يثير تصاعد اليمين المتطرف خوفًا في النفس. لكن ما يثير الهلع هو تقاطع سياسات الدول مع سياسات اليمين المُتطرف. وتحول دعاية اليمين المُتطرف إلى قوانين تسنها الدولة. ومنح الدولة عبر هذه القوانين مصداقيةً لمزاعم الأحزاب اليمينية. مثلًا، ألمانيا في الثمانينيات عرضت مبلغًا من المال على كل أجنبي يرحل إلى بلاده كحل لمشكلة البطالة. ما رسخ صورة شعبية أن ارتفاع معدلات البطالة سببه وجود الأجانب. وأن نفقة بقاء الأجانب باهظة إلى الحد الذي يدفع الدولة إلى إعطائهم ملايين مقابل الرحيل. كذلك، استطاعت الحكومات الأوروبية بذكاء أن تربط بين تخفيض نفقاتها على مواطنيها وبين ازدياد طلبات اللجوء والهجرة إليها. ولم تخبر تلك الحكومات مواطنيها أن عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي لا يتجاوز 15 مليونًا، ما يمثل نسبة 4% فقط من أصل الـ350 مليون مواطن لدول الاتحاد. هذه الـ 4% معظمها من أهل البلاد الأصليين، أو الموجودين منذ فترة طويلة. أما نسبة اللجوء والهجرة التي تخدع بها الحكومات شعوبها لا تكاد تصل إلى 1%، وفق أشد التقديرات الغربية مبالغة.بسبب الصمت الرسمي عن توضيح الحقائق بلغت جرائم الكراهية ضد المسلمين 6811 جريمة في 2015. تتربع بريطانيا على رأس القائمة بـ 2581 حالة اعتداء. تراوحت بين التهديد اللفظي، والجرائم الفعلية. دفع امرأة مُحجبة أمام القطار. مهاجمة «المركز الثقافي الإسلامي» بالقنابل. مهاجمة محجبات بأسلحة صيد. تدنيس مقابر المسلمين. إلقاء حمض الكبريتيك كما حدث مع «جميل مختار».هذه الجرائم مرشحة دائمًا للزيادة لا الانحسار. ألمانيا عام 2014 سجلت 2039 حالة، أما في 2015 فسجلت 2447 حالة. فرنسا زادت فيها الاعتداءات بنسبة 300%. بلدية لندن نفسها أعلنت أن معدل جرائم الكراهية زاد من 3 جرائم يوميًا إلى 20 جريمة يوميًا. وإذا عدنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي وجدنا أنه في يوليو/تموز 2016 تم نشر 215 ألف تغريدة معادية للإسلام. تتربع بريطانيا على رأس تلك القائمة أيضًا. والمولودة الجديدة «بريطانيا أولًا» تؤكد أن بريطانيا مملكة لا يغيب عنها التطرف.


«بريطانيا أولًا»: بذرة الشيطان الجديدة

حركة «بريطانيا أولًا» هى أقليةٌ تعادي الإسلام تحديدًا، والهجرة عامةً. يتبعها ألف مؤيد. يرأسها «بول جولدنج» 35 عامًا، وتنوبه «جيدا فرانسن» ذات الـ 31 عامًا. أما عن الرئيس فسجل إنجازاته ليس بأكبر من عدد مؤيديه. انتُخب مستشارًا للحزب الوطني البريطاني في سوانلي، لكنه اتُهم بعد عامين بأنه لا يفعل شيئًا، فانسحب. ثم ترشح الرجل لمنصب عمدة لندن. استطاع بالكاد أن يجمع 1.4% من الأصوات في مقابل 44% للفائز «صادق خان». ومؤخرًا تنحى كذلك عن قيادة الحركة لتحل «جيدا فرانسن» مكانه. أما النائبة والرئيسة الحالية فقد ترشحت لعضوية البرلمان. واستطاعت أن تحصد 56 صوتًا انتخابيًا، بنسبة 0.1% فقط.تصف الحركة نفسها بأنها حزب سياسي وطني، وأنّها خط الدفاع عن الشعب البريطاني الذي عانى طويلًا. دائمًا ما أطلقت «بريطانيا أولًا» على نفسها حزبًا سياسيًا. لكن لا أحد يمثلها في أي منصب سياسي. وهذا أمر طبيعي لكيان رفضت اللجنة الانتخابية العليا طلبه ليتم الاعتراف به كحزب سياسي. الرفض لم يأت تعنتًا من اللجنة، بل لأن 1000 مؤيد عجزوا أن يدفعوا 25 جنيهًا إسترلينيًا رسوم الطلب. ما يمنع الحركة من وضع اسمها على القوائم الانتخابية.

ستكون هناك أنهار من الدماء تتدفق في الشوارع، سنتأكد من حدوث ذلك، ولن ينجو منكم أحد يا حشرات.
رسالة تهديد لأحد أئمة المساجد في بريطانيا

تتشابه الحركة مع اليمين المُتطرف في عداء الإسلام والمُسلمين. فهي ترفض بناء مساجد جديدة، أو توسعة القديمة. تريد حظر اللحوم الحلال. وتتفوق عليهم في رغبتها في أن يكون «الشنق العام» عقوبةً قانونية. وتخطت الأحاديث والدعوات إلى الأفعال. تنشر الحركةُ ما يُعرف بـ «الدوريات المسيحية». تقوم تلك الدوريات باصطياد وقتل من تشتبه في كونهم مسلمين. كما تدخل عنوةً إلى المساجد لتوزع دعايتها العنصرية. ولم يمنعها عن ذلك إلا حكم قضائي يمتد حتى 2019. وصلت الحركة مستوى جديدًا من التطرف. فهي ترفض أي مذهب ديني أو سياسي. ترفض الإسلام، الماركسية، الليبرالية، الفاشية، الاشتراكية القومية، والفيدرالية الأوروبية.أعظم إنجازاتها حتى الآن هو عدد متابعيها على مواقع التواصل الاجتماعي. ليس الأمر من قبيل السخرية، بل هو الواقع. في 2015 احتفلت الحركة بكونها أول «حزب سياسي» يصل متابعو صفحته على «فيس بوك» إلى مليون متابع. وتبدو مواقع التواصل متأصلةً في عقل السيدة فرانسن. لذا، فليس هناك أعظم من أن يعيد من يملك 44 مليون متابع نشر فيديوهاتها. ذلك خيرٌ لفرانسن وحركتها، وشر مُنذر لبقية العالم عامةً، ولمسلميه خاصة. إذ إن ذلك الشخص هو الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب».


فرانسن وترامب: إخوة الجنون

برشاقة ظاهرة يتقافز «أوباما» على سلم الطائرة. تقلع الطائرة شطر البيت الأبيض. تاركةً العالم الإسلامي في حيرته حول «السلام عليكم». الكلمة الأولى التي قالها أوباما في مؤتمره الضخم بالقاهرة. مدمنو الحلم الأمريكي لا زالوا في نشوة منها. يُؤكدون أن أمريكا وطن يسع الجميع على اختلافهم. معتنقو عقيدة «الشيطان الأكبر» يُؤكدون أن ذلك من عظيم كيد الولايات المُتحدة. لكن جاء «ترامب» ليُطلق رصاصة الرحمة على هذا الجدال الأزليّ. «لا أحب المسلمين، ولست مضطرًا لاحتمالهم».منذ 200 عام بدأت الإدارة الأمريكية تقليد «حفل إفطار» في البيت الأبيض. بدأه ثالث رئيس أمريكي «توماس جيفرسون»، ثم طواه النسيان. أعادته السيدة الأولى «هيلاري كلينتون» إلى الوجود عام 1996. التزمت به جميع الحكومات الأمريكية منذ ذلك الحين. لا يختلف في ذلك ديموقراطيّ أو جمهوري، حتى «جورج بوش» الأشد محافظة. وبعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 أصرّ على إقامته، مؤكدًا أن الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب وليس الإسلام. لكن ألغاه ترامب في أول رمضان له في البيت الأبيض. ترامب واضحٌ من البداية بهذا الصدد. في يناير/كانون الثاني 2016 طرد أفراد حملته امرأةً مسلمة من إحدى حملاته الانتخابية وسط ترحيب من الحاضرين وصمتٍ من ترامب. إذن، ليس من الغريب أن يقوم شخص بهذا الحقد بإعادة نشر فيديوهات الحركة. لكن الخطر فيما تمثله تلك الخطوة من دفعة معنوية للحركة المغمورة. خاصةً أن ترامب لم يتراجع عما فعل. بل رد على «تريزا ماي» حين أعلنت خطأ ما فعله ترامب، و نصحها بالتركيز على الإسلام الراديكالي الذي يحدث داخل المملكة.ترامب بتغريداته نقل المجموعة المغمورة إلى مركز الضوء. وصفق لمجموعة يمكن وصفها بالعسكرية. مجموعة من النازيين الجدد. لا يُؤمنون بالحوار. إيمانهم الوحيد هو المواجهة والعنف. ولأجل هؤلاء، يضع ترامب علاقته ببريطانيا في مأزق غير مسبوق. أصوات الداخل البريطاني تتجه إلى إلغاء زيارة ترامب المقررة إلى بريطانيا. فإن فعلت «ماي» خسرت بريطانيا الولايات المُتحدة وهى على شفير الخروج من الاتحاد الأوروبي. وإن لم تفعل، انتفشت جماعة «بريطانيا أولًا» ومعها باقي اليمين المُتطرف البريطاني.

ولا يسع مسلمي بريطانيا ومهاجريها سوى الانتظار والترقب. والأمل أن تُزاح تلك الصخرة عن صدورهم قبل أن تقتلهم. فيكفيهم ما يقاسونه منذ عقود. وفي كل الأحوال، لا يحتاج طوفان اليمين المُتطرف الضارب بقوة في شتى مناحي البلاد إلى مزيد من القوى؛ فالموجود منه فتّاك بالفعل.