زين العابدين هرب، هكذا استقبل التونسيون أوائل يناير/ كانون الثاني 2011. فرّ الرئيس إلى السعودية بعد الاحتجاجات الواسعة التي اشتعلت في ديسمبر/ كانون الأول 2010.  أعتقل 33 من أقارب بن علي بمجرد هروبه، وتم القبض كذلك على العديد من أعمدة نظامه.

دخلت تونس بعد فرار بن علي مرحلة صعبة، ويبدو أنه حتى بعد مرور 10 سنوات فإن الصعوبة لم تنته. بعد الفرار بدأ المنفيون والمُبعدون يعودون، فعاد رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان كمال الجندوبي لتونس التي لم يرها منذ خروجه عام 1994. وعاد المنصف المرزوقي أشهر معارضي نظام بن علي، كما عاد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة.

 حزب النهضة كان له نصيب الأكبر من المعتقلين السياسيين، وأُفرج بعد الثورة عن 1800 معتقل تابع له. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2011 فاز حزب النهضة الإسلامي بغالبية مقاعد البرلمان بعد أن كان محظورًا في عهد بن علي. شكلتّ النهضة ائتلافًا مع العديد من الأحزاب الأخرى لوضع دستور جديد للبلاد.

التنازل لصالح التكنوقراط

كان فؤاد المبزع، 87 عامًا، هو القائم بأعمال رئيس الجمهورية بعد بن علي من 15 يناير/ كانون الأول إلى ديسمبر/ كانون الثاني 2011. وبعده تولى المعارض التاريخي المنصف المرزوقي من ديسمبر/ كانون الثاني 2011 إلى نفس الشهر عام 2014.

دخلت البلاد في حالة من الشد والجذب حتى مارس/ آذار 2012 حيث وصل التوتر إلى أشده بسبب الاستقطاب بين الإسلامي والعلماني فيما يتعلق بقوانين المرأة، ووسط تأكيد متكرر من حزب النهضة بالإبقاء على المرجعية الإسلامية بعيدةً عن الدستور.

دخلت البلاد منعطفًا خطيرًا في فبراير/ شباط 2013 بمقتل زعيم المعارضة العلمانية شكري يلعيد. العملية أدت لاندلاع مظاهرات حاشدة واكتظت الشوارع بالغاضبين ما دفع رئيس الوزراء للاستقالة. وبدأت تونس تشهد هجمات متعمدة ضد الشرطة، غالبًا ما وُصفت بأنها هجمات إرهابية.

في نهايات عام 2013 لم تجد النهضة مفرًا من التنازل عن السلطة والقبول بحكومة تكنوقراط بعد مظاهرات حاشدة وحوار وطني طويل. وفي يناير/ كانون الثاني 2014 أقرّ البرلمان التونسي دستورًا جديدًا يضمن تقاسم السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ويضمن كذلك قدرًا كبيرًا من الحريات الفردية وحقوق الأقليّات.

الإرهاب يدخل تونس

في ديسمبر/ كانون الثاني 2014 وصل الباجي قائد السبسي لرئاسة تونس بأول انتخابات رئاسية حرة في تونس. كما تشاركت النهضة في الائتلاف الحاكم. لكن لم يكد عام 2015 يبدأ حتى دخلت تونس في سلسلة من الهجمات الإرهابية، فهاجم مسلحون متحف باردو في تونس وأسقطوا 22 قتيلًا. وفي يونيو/ حزيران  فتح مسلح النار على مصطافين في شاطZ سوسة وسقط 38 قتيلًا.

أدت تلك التفجيرات إلى تدهور قطاع السياحة المتأزم بالفعل، ثم أتى انفجار انتحاري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 ليودي بحياة 12 جنديًا ويقضي على البقية الباقية من القطاع المنهار.

عام 2016، مارس/ آذار، قررت الدولة التونسية أن تتصدى لتلك الهجمات المتتكررة فدخلت ما يشبه الحرب المفتوحة مع مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية الذين تسللوا إلى تونس عبر الحدود، واستطاع الجيش التونسي أن يُحجّم العديد المنهم.

في أغسطس/ آب 2016 يقرر البرلمان خلع رئيس الوزراء وتعيين يوسف الشاهد رئيسًا جديدًا للوزراء، التغيير أتى بسبب تباطؤ الحكومة السابقة في سن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، وطول أمد الحديث عن قرض من صندوق النقد الدولي دون حدوث أي شDX على أرض الواقع.

النهضة تحتفظ بالتقدم

منح التونسيون الحكومة الجديدة مدة عام، لكن طفح كيلهم في يناير/ كانون الثاني 2018 فخرجوا في مظاهرات عارمة احتجاجًا على تدني أحوال المعيشة وانتشار المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. خصوصًا وأن الحكومة رأت أن حلول تلك المشاكل يأتي بزيادة الضرائب وخفض الدعم ما أدى إلى زيادة المشاكل لا حلّها.

رغم ذلك ظلت النهضة محتفظة بتقدمها في الانتخابات البلدية، لكن ذلك التقدم لم يكن دليلًا على ثبات مستوى الرضا الشعبي لأن الشعور الغالب على الشعب التونسي كان الإحباط فلم يشارك في الانتخابات سوى 34% فقط من الناخبيين.

لكن أتى يوليو/ تموز بتغيير جديد في الوضع التونسي، حادث غير متوقع بوفاة السبسي، وما تلاه من تقديم موعد الانتخابات الرئاسية. حكم البلاد حتى موعد الانتخابات محمد الناصر كقائم بأعمال رئيس الجمهورية.

في تلك الانتخابات المبكرة عاقب التونسيون ساستهم بالابتعاد عن الاختيارات التقليدية في الانتخابات وانتخبوا المستقل قيس سعيد رئيسًا للبلاد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

سنوات القرارات الاستثنائية

ظلت البلاد في محاولات مستميتة لتشكيل حكومة لكن مرت أشهر طويلة من الفشل، وفي النهاية أصبح إلياس الفخفاخ رئيسًا للوزراء لكن لم تكد شهور قليلة تمر عليه حتى أُجبر على الاستقالة بسبب فضيحة فساد.

وفي أغسطس/ آب عام 2020 عيّن قيس سعيد هشام المشيشي رئيسًا للوزراء، لكن سرعان ما اختلف الرجلان معًا بسبب التعامل مع جائحة كورونا العالمية، وبسبب الحاجة لإجراء العديد من الإصلاحات.

الوضع المتدهور زاد تأخرًا بسبب الجائحة، فخرج التونسيون يعبرون عن سخطهم على الأوضاع المعيشية الآخذة في التدهور بلا نهاية. لم يكونوا يدركون أنهم على بُعد أشهر قليلة من قيام سعيد بإقالة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان الذي يقوده الغنوشي.

كذلك وضع قيس سعيد السلطة التنفيذية في يده، حتى يعين رئيسًا للحكومة يعاونه. سعيد يستند في ذلك على تأويل الفصل 80 الذي يتيح لرئيس الجمهورية أن يتخذ إجراءات استثنائية في حالة كانت البلاد في حالة خطر داهم يتعذر معه عمل باقي دواليب الدولة بالشكل التقليدي.