هل ألقيت اللوم على أحدٍ اليوم؟

أنا فعلت.. الأمر أبسط مما تتخيل، يوم الثلاثاء يمكن أن تحمله مسئولية ما يحدث فيه، لا أدري كيف! لكن الأمر أصبح شائعًا ومقبولًا للجميع، الخميس زحام شديد، الجمعة والسبت عطلات رسمية، الأحد أول أيام العمل وما زلت تحت تأثير العطلة، كما يمكن أن تُحمّل زملاءك المسيحيين شيئًا من المسئولية، ربما يكون الأربعاء يومًا مناسبًا للعمل حقًا، إلا أن أي تقصيرٍ فيه يمكن أن نُعزيه إلى الثلاثاء أيضًا، ولكي أكون صادقًا لم أجد مبررًا مقبولًا ليوم الإثنين، حتي أخبرني أحدهم أنه دائمًا ما يشعر برغبة في الذهاب إلي الحلاق في هذا اليوم، لذلك يمكننا أن نحملهم شيئًا من اللوم، لا أعلم مَن هو الشخص الذي قرر أن تكون عطلة الحلاقين يوم الإثنين!

لا أعتقد أنني كنت مبالغًا في اختيار عنوان المقال، فأنا أؤمن حقًا بأن المبررات أو الشماعات كما أصبح دارجًا، هي من أهم الأسباب التي تحقق استمراريتنا في هذه الحياة، فهي في الحقيقة تمنحنا واقعًا مبنيًا على عذر ما، مقبولاً كان أو لا، حقيقيًا كان أو كان لخيالاتنا الفضل في اختلاقه، المهم أنه يحقق غاية مفادها لهذا السبب أنا هنا الآن، ولولا هذا لكنت في موضع آخر. لو تحملنا وحدنا مسئولية ما آلت الأمور إليه لهلكنا، ولما كنا نبتسم الآن، ولما كنت تقوى على حمل هدية لحبيبتك في عيد الحب الماضي، ولما كنت تملك الطاقة لتنظر في عيون أبنائك وتقول لهم، كان من المفترض أن يكون أبوكم رجلًا ذا شأن عظيم ولكن….

في حديث مع أقرب أصدقائي أخبرني بحماس شديد أنه يفكر في الحصول على إجازة بدون راتب من عمله – الذي هو مصدر دخله الوحيد – لكي يتفرغ للعمل بالميديا، لأنها الشيء الذي يحب عمله، ولأنه يشعر أنه يمكن أن يكون أفضل من ذلك في هذا المجال إذا تفرغ له بشكل أكبر، لم أستغرب الأمر بتاتًا لأن الفكرة كانت مطروحة من قبل وليست وليدة اليوم، بل وكنت ممن يشجعه عليها في يوم من الأيام، أما في هذا الموقف فردّة فعلي كانت غريبة، رغم كونها عن قناعة مؤقتة، قلت له بلهجة جادة: «أنت عايز تكسر شماعتك بإيدك!»، لقد أنعم الله عليك بنعمة المبرر الأبدي الذي يمكن أن تحمّله كل أخطائك وتداري فيه كل عيوبك، تركك للفتاة التي أحبتك، عدم قدرتك على إنشاء شركتك الخاصة، عدم تحقيق حلمك بالسفر للخارج، حتى جلوسك بالليل على المقهى وانقطاعك عن أشخاص كانوا في يوم أقرب الناس إليك، ثم تريد أن تقضي على هذا كله بضربة واحدة، تريد أن تكشف سِتر نفسك، تريد أن تواجه حقيقة أنك ربما تكون مسئولًا عما أنت فيه الآن، هذا ضرب من الجنون.

عبارة قرأتها في رائعة ديستويفسكي «الجريمة والعقاب» تلخص كل ما أريد قوله، حين قال «سفدريجايلوف» لـ«راسكولينكوف» بطل الرواية «لا لا.. إن البقاء في الوطن أفضل، هنا على الأقل يستطيع المرء أن يتهم الآخرين بكل شيء، وأن يبرئ بذلك نفسه».

نعم هذا هو مربط الفرس، أعتقد أننا نبحث عن مبرر الفشل بقدرٍ أكبر من بحثنا عن سبيل النجاح: الدولة، الحكومة، المجتمع، الأهل، الأعراف، الظروف،المال، مبررات منطقية ويستخدمها الجميع دون توقف، وهي أحيانًا أو قل كثيرًا حقيقية، لكنها ليست وحدها السبب فيما أنت عليه الآن، حين بذلت كامل طاقتك في الحصول علي وظيفة حكومية لا تناسب اهتماماتك ولا موهبتك لكي تحصل على الشعور بالأمان، أو أن تضمن – كما نحب أن نقول – راتبًا ثابتًا ومعاشًا وعلاجًا شبه مجاني، وظيفة لن تمكنك من الحياة بشكل جيد، لكنها ستضمن لك موتًا لائقًا، لابد أن يجد الإنسان سريرًا في أحد المستشفيات الحكومية كي يموت عليه «زي الناس»، لم تكن تلك الظروف هي التي منعتك من توجيه كل هذه الطاقة في اتجاه آخر تحبه، ويمكن أن يحقق لك شيئًا من الرضا والمال أيضًا، لكنه خوفك الداخلي وبحثك عن المضمون هو ما منعك، وهو أمر لا يمكن أن نحمله للأسباب الماضية.

وتلك الفتاه التي تركت شخصًا أحبته لأن ظروفه لم تسمح بالزواج في هذا الوقت، ولأن آخر كان مستعدًا حينها، ولأن حينها هذا كان على ما يبدو موسم التزاوج في رأيها، لكن، وبعد فتور انبهارها بفستان الزفاف، والشقة التي تُطل على ثلاثة شوارع، والثلاجة التي لها بابان وصنبور خارجي للماء، وبعد انطفاء شعلة رغباتها التي مر موسمها، يمكنها أيضًا أن تلقي باللوم على شخص ما، ربما حبيبها السابق نفسه، أو حتى والديها، وسيصدقها الجميع بل وستصدق هي نفسها هذا المبرر، سَتحيا وتنجب، وفي خضم حياة عادية أو بائسة، ستخبر أبناءها في إطار حديث عابر أنه لولا أبوهم لكانت كذا وكذا، لكن سامح الله جدكم، ثم تمصمص شفتيها وتستمر في مشاهدة حلقات مسلسلها التركي الذي يمنحها شعورًا بأنها ما زالت تملك حسًا رومانسيًا، وتتناول شيئًا من معكرونة الغداء، وشايًا أخضر بدون سكر، وتنام هانئة.

أنا أيضًا استخدمت الكثير من الشماعات وما زلت، وأبذل حاليًا أضعاف الجهد الذي كان من الممكن أن أبذله منذ عدة سنوات، لكي أصل إلى نتيجة أقل، ربما أفعل هذا الآن لأن ذلك يشعرني بالرضا بعض الشئ، أو لاعتقادي بأن عنائي هذا يمكن أن يكون كفارة عن بعض شماعات الماضي، والتي ربما لو عدت الآن لاستخدمتها مرة أخرى، وربما ما يرضيني فقط في كل هذا أنني لم أستسلم بعد.

أعلم أنك عزيزي القارئ تحيرت في أمرك الآن، وتتساءل هل الشماعات أمر جيد أم سيئ؟ هل تساعدنا حقًا على الاستمرار أم تدمر حياتنا؟

أنا أتساءل مثلك تمامًا، ولكن ضرورة وضع خاتمة مناسبة لهذا المقال تحتم عليّ أن أقول رأيي لا أجزم به، وهو أن الشماعات يمكنها أن تعبر بك من مِحَن ومصاعب كأن يمكن أن تكسرك للأبد، أن تُصاب باكتئاب وقنوط، وكأن يمكن حتى أن تكون الآن نزيل أحد مستشفيات الأمراض النفسية، لكن وبعد أن مررت من تلك الأوقات الصعبة، لا بأس من أن تحاول الوصول إلي حقيقة ما حدث، أو حتى إلى حل وسط مآله أنك أيضًا تتحمل جزءًا من المسئولية، وتبدأ في ترميم ما يمكن ترميمه من آثار ذلك، وتفادي ما يمكن تفاديه مستقبلًا، فإن لم يكن إلى ذلك سبيل، فعليك بشماعاتك، وتذكر دائمًا أن الثلاثاء لا يحتاج إلى مبرر، الخميس زحام شديد، الجمعة والسبت عطلات رسمية، الأحد ما زلت تحت تأثير العطلة، الأربعاء استمرارية للثلاثاء، والإثنين لا بأس من العمل فيه إلا إذا كنت ترغب في الذهاب إلى الحلّاق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.