» عندما أجرى عملية لطفل في رحم والدته قد أثّرت في العديد من المشاهدين، ولكن بعد أن سمعت عن العملية التي أجراها دكتور نجم والفريق الطبي كان يشغل ذهني متى بدأ علم جراحة الأجنّة؟ وكيف كان شعور الطبيب وفريق الأطباء أثناء إجراء الجراحة؟

يُجرى هذا النوع من الجراحة على الأجنّة في أرحام الأمهات، وذلك للمساعدة في تحسين النتائج طويلة المدى للأطفال الذين يعانون من عيوب خلقية معينة. نظرًا لأن هذه العيوب غالبًا ما تزداد سوءًا مع نمو الجنين، أي أن جراحة الأجنّة التي يجريها فريق من الخبراء لعلاج الظروف قبل الولادة وتحسينها.

أجرى الطبيب «مايكل هاريسون» أول جراحة مفتوحة لجنين في العالم منذ 40 عامًا، في UCSF، أول مركز لعلاج الأجنّة في الولايات المتحدة، وتحديدًا في عام 1981.

كان الجنين يعاني من انسداد في المسالك البولية تسبب في تمدد الكلى، ومنع الجنين من التبول، ونتيجة لذلك انتفخ بطنه، مما أدى إلى الضغط على تجويف صدره، حيث كانت رئتاه الصغيرتان تنموان، مما هدّد بتدمير كليتيه.

فتح هاريسون شقًا صغيرًا في بطن الجنين، وأدخل قسطرة مصنوعة خصيصًا لمثانة الجنين، للسماح بإخراج البول بشكل طبيعي. الانسداد نفسه أزيل جراحيًا بعد الولادة.

عمليات ناجحة

تم إحراز مزيد من التقدم في السنوات التالية، وسمحت التقنيات الجديدة بعلاج عيوب إضافية. ففي عام 1999، تم تشخيص إصابة جنين يُدعى «صموئيل ألكسندر أرماس» كان يبلغ 21 أسبوعًا فقط، بالصلب المشقوق، وأنه غالبًا لن يتمكن من البقاء على قيد الحياة بعد الولادة.

والصلب المشقوق هو مرض يوجد في المواليد، حيث تخرج جزء من الأنسجة السحائية التي تغطي القناة أو النخاع الشوكي إلى خارج فقرات العمود الفقري، على هيئة كيس، وكلما كان الجزء الخارج بسيطًا يكون الموضوع أسهل.

كانت والدة صموئيل الصغير، جولي أرماس، مُمرِّضة توليد في أتلانتا. وكانت على علم بالسجل المهني الرائع للدكتور برونر، وذلك خلال عمله في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت في ناشفيل، حيث أجرى العديد من هذه العمليات الحرجة لأجنة في بطون أمهاتهم.

أثناء الجراحة التي أجُريت على صموئيل الصغير، أمسك الجنين بإصبع الجرّاح من خلال الشق. قال الدكتور برونر إنه عندما تم الإمساك بإصبعه، كانت تلك أكثر اللحظات عاطفية في حياته، وأنه للحظة أثناء العملية كان متجمدًا تمامًا. أطلق المُحرِّرون على الصورة اسم «يد الأمل».

وفي عام 2016، اكتشفت «مارغريت هوكينز بويمر» وهي حامل في الأسبوع السادس عشر من الحمل، إصابة ابنتها في عمودها الفقري بالكتلة المعروفة باسم «الورم المسخي العجزي العصعصي»، والذي يعمل على تحويل الدم من الجنين، مما يزيد من خطر الإصابة بفشل القلب القاتل. فهو شكل نادر من الورم يظهر في واحد من كل 30-70 ألف حالة ولادة، وسببه غير معروف، ولكنه يُصيب الفتيات الصغيرات بأربعة أضعاف نسبة إصابته للفتيان.

في الأسبوع الـ 23 من الحمل، وصل الورم إلى حجم مماثل للجنين تقريبًا، مما أدى إلى إغلاق قلب الجنين تمامًا. لذلك أجرى الطبيب النيجيري «أولوينكا أولوتوي» وشريكه الجرّاح «داريل كاس»، في مركز متخصص بالأطفال بتكساس، جراحة لمدة خمس ساعات، تمت خلالها إزالة معظم الورم، ثم تمت إعادة الجنين إلى رحم أمه مرة أخرى.

مستقبل جراحة الأجنّة

قد يكون لعلم الأجنة في الأعوام القادمة توجهًا خاصًا في علاج الكثير من الأمراض قبل الولادة. وهنا يمكننا الحديث عن ثلاث تقنيات لجراحة الجنين، وقد تم تطويرها جميعًا في العقود القليلة الماضية.

1. جراحة الجنين المفتوحة:

فيها يتم فيها تخدير الأم، وعمل شق في أسفل البطن لكشف الرحم، ويتم فتح الرحم باستخدام جهاز تدبيس خاص لمنع النزيف، ومعالجة مرض الجنين، ثم بعد الانتهاء من التدخل الجراحي للجنين، يتم إغلاق البطن ثم جدار بطن الأم وإيقاظ الأم.

هذه عملية كبيرة مثل العملية القيصرية، إلا أنه في نهاية العملية لا تزال الأم حاملاً.

تم تطوير تقنيات التخدير والجراحة في الثمانينيات وأثبتت أنها آمنة تمامًا للأم والجنين. ومع ذلك، فهذه عملية جراحية كبرى تتطلب دخول المستشفى لمدة 3 إلى 7 أيام، وتتطلب ولادة قيصرية لهذا الحمل، وغالبًا ما تتسبب في الولادة المبكرة. ويجب أن يُشرف اختصاصي التوليد على الحمل عن كثب من أجل المخاض المبكر والأدوية للسيطرة على المخاض المبكر حتى الولادة.

2. جراحة الجنين Fetendo:

تم تطويرها في التسعينيات. وهي القدرة على رؤية الجنين والتدخل فيه من خلال مناظير داخلية صغيرة جدًا. وقد تم تحسين المناظير الجراحية للسماح بالتلاعب بالجنين بأدوات صغيرة جدًا، يتم توجيهها من خلال عرض التنظير الجنيني المباشر على شاشة تليفزيون.

أطُلق عليها اسم Fetendo، لأن التلاعب الفعلي يشبه إلى حد كبير ممارسة ألعاب الفيديو. وميزة هذه التقنية أنها أقل توغلًا من جراحة الجنين المفتوحة، ويكون تعافي الأم بعد الجراحة أسهل، وتكون نسبة حدوث ولادة مبكرة أقل من التقنية السابقة.

وقد حلّت تقنية Fetendo محل جراحة الجنين المفتوحة في بعض الحالات، وليس في كلها. وقد ثبت أنها مفيدة بشكل خاص في علاج مشاكل المشيمة، مثل متلازمة نقل الدم بين الجنينين التوأم، أو لوضع بالون في القصبة الهوائية للجنين أو لتخفيف انسداد المثانة الجنينية.

3. الجراحة الموجهة بالصور الجنينية FIGS-IT:

وهي طريقة لمعالجة الجنين بدون شق في الرحم، أو بمنظار داخل الرحم. حيث يقوم الجرّاح بإجراء العملية باستخدام أدوات جراحية يتم تتبعها من خلال الاستعانة بصور تم التقاطها قبل العملية الجراحية وأثناءها، وذلك من أجل توجيه العملية في المسار الصحيح بشكل غير مباشر، وتكون معظم العمليات الجراحية الموجهة بالصور من أنواع الجراحات طفيفة التوغل.

إجمالًا، قد يحمل علم الأجنّة في الأعوام القادمة أملًا للبشرية في علاج الكثير من الأمراض قبل الولادة. ولكن، هل يمكن تفادي الأمراض الوراثية عن طريق إحدى تلك التقنيات؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.