مظاهرة عابدين

عبد القادر عودة ومحمد نجيب

في هذه الصورة التي تظهر مشهدًا كان سببًا في تخوف بعض قادة الثورة منه – خاصة عبدالناصر- مما أدى به إلى حبل المشنقة بعد حادثة المنشية.

فعبدالقادر عودة كان أحد القضاة قبل أن يتفرغ لمكتب المحاماة، وكان أحد قادة الإخوان والذي كان له دور بجانب المستشار حسن الهضيبي، فقد كان وكيلًا لجماعة الإخوان المسلمين، وكان أيضًا من المقبولين لرجال الثورة؛ بحكم سياسته الاستيعابية، فلم يصطدم معهم.

وفي عام 1954م، وبعد أن أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين في 9 جمادى الأولى 1373 هـ الموافق 14 يناير 1954م، واعتقال قادة الإخوان على رأسهم المرشد العام للإخوان المسلمين، وأيضًا تنحية قادة الثورة للرئيس محمد نجيب؛ تحركت المظاهرات في الجيش وبين المدنين لعودة نجيب والإفراج عن الإخوان، ومن هذه المظاهرات القوية والكبيرة، “مظاهرة عابدين”، والتي كانت في 28 مارس عام 1954م؛ والتي على إثرها صدر قرار بعودة محمد نجيب والإفراج عن قادة الإخوان.

وفي هذه المظاهرة وبعد أن تحقق هدفها، وقف الرئيس محمد نجيب يحيي الجموع ويطلب منهم الانصراف، إلا أنهم لم ينصاعوا للقرار، فما كان منه إلا أن طلب من عبدالقادر عودة أن يُصرفهم هو، وفى إشارة منه طلب المستشار عودة هذه الجموع بالانصراف، فما كاد يمر وقت قصير حتى خلت الساحة من كل الحشود، ففزع من هذا المشهد عبدالناصر وأيقن أنه لا بد وأن يتخلص منه، فكان قرار الإعدام.

أما عن الصراع بين عبدالناصر ونجيب، فدخله عبدالناصر وعينه لا تزال على الإخوان المسلمين؛ مُقدرًا أنه إذا لم يتمكن من استمالتهم إلى جانبه، فلا أقل من أن يُحيّدهم، أو يُحيّد بعضهم على الأقل، فتوجه بالحوار مع قطب إخواني كبير كان لا يزال يثق به، وهو الشيخ محمد فرغلي، وهو واحد من مؤسسي جماعة الإخوان فى مدينة الإسماعيلية، كما حارب فى فلسطين، وهناك تعرف على عبدالناصر.

ميثاق البندين

عبد القادر عودة ومحمد نجيب
عبد القادر عودة ومحمد نجيب
عبد الناصر مع الشيخ سيد فرغلي
عبد الناصر مع الشيخ سيد فرغلي

التقى عبدالناصر والشيخ فرغلي ونجح فى إقناعه بأنه لا مبرر للصراع بين الإخوان والثورة، وأن المصلحة الوطنية والدينية تقتضيان أن تتم مراجعةً للعلاقة بينهما، وأن يتجاوز كل منهما عن أى تجاوز حدث من أحدهما فى حق الآخر، ويَعقَدا ميثاقًا من بندين.. أولهما أن يُقِر الإخوان بشرعية الثورة، فى أن تحكم مصر لمدة خمس سنوات لا تُسأل فيها قيادة الثورة عما تقوم به خلال هذه السنوات الخمس، كما لو كانت تفويضًا شعبيًا مدته خمس سنوات؛ وفى مقابل ذلك أن تطلق الثورة يد الإخوان فى تربية الشباب على الإسلام، دون أن يتطرقوا إلى السياسة فى نفس المدة التي اتفقوا عليها، على أن يجرى الحساب بين الطرفين فى نهاية المدة المُتفق عليها.. فاقتنع محمد فرغلي ببنود هذا الاتفاق ووقّع مع جمال عبدالناصر على وثيقة مكتوبة تتضمن ما تم الاتفاق عليه تفصيليًا.. وطلب عبدالناصر من الشيخ فرغلي أن يحصل على توقيع بقية أعضاء مكتب الإرشاد ومعهم الهضيبى على وثيقة الاتفاق، فوعده فرغلي بذلك وانصرف.

أما عن عبدالناصر، فكان تفكيره يقع بين حالتين، إما أن أعضاء مكتب الإرشاد سوف يرفضون التوقيع على الوثيقة فيكون الشيخ فرغلي شاهدًا عليهم، وربما يحدث انقسامًا نتيجة لذلك فى صفوف القيادة الإخوانية، أو أن يوافق الجميع على التوقيع على الوثيقة؛ فسيكون عبدالناصر قد ضمن على الأقل، حياد الإخوان أو فترة من الهدنة معهم، تسمح له بالتفرغ لصراعاته الأخرى.. وهي كثيرة.

بقى عبدالناصر مُنتظرًا الشيخ فرغلي ليأتيه بالتوقيع على وثيقة الاتفاق، ولكن ذلك لم يحدث، ولم يُعلَن عن أسبابه، وانتهى الأمر بعدها بما عُرِف بـ”حادثة المنشية”، التي تعرض فيها عبدالناصر لمحاولة الاغتيال، والتي اتُهِم فيها أحد أعضاء جماعة الإخوان حينها؛ لتنتهي أي محاولات للتقارب بين عبدالناصر والإخوان مرة أخرى، وتبدأ بعد ذلك فترة جديدة من حكم مصر، بتوَلي الرئيس الراحل محمد أنور السادات أمور الحكم في البلاد بعد وفاة عبدالناصر، وهذا ما نتناوله في الجزء الثاني من التقرير بإذن الله.

إقرأ الجزء الثاني من التقرير من هنا