إنجلترا، بريطانيا العظمى، والمملكة المتحدة.. ما الفرق؟

إنجلترا هي إحدى البلدان الأربعة ذات السيادة التي تتكون منها المملكة المتحدة وهى إنجلترا، سكوتلاندا، ويلز، وأيرلندا الشمالية. وعادة ما تستخدم إنجلترا – بشكل خاطئ – كمرادف أو بديل لبريطانيا أو المملكة المتحدة، وربما السبب في ذلك أن إنجلترا تمثل الجزء الجغرافي الأكبر مساحةً والأكثر سكاناً في المملكة المتحدة. كما أنها مثلت النواة الإستعمارية التوسعية التي تأسست عليها المملكة، بالإضافة إلى وقوع العاصمة لندن داخل حدودها. بريطانيا العظمى، على جانب آخر، هو مصطلحُ جغرافيٌ قبل أن يكون سياسياً، وهى الجزيرة التي تضم إنجلترا وسكوتلاندا (في الشمال) وويلز (في الغرب). أما المملكة المتحدة، كما نرى في اسمها الرسمي – وهو المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية – فهى الإتحاد السياسي الذي يضم دول بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.

خريطة بريطانيا
خريطة بريطانيا

الانتخابات العامة ٢٠١٥ ليست كسابقاتها.. لماذا؟

لأنها ربما تكون الانتخابات الأولى من نوعها، خلال عقود، التي قد تأتي ببرلمان منقسم بشكل كبير. هذا البرلمان قد يُفضي إلى حكومة أقلية، أو حكومة ائتلافية ستكون خاضعة بإستمرار لإملاءات وضغوط معارضيها. هذه الظروف لا تضع قيوداً بالغة على قدرة الحكومة على تنفيذ أجندتها التي أعلنتها لمواطنيها فحسب، بل ستُبقي على إحتمالات الإطاحة بالحكومة ذاتها قائمة.

إلى جانب بيئة عدم الاستقرار السياسي تلك، يبقى البرلمان والحكومة القادمين على درجة بالغة من الأهمية بسبب الدور المنتظر أن يضطلعا به في إعادة صياغة السياسة الخارجية للمملكة المتحدة وبخاصة فيما يتعلق بالإتحاد الأوروبي، وكذلك مستقبل ترسانة الأسلحة النووية البريطانية، والأخطر من ذلك تبعات هذه الإنتخابات على تماسك الإتحاد الذي تقوم عليه المملكة، وإلتزام سكوتلاندا بالبقاء فيه. لنتعرف على علاقة انتخابات ٧ مايو الجاري بتلك الملفات الشائكة سنُلقي نظرة أولاً على طبيعة الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة هناك.

الإنتخابات العامة وتشكيل الحكومة في المملكة المتحدة

الانتخابات التي نقصدها هنا، على وجه التحديد، هي انتخابات “مجلس العموم” – أعلى سلطة تشريعية في البلاد – والذي يمثل الغرفة السفلى للبرلمان. أما الغرفة العليا فهى “مجلس اللوردات” الذي يعمل كجهة إستشارية لمجلس العموم، ولا يُنتخب أعضاءه من قبل المواطنين. طبقاً لمرسوم “البرلمانات ثابتة المدة” لعام ٢٠١١، فإن الانتخابات البرلمانية تجرى عادة كل خمس سنوات، في يوم الخميس الأول من شهر مايو. وتنقسم المملكة المتحدة إلى ٦٥٠ دائرة إنتخابية، تُمثّل كل واحدةٍ منها بعضو برلماني واحد في مجلس العموم.

وتوزّع هذه الدوائر على البلدان الأربعة المكونة للمملكة كالتالي؛ ٥٣٣ دائرة إنتخابية في إنجلترا، ٥٩ في سكوتلاندا، ٤٠ في ويلز، و١٨ في أيرلندا الشمالية.

يختار المواطنون، عبر إقتراع عام، من بين مرشحي الأحزاب في دائرتهم، على أن يفوز المرشح الذي يحصل على أعلى الأصوات بتمثيل الدائرة في مجلس العموم، وهو ما يعرف بنظام “الأكثر أصواتاً يفوز” أو First Past The Post. وفي حال حاز أحد الأحزاب الأغلبية المطلقة (٥٠% + ١) من مقاعد البرلمان، وهى ٣٢٦ مقعداً، يكون من حقه تشكيل الحكومة، ويصبح زعيم الحزب هو رئيس وزراء المملكة المتحدة.

أما إذا فشلت كل الأحزاب في الحصول على أغلبية المقاعد، وهى الحالة التي يُطلق عليها “البرلمان المعلق” أوHung Parliament، كما كان الحال في إنتخابات ٢٠١٠، فإنه طبقاً للأعراف الدستورية يكون من حق رئيس الوزراء الحالي “الفرصة الأولى” لتشكيل حكومة جديدة. لكن عادة ما يتخلى رئيس الوزراء عن هذا الحق – إذا حل حزبه في المرتبة الثانية في الإنتخابات – لزعيم الحزب الذي فاز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.

تبقى نقطة بالغة الأهمية لا ينبغي إغفالها، وهى أن عدد مقاعد البرلمان وحدها لا تكفي لتحديد الحزب الذي ستدعو الملكة زعيمه لتشكيل الحكومة. بل سيكون ذلك من نصيب من يستطيع أن يحوز ثقة أغلب أعضاء البرلمان. بصيغة أخرى، الحزب الذي يستطيع حشد تأييد أغلبية داخل مجلس العموم لصالحه، هو الحزب الذي سيشكل الحكومة الجديدة. إذاً ما هي الخيارات المتاحة أمام الحزب الذي فاز بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان دون أن يصل إلى الأغلبية؟

ثلاثة مسارات بإمكان ذلك الحزب أن يسلكها. الأول هو تشكيل حكومة إئتلافية مع أحزاب أخرى تشاركه في الحكم، على أن يكون لهذا الإئتلاف أغلبية مقاعد البرلمان. وذلك ما حدث في ٢٠١٠، عندما تحالف المحافظون (٣٠٦ مقعد) مع الليبراليين الديموقراطيين (٥٧ مقعد) وشكلا الحكومة التي حازت الأغلبية في مجلس العموم وهى ٣٦٣ مقعد.

المسار الثاني أن يشكل الحزب تحالفاً غير رسمياً مع حزب آخر أو أكثر فيما يعرف بـإتفاق “الثقة والدعم” أو Confidence and Supply. ويرتكز أساس هذا الاتفاق على أن يدعم المتحالفون الحزب الحاكم خلال التصويت على خطاب الملكة الذي تقدم فيه حكومتها الجديدة لأعضاء مجلسي العموم واللوردات، وكذلك التصويت ضد أي محاولة لسحب الثقة من الحكومة، بالإضافة لدعم مشروع الموازنة الذي تقدمه الحكومة. وذلك في مقابل بعض المكاسب أو التنازلات التي يحصل عليها هؤلاء المتعاونون من الحزب الحاكم.

المسار الثالث وهو الأكثر صعوبة، والأقل حدوثاً، أن يمضي الحزب منفرداً ويشكّل حكومة أقلية. هذه الحكومة ستكون مضطرة مع كل تصويت على مشروعاتها السياسية والتشريعية العمل على حشد وتجنيد أغلبية برلمانية كافية لتمرير هذه المشروعات. فضلاً عن أن هذا العمل يتطلب مجهوداتٍ مضنية وموائماتٍ قد تكون مؤلمة، فإن الإطاحة بالحكومة ذاتها سيكون أمراً غير مستبعد إذا ما إجتمع أمر معارضيها على سحب الثقة منها.

نتائج انتخابات 2010 مقارنة بانتخابات 2005
نتائج انتخابات 2010 مقارنة بانتخابات 2005

إنتخابات معقدة، برلمان منقسم، ومملكة في طور التفكك؟

عوامل عدة، متنوعة ومتداخلة، ساهمت في تشكيل المشهد المعقد الحالي للإنتخابات. يمكن تلخيص أبرز هذه العوامل في النقاط التالية؛ تقارب نتائج إستطلاعات الرأي والتكافؤ النسبي لشعبية الحزبين الكبيرين، طبيعة النظام الإنتخابي والأعراف الدستورية المنظمة لتشكيل الحكومة، صعود أحزاب مثل الحزب القومي الاسكوتلاندي وحزب إستقلال المملكة المتحدة. وذلك بالإضافة إلى ما يتصل بهذه العوامل من آفاق إنفصال سكوتلاندا عن المملكة المتحدة، وكذلك العلاقات بين المملكة وأوروبا.

إستطلاعات الرأي والنتائج شديدة التقارب

ليس مفاجئاً أن نعلم أن رئيس الوزراء القادم لن يكون سوى ديفيد كاميرون – زعيم المحافظين ورئيس الوزراء الحالي – أو إيد ميليباند – زعيم العمال – لكن المفاجئ حقاً سيكون أيهما ينتصر، فإستطلاعات الرأي والإستبيانات التي تصدرها دورياً المؤسسات والهيئات المشهود لها بالمصداقية ومنها على سبيل المثال؛ YouGov، Populus، ICM، وAshcroft توحي بالتقارب الشديد بين حظوظ المحافظين والعمال لحصد أعلى الأصوات. ومع ذلك فأغلب، إن لم يكن كل، إستطلاعات الرأي تؤكد فشل الحزبين في حصد الأغلبية، وبالتالي على الأرجح سيكون البرلمان القادم برلماناً معلقاً كسابقه.

رغم تبادل الحزبين لتصدر المشهد، بهامش طفيف، في إستطلاعات الرأي تبقى الأفضلية النسبية لحزب المحافظين، وكذلك قبولاً أعلى لديفيد كاميرون بالمقارنة مع إيد ميليباند. كاميرون كان قد رفض الإشتراك في أى مناظرات مباشرة ضد ميليباند، وهو الطلب الذي كرره الأخير مراراً. ثلاث مناظرات رئيسية شارك بها المتنافسان، بدأت مع “المعركة من أجل رقم ١٠” مع جيرمي باكسمان في ٢٦ مارس الماضي. رقم ١٠ ذلك يرمز إلى ١٠ دواننج ستريت وهو مقر إقامة رئيس وزراء المملكة المتحدة. ثم “مناظرة القادة” على شاشة ITV في ٢ أبريل الماضي، والتي ضمت إلى جانب زعيمي المحافظين والعمال كل من؛ نايجل فاراج (حزب إستقلال المملكة المتحدة UKIP)، نيك كليج (الليبراليون الديموقراطيون Lib Dem)، ناتالي بينيت (الخُضر Greens)، نيكولا ستيرجين (القومي الإسكوتلانديSNP)، وليان وود (حزب ويلز Plaid Cymru).

والمناظرة الأخيرة كانت في ٣٠ أبريل الماضي بين كاميرون، ميليباند، وكليج في برنامج بي بي سي الإخبارية “وقت السؤال” مع ديفيد ديمبلبي، والتي أشار إستطلاع رأى أجرته صحيفة الجارديان بالشراكة مع ICM مباشرة بعد بثه، أن ٤٤% من المشاهدين شعروا أن كاميرون كان صاحب الأداء الأفضل، مقابل ٣٨% لصالح ميليباند، و١٩% لصالح كليج. على نفس المنوال، في إستطلاع عام عن مدى قبول القادة السياسيين لدى المواطنين، أجراه YouGov جاء كاميرون السياسي الأكثر قبولاً، ونايجل فاراج الأكثر بغضاً لدى المشاركين في الإستطلاع.

استطلاعات الرأي الخاصة بكل زعيم حزب
استطلاعات الرأي الخاصة بكل زعيم حزب
خريطة شعبية الاحزاب البريطانية علي المستوي الجغرافي
خريطة شعبية الاحزاب البريطانية علي المستوي الجغرافي

رجوعاً إلى حظوظ الأحزاب من مقاعد البرلمان، فقد وضعت نتائج أحدث الإستبيانات التي أجراها Electoral Calculus المحافظين في المقدمة بـ ٢٨١ مقعد، مقابل ٢٧٤ للعمال. وفي التوقعات الإحصائية التي أجراها Electionforecast تصدر المحافظون بـ ٢٨٠ مقعد، مقابل ٢٦٩ للعمال. في حين أنه في إستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه YouGov بسؤال الجمهور؛ إذا أجريت الانتخابات العامة غداً، لأى حزب ستصوِّت؟ حاز حزب العمال ثقة ٤٤% من المشاركين، في مقابل ٤٣% للمحافظين. لكن هل نسبة التصويت لحزب ما مرتبطة بعدد المقاعد التي يفوز بها ذلك الحزب؟ الإجابة التفصيلية على هذا السؤال تنقلنا للفقرة التالية وهى..

طبيعة النظام الإنتخابي والأعراف الدستورية المنظمة لتشكيل الحكومة

كما ذكرنا سابقاً فإن النظام الإنتخابي يقوم على قاعدة “الأكثر تصويتاً يفوز” وهى القاعدة التي تسبب خللاً في التمثيل النسبي للأحزاب بسبب تفاوت حجم الدوائر الانتخابية من حيث عدد السكان، وكذلك حرمان الأحزاب ما دون المركز الأول من نيل حصة من المقاعد مكافئة لنسبة التصويت التي نالتها.مثال على ذلك، في انتخابات ٢٠١٠ حصل الحزب القومي الإسكوتلاندي (SNP) على ٦ مقاعد في البرلمان بعد تصويت ١,٧% من إجمالي أصوات الناخبين، في حين حصل حزب إستقلال المملكة المتحدة (UKIP) على نسبة ٣,١% من إجمالي الأصوات ولم يحصل على أي مقعد.

النقطة الإشكالية الأخرى، أنه برغم أن المملكة المتحدة ليس لديها وثيقة واحدة تسمى الدستور، لكن هناك تنظيمات وقواعد دستورية تضبط النظام السياسي العام. أحد الضوابط الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة، إذا فشل الحزبان الكبيران في الحصول على أغلبية برلمانية، تمنح رئيس الوزراء القائم الحق في الفرصة الأولى (first go) تشكيل الحكومة. لكن على أرض الواقع، فإن زعيم الحزب الذي حصل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان عادة ما تُترك له الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة، تقديراً لإنتصاره السياسي.

وهنا نود التذكير مرة أخرى بأن عدد المقاعد الأكبر أو نسبة التصويت الأعلى لا تكفي لإختيار زعيم المحافظين أو العمال لتشكيل الحكومة، لأن تشكيل الحكومة تسنده الملكة إلى من يستطيع أن يحوز أغلبية داخل البرلمان. بالتالي، في حالة البرلمان المعلق، فإن القدرة على تشكيل تحالف يرتكز على أغلبية برلمانية سيكون العامل الحاسم في تحديد الحزب الذي سيقود الحكومة. وبناءً على ذلك ستلعب الأحزاب الصغيرة دوراً مهماً للغاية في تشكيل وإستقرار الحكومة الجديدة، وهذا ما ينقلنا إلى الفقرة التالية.

صعود الحزب القومي الإسكوتلاندي وحزب إستقلال المملكة المتحدة

مقارنة نسب التصويت مقارنة بالمقاعد

من المشاهد اللافتة في انتخابات هذا العام الصعود المدوي للحزب القومي الإسكوتلاندي (National Scottish Party (SNP والذي من المرجح أن يحصل على ما بين ٤١ إلى ٥٦ مقعد، وهو تفوق ساحق بالنظر إلى أن إجمالي عدد الدوائر الانتخابية في سكوتلاندا، والتي ينافس الحزب على مقاعدها، هو ٥٩ دائرة. الهدف الأسمى لهذا الحزب هو إستقلال سكوتلاندا وإنفصالها عن المملكة المتحدة، ورغم أن الحزب قد خسر الاستفتاء على الإستقلال، العام الماضي، بنتيجة ٤٥% مع الإستقلال، في مقابل ٥٥% ضد الإستقلال، إلا أن شعبية الحزب وتمدده السياسي في سكوتلاندا أصبح طاغياً، خصوصاً بعد أن تنكّر ديفيد كاميرون للوعود التي قطعها لتشجيع الإسكوتلانديين على البقاء مع المملكة المتحدة، وكانت في جلها تنصب على منح سلطات أكبر لحكومة سكوتلاندا وبرلمانها المحليين.

نيكولا ستيرجين، التي خلفت أليكس سالموند في زعامة الحزب، والوزير الأول في الحكومة الإسكوتلاندية، كان لها حضوراً لافتاً في المناظرات الانتخابية التي شاركت فيها والتي عرضت خلالها أهداف الحزب ومشروعه. لم تخف نيكولا رغبتها الحاسمة في الإطاحة بحزب المحافظين من الحكومة، عارضت بشدة مشروع تجديد الأسلحة النووية البريطانية، ورفضت حملات الترهيب من المهاجرين والترغيب في الخروج عن الإتحاد الأوروبي – تلك الحملات التي يقودها حزب إستقلال المملكة المتحدة UKIP – ومدت يدها بالتعاون والشراكة لزعيم العمال إيد ميليباند للإطاحة بكاميرون، لكن ميليباند في أكثر من مرة، أكد بشكلٍ قاطع أنه لن يكون طرفاً في أي تحالف أو ائتلاف مع الحزب القومي الإسكوتلاندي. لماذا رفض ميليباند هذه الدعوة، التي بدونها قد يستحيل أن يكون رئيساً للوزراء؟

الإجابة ترتبط بالحملة الشرسة التي شنها المحافظون عليه وأتهموه فيها بالتعاون مع القومي الإسكوتلاندي، للفوز برئاسة الحكومة، دون النظر إلى أن الحزب يطمح لتفكيك المملكة المتحدة.بروباجندا المحافظين لم تتوقف عن ترديد هذه المزاعم رغم نفى ميليباند لها مرات عدة. لدرجة أن كاميرون حذر من أن تحالف ميليباند مع القوميين الإسكوتلانديين هو تحالف الفوضى. ورغم أن هذه الحملة ترفع شعار مناهضة أولئك الراغبين في تفكيك المملكة، إلا أنها تغازل المشاعر القومية للإنجليز بالإساس، وبالتالي فإن هذه الحملة ذاتها قد تُسرع من وتيرة هذا التفكك.

ذلك لأن اللهجة والخطاب الشعبوي الذي ينتهجه حزب المحافظين يعمل على تأجيج وتصاعد وتيرة المشاعر المعادية لإسكوتلاندا بخاصة في إنجلترا. أما عن شعبية المحافظين أنفسهم في سكوتلاندا، فيكفي قراءة هذا الجملة التي يتندر بها الإسكوتلانديين لمعرفة حجم هذه الشعبية؛ “سكوتلاندا لديها من دبب الباندا ما يفوق عدد ما لديها من برلمانيين محافظين“. الحقيقة أن عدد أعضاء حزب المحافظين الذي أنتخبوا في سكوتلاندا لعضوية مجلس العموم في ٢٠١٠، كان عضواً واحداً لا غير.

إهدار ميليباند لفرصة التحالف مع القوميين في سكوتلاندا قد يؤدي لخمس سنوات جديدة من حُكم المحافظين. وهنا نقطة أخرى، يُعتقد أنها ستدفع في إتجاه إستقلال سكوتلاندا، وهى أن وجود معارضة قوية من الحزب القومي الإسكوتلاندي داخل البرلمان ضد المحافظين – الذي يبغض سياساتهم شعب سكوتلاندا – بدوره سيُزيد من شعبية الحزب ويغذي المشاعر القومية الإسكوتلاندية.

وبالنظر إلى أحدث إستطلاعات الرأي التي أجرتها سكاى نيوز في سكوتلاندا، وفيها رأى ٤٣% من الناخبين الإسكوتلانديين أن صراعات إنتخابات برلمان ٢٠١٥ قد جعلت إحتمالات إنقسام الإتحاد أكثر حدوثاً، فيما أعتقد ٥٥% منهم أنهم قد يشهدون إستقلال سكوتلاندا خلال حياتهم، يمكننا إدراك العواقب الجسيمة التي قد تترتب على نتائج الانتخابات المقبلة وخاصة أن نيكولا ستيرجين قد صرحت بأن إستفتاء جديد بخصوص إستقلال سكوتلاندا قد يُطرج في المستقبل.

تشظِّي المشهد السياسي البريطاني الحالي والبرلمان الوشيك، لم يعززه صعود نجم قوميي سكوتلاندا فحسب، بل أيضاً تزايد شعبية حزب إستقلال المملكة المتحدة United Kingdom Independence Party UKIP بزعامة نايجل فاراج. أجندة الحزب وحملته الانتخابية تصوّر للناخبين أن بريطانيا ستكون في وضع أفضل إذا وضعت قيوداً هائلاً على الهجرة إليها، وقلّصت من حجم معوناتها الخارجية، وتوسعت في نفقاتها العسكرية، وإذا “إستقلت” عن الإتحاد الأوروبي.

حزب إستقلال المملكة المتحدة
حزب إستقلال المملكة المتحدة

يُعتقد أن الحزب قد يحصل على ٣ مقاعد برلمانية. نايجل فاراج قد صرّح بإستعداده التحالف مع المحافظين ودعمهم، خاصةً بعد تأكيد ديفيد كاميرون إعتزامه طرح إستفتاء على البقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي على المواطنين بنهاية ٢٠١٧، وهو المطلب الذي قال فاراج أنه لن يتخلّى عنه. الأزمة أن شراكة فاراج – كاميرون نفسها ستجعل المشهد السياسي أكثر فوضوية وإنقساماً، ذلك لسبيين رئيسيين.

أولهما أن تحالف من هذا النوع سيفرز سياسات أكثر يمينة تشجع زيادة ميزانية التسليح، تعادي المهاجرين، وتضع الأقليات، ومن ضمنها الأقلية المسلمة، في وضع صعب، هذا إلى جانب السياسات الاقتصادية الضاغطة على ذوي الدخل الأقل في البلاد، وتعميق عزلة بريطانيا عن السوق الأوروبي وربما العالم. هذه التبعات ستترسخ، إذا ما أنضم إلى ذلك التحالف، الحزب الديموقراطي الوحدوي Democratic Unionist Party (DUP) اليميني المتطرف من أيرلندا الشمالية. تحالف ديفيد كاميرون مع الديموقراطي الوحدوي يعني أن كاميرون “يبصق على وجه كل الأقليات في أيرلندا الشمالية”، كتبت شيفون فينتون في جريدة الإندبندنت.

السبب الثاني، أن حزب الليبراليين الديموقراطيين Liberal Democrats (Lib Dem) على لسان زعيمه نيك كليج – شريك المحافظين في الحُكم –أعلن بشكل قاطع أنه لن يكون طرفاً في أي ائتلاف يكون حزب إستقلال المملكة المتحدة (UKIP) جزءاً منه، وهو الأمر الذي يزيد خريطة التحالفات السياسية إرتباكاً وتعقيداً.

الليبراليون الديموقراطيين كانوا حتى انتخابات ٢٠١٠، أحد أكثر الأحزاب المبشرة والصاعدة في السياسة البريطانية. حصدوا في تلك الانتخابات ٥٧ مقعداً، ومن دون شراكتهم لم يكن لديفيد كاميرون أن يصبح رئيساً للوزراء. لكن هذه الشراكة التي أدت إلى إخلاف قائمة من التعهدات التي قطعها نيك كليج على نفسه، وكان من أبرزها إلغاء المصروفات الدراسية، كانت سبباً في إنهيار شعبية كليج – التي قُدرت يوماً بأنها تنهاز شعبية وينستون تشرشل – وحزبه. هو ما قلّص حظوظ الليبراليين الديموقراطيين إلى نيل ما بين ١٩ إلى ٣٣ من مقاعد مجلس العموم القادم. ورغم ذلك، تظل هذه النسبة معتبرة وذات أثر خاصة في ظل برلمان مفتت.

هذا البرلمان قد يضم أيضاً حوالي ٥ مقاعد لكل من حزب الخضر وحزب ويلز. هذان الحزبان التقدميان بقيادتيهما النسائية ناتالي بينيت ولِيان وود، على الترتيب، حليفان رئيسيان للحزب القومي الإسكوتلاندي، ومناهضان بشدة لديفيد كاميرون ونايجل فاراج. جدير بالذكر أن حزب ويلز هو الآخر حزب قومي يسعى، رغم أنه أضعف كثيراً بالمقارنة مع نظيره الإسكوتلاندي، إلى إستقلال ويلز عن المملكة المتحدة.

بالحديث عن القوميين، ينبغي ألا نغفل أن هناك ٥ مقاعد داخل مجلس العموم، حصل عليها حزب شين فين Sinn Féin الجمهوري الأيرلندي الشمالي، بقيت شاغرة خلال الخمس سنوات الفائتة منذ انتخابات ٢٠١٠، وقد تعهد الحزب بأن تظل المقاعد التي يحصل عليها في الانتخابات القادمة خالية أيضاً. تعهُّد برلمانيي شين فين القوميين بمقاطعة برلمان ويستمنيستر ورفضهم قسم الولاء للملكة يأتي متسقاً مع عقيدة الحزب الذي يرى أن أيرلندا الشمالية جزءاً من جمهورية أيرلندا، لا المملكة المتحدة.

وإن كان هناك فريق آخر من القوميين الأيرلنديين الشماليين الذي لا يشارك شين فين في تأييد سياسة الغياب السلبية Abstentionism عن ويستمنستر، وهو حزب العمال الديموقراطي الاجتماعي Social Democratic and Labour Party (SDLP)، والذي حصد ٣ مقاعد في البرلمان السابق. هذا الحزب ربما يكون هو الحزب الوحيد الذي تشغل قضايا عربية مساحة أساسية في أجندته للسياسة الخارجية، وأبرزها تعهد الحزب بممارسة ضغوط على الحكومة البريطانية لتكون داعمة ومؤيدة لميلاد الدولة الفلسطينية.

حزب العمال الديمقراطي
حزب العمال الديمقراطي

الخلاصة

ستُجرى اليوم، السابع من مايو ٢٠١٥، الانتخابات العامة في المملكة المتحدة. قد يترتّب على هذه الانتخابات برلماناً معلقاً سيكشف عن مدى حالة التشظى والإنقسام التي وصلت إليها السياسة البريطانية. ليكون بمقدور أياً منهما تشكيل الخكومة، على المحافظين والعمال، ليس فقط السعي للإستحواذ على أكبر عدد ممكن من المقاعد، لكن أيضاً العمل على ترتيب تحالفات أو شراكات تضمن لأىٍ منهما أغلبية برلمانية. في غياب هذه الأغلبية، يمكن لحكومة أقلية أن تُشكّل، لكن إستمرارها وإستقراها سيكون رهناً لمعارضيها.

إذا حاولنا أن نرسم خريطة – أو بشكل أدق متاهة – صراعات الأحزاب السياسية المتنافسة في انتخابات مجلس العموم. نجد حزب المحافظين يتهم حزب العمال بتأسيس تحالف مع القومييين في سكوتلاندا سيضرب إستقرار وإتحاد المملكة. وخلال ذلك يغذي المحافظون الشعور القومي الإنجليزي المعادي لأسكوتلاندا، التي صوتت في العام الماضي ضد الإستقلال.

سيكون حزب المحافظين بحاجة إلى حلفاء إذا ما أتيحت له فرصة تشكيل الحكومة، أقربهم حزب إستقلال المملكة المتحدة، والحزب الديموقراطي الوحدوي بأيرلندا الشمالية. لكن إذا شُكِّل هذا التحالف سيخسر المحافظون شراكة الليبراليين الديمقراطيين، وتُستثار الأقليات، وستنشط بدرجة أكبر الأحزاب الإنفصالية مثل القومي الإسكوتلاندي، وحزب ويلز، وكذلك الأحزاب التقدمية مثل الخضر، لمواجهة هذه الحكومة اليمينية والتي قد يكون لحكمها تبعات على إستمرار الإتحاد الذي تقوم عليه المملكة.

على جانب آخر، من شبه المستحيل أن تُتاح الفرصة للعمال لتشكيل الحكومة بدون التحالف مع آخرين. أحد هؤلاء الآخرين الذين عرضوا التحالف مع العمال، هو الحزب القومي الإسكوتلاندي، لكن ميليباند، الذي فضّل البريطانيون في أغلب إستطلاعات الرأي ديفيد كاميرون عليه، رفض هذا العرض. وذلك لتفنيد مزاعم المحافظين عن تحالف سري بين العمال والقومي الإسكوتلاندي. ميليباند الطموح ربما يرى مخرجاً في التحالف مع الليبراليين الديموقراطيين في حال حاز الحزبان أغلبية مقاعد البرلمان، وهو إحتمال غير مرجح.

التحالف الوحيد المتماسك الذي كشفت عن الأشهر المنصرمة هو تحالف القومي الإسكوتلاندي والخضر وحزب ويلز، والثلاثة تتزعّمهم قيادات سياسية نسائية تدعو لتطبيق سياسيات تقدمية، وتقديم بديل مختلف أكثر عدالة ونزاهة من حكومة المحافظين. لكن يظل النفوذ السياسي للأخيرين أقل كثيراً من ذلك الذي يتمتع به الأول. الأحزاب الثلاثة لها موقف حاسم في معارضة دفع نفقات تجديد الأسلحة النووية البريطانية، ومع البقاء في الإتحاد الأوروبي، وضد سياسات التقشف الحكومية.

مع ما عرضه هذا التقرير، فإن الانتخابات القادمة، وهى الأكثر إرتباكاً وضبابية في العقود الأخيرة، سيكون لها تبعات جسام ليس على دور المملكة المتحدة في أوروبا، أو ثقلها الاقتصادي والسياسي والعسكري في العالم فحسب، بل أيضاً على وحدة أراضيها وبقاءها كما عرفها العالم مملكة “متحدة”. إستطلاعات الرأي التي لم تتوقف حتى اللحظة، أثارت العديد من الأسئلة، لكن وحدهم الناخبون في إنجلترا، سكوتلاندا، ويلز، وأيرلندا الشمالية من سيكتبون الإجابات.

إقرأ المزيد

5 أشياء يجب معرفتها عن الانتخابات البريطانية استطلاع للرأي: تعادل حزبا المحافظين والعمال قبل يوم واحد من الانتخابات